أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2020
2884
التاريخ: 10-10-2014
2244
التاريخ: 2-06-2015
3258
التاريخ: 10-10-2014
3665
|
شاءت الظروف والصدف أن يحكم بعض مناطق العالم في حقبة من الزمن بعض الملوك والامراء الذين وجدوا أنفسهم على رأس السلطة ، فأخذوا يتصرفون بما يحلو لهم متمتعين بكل السلطات والصلاحيات المطلقة التي تتيح لهم التصرف بالدولة وكأنها ملك آبائهم ، وبالناس كالعبيد المطيعين.
وقد مارس هؤلاء الحكام مختلف الأعمال ، وارتكبوا المآسي التي تفوق حدّ الإحصاء ، بسبب تلك الصلاحيات والقدرة التي كانوا يتمتعون بها. فمارسوا الهيمنة على الناس بأبشع صورة ، وقبضوا على السلطة بيد حديدية قاسية لا ترحم ولا تسمح لأحد حتى بأبداء الرأي في الامور البسيطة ، لأنّ كل الأشياء والموجودات في نظرهم هي من بركات وجودهم ، وهذا ما حدا بهم بصورة تدريجية أن يتخيلوا ويتصوروا أنفسهم اناسا غير عاديين ، وأنّ بقية بني البشر هي مخلوقات دون مستواهم من جميع الوجوه.
وقد أدى بهم هذا الوضع الشاذ والمصطنع في نهاية المطاف إلى أن يصابوا بجنون العظمة والخيلاء ، فعاشوا وتصرفوا وفق هذا التصور الخاطئ ، الذي جرفهم في النهاية إلى حالات نفسية معقدة اختلفت من واحد لآخر ، وتراوحت بين الدكتاتورية والأنانية وحب التسلط والعظمة ، وحتى بعض حالات الجنون العنيفة.
ومن هؤلاء الحكام (فرعون) الذي حكم (مصر) بقوة الحديد والنار ، وسخر الناس لمآربه الخاصة ، حتى أعلن عن نفسه بكل وقاحة بأنه إله واجبة طاعته ، وأخذ يتصرف بمصر وأهلها بصفته الربّ المقدّس الذي أوجد ومنح لهم النعمة.
هكذا أخذ (فرعون) يفعل ما يشاء وفق عقليته السوداء التي سيطرت عليه ، فنصّب على رؤوس الناس الطغاة والمارقين وقتل الكثيرين بأسباب واهية ، واستولى على ما يريد وفق أحكامه الخاصة المطلقة ، وحسب الصلاحيات والدساتير الإلهية التي وضعها بنفسه ولمصلحته.
هذا (الفرعون) إذا أردنا أن ندرس ونحلل حالته النفسية طبقا لما وصلتنا من الأخبار عن طريق : القرآن والسنة والأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، نجده إنساسا غير طبيعي ، غلبت عليه بعض الأفكار والحالات النفسية الغير طبيعية ، حتى جعلت منه في النهاية إنسانا مريضا تقوده تلك الأفكار والحالات ، ولا يستطيع أن يفكر بأي شيء إلّا وفق هذه التصورات والمعايير.
ومما زاد الطين بلة هو أنّ الزمرة المحيطة به كانت تصور له الامور ، وتقدم له الخدمات ، وكأنّه إله حقا وحقيقة ، وأنّ المخالفين له ما هم إلّا اناس كفرة يستحقون العذاب والموت.
القرآن الكريم صوّر لنا (فرعون) بآيات عديدة ، وعرض علينا بعض أفكاره وآرائه وأحكامه وتصرفاته الشخصية والعامة ، مع الناس ومع النبي موسى (عليه السلام) بشكل خاص ، بأسلوب علمي لطيف يوضح بجلاء الحالة النفسية التي وصل إليها (فرعون) عند ما ادّعى الربوبية.
والآن وبعد مقارنة الأفكار التي كان يحملها (فرعون) والحالة النفسية التي آل إليها ، حسبما جاءت على لسان القرآن الكريم مع علم النفس الطبي الحديث ، يتوضح لنا المرض النفسي الذي ألمّ بفرعون نتيجة الغرور والكبرياء والربوبية المزيفة التي سيطرت عليه ، عند ما اتيحت له الفرصة ليحكم مصر ، حيث نرى أنّ (فرعون) وبتأثير تلك الأفكار الشاذة ، والظروف النفسية المعقدة التي أحكمت الطوق عليه وعلى حاشيته المنافقة ، يتصرف بقسوة وعنف قال اللّه عنها : إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ {طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص : 4] .
وعند ما يأتي النبي (موسى) «عليه السلام» إلى (فرعون) ويعرض عليه الايمان باللّه بأسلوب رباني ، وبآيات بينات ، ومعجزات إلهية ، يرفض (فرعون) ذلك ، لأنّه هو الرب الأعلى ولا ربّ غيره.
{اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (17) فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (18) وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى (19) فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى (20) فَكَذَّبَ وَعَصَى (21) ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى (22) فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات : 17 - 24] .
ويثور على الرسول الجديد ويستهزئ برسالته السماوية ، ويشكك بها بطريقة مسرحية تدل على أنه مريض بداء جنون العظمة والوسوسة النفسية ، فيقول : { وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُون} [القصص : 38 ، 39]
ويستمر مخاطبا الحاضرين من حوله : {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} [الشعراء : 23] ، أنا الرب الأعلى وأنا المالك والقادر والمعطي : {وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ} [الزخرف : 51 ، 52]
ولكن النبي موسى (عليه السلام) يجادله باللين واللطف كما أمر به اللّه ، وبما يملك من آيات ، وفرعون يرفض ويتهم موسى بأنه ساحر ومخرّب. {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (34) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } [الشعراء : 34 ، 35] و يهدده أمام الملأ بالسجن والعذاب والقتل إذا تكلم عن إله آخر غيره {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ (29) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ (30) قَالَ فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [الشعراء : 29 - 31]
ويلتفت (فرعون) إلى الحاشية المنافقة التي زينت له الأعمال قائلا : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ} [غافر : 26]
ولكن النبي موسى (عليه السلام) يقدم له البرهان تلو البرهان ويدعوه للمناظرة وينتصر عليه ، ويؤمن السحرة من أصحاب فرعون بما جاء به النبي موسى (عليه السلام) ، لأنهم رأوا الحق واضحا أمامهم ، وهنا تثور ثائرة فرعون الطاغي وينفعل بعصبية حادة ، ويرفض المعجزة التي حدثت أمامه. ويصاب بصدمة نفسية تهيج أعصابه ، وتجعله حاد المزاج سريع الأحكام.
{قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ } [الشعراء : 49]
ويرفض هذا الواقع بشدة ولا يقبل بالمعجزة التي حدثت ، والبرهان القاطع الذي جاء به النبي موسى (عليه السلام) لأنّ نفسيته مريضة ، وتصرفاته تحكمها الأفكار الشاذة التي سيطرت عليه بشكل مؤثر جعلته أسيرها ، فهو في نظره المريض إله ومرشد وطاعته واجبة.
نعم ، هذه هي حالة (فرعون) النفسية كما وردت في القرآن الكريم ، وقد جاءت مطابقة للأعراض التي تظهر على الانسان عند إصابته بداء العظمة والوسواس النفسي الشديد.
وباستعراض تلك الأعراض المرضية لداء العظمة والوسواس النفسي ، تتضح لنا في نهاية البحث الصورة الكاملة بكل أبعادها ومحتواها.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|