المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

Airy Functions
24-3-2019
المواد الصلبة الذائبة الكلية Total dissolved solids (T.D.S)
9-12-2020
آداب التعامل مع الموت
22-6-2017
Twin Peaks
10-10-2020
مُسَيل " كولنز " للهليوم Collins helium liquifier
21-5-2018
Fingerprinting DNA
10-5-2016


شعراء الطبيعة  
  
5094   03:36 مساءً   التاريخ: 11-7-2021
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الادب العربي - العصر الاسلامي
الجزء والصفحة : ص:386-389
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر الاسلامي /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-03-2015 4608
التاريخ: 5-12-2021 2862
التاريخ: 17-6-2017 40327
التاريخ: 17-6-2017 11353

شعراء الطبيعة

لعلنا لا نبالغ إذا قلنا إن الطبيعة دائما كانت ملهما بالغ التأثير في نفسية الشاعر العربي، وقد مضي أسلافه في الجاهلية يصدرون عنها في أشعارهم، فلم يتركوا كبيرة ولا صغيرة في صمتها ولا في حركتها دون أن يرسموها في أشعارهم، فهم يصورون فلواتها بكثبانها ورمالها وغدرانها وغيثها وسيولها وخصبها وجد بها ونباتاتها وأشجارها وحيوانها وطيرها وزواحفها وهواجرها وما قد ينزل ببعض مرتفعاتها وأطرافها من البرد وقوارصه.

386

 

ومضي شعراء العصر الأموي-علي سنة آبائهم-يستلهمون صحراءهم، مزاوجين على شاكلتهم بين حب الطبيعة وحب المرأة، إذ يفتتح الشاعر غالبا مطولاته بوصف أطلال الديار التي قضي بها شبابه مع بعض صواحبه، ويسترسل في الحديث عن ذكريات حبه. ولا يلبث أن يتحدث عن رحلته في الصحراء، وما قطع فيها من مفاوز على ناقته التي يسهب في وصفها لما لها من جمال في نفسه، كما يسهب في وصف فرسه إن كان فارسا، وهو في ثنايا ذلك يحدثنا عن كل ما تقع عليه عينه في صحرائه ويخلف أثرا في ذهنه من طير وحيوان في الأرض ونجوم وكواكب في السماء.

وعلي الرغم من أن جمهور الشعراء لهذا العصر عاش في بيئات متحضرة، فإن الصحراء لم تجف ينابيعها في نفوسهم، بل لقد ظلت ملهمهم الأول في أشعارهم، على نحو ما نجد عند مبرزيهم من أمثال الفرزدق والأخطل وجرير، ومن خير ما يصور ذلك أبيات للفرزدق يوازن فيها بين طبيعة الصحراء ونهير دجيل وما يجري فيه من سفن، موازنة يعلي فيها الطبيعة الاولى علوا كبيرا، يقول (1):

لفلج وصحراواه لو سرت فيهما … أحب إلينا من دجيل وأفضل (2)

وراحلة قد عودوني ركوبها … وما كنت ركابا لها حين ترحل (3)

قوائمها أيدي الرجال إذا انتحت … وتحمل من فيها قعودا وتحمل (4)

إذا ما تلقتها الأواذي شقها … لها جؤجؤ لا يستريح وكلكل (5)

إذا رفعوا فيها الشراع كأنها … قلوص نعام أو ظليم شمردل (6)

وواضح أنه يؤثر الطبيعة الصحراوية البدوية على طبيعة البيئات الجديدة وما فيها من أنهار وسفن تحمل الناس في رحلات نهرية ممتعة. وهو يعبر بذلك

 

387

عن شعوره وشعور من حوله من الشعراء الذين فتنوا مثله بالصحراء ومناظرها الطبيعية أمثال ذي الرمة، وسنعرض له عما قليل. وكان يعاصره العجاج وغيره من الرجاز. أمثال رؤبة الذي يقول (7):

إن الردافي والكري الأرقبا … يكفيك درء الفيل حتي تركبا (8)

فهو يفضل ركوب الإبل على ركوب الفيل الذي يحتاج الى الدفع قبل اعتلائه.

وليس معني ذلك أن الشاعر الأموي لم يفسح لطبيعة البيئات الجديدة في شعره، إنما معناه أن الطبيعة الصحراوية هي التي كانت تستولي على ملكاته، أما بعد ذلك فقد كانت تنفذ طبيعة الأقاليم الجديدة الى حواسه، فيصور ما يراه بها من جبال وثلوج. وقد صور الفرزدق نفسه في بعض رحلاته الى دمشق ما كان ينزل عليه وعلي صحبه في طريقه شتاء من نثير الثلج، يقول (9):

مستقبلين شمال الشام تضربهم … بحاصب كنديف القطن منثور (10)

علي عمائمنا يلقي، وأرحلنا … على زواحف نزجيها محاسير (11)

وكان جرير على شاكلته لا يزال يبدئ ويعيد في وصف المناظر الصحراوية ومع ذلك تلقانا في ديوانه قطعة صور فيها نهيرات شقها هشام بن عبد الملك من نهر الفرات، وخاصة نهير الهنئ، وما نبت على ضفافها من زرع وزيتون وأعناب ونخيل ومن كل الثمرات، وهي تطرد على هذا النمط (12):

شققت من الفرات مباركات … جواري قد بلغن كما تريد

وسخرت الجبال وكن خرسا … يقطع في مناكبها الحديد

 

388

بلغت من الهنئ فقلت شكرا … هناك، وسهل الجبل الصلود (13)

بها الزيتون في غلل ومالت … عناقيد الكروم فهن سود (14)

فتمت في الهنئ جنان دنيا … فقال الحاسدون هي الخلود

يعضون الأنامل أن رأوها … بساتينا يؤازرها الحصيد (15)

ومن أزواج فاكهة ونخل … يكون لحمله طلع نضيد (16)

وجرير يحدثنا عن شق الطرق للنهيرات في الجبال وتحطيم ما يعترض من الصخور، كما يحدثنا عن المناظر الطبيعية في تلك البيئة وما حف بها من أشجار فاكهة وغير فاكهة وزروع مختلفة.

فالشاعر الأموي مع استغراق مناظر الصحراء له لم يغمض عينيه عن مناظر البيئات الجديدة، فقد كان يسجلها من حين الى حين، وخاصة منهم من كانوا يلهجون بالصيد وكلابه وصقوره وفهوده، وسنعرض لذلك في حديثنا عن الرجاز، وقد تعرضت طائفة منهم لوصف الفيل، على شاكلة قول رؤبة يصفه (17):

أجرد كالحصن طويل النابين … مشرف اللحي صغير الفقمين (18)

عليه أذنان كفضل الثوبين

واشتهر في هذا المجال هرون مولي الأزد (19). فالطبيعة الجديدة المتحركة والصامتة ألهمتهم كثيرا من الشعر والرجز، ولكن من الحق أن بيئتهم الصحراوية كانت ملهمهم الأول في هذا العصر.

389

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ديوان الفرزدق (طبعة الصاوي) ص 626.

(2) فلج: واد من أودية تميم بين البصرة وحمي ضرية. ودجيل: من أنهار دجلة.

(3) ترحل: تهيأ للرحيل.

(4) القوائم هنا: المجاذيف بأيدي الملاحين.

(5) الأواذي: الأمواج. الجؤجؤ: بطن السفينة من أمام، الكلكل: الصدر.

(6) قلوص النعام: طويلة القوائم، الظليم: ذكر النعام، الشمردل: الطويل تام الخلق.

(7) الحيوان 7/ 90.

(8) الردافي: الحادي. الكري: الذي يكري دابته ويؤجرها. والأرقب: غليظ الرقبة. دره الفيل: ذفعه وكفه.

(9) الديوان ص 262.

(10) شمال الشام: ريح شمالية. الحاصب: ما تحمله الريح من دقاق التراب أو الثلج. النديف: نثير الثلج والبرد.

(11) نزجيها: نسوقها وندفعها، محاسير: كليلة.

(12) ديوان جرير (طبعة الصاوي) ص 150.

(13) الصلود: اليابس.

(14) الغلل: الماء الجاري تحت الشجر على وجه الأرض. الكروم: الأعناب.

(15) الحصيد: الزروع التي تحصد ثمارها كالقمح.

(16) الطلع: ثمر النخل في إبانه. نضيد: منتظم.

(17) الحيوان 7/ 79.

(18) الفقمان: اللحيان.

(19) الحيوان 7/ 114 وما بعدها.

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.