أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-12-2015
7849
التاريخ: 9-10-2015
7722
التاريخ: 24-09-2014
9026
التاريخ: 30-11-2015
7659
|
جاء في بعض كتب السنّة رواية عجيبة تنسب إلى ابن عبّاس، مفادها أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مشغولا بتلاوة سورة «النجم» في مكّة المكرّمة، وعند ما بلغ الآيات التي جاء فيها ذكر أسماء أصنام المشركين {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى } [النجم: 19، 20] ألقى الشيطان على النّبي هاتين الجملتين وجعلهما على لسانه : (تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهنّ لترتجى!) أي إنّهن طيور جميلة ذات منزلة رفيعة ومنها ترتجى الشفاعة (1)!
وقد فرح المشركون بذلك، وقالوا: إنّ محمّداً لم يذكر آلهتنا بخير حتّى الآن. فسجد محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) وسجدوا هم أيضاً، فنزل جبرائيل (عليه السلام) على الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) محذّراً من أنّه لم ينزل هاتين الآيتين وأنّهما من إلقاءات الشيطان. وهنا أنزل عليه الآيات موضع البحث (وما أرسلنا من قبل من رسول ...) محذّراً الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)والمؤمنين(2). ورغم أنّ عدداً من أعداء الإسلام نقلوا هذا الحديث وأضافوا عليه ما يحلو لهم للمساس برسالة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والقرآن، إلاّ أنّه مختلق يبغي النيل من القرآن وأحاديث الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وهناك أدلّة دامغة عديدة تؤكّد إختلاق شياطين الإنس لهذا الحديث:
أوّلا: ذكر الباحثون ضعف رواته وعدم الثقة بهم، ولا دليل على أنّه من رواية ابن عبّاس. وقد صنّف محمّد بن إسحاق كتاباً أكّد فيه اختلاق الزنادقة لهذا الحديث (3).
ثانياً: ذكرت الكتب الإسلامية أحاديث عديدة عن نزول سورة النجم وسجود النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين، ولم تذكر شيئاً عن هذا الحديث المختلق. وهذا يدلّ على إضافة هذه الجملة إليه فيما بعد (4).
ثالثاً: تنفي آيات مطلع سورة النجم بصراحة هذه الخرافة {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. كيف تنسجم هذه الاُسطورة مع هذه الآية التي نزّهت وعصمت الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
رابعاً: استنكرت الآيات التالية للآية التي سمّت أوثان المشركين والأصنام، وبيّنت قبحها وسخفها، فقد ذكرت بصراحة (إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم وآبائكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتّبعون إلاّ الظنّ وما تهوي الأنفس) وقد جاءهم من ربّهم الهدى، ومع كلّ هذا الذمّ للأصنام، كيف يمكن مدحها؟! إضافةً إلى أنّ القرآن المجيد ذكر بصراحة أنّ الله يحفظه من كلّ تحريف {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .
خامساً: إنّ جهاد النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) للأصنام جهاد مستمر طوال حياته ولم يقبل المساومة قطّ. وقد رفض الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الأوثان، وبرهنت سيرته المطهّرة على إستنكارها والتصدّي لها، حتّى في أصعب الظروف، فكيف ينطق بمثل هذه الكلمات؟!
سادساً: إنّ الكثير من غير المسلمين الذين لا يعتقدون بأنّ النّبي محمّداً(صلى الله عليه وآله وسلم) مرسل من الله، يعترفون بأنّه إنسان مفكّر واع حقّق أعظم الإنتصارات. فهل يمكن لمن شعاره الأساس «لا إله إلاّ الله»، وجهاده الرافض لأيّ نوع من أنواع الشرك والوثنيّة. وحياته برهان على الإباء ورفض الأصنام، يترك فجأةً سيرته تلك ليشيد بالأوثان؟!.
ومن كلّ هذا نستنتج أنّ اُسطورة الغرانيق من وضع أعداء سذّج ومخالفين لا يخافون الله، اختلقوا هذا الحديث لإضعاف منزلة القرآن والرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، لهذا نفى جميع الباحثين الإسلاميين من السنّة والشيعة هذا الحديث بقوّة واعتبروه مختلقاً (5).
وذكر بعض المفسّرين تبريراً لهذه الإضافة بالقول: على فرض صحّة الحديث، إلاّ أنّ النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يتلو سورة النجم وبلغ (أفرأيتم اللات والعزّى ومناة الثّالثة الاُخرى) استغلّ بعض المشركين المعاندين هذه الفرصة، فنادى بلحن خاص «تلك الغرانيق العلى وإنّ شفاعتهن لترتجى» فأشكلوا على الناس بالتشويش على كلام الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم). إلاّ أنّ الآيات اللاحقة ردّتهم بإدانتها الشديدة لعبادة الأصنام (6).
ويتّضح أنّ بعضهم وجد في اُسطورة الغرانيق نوعاً من الرغبة لدى الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في كسب الوثنيين إلى صفوف المسلمين، إلاّ أنّ هذا القول يعني ارتكاب هؤلاء المفسّرين خطأً كبيراً، ويدلّ على أنّ هؤلاء المسوّغين للوثنية لم يدركوا موقف الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إزاءها، رغم أنّ المشهود تاريخيّاً هو رفض الرّسول(صلى الله عليه وآله وسلم) العطاء السخيّ من المشركين مقابل العدول عن رسالته الإسلامية .. أو أنّ هؤلاء المبرّرين يتجاهلون ذلك متعمّدين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ «الغرانيق» جمع غرنوق، على وزن بُهلول، طائر يعيش في الماء أبيض أو أسود اللون، كما جاء بمعان أُخرى «قاموس اللغة».
2 ـ جاء ذكر هذا الحديث نقلا عن جماعة من حفّاظ أهل السنّة في تفسير الميزان.
3 ـ التّفسير الكبير للفخر الرازي، المجلّد الثّالث والعشرون، صفحة 50.
4 ـ المصدر السابق.
5 ـ مجمع البيان، تفسير الفخر الرازي، القرطبي، في ظلال القرآن، تفسير الصافي، روح المعاني، والميزان، وتفاسير أُخرى للآيات موضع البحث.
6 ـ تفسير القرطبي، المجلّد السابع، صفحة 447 ـ والمرحوم الطبرسي في مجمع البيان ذكره أيضاً كأمر محتمل.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
قسم التربية والتعليم يكرّم الطلبة الأوائل في المراحل المنتهية
|
|
|