أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-21
1637
التاريخ: 2023-03-12
1480
التاريخ: 29-8-2020
2659
التاريخ: 19-5-2016
3237
|
يختلف الدفع بعدم التنفيذ عن الحق في الحيس من حيث نطاق تطبيق كل منهما، وأيضا من حيث بعض الشروط التي يسعى إلى تحقيقها كل منهما، ونتطرق بعد ذلك إلى الاختلاف الذي بينهما من حيث الأساس، وأخيرا نتناول الاختلاف من حيث الآثار القانونية المترتبة على كل منهما، وذلك على النحو الآتي:
أولا: من حيث نطاق التطبيق:
حصر القانون المصري والليبي نطاق الدفع بعدم التنفيذ صراحة في العقود الملزمة للجانبين فقط، بينما الحق في الحبس في العقود الملزمة للجانبين وغيرها.
فهو يفترض وجود التزامين كل منهما مترتب على الآخر ومرتبط به، سواء كان مصدر هذا الارتباط هو العمل القانوني كالعقد الملزم لجانب واحد، أو الواقعة القانونية الفضالة - كما أن الحق في الحبس يثبت للدائن الذي يكون ملزما بتسليم شيء لمدينه - عقار أو منقول، فيمتنع عن تسليمه حتى يستوفي حقه هذا من المدين، طالما أن التزامه بتسليم الشيء مرتبط بسبب الحق الذي يطالب بالوفاء به ويترتب عليه، بينما لا يستلزم الدفع بعدم التنفيذ ذلك (1).
وهذا يعني أن الحق في الحبس يكون أعم وأشمل من الدفع بعدم التنفيذ، الأمر الذي أدى بالفقهاء إلى اعتبار الدفع بعدم التنفيذ تطبيقا من تطبيقات الحق في الحبس(2)، حيث يمتد میدان تطبيق الدفع بعدم التنفيذ إلى جميع الالتزامات المترابطة التي تنشأ عن العقود التبادلية، ولا يستثنى هذا الحق إلا إذا اقتضى العقد أو العرف تعجيل أحد الطرفين بما عليه. أما الحق في الحبس اقلا يجري العمل به إلا في الأحوال التي خصصها القانون"، وتوجد حالات تشمل أساسا من حاز شيئا عن حسن نية، وهو ليس على ملكه، فيحق له حبسه إلى أن يؤدي له مالكه مقابل ما أنفقه لحفظه وصيانته، ويشترط بوجه عام الإجراء الحق في الحبس أن يكون الدين ناشئا من معاملات بين الدائن والمدين أو تولد من الشيء المراد حبسه (3) .
أما بالنسبة للقانون الفرنسي، فقبل تعديل القانون المدني الفرنسي بموجب المرسوم رقم (131/ 2016م) الصادر في 10 فبراير 2016م، المتعلق بإصلاح قانون العقود والنظام العام وإثبات الالتزامات، لم يضع نظرة عامة للدفع بعدم التنفيذ، واقتصر على بيان بعض التطبيقات المعينة المتناثرة ضمن نصوصه.
أما الحق في الحبس، فالقانون الفرنسي قبل التعديل، رقم (346 - 2006 م) الصادر بتاريخ 25 أذار/ مارس 2006م، لم يضع نظرية عامة للحق في الحبس، وإنما اقتصر على مجرد بيان بعض التطبيقات المتناثرة هنا وهناك بين نصوصه.
مما جعل الحدود الفاصلة بين الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس غامضة، وأدى ذلك إلى تعد النظريات الفقهية حول تحديد نطاق الدفع بعدم التنفيذ، وانقسم الفقهاء إلى اتجاهين؛ حيث ذهب الاتجاه الأول إلى قصر نطاق الدفع بعدم التنفيذ على العقود الملزمة للجانبين، بينما تطرق الاتجاه الثاني إلى أن نطاق الدفع بعدم التنفيذ لا يكون محصورا على العقود الملزمة للجانبين، فنطاق الدفع بعدم التنفيذ أوسع وأشمل من دائرة العقود، ويمكن التمسك به عندما يوجد التزامان مترابطان بعضهما بالآخر، فالارتباط إذا هو المعيار الذي يؤخذ به في هذا الخصوص، وعليه فقد رجح أغلب الفقهاء مساك الاتجاه الثاني، الذي يوسع من نطاق الدفع بعدم التنفيذ، وهذا الاتجاه يتفق مع ما ذهب إليه القضاء الفرنسي الذي عمم فكرة الدفع بعدم التنفيذ في نطاق الالتزامات المترابطة أيا كان مصدر هذه الالتزامات(4).
أما بعد صدور المرسوم رقم (131/ 2016م) وتضمنه نصوصا خاصة بمبدأ الدفع بعدم التنفيذ هما (المادة 1219 والمادة 1220 مدني فرنسي) وكذلك بعد صدور المرسوم رقم (346/ 2006م) وتضمنه نصوصا خاصة بالحق في الحبس في المادة 2286 مدني فرنسي)، فقد تبين نطاق كل من الدفع بعدم التنفيذ ونطاق الحق في الحبس، وأزيل هذا الغموض بالنسبة إليهما.
فنطاق الدفع بعدم التنفيذ ينحصر في الالتزامات الرئيسة الناشئة عن عقد من العقود الملزمة اللجانبين، كعقد البيع مثلا، فالدفع بعدم التنفيذ لا يكون إلا بين التزامين بينهما علاقة سببية، حيث يعد تنفيذ البائع لالتزامه بتسليم الشيء المبيع سيبا لتنفيذ المشتري لالتزامه بدفع الثمن، فإذا لم ينفذ البائع التزامه، كان للمشتري أن يدفع بعدم التنفيذ، بينما الحق في الحبس يعد أجنبيا عن نظرية السبب(5) .
ثانيا: من حيث شروط كل منهما:
يجب أن يكون محل الالتزام في الحق في الحيس شيئا ماديا، بينما الدفع بعدم التنفيذ يمكن أن يكون شيئا ماديا فعل شيء أو الامتناع عن فعل شيء (6)، بمعنى أن الحق في الحبس لا يرد إلا على الأشياء المادية؛ وذلك لأن جوهر الحق في الحبس هو الحيازة، والحيازة لا ترد إلا على الأشياء المادية (7) .
كما يجب أن يكون هناك ارتباط بين حق الحايس وبين التزامه بأداء شيء، ومثال ذلك أن يشتري شخص بحسن نية منقولا مسروقا أو ضائعا في السوق أو من مزاد أو ممن يتجر في مثله، فالحق في الحبس ينشأ في كل حالة يتوافر فيها ديقان متقابلان بشرط أن يوجد بينهما ارتباط قانوني أو مادي
أما الدفع بعدم التنفيذ فإن التمسك به لا يقتصر على حالة وجود شيء مادي في يد الدائن مبدي الدفع بعدم التنفيذ، فهو قد يكون كذلك، كما في حالة امتناع البائع عن تسليم المبيع إلى المشتري حتى پستوفي الثمن، كما قد يكون محل الالتزام الموقوف على أثر التمسك بالدفع بعدم التنفيذ القيام بعمل، كالتزام الفنان بإحياء حفل فيمتنع عن إحيائه لعدم حصوله على الأجر المستحق مقدما، وأخيرا قد يكون محل التزام المتمسك بالدفع الامتناع عن القيام بعمل، كالتزام التاجر بالامتناع عن القيام بنشاط منافس للطرف الآخر، عندئذ يستطيع القيام بالنشاط الذي التزم بالامتناع عنه متمسكا بعدم تنفيذ غريمه الالتزامه المقابل (8) .
إن الدفع بعدم التنفيذ لا يكون موجودا إلا في حالة وجود خلل، وهذا الخلل يجب أن يكون على قدر كاف من الجسامة، في تنفيذ الالتزام من قبل أحد طرفي العلاقة التعاقدية، وهذا ما بينه صراحة المشرع الفرنسي في المرسوم رقم (131/ 2019م) من خلال نص المادتين (1219 - 1220 مدني فرنسي)، وهذا الأمر بخلاف المشرعين (المصري والليبي) الذين لم يشترطا أن يكون الخلل على قدر كاف من الجسامة، وإنما اكتفيا في نص المادتين (161 مدني مصري) و (163 مدني ليبي) بالقول: إنه: "إذا لم يقم المتعاقد الآخر بتنفيذ ما التزم به ....
ثالثا: من حيث الأساس الذي يقوم عليه كل منهما:
وأكبر ما يفرق بين الوضعين الأساس الذي يقوم عليه كل منهما، هذا الأساس المختلف هو الذي يرسم لكل منهما دائرة للتطبيق مختلفة، فأساس حق الدفع بعدم التنفيذ نظرية السبب، بما يتفق مع قواعد الإرادة والغرض، أما حق الحبس فهو قائم على أساس المساواة بين مصلحتين متعارضتين، باعتباره وسيلة ضغط ووسيلة ضمان وعدالة، فمصلحة مالك الشيء الذي يطالب برده، ومصلحة حائزه الذي ترب له حق قبل المالك بمناسبة هذا الشيء، هو وسيلة لحث المالك على وفاء حق حائز الشيء، وضمان لهذا الأخير، أليس من المجحف أن يلزم الحائز برد الشيء أولا، على أن يطالب المالك فيما بعد بالمبالغ التي أصبح دائنا بها بمناسبة هذا الشيء (9) .
فالأساس مختلف إذن، بل إن الملحوظ أن اعتبارات العدالة التي تفسر حق الحبس وتبرره ليست من تلك الاعتبارات التي تفرض نفسها على ذهن الإنسان فرضا لا يدع محلا لاختلاف الرأي والتقدير، فحق الحبس من الحقوق التي تباينت في شأنها التشريعات أشد التباين.
فحق الحبس إذن ليس وضعا ثابت الحدود، حيث إن القضاء والفقه ما زالا مختلفين في جواز التوسع فيه أو التضييق في تفسيره وأحواله، ولا يرجع ذلك كله إلا إلى أن أساس هذا الحق ليس مفروغا منه، بل هو ما زال وضعا معروضا لاختلاف النظر والتقدير، والحال على خلاف ذلك في الدفع بعدم التنفيذ المستمد من نفس إرادة المتعاقدين، والذي يفرض نفسه فرضا يحكم القواعد العامة في الإرادة (10) .
وعلى ضوء ذلك فإذا كان كل من الدفع بعدم التنفيذ والحق في الحبس، يتم استعمالهما بطريقة متطابقة، أي عن طريق الدفع، إلا أن ذلك يتم في مواقف مختلفة تماما، فالدفع بعدم التنفيذ جزاة النظرية السبب، بينما السمة المميزة للحق في الحبس تكمن في التبعية التي ينشئها هذا الحق بين التزامين ليس بينهما صفة المثالية للتيتين ولا صفة التقابل (11).
رابعا: من حيث الآثار القانونية:
إن آثار الدفع بعدم التنفيذ دفاعية محضة، حيث لا يترتب عليه إلا تويف الالتزامات إلى أن ينفذ الطرف المقابل التزامه، ولا يزول الالتزام إلا بفسخ العقد، بينما الحق في الحبس أنه في الواقع وسيلة ضغط في مقدور صاحبها أن يحولها إلى وسيلة تنفيذ(12) .
وعليه فإنه أكثر ما يلتبس به الدفع بعدم التنفيذ بحق الحبس هو عقد البيع، فحق البائع في الامتناع عن تسليم العين حتى يستلم الثمن قد يرد حقه في الدفع بعدم التنفيذ كما يرد حق الحبس.
فحق الحبس مقرر عن يحوز شيئا للغير إذا أصبح دائنا للمالك بمناسبة هذا الشيء، أي إذا كان هناك ارتباط موضوعي بين حقه قبل المالك والشيء الذي يحبس، وانتقال ملكية المبيع قبل التسليم إلى المشتري، يجعل البائع في مركز يخول له حق الحبس، فهو يحبس العين المملوكة للمشتري حتى يحصل على الثمن، وهو حقه قبل المالك الذي نشأ بمناسبة العين المبيعة.
وهو في الوقت نفسه يدفع المطالبة بالتسليم بعدم تنفيذ المشتري الالتزام يدفع الثمن، فلا يقوم بهذا التسليم إلا عند أداء الثمن، على أن كلا من الحقين: حق الحبس، وحق الدفع بعدم التنفيذ، وضع قانوني مستقل بذاته، وينبغي حصر نطاق كل منهما قد لا يزحف أحدهما على الآخر، وإذا انطبقت أحكام كل منهما في صورة عقد البيع السالفة الذكر، فهناك صور لا ينطبق عليها إلا أحدهما دون الآخر.
فحق الحبس يفترض شخصا يحوز عينا أو مالا مملوكا للغير، أما الدفع بعدم التنفيذ فيمكن التمسك به، ولو كان ما يحبسه الدافع شيئا مملوكا له أو مجرد مبلغ من المال أو فعل شيء أو الامتناع عن فعل، فهو حكم من أحكام العقد التبادلي أيا كان محل الالتزامات فيه(13) .
مما سبق نستخلص أن الدفع بعدم التنفيذ لا يعد تطبيقا من تطبيقات الحق في الحبس في نطاق العقود الملزمة للجانبين، حيث إن الدفع بعدم التنفيذ يعد مفهوما مستقلا ومختلفا عن الحق في الحبس في عدة مواضع كما بينا، وما يؤكد ذلك وضع كل من المشرع المصري والمشرع الليبي، وكذلك المشرع الفرنسي أيضا، الدفع بعدم التنفيذ في نص خاص ومستقل، وفي مكان يختلف عن المكان الذي خصص للحق في الحبس. ولذلك فإن اعتبار الدفع بعدم التنفيذ تطبيق من تطبيقات الحق في الحبس، قد يؤدي إلى إهدار قيمة ومضمون النصوص التي تناولت ونصت على مبدأ الدفع بعدم التنفيذ، مثل نص المادة (161) من القانون المدني المصري، وكذلك نص المادة 163) من القانون المدني الليبي، وكذلك نص المادتين ( 1219 و 1220) من القانون المدني الفرنسي الجديد.
___________
1- د. جمال محمد إبراهيم البلقاسي، الدفع بعدم التنفيذ في العقود الإدارية، رسالة دكتوراه، جامعة القاهرة، مصر، س 2011 ، ص 72.
2- د. قدري عبد الفتاح الشهاوي، نظرية الحق في الحبس ودعوى الإعسار المدني، منشأة المعارف، بالإسكندرية، مصر، 2002م، ص 55.
3- د. محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، العقد، ط الثانية، تونس، د.د.ن، س 1997م، ف 391 .
4- (C): MALECKI., OP. cit., piu,s (J. F) PLTEBOUT, OPCIT, P20 s.
مشار إليه لدى: د. حورية لشهب، وزينب سالم، الطبيعة القانونية للدفع بعدم التنفيذ في القانون المدني الفرنسي، العلومالقانونية، كلية القانون، جامعة بغداد، العدد الثاني، س 2018م، ص13- 14.
5- د. نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، مصادر الالتزام، مع المستحدث في تعديلات 2016 للتقنين المدني الفرنسي ،دار الجامعة الجديدة، الإسكندرية، مصر، س 2020 ، ص202 .
6- د. محمود جمال الدين زكي، نظرية الالتزام في القانون المدني المصري ،ج 2 ،أحكام الالتزام، مطبعة جامعة القاهرة، مصر، س 1974 ، ص 81.
7- د. جميل الشرقاوي، النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام، ج2، دار النهضة العربية، القاهرة، مصر، س 1995م، ص148 .
8- د، رمزي فريد محمد مبروك، الدفع بعدم التنفيذ في القانون المدني المصري مقارناً بالقانون الإماراتي والفرنسي، مكتبة الجلاء، المنصورة، مصر، س2000 ، ص 21 - 22, وكذلك د. محمد محمود المصري، ومحمد أحمد عابدين، الفسخ و الانقساخ والتقاسخ في ضوء الفضاء والفقه، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، مصر، د، عن من، ص128.
9- د. عبد الحميد الشواربي، فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه، د.د.ن، د.س.ن، ص 321
10- د. حلمي بهجت بدوي، أصول الالتزامات، في نظرية العقد، ج1 ،مطبعة نوري بالقاهرة، مصر، س 1943 ، ف 358، ص497– 498.
11- د. نبيل إبراهيم سعد، النظرية العامة للالتزام، أحكام الالتزام، مرجع سابق، ص 202 .
12- د. محمد الزين، النظرية العامة للالتزامات، العقد، مرجع سابق، فقرة 392
13- د. حلمي بهجت بدوي، أصول الالتزامات، نظرية العقد، مرجع سابق، ف357، ص 496. وكذلك د. عبد الحميد الشواربي، فسخ العقد في ضوء القضاء والفقه، د .د. ن، د. س. ن ، ص 320 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|