أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-7-2021
2329
التاريخ: 5-7-2021
2088
التاريخ: 1/12/2022
1787
التاريخ: 2023-02-10
1165
|
إن موضوع النقد والاعتراض ليس دوافع المصلحة الشخصية ودورها الإيجابي والأساسي في حركة السوق. ما ينتقد ويُعترض عليه هو توسُّع مفهوم السوق وقيمه إلى مدى يتعدى على فضاءات الحياة الاجتماعية التي تتحكم بها معايير أخلاقية مختلفة عن قيم السوق. وهذا من أخطر ما حصل في حياتنا المعاصرة حيث أصبحت آليات السوق تطال جوانب من هذه الحياة كانت تخضع لقواعد وآليات تقليدية مختلفة كلياً. والأمثلة على ذلك كثيرة، منها رواج إنشاء المدارس والمستشفيات والسجون على أسس تجارية ربحية، ومنها خوض الحروب من خلال شراء خدمات متعهدین حرفتهم تجنيد المقاتلين المرتزقة ، ومنها تحويل إجراءات الأمن العام أو بعضها من مسؤوليات أجهزة الدولة إلى خدمات تشتريها الدولة من منشآت القطاع الخاص. ففي الولايات المتحدة وبريطانيا مثلاً، يبلغ عدد أفراد الحراسات الخاصة أكثر من ضعفي عدد قوات الشرطة. ومن الأمثلة كذلك حملات الدعاية التسويقية التي تقوم بها شركات الأدوية في البلدان الغنية. فإذا كنت من مشاهدي الدعايات التجارية التي يعرضها التلفاز في الولايات المتحدة مثلاً، فربما يدخل في روعك نتيجة مشاهدتها أن أخطر مشكلة صحية في العالم ليست الملاريا أو الأوبئة التي تفتك بسكان البلدان الفقيرة ، بل هو العجز الجنسي!
من الأمثلة الحديثة أيضاً على "تسليع" أمور لم يسبق مـسّ حرمتها، استئجار ارحام نساء فقيرات لحمل مصطنع لأطفال الأغنياء، ومنها شراء شركات صناعية لإعفاءات تتيح لها الاستمرار في تلويث البيئة، وتنظيم الحملات الانتخابية لقاء المال السياسي ... إلخ.
لكن ما الذي يدعو إلى القلق في هذا التوجه نحو مجتمع يعتبر فيه كل شيء قابلاً للبيع والشراء؟
هناك سبان : الأول هو أن هذا التوجه هو عامل من عوامل ترسيخ اللامساواة في المجتمع،
والثاني هو أنه عامل من عوامل الفساد في المجتمع.
حين يصبح توافر السلع التي تكون بطبيعتها سلعاً عامة ويتساوى المواطنون في استحقاقها، كخدمات الأمن والتعليم والصحة ونظافة البيئة، خاضعاً للبيع والشراء في السوق، تصبح فرص الحصول على الكفاية منها متحيزة إلى الأغنياء دون الفقراء، ما يناقض مبدأ المساواة بين المواطنين.
كي تبقی امتیازات الأغنياء محدودة الضرر، يتعين أن تبقى مقتصرة على تمتعهم باقتناء اليخوت والسيارات الفارهة والاستمتاع بالسياحة المُترفَة. ضمن هذه الحدود، يبقى ضرر تلك الامتيازات محدوداً. لكن حين تتخّذ القدرة المالية وسيلة للاستئثار بالنفوذ السياسي، أو بالخدمات الصحية الجيّدة، أو بالسكن في أحياء آمنة غير معرضة لعبث المجرمين، أو بالدراسة في مدارس راقية، يصبح التفاوت في توزيع الدخل والثروة حاسماً في تحديد كرامة المواطن ودرجة المساواة في حقوق المواطنة.
يقود تًفوُق قيم السوق على غيرها من القيم التي أنتجتها الحضارة الإنسانية إلى السماح بالسلوك السلبي الذي تقدم ذكره، ويفسر الضائقة التي عانتها الطبقتان الفقيرة والمتوسطة في العقود الأخيرة. ولم تقتصر هذه الضائقة في أسبابها على توسُّع الفارق بين الأغنياء والفقراء بل زاد في حدتها ازدياد أهمية حيازة المال مع اشتداد عملية "التسليع" وإخضاع الأشياء والخدمات التي لم تكن من قبل سلعاً خاصة لآلية البيع والشراء .
أما السبب الثاني، إلى جانب تعميق اللامساواة، الذي يدعو إلى القلق من توجه المجتمع إلى توسيع نطاق السوق ليشمل تسليعاً لأمور وأشياء لم تكن تقليدياً ضمن نطاقه، فيجيز الاتجّار بها واخضاعها لعملية البيع والشراء، فهو الأثر المفسد للأشياء الجميلة في الحياة.
لا تقوم قوى السوق، من خلال عملية البيع والشراء، بإنجاز تبادل السلع فحسب، لكنها مع إنجاز هذا التبادل تكون أيضاً مبعث مؤثرات معنوية في أخلاق المعنيين بالسلع المتبادلة. يتبين ذلك، على سبيل المثال، من ممارسة لجأ إليها بعض المدارس في الولايات المتحدة، وهي دفع مكافآت مالية للتلاميذ لقاء إنجازهم قراءة كتب معينة كوسيلة لحثهم على القراءة. لا بد من أن تنتج هذه الممارسة تأثيراً معنوياً ضاراً وهو تحويل عملية القراءة من مصدر رضی ومتعة للقارئ إلى عبء يتقاضى القائم به أجراً على تحمله. كذلك نرى أن استئجار مقاتلين مرتزقة لخوض حروب الوطن يحقن دماء المواطنين، لكنه بالتأكيد يُفسد معنى المواطنة.
من الخطأ الجسيم الافتراض أن عملية البيع والشراء في السوق عملية محايدة أخلاقياً. فالواقع هو أن هذه العملية ذات تأثير قيمي في السلع المتبادلة من خلالها ، فهي تُرسِخ قيم السوق على حساب قيم أخلاقية أخرى ربما تكون الأكثر جدارة بالرعاية. صحيح أن ثمة خلافات بين الناس في شأن ماهية الأمور والأشياء التي يَجوز أخلاقياً أن تُشرى بالمال وتلك التي تُفسد حين تكون موضوعاً للمتاجرة. لكن ما يحسم هذه الخلافات هو التوافق على الإجابة الصحيحة عن سؤال : ما هي القيم الجديرة بأن تسود حياتنا الاجتماعية والمدنية. وحين نكون بصدد التقرير إن كان شيئاً أو أمراً معيناً يجوز أن يكون موضوعاً للمتاجرة في السوق، فعلينا أولاً البتّ في ما إذا كان هذا الشيء أو الأمر يبقى صالحاً حين يُعامل كسلعة ينشأ عن التعامل بها کسب أو ربح .
المثال الصارخ على حالة لا يجوز التعامل معها ضمن آليات السوق هي أفراد الجنس البشري. فالتعامل مع الفرد الإنسان كسلعة تُستخدَم ويُتَاجر بها هو حالة العبودية التي بات استنكارها مطلقاً على مستوى العالم. فالفرد الإنسان هو كيان يتعين احترامه وصيانة كرامته بالمطلق. وهو كعضو في مجتمع من المواطنين الأحرار يتمتع بحقوق اساسية أقرّتها الحضارة المعاصرة. ومن هذه الحقوق حق المواطنة وحق المشاركة السياسية التي يُعبّر عنها بانتخاب ممثليه. وكما لا يجوز أن يكون المواطن موضوعاً للمتاجرة، كذلك لا يجوز أن يكون صوته الانتخابي موضوعاً للمتاجرة حتى لو كان هناك مرشحون مستعدون لشراء الأصوات بالمال. فصوت المواطن كناخب ليس سلعة يملكها ويحق له بيعها لقاء المال، بل مسؤولية مدنية وواجب يؤديه لقاء عضويته في المجتمع وكيانه السياسي، وتحويل صوته الانتخابي إلى سلعة حطّ من قدر المواطنة.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|