أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-1-2016
2728
التاريخ: 8-6-2017
13920
التاريخ: 26-7-2016
2934
التاريخ: 26-7-2016
2761
|
يأتي العلامة البارع (ابن خلدون) * ليشكل علامة مضيئة في الثقافة العربية الإسلامية، لما قدمه من آراء وأفكار ومفاهيم متنوعة في التربية، وعلم النفس، وطرائق التدريس، وعلم الاجتماع وغيرها من العلوم والمعارف، حتى عد موسوعة كبيرة لهذه المعارف في عصره.. وقد اعتبر المؤسس الحقيقي لعم الاجتماع بشهادة أبرز المختصين في هذا العلم من الاوربيين، بعد ان وضع اهم أفكاره وآراءه في هذا المجال في كتابه (علم العمران)..
لقد درس ابن خلدون اهم الخصائص والقدرات لدى الفرد، ومنها تطور العقل، وركز في هذا الجانب على أهمية الحياة الاجتماعية للطفل، ودور هذا الجانب في تطور نموه العقلي ، فيؤكد على ذلك في قوله: (ان النفس الناطقة للإنسان انما توجد فيه بالقوة، وان خروجها من القوة الى الفعل انما هو بتحدد العلوم والادراكات عن المحسوسات أولا ثم ما يكتسب بعدها بالقوة النظرية الى ان يصير إدراكا بالفعل وعقلا محضا فتكون ذاتا روحانية ويستكمل حينئذ وجودها فوجب لذلك ان يكون كل نوع من العلم والنظر يفيدها عقلا فريداً، والصنائع أبداً يحصل عنها وعن ملكتها قانون علمي مستفاد من تلك الملكة فلهذا كانت الحنكة في التجربة تفيد عقلا والحضارة الكاملة تفيد عقلا لأنها مجتمعة من صنائع في شأن تدبير المنزل ومعاشرة أبناء الجنس وتحصيل الآداب في مخالطتهم ثم القيام بأمور الدين، واعتبار آدابها وشرائطها وهذه كلها قوانين تنتظم علوما فيحصل منها زيادة عقل)(1).
ويعتبر ابن خلدون الكتابة من بين الصنائع ومن أهمها كما يذهب بذلك الى اعتبار الكتابة اكثر افاده للعقل لأنها كما يقول: (تشتمل على العلوم والانظار بخلاف الصنائع، وبيانه ان في الكتابة انتقالا من الحروف الخطية الى الكلمات اللفظية في الخيال ومن الكلمات اللفظية في الخيال الى المعاني التي في النفس ذلك دائما فيحصل لها ملكة الانتقال من الأدلة الى المدلولات وهو معنى النظر العقلي الذي يكسب العلوم المجهولة فيكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة عقل ويحصل به قوة فطنة وكيس في الأمور لما تعوده من ذلك الانتقال)(2).
ويحذر ابن خلدون المعلمين من استخدام الشدة مع المتعلمين لأنها تأتي بالضرر كما يذهب بذلك في قوله: ( ان ارهاف الحد بالتعليم مضر بالمتعلم سيما في اصاغر الولد لأنه من سوء الملكة، ومن كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين او المماليك او الخدم سطا به القهر وضيق عن النفس في انبساطها وذهب بنشاطها ودعاه الى الكسل وحمل على الكذب والخبث وهو التظاهر بغير ما في ضميره خوفا من انبساط الايدي بالقهر عليه وعلمه المكر والخديعة لذلك، وصارت له هذه عادة وخلقا وفسدت معاني الإنسانية التي له من حيث الاجتماع والتمرن وهي الحمية والمدافعة عن نفسه ومنزله وصار عيالا على غيره في ذلك بل وكسلت النفس عن اكتساب الفضائل والخلق الجميل)(3) انقبضت نفسه عن غايتها ومدى انسانيتها فارتكس وعاد في اسفل السافلين، ووقع في الانحراف..
ويذهب ابن خلدون في حصول ملكات المعارف والثقافة والعلوم من جهات متعددة ، منها بالتعلم ومنها بالاكتساب، وذلك لان البشر يأخذون معارفهم واخلاقهم وما ينتحلون به من المذاهب والفضائل تارة علما وتعليما والقاء، وتارة محاكاة وتلقينا بالمباشرة الا ان حصول الملكات عن المباشرة والتلقين اشد استحكاما واقوى رسوخا كما يصفها ابن خلدون، ويعتبر لقاء مشايخ العلم وتعدد اتجاهاتهم العلمية من شانه ان يقوي ملكات التعلم والمعرفة ويزيد من ثقافة المتعلم كما يقول: (على قدر كثرة الشيوخ يكون حصول الملكات ورسوخها والاصطلاحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على المتعلم حتى لقد يظن كثير منهم انها جزء من العلم، فلقاء اهل العلوم وتعدد المشايخ يفيده تمييز الاصطلاحات بما يراه من اختلاف طرقهم فيها فيجرد العلم عنها ويعلم انها انحاء تعليم وطرق توصل وتنهض قواه الى الرسوخ والاستحكام في المكان وتصحيح معارفه وتميزها عن سواها مع تقوية ملكته بالمباشرة والتلقين وكثرتهما من المشيخة عند تعددهم وتنوعهم)(4).
ويضع ابن خلدون الطرق الصائبة في تعليم المتعلم وزيادة معارفه بالعلوم المتعددة، على ان تأتي مرحلة مرحلة، وعلى قدر عقله وفهمه، كما يقول: (اعلم ان تلقين العلوم للمتعلمين انما يكون مفيدا اذا كان على التدريج شيئا فشيا، وقليلا قليلا، يلقى عليه أولا مسائل من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب، ويقرب له في شرحها على سبيل الاجمال ويراعى في ذلك قوة عقله واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهي الى اخر الفن وعند ذلك يحصل له ملكه في ذلك العلم، الا انها جزئية وضعيفة وغايتها انها هيأته لفهم الفن وتحصيل مسائله ثم يرجع به الى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عن تلك الرتبة الى أعلى منها ويستوفي الشرح والبيان ويخرج عن الاجمال ويذكر له ما هنالك من الخلاف ووجهه الى ان ينتهي الى اخر الفن فتجود ملكته ثم يرجع به وقد شد فلا يترك عويصا ولا مهما ولا مغلقا الا وضّحه وفتح له مقفله فيخلص من الفن وقد استولى على ملكته هذا وجه التعليم المفيد)(5).
وقد لاحظنا في ما ذهب اليه ابن خلدون ان التعليم الناجح هنا حصل في ثلاث تكرارات وقد يحصل للبعض في اقل من ذلك بحسب ما يخلق له ويتيسر عليه، ويذكر ابن خلدون في هذا الاتجاه طرق التعليم الخاطئة، ويشير الى ان (كثيرا من المعلمين يجهلون طرق التعليم وافاداته ويحضرون للمتعلم في اول تعليمه المسائل المقفلة من العلم ويطالبونه بإحضار ذهنه في حلها ويحسبون ذلك مرانا على التعليم وصوابا فيه ويكلفونه رعي ذلك وتحصيله، ويخلطون عليه بما يلقون له من غايات الفنون في مبادئها وقبل ان يستعد لفهمها)(6).
ان هذه الآراء القيمة التي جاء بها ابن خلدون، وغيرها الكثير من اراءه العلمية المهمة في مسائل العلوم المختلفة، والمعارف المتعددة، لهي من الدلائل العلمية الأساسية التي تؤكد على أهمية القدر والقدرة العلمية لهذا العالم الجليل واسهاماته الكبيرة مع من اسهم بعلمه وفكره من العلماء العرب والمسلمين الذين عرضنا لهم هنا وغيرهم من عباقرة الفكر العربي الإسلامي الذين اغنوا الثقافة العربية الإسلامية خاصة، والثقافة الإنسانية عامة، بعد ان ترجمت أعمالهم الى اللغات الحية وأصبحت مرتكزات مهمة في النظريات العلمية الحديثة لعلماء الغرب، والتي شكلت منطلقا مهما في الثقافة الإنسانية على مدى التاريخ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*هو عبد الرحمن بن محمد، كني بابي زيد لان ولده الأكبر حسب ما هو متبع عند العرب اسمه زيد، ولقب بولي الدين بعد ان تولى منصب القضاء في مصر، وقد اشتهر بابن خلدون نسبة الى جده التاسع.. ولد في تونس سنة (732 هـ ـ 1332م) وتوفي في القاهرة سنة (808 هـ ـ 1406م) وقد تسلم خلال حياته اعلى مناصب الحكم فصار وزيرا وسفيرا وقاضيا واقصى منها وتعرض الى محن ونكبات كثيرة فقد خلالها مناصبه وامواله وعياله. ومن اهم كتبه (مقدمة ابن خلدون) الذي يجمع فيه اهم آرائه في التربية وعلم النفس..
1ـ ابن خلدون ـ مقدمة ابن خلدون، ص 428.
2ـ المصدر السابق ص 429.
3ـ المصدر السابق ص 540.
4ـ المصدر السابق ص 541.
5ـ المصدر السابق ص 533.
6ـ المصدر السابق ص 533.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|