أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-4-2016
8973
التاريخ: 3-1-2022
2402
التاريخ: 9-1-2023
1128
التاريخ: 30/10/2022
1664
|
قال الإمام علي (عليه السلام): (عاتب أخاك بالإحسان إليه، واردد شره بالإنعام عليه) (1).
وقال (عليه السلام) أيضاً: (احتمل اخاك على ما فيه، ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة، ويجر الى البغضة، واستعتب من رجوت عتباه) (2).
وقال (عليه السلام): (الإفراط في الملامة يشب نار اللجاجة) (3).
وقال (عليه السلام): (لا تكثرن العتاب فإنه يورث الضغينة، ويدعو الى البغضاء) (4).
وقال (عليه السلام): (العتاب حياة المودة) (5).
وقال (عليه السلام): (لا تعاتب الجاهل فيمقتك، وعاتب العاقل يحبك) (6).
يقول أحد الكتاب: (عندما كنت فتى يافعاً، حاولت جاهداً أن الفت الأنظار إلي إرضاءً لغروري، وأنانيتي، فكتبت يوماً رسالة الى شخص أعرفه وكان يومئذ مؤلفاً ذائع الصيت. قلت له فيها: (إنني أعد مقالا لإحدى المجلات عن مشهوري المؤلفين، ثم رجوته أن يفضي الي بطريقته في التأليف، وكنت قد تلقيت قبل ذلك رسالة من كاتب شهير ذيلت بهذه الحاشية: (أمليت ولم تراجع). فوقعت هذه الحاشية من نفسي موقعاً عميقاً، وأحسست أن الكاتب لا بد ان يكون كثير العمل، عظيم الشأن، ولم أكن كثير العمل، ولا عظيم الشأن، ولكن اردت ان أقع من نفس هذا الرجل هذا الموقع، فختمت رسالتي اليه بهذه الحاشية: (أمليت، ولم تراجع)! .
(ولم يتكلف الرجل عناء الرد على رسالتي، واكتفى بأن ردها الي برجوع البريد، وعليها هذه العبارة: (إن سوء أدبك لا يفوقه الا سوء أدبك). ولا شك أنني كنت استحق هذا التأنيب، ولكني بشر، ولهذا امتعضت، وثرت ثورة مضرية، حتى أنني حين قرأت نعي هذا الرجل بعد ذلك بعشر سنوات ـ وكم يخجلني أن أقول هذا ! - لم استشعر غير الالم الذي سببته لي عبارته!) .
سؤال يطرح فيما يتعلق باللوم والعتاب:
كيف يجب ان نتعامل مع الناس بالنظر الى اللوم والعتاب؟ هل المطلوب منا ان نعاتب الآخرين على أخطائهم وتقصيراتهم، أم نسكت ونرضى عليها؟
أم المطلوب ان نكون معتدلين وسطين في العتاب، طبقاً لقاعدة (لا افراط ولا تفريط)؟ .
أم المطلوب ان نحسن الى الآخرين بدلا من ان نعاتبهم، ونلومهم؟ وهل كل خطأ يصدر من الآخرين، يستحق النقد واللوم والعتاب؟ . ومحاولة في الاجابة على هذه الاسئلة ينبغي القول:
إن المرء ـ قبل كل شيء ـ عليه ان ينتقد نفسه ويلومها ويعاتبها، وينشغل بعيوبها لكي يصلحها، لأن إصلاح النفس ـ كما تقدم ذكره ـ هو نقطة الانطلاق في معاملة الناس. إن نفس الانسان باعتبارها أحب المحبوبين وأقرب المقربين اليه، قد لا يلومها ولا يعاتبها، ويلوم الآخرين ويعاتبهم دفاعاً عن نفسه، أو تبريراً لموقفه، أو ذوداً عن كبريائه وعزته، أو استصغاراً لأخطائه وتقصيراته وعيوبه، واستعظاماً لأخطاء وتقصيرات وعيوب الآخرين، وهذا ليس صحيحاً، وخلاف العقل والحكمة. ومشكلة الناس ان نسبة كبيرة منهم لا يلومون أنفسهم على شيء بالغاً ما بلغ من الخطأ، وأن المخطئ منهم يلومه كل أمرئ الا نفسه. وكمثال على ذلك يذكر أحد المؤلفين قصته فيقول: (في السابع عشر من شهر مايو عام 1931 اعتقل في مدينة نيويورك سفاح طاغية لم تشهد المدينة منذ نشأتها مجرماً في مثل عتوه وجبروته: ذلك هو (كرولي ذو المسدسين).
في ذلك اليوم، ضرب خمسمائة رجل من رجال الشرطة الأشداء سياجاً صارماً حول منزله، وحاولوا إجلاء (كرولي) عنه بواسطة الغازات المسيلة للدموع. فلما خابت هذه المحاولة، صعدوا بمدافعهم الرشاشة الى أسطح المنازل المجاورة وجعل حي (وست اند)، الأنيق، في قلب نيويورك، يهتز لهزيم المدافع ساعة كاملة! .
(وعندما اعتقل كرولي، صرح قائد الشرطة بقوله. إن ذا المسدسين من أخطر المجرمين الذين عرفتهم نيويورك. لقد كان يقتل لمجرد قذفه بريشة طائر!
(ولكن كيف كان كرولي ينظر الى نفسه ؟!)
(بينما كان رجال الشرطة منهمكين في إطلاق النار على المنزل الذي احتمى به، كان كرولي عاكفاً على كتابة خطاب موجه الى (كل من يهمه الأمر)، وقد جاء فيه: إن بين جوانحي قلباً محيراً، ولكنه رحيم، قلباً لا يحمل ضغينة لأحد ولا يبغي شرا لمخلوق!
(وقد حكم على كرولي بالإعدام على الكرسي الكهربائي. فلما جيء به الى غرفة الإعدام في سجن (سنج سنج)، لم يقل: هذا جزائي على ما سفكت من دماء بريئة، وإنما قال: هذا هو جزائي على دفاعي عن نفسي).
وإذا كان الأشرار والمجرمون والقتلة لا يلومون أنفسهم، فكيف نتوقع من الناس الطيبين والمحترمين الذين نتصـل بهم ونجتمع ونتعامل معهم ان يقبلوا اللوم والعتاب؟ .
قد يكون في ذهن الانسان شخص يريد من صميم قلبه ان يقوّم طباعه، ويهذب خلقه، ويهديه الى سواء السبيل. إذا كان كذلك فهو امر جميل يشكر عليه ويثاب. ولكن لم لا يبدأ المرء من نفسه أولا، هذا المحبوب الذي هو من وجهة النظر الغريزية أحب بكثير من الاهتمام بالغير؟ وكما يقال: عندما تبدأ معركة المرء بينه وبين نفسه فهو عندئذ شخص يستحق الذكر. وكما قال كونفشيوس: لا تتبرم بالجليد المتراكم على عتبة جارك قبل ان تزيل ما تراكم على عتبة دارك أولا.
ولكن إذا كان لا بد من اللوم والعتاب فكيف يجب التصرف؟ إن اللوم والعتاب تارة يكون من اجل إهانة الطرف الآخر، أو تحطيم شخصيته، وتارة اخرى يكون من اجل تقويم سلوكه وتصرفه، فالنوع الأول مرفوض أساساً، والنوع الثاني هو الجدير بالدراسة، والتقديم بالكيفية الفضلى.
إن المرء ينبغي له ان يتذكر في معاملته الناس انه لا يعامل ـ في الغالب ـ أهل منطق بل أهل عواطف، ومشاعر، وأنفس مليئة بالأهواء والكبرياء والغرور. واللوم والعتاب ـ وخصوصاً فيه ـ شرارة خطيرة تؤدي الى التمادي في العناد الى الفعل المزجور عنه (7)، أو الى الشيء مورد العتاب، وقد تؤدي الى العناد في الخصومة، وتوريث الحقد والعداوة، وفي وسعها أن تضرم النار في وقود الكبرياء. وهناك من الناس من هم حسّاسون جداً لسماع اللوم والعتاب، ويبدون ردات فعل قوية حيال ذلك.
وينبغي للمرء ان يتذكر دائما ان كثيرا من التصرفات الصغيرة الخاطئة التي تصدر من الآخرين، هي ليست بحاجة الى لوم أو عتاب، ويمكن له تحملها أو تجاوزها وكأنها شيئاً لم يكن. وإذا ما لام المرء الآخرين على كل شيء مهما كان صغيراً وعاتبهم عليه، فلا غرابة ان يدق إسفيناً في جسم معاملته لهم، ويجدهم ينفرون منه، ولا يتقربون اليه، وحينها لا يلومن إلا نفسه.
أما في القضايا الاكبر، فيجب ان لا ينسى المرء الطريقة المثلى في تقديم اللوم والعتاب، على اعتبار أنهما ـ والحال هذه ـ وسيلة للنقد البناء، وتقويم التصرفات وتصحيحها.
ولكن بأي طريقة يجب أن يكون؟ هل بالكلمات اللاذعة، الجارحة لمشاعر الآخرين؟! هل بالأسلوب الهجومي؟ ! أم بالأسلوب اللبق، الايجابي، غير المباشر جهد الامكان؟ .
حقيقة، لا شيء أفضل من تحاشي اللوم أو العتاب الصادر من الأهواء، أو ذلك الذي هو لأمر تافه صغير. ولا أفضل من الاعتدال المرفق بالطريقة الفنية لتقديم اللوم والعتاب في القضايا التي تستدعي نوعاً منه. إن المرء بدلا من أن يعاتب الآخرين ويلومهم بكلمات جافة لاذعة، يمكنه ان يحسن اليهم بعمل يذكرهم بخطئهم، وبذلك يضمن أمرين: حسن معاملتهم، والإشارة الحسنة لهم لكي يعترفوا بخطئهم، ويصححوا ممارساتهم.
وعليه فليكن لومنا او عتابنا للآخرين عامل تقريب لهم منا، وتشجيع، لا عامل تنفير وتثبيط وتحطيم، وليكن كريشة الفنان التي تداعب اللوحة الفنية برفق ورعاية، ولنعلم ان وطأ اللوم على الآخرين ليس شيئا بسيطاً، وأن من كثر لومه وعتابه، انفض الناس من حوله، وعاش وحيداً.
من جهة اخرى ان الناس كأصابع اليد الواحدة، متفاوتون في الصفات والمشاعر والعواطف، وفي تقبل اللوم والعتاب. فالعقلاء وأقوياء النفس يعتبرون العتاب البناء وسيلة للحب لأن فيه توجيهاً وتقويماً لهم، وهنا يكون العتاب حياة للحب.
أما الجهلاء والحمقى فإنك إن عاتبتهم كرهوك ومقتوك، وأحسوا وكأن جبلاً إنهار فوق رؤوسهم.
إن من طبيعة الناس أنهم لا يميلون الى ان يلاموا ويعاتبوا، ولا الى من يلومون ويعاتبون ويوبخون، ولكي يحسن المرء معاملتهم، خلیق به ان يعاتبهم بالإحسان اليهم، وان لا يكثر من اللوم والعتاب، ويتجنبهما على التوافه والجزئيات. وأن يتوجه في البدء الى لوم نفسه وعتابها على الاخطاء، وان ينشغل بعيوبه ليصلحها قبل ان ينتقد الآخرين ويلومهم.
قال بعض الشعراء:
إذا كنت في كل الأمور مُعاتباً صديقك لم تَلقَ الذي لا تُعاتبه
فعِش واحداً أو صِل اخاك فإنه مُقارف ذَنـبٍ مَـرةً ومُجـانِبُـه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) نهج البلاغة، ص500.
(۲) میزان الحكمة، ج1، ص56.
(۳) شرح الغرر والدرر، ج7، ص 359.
(4) المصدر السابق، ص231.
(5) المصدر السابق.
(6) المصدر السابق.
(۷) يجب أن لا يفهم من هذا أن يكف المرء عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل عليه ان يلتزمه كفرع من فروع الدين، بتقديمه بصورة فنية مؤثرة.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|