المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

طرق جدولة المشروع - خرائط جانت
2023-05-25
[أم سيد الوصيين علي (عليه السلام) في سطور]
4-11-2015
الوجود والعدم
13-4-2016
نب آمون.
2024-05-15
فن التصوير الجنازي في مقابر الشعب في عهد (رعمسيس الثاني).
2024-11-12
منهج المفسرين في تقرير الأحكام
8-3-2016


اقصوصة موسى  
  
2067   05:02 مساءاً   التاريخ: 2-06-2015
المؤلف : د. محمود البستاني
الكتاب أو المصدر : دراسات فنية في قصص القران
الجزء والصفحة : ص 122-130
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / قصص الأنبياء / قصة النبي موسى وهارون وقومهم /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-09-01 326
التاريخ: 2024-08-08 397
التاريخ: 2024-08-09 377
التاريخ: 5-05-2015 2004

تتناول هذه الحكاية ظاهرة (الجبن) الذي طبع قوم موسى، وما ترتب على ذلك من حادثة (التيه) المعروفة.

ولنقرأ ـ أولا ـ نصوص الحكاية :

قال تعالى : {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [المائدة : 20 - 26] .

تلخيص الحكاية

تقول النصوص المفسرة، ان موسى ـ عليه السلام ـ عندما عبر البحر مع قومه ـ بعد هلاك فرعون ـ أمرهم الله سبحانه وتعالى بدخول الأرض المقدسة. إلا ان الاسرائيليين جبنوا من الدخول، متذرعين بالخوف من وقوع نسائهم وأهاليهم غنيمة بيد الأعداء. وقد بلغ بهم الأمر انهم أرادوا أن يفتكوا بشخصين من الأشخاص الذين بعثهم موسى لاستطلاع الخبر من البداية وأمرهم بكتمان الأمر، بيد ان الخبر قد انتشر بينهم نتيجة لعدم التزام الأغلبية بتوصية موسى.

وحيال هذا الموقف، إغتاظ موسى ـ عليه السلام ـ وخاطب الله سبحانه وتعالى بأنه لا يملك إلا نفسه واخاه هارون، فاجابته السماء : بانهم سيبقون في (التيه) أربعين سنة، جزاء لموقفهم الجبان.

وقد تمثل هذا الموقف المتسم بالجبن في ادعاء الاسرائيليين بان في الأرض المقدسة قوما جبارين، وبانهم لن يدخلوها ما دام الجابرون قائمين فيها، ثم مطالبتهم موسى بأن يقاتل والسماء وحدهما، ويقعدون هم عن القتال.

ويلاحظ ان الشخصين اللذين أراد الاسرائيليون، الفتك بهما قد رسما ـ بناء على توصية موسى ـ خطة الهجوم، وهي : الدخول من باب المدينة، وإلى أن النصر سيكون حليفهم إذا ما التزموا بهذه التوصية. إلا انهم مع ذلك، آثروا القعود على الجهاد. ثم كانت النتيجة : حادثة (التيه) أربعين عاما.

ويهمنا من هذا التلخيص أن نعرض للقيم الفنية التي تضمنتها الأقصوصة المذكورة : من حيث بناؤها وشخوصها، ونمط السرد والحوار فيها، فضلا عن الموقف والحدث والبيئة التي رافقتها.

أ ـ المواقف

قلنا، ان ظاهرة (الجبن) هي الموقف الرئيسي لهذه الأقصوصة.

وقد القى النص جملة من الأنوار عليها، بغية إضاءة هذا الموقف، وحمل المتلقي على القناعة التامة الذي بالمصير آل الاسرائيليون إليه.

وتتمثل هذه الإضاءة في ان النص قد ذكر الإسرائيليين أولا بنعم السماء عليهم، فقال تعالى : {اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} [المائدة : 20]

إن التذكير بهذا العطاء الضخم ينطوي على أهمية كبيرة إذا أخذنا بنظر الإعتبار انه تذكير ينسجم أولا مع تطلعاتهم الاجتماعية [البحث عن المجد] وثانيا : مع طبيعة المصير (التيه) الذي آلوا إليه، وهو مصير مضاد لتطلعاتهم تماما. أي : ان النص رسم ظاهرتين متقابلتين : إحداهما تضاد الأخرى تماما :

الأولى : هي التذكير بالأمجاد، والثانية هي : محوها تماما.

فالأمجاد هي : النبوة والملوكية، وتمثلان أعلى سلطة بشرية على الأرض ـ كما هو واضح.

أما المصير المضاد فهو (التيه)، حيث يمثل (التيه) ضياعا تاما لمعالم الشخصية، ومسحا كاملا لكل مجد حتى لو كان في أدنى مراتبه. انه نتيجة مضادة تماما لتطلعات الشخصية التي حققتها السماء في حقبة زمنية، ثم لم تسمحها فحسب بل رسمت مصيرا يمثل الضياع حتى لمجرد الوجود العادي للشخصية.

إذن : عملية التذكير بالنبوة والملوكية، ألقت إضاءتها في هذه الأقصوصة على طبيعة الموقف الجبان الذي صدر الاسرائيليون عنه، ثم ما ترتب على ذلك من المصير التائه لهم.

ب ـ الشخصيات

تتضمن أقصوصة موسى أربع شخصيات هي : موسى، هارون، رجلان من الأسباط، الاسرائيليون.

وواضح، ان الاسرائيليين وموسى يجسدان البطل الرئيسي الذي تحوم عليه حادثة الأقصوصة. في حين تجيء شخصية هارون بطلا هامشيا ـ كما هو شأنه في غالبية قصص موسى. وقد جاءت هنا عنصرا مساعدا لموسى في صراعه مع القوم.

أما الرجلان من النقباء، فهما بدورهما يجسدان ابطل الثانوي في الأقصوصة، إلا ان دورهما فيها قد احتل نشاطا يحتل عصبا مهما من الحكاية.

إن هذين البطلين ألقيا إنارة كبيرة على الشخوص الرئيسية (الإسرائيليين) في الحكاية، بحيث يمكن القول إلى انهما يقفان وراء التفسير الفني لطبيعة المصير الذي آل الاسرائيليون إليه.

ويتضح هذا بجلاء، حين ندرك أنهما قد اضطلعا بمهمة رسم خطة القتال والتبشير بنجاحها في حالة الإلتزام بها.

ولنقرأ النص ثانية :

{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

وتقول النصوص المفسرة، إن هذين الرجلين يمثلان اثنين من النقباء الأثني عشر الذين بعثهم موسى لاستطلاع الخبر فيما يتصل بمدينة الجبارين. وقد كتما على الاسرائيليين ـ بناء على توصية موسى ـ أمر الجبارين، وأفشى الآخرون ذلك.

وتقول بعض النصوص المفسرة الأخرى، أنهما من مدينة الجبارين نفسها، بيد انهم كانوا على شريعة موسى.

وايا كان الأمر، فإن هذين البطلين قد رسمهما النص اولا بسمات إيجابية عالية، ورسمهما ثانيا وقد أنيطت بهما مهمة خطيرة في ميدان الحرب النفسية.

وتتضح السمة الاوى لديهم، بهذا الوصف :

{ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا}

وتتضح السمة الثانية لديهم، بهذا الوصف :

{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

إن هاتين السمتين تجسدان الأرضية التي يفسر في ضوءها نمط الموقف الذي تستهدفه السماء من وراء مطالبتها بعملية القتال، ونمط المصير الذي آل الاسرائيليون إليه نتيجة الموقف الجبان الذي صدروا عنه.

ويمكننا تجلية ذلك بوضوح، حين نقف على السمة الأولى لهذين البطلين، فنجدها متمثلة في (الخوف) من الله سبحانه وتعالى، وفي (هداية) السماء لهما. وهذا ما يستهدفه النص من وراء كل موضوعاته التي تشدد على بناء شخصية متماسكة مؤمنة بالله إيمانا لا يشوبه أي تردد، حيث يحالف التوفيق أمثلة هذه الشخصية التي تمدها السماء بالعناية العظيمة حينما تعرف صدق أعماقها.

وفعلا، كان تجسيد هذه الحقيقة تمثلها السمة القائلة بان الله قد (أنعم) عليهما.

وهذه المسة تنعكس ـ ليس من خلال الجزاء الأخروي الذي ينتظر أمثلة هذه الشخوص ـ بل تنعكس حتى على الصعيد الدنيوي لهم : من حيث نمط المصير الذي يؤولون إليه بالقياس إلى الشخوص غير المؤمنين.

فنحن اذا تابعنا التفسير المأثور في هذا الصدد، وجدناه يرسم لهاتين الشخصيتين المؤمنتين، نهاية (إيجابية) تتمثل في (خلاصهم) من عملية (التيه) التي وقع فيها الاسرائيليون المتمردون.

أكثر من ذلك، تقول النصوص المفسرة ان فتح أريحا بعد ذلك قد تم على يد أحد هذين الشخصين وهو (يوشع)، حيث كان في مقدمة الجيش. وتقول نصوص أخرى ان المساء بعثته نبيا بعد وفاة موسى، بل تذهب بعض النصوص الى اقتران عملية القتال بمعجز يتمثل في دعائه برد الشمس ـ خلال عملية الفتح، وتحقيق ذلك فعلا...

ان أمثلة هذه المستويات من (المصير) الذي آل إليه المؤمنون، يفصح ـ من حيث البعد الفني ـ عن التقابل أو التضاد بين نمطين من المصير الذي آلت الشخوص إليه :

المصير السلبي للشخوص المتمردة، متمثلة في الاسرائيليين الذين تمردوا على أوامر السماء : حيث كان مصيرهم هو (التيه) في الصحاري أربعين عاما.

ثم، يقابله : المصير الايجابي لهذين الشخصين المؤمنين، حيث تم انقاذهما من (التيه)، بل تمت الفتوح والنبوة والمعجز على يدي أحدهما بعد ذلك.

إذن : يمكننا استخلاص حقيقة ذات خطورة بالغة المدى، من وراء هذا التقابل الفني بين نمطين من الشخوص، متمثلة في ان السماء تمد برعايتها العظيمة كل الأشخاص الذي يلتزمون بأوامرها سواء أكانت هذه الرعاية تتصل بالعطاء الدنيوي ـ كما تم لهذين الشخصين ـ أم تتصل بالعطاء الأخروي.

وعلى العكس من ذلك، فان التمرد على أوامر السماء ينهي الشخصية أساسا حتى في ميدان الإنجاز الدنيوي : كما حدث للاسرائيليين الذين فقدوا ـ ليس أمجادهم التي طالما يرددون ذكرها ويتطلعون إليها بلهفة عارمة ـ بل فقدوا حتى أبسط مستويات التحرك العادي في حياتهم، حيث لفهم (التيه) المرعب في الصحاري ، أربعين عاما يهيمون على وجوههم.

ان أهم دور يضطلع به البطلان في أقصوصة موسى عبر صراعه مع الاسرائيليين، يتمثل في رسمهما خطة الهجوم على المدينة وتخليصها من القوم الجبارين.

وهذه الخطة لا تقف عند مجرد الدخول من باب المدينة حتى يتم الفتح، بل تنطوي أهميتها على مدى الايمان بالسماء والتوكل عليها في انتزاع النصر.

لقد شدد البطلان النقيبان على قضية (التوكل) على الله، حينما خاطبا الجماهير بقولهما :

{ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}

وواضح ، ان الالتزام بهذه التوصية، يلقي انارته الكاملة على الموقف ، بحيث يصح القول بان نهاية القصة يتم حسمها بقدر الالتزام وعدمه بالتوصية.

وفعلا ، كانت النهاية نهاية قاتمة هي (التيه) الذي وقع الاسرائيليون فيه، حينما رفضوا الدخول إلى المدينة .

وهذه الحقيقة تذكرنا بما سبق أن قلناه، بان الدور الثانوي للبطلين النقيبين ألقيا إنارة تامة على الموقف في القصة.

ونحن إذا تركنا هذين البطلين، واتجهنا إلى الأبطال الآخرين في القصة، واجهنا حينئذ شخصية هارون. وهي بدورها شخصية ثانوية موظفة لانارة الموقف، إلا انها في هذه القصة لم يرسم النص القرآني لها دورا محددا كما هو شأنها في الأقاصيص الأخرى لموسى عليه السلام، بل اكتفى النص هنا، برسمها مجرد معين لموسى في صراعة مع القوم، حيث خاطب موسى السماء بانه لا يملك إلا نفسه وأخاه في هذه المواجهة.

وينبغي في ضوء هذا أن نستنتج أن النص لم يذكر إسم هارون عبثا، بل إن رسمها ـ ولو عابرا ـ انما ينطوي على حقيقة فنية وموضوعية، تلقي باضوائها أيضا على أحداث القصة ومواقفها. وهذه الإضاءة تتمثل في أن القتال سوف لن يتم أبدا ما دام موسى لم يجمع أنصارا يجابه بهم مدينة الجبارين. وبكلمة أخرى : ان مجرد وجود هارون إلى جانب موسى لم يكن كافيا للدخول الى المعركة، بل لا بد من وجود جمهور من المقاتلين لتحقيق الهدف العسكري.

إذن : جاء الرسم لشخصية هارون، نقطة إضاءة ترهص بالنتيجة التي سيؤول إليه مصير المواجهة : ألا وهو عدم الدخول في المعركة.

وقد عزز ذلك كله مطالبة موسى السماء بأن تفرق بينهما وبين القوم الفاسقين :

{قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}

إن هذه المطالبة بالفصل بينه وبين الاسرائيليين، تدلنا أيضا على النتيجة التي يمكن التنبؤ بها من حيث مصير المعركة، بنحو ينسجم مع الاشارة إلى ان موسى لا يملك أنصارا سوى أخيه في المواجهة.

أخيرا، نواجه الأبطال الرئيسيين في هذه الأقصوصة، وهم : موسى والاسرائيليين. فما هو دور موسى أولا ؟؟

إن دوره يتمثل في موقفين هما : تذكيره قومه بنعم الله عليهم على نحو ما فصلنا الحديث عنه. ثم دعاؤه بهلاك قومه.

أما دور الإسرائيليين فانه يجسد عصب الأقصوصة. لقد قدموا جملة من التبريرات التي تفصح بأجمعها عن (الجبن) الذي يسم شخصياتهم.

لقد ادعوا انهم لا يستطيعون الدخول في المعركة، لأن أقوامها جبارون. وتقول النصوص المفسرة أن أقوام الأرض المقدسة كانوا يتميزون بضخامة الأجسام وعظم الشأن الى الدرجة التي نثروا من خلالها الاثني عشر نقيبا بين يدي ملكهم حتى يحسسوهم بمدى قوتهم.

بيد ان مجرد كونهم قوما جبارين، لا يشكل مسوغا للتخوف منهم، وبخاصة ان الرجلين المؤمنين رسما للإسرائيليين خطة الهجوم من باب المدينة، وأكدا نجاح المعركة في حالة الالتزام بهذه الخطة. وفضلا عن ذلك فانهما ربطا قضية النصر بالسماء، وطالبا بالتوكل على الله في هذا الصدد.

ومن الواضح، أن التردد في دخول المعركة، مع هذا التأكيد على نصرة السماء، إنما يفصح عن ان الاسرائيليين أساسا لم يملكوا يقينا حاسما بالسماء بقدر ما يتميزون بالجبن، وهو الطابع الذي يسم شخصياتهم، ويفسر كل معالم سلوكهم.

ويمكننا ملاحظة ذلك في طبيعة الجواب الذي قدموه بعد الاستماع إلى الرجلين، حيث خاطبوا موسى بقولهم :

{يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}

إن هذه الاجابة تكشف، عن ان الاسرائيليين، كانوا مصرين منذ البداية على عدم الدخول الى المعركة، حتى بعد تطمينهم بان النصر سيكون حليفهم في حالة توكلهم على الله والالتزام بالحظة التي رسمت لهم : الأمر الذي يكشف أولا عن عدم يقينهم بالسماء، وعن الطابع الجبان لشخيصاتهم ثانيا.

جـ ـ الأحداث

قلنا : ان أقصوصة موسى تنطوي على حدث واحد هو (التيه).

ونحن بعد أن لحظنا موقف الشخصية الاسرائيلية من دخول المعركة إلى الدرجة التي تجرأوا فيها على السماء، وعلى موسى من خلال قولهم :

{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}

حينئذ، نتوقع نوع المصير الذي سيواجههم، بحثيث ينسجم مع طبيعة موقفهم المتجرىء الجبان.

وهنا تمت كلمة السماء الحاسمة، ورسمت المصير الأسود لهم، قائلة :

{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ}

وهكذا، بدأت حادثة (التيه) : فظلوا أربعين عاما يهيمون على وجوههم يرتحلون من مكان الآخر، ما أن تستوي بهم الأرض حتى تدوربهم من جديد إلى نفس المكان الذي انطلقوا منه.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .