المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6763 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



النبي (ص) يؤسس لمجتمع مدني  
  
2526   06:13 مساءً   التاريخ: 13-6-2021
المؤلف : السيد جعفر مرتضى العاملي.
الكتاب أو المصدر : الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلّى الله عليه وآله
الجزء والصفحة : ج 5، ص 127- 144
القسم : التاريخ / التاريخ الاسلامي / السيرة النبوية / سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2016 1796
التاريخ: 4-8-2019 4581
التاريخ: 5-12-2016 1728
التاريخ: 13-6-2021 2527

أسس العلاقات :

ويذكر المؤرخون : أنه بعد مدة وجيزة من قدومه «صلى الله عليه وآله» المدينة ، وعلى رأي البعض : بعد خمسة أشهر (١) كتب «صلى الله عليه وآله» كتابا أو وثيقة بينه وبين اليهود ، أقرهم فيها على دينهم وأموالهم ، واشترط عليهم : أن لا يعينوا عليه أحدا ، وإن دهم أمر فعليهم النصر ، كما أن على المسلمين ذلك في المقابل.

ولكن سرعان ما نقض اليهود العهد ، وعادوا إلى المكر والغدر ، ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله.

ويلاحظ : أن الوثيقة المشار إليها لم تقتصر على تنظيم علاقات المسلمين مع غيرهم ، وإنما تعرض جانب كبير ـ بل هو الجانب الأكبر ـ منها إلى تقرير قواعد كلية ، وأسس عملية للعلاقات بين المسلمين أنفسهم ، كان لا بد منها لتلافي الأخطاء المحتملة قبل أن تقع.

فهذه الوثيقة بمثابة دستور عمل ، يتضمن أسس العلاقات في الدولة الناشئة ، سواء في الداخل أم في الخارج.

وهذه الوثيقة هي بحق من أهم الوثائق القانونية ، التي لا بد أن يدرسها علماء القانون والتشريع بدقة متناهية ، لاستخلاص الدلائل والأحكام منها ، وأيضا لمعرفة الغايات التي يرمي إليها الإسلام ، والضوابط التي يرتضيها ، ومقارنتها بغيرها مما يتهالك المستضعفون ـ فكريا ـ من هذه الأمة عليه ، من القوانين القاصرة عن تلبية الحاجات الفطرية وغيرها للإنسان. وإليك نص الوثيقة كما هو :

 

نص الوثيقة :

قال ابن إسحاق : وكتب رسول الله «صلى الله عليه وآله» كتابا بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود وعاهدهم ، وأقرهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم ، واشترط عليهم.

«بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب من محمد النبي «صلى الله عليه وآله» بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ، ومن تبعهم ؛ فلحق بهم ، وجاهد معهم ، إنهم أمة واحدة من دون الناس ، المهاجرون من قريش على ربعتهم (2) يتعاقلون بينهم ، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، وبنو عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو ساعدة على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو الحارث على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو النجار على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو النبيت على ربعتهم ، يتعاقلون معاقلهم الأولى ، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى ، كل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.

وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا (3) بينهم ، أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.

وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (4) ظلم ، أو إثم ، أو عدوان ، أو فساد بين المؤمنين.

وإن أيديهم عليه جميعا ، ولو كان ولد أحدهم.

ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن.

وإن ذمة الله واحدة ، يجير عليهم أدناهم.

وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.

وإن من تبعنا من يهود ؛ فإن له النصر والأسوة ، غير مظلومين ، ولا متناصرين عليهم.

وإن سلم المؤمنين واحدة ، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم ، وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا ، وإن المؤمنين يبيء بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.

وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه.

وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ، ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن.

وإنه من اعتبط (5) مؤمنا قتلا عن بينة ، فإنه قود به ، إلا أن يرضى ولي المقتول ، وإن المؤمنين عليه كافة ، ولا يحل لهم إلا قيام عليه.

وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة ، وآمن بالله واليوم الآخر : أن ينصر محدثا ، ولا يؤويه ، وإن من نصره أو آواه ؛ فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.

وإنكم مهما اختلفتم في شيء ؛ فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد «صلى الله عليه وآله».

وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين ، لليهود دينهم ، وللمسلمين دينهم ، مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم ؛ فإنه لا يوتغ (6) إلا نفسه ، وأهل بيته.

وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بن عوف.

وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف.

وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف.

وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف.

وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف ، إلا من ظلم وأثم ، فإنه لا يوتغ إلا نفسه ، وأهل بيته.

وإن جفنة ـ بطن من ثعلبة ـ كأنفسهم.

وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف ، وإن البر دون الإثم.

وإن موالي ثعلبة كأنفسهم.

وإن بطانة (7) يهود كأنفسهم.

وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد «صلى الله عليه وآله».

وإنه لا ينحجز على ثار جرح ، وإنه من فتك فبنفسه فتك ، وأهل بيته ، إلا من ظلم ، وإن الله على أبر هذا (8).

وإن على اليهود نفقتهم ، وعلى المسلمين نفقتهم.

وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة.

وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.

وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه ، وإن النصر للمظلوم.

وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.

وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.

وإن الجار كالنفس ، غير مضار ولا آثم ، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.

وإن ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده ، فإن مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد «صلى الله عليه وآله».

وإن الله على أتقى ما في هذا الصحيفة وأبره.

وإنه لا تجار قريش ، ولا من نصرها ، وإن بينهم النصر على من دهم يثرب ، وإذا دعوا (9) إلى صلح يصالحونه ويلبسونه ، فإنهم يصالحونه ويلبسونه ، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين ، إلا من حارب في الدين ، على كل أناس حصتهم (10) ، من جانبهم الذي قبلهم.

وإن يهود الأوس ، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة ، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.

وإن البر دون الإثم ، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ، وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره ، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.

وإنه من خرج آمن ، ومن قعد آمن بالمدينة ، إلا من ظلم وأثم.

وإن الله جار لمن بر واتقى ، ومحمد رسول الله «صلى الله عليه وآله» (تمت الوثيقة)» (11).

كانت تلك هي الوثيقة الهامة التي لم يهتم بشأنها المؤرخون ، وأهمل دراستها وتمحيصها الكتاب والباحثون ، نوجه إليها أنظار الطامحين إلى البحث والتدقيق والتمحيص ، ونأمل أن تحظى منهم بما يليق بها من اهتمام والله هو الموفق والمسدد.

ونحن بدورنا نسجل هنا بعض النقاط ، على أمل التوفيق لدراسة هذه الوثيقة بصورة أعمق وأدق وأشمل ، فنقول :

 

وثيقة أم وثائق؟! :

قد أورد المؤرخون هذه الوثيقة بعنوان أنها عقد ينظم العلاقة فيما بين المهاجرين والأنصار من جهة ، وبينهم وبين اليهود من جهة أخرى.

وقد حاول البعض أن يدّعي : أنها ليست وثيقة واحدة ، وإنما هي عبارة عن سلسلة وثائق ومعاهدات منفصلة ، وقد ضم بعضها إلى بعض ، وإن ذلك جرى على مرحلتين :

إحداهما : تم بموجبها توحيد وتجميع العناصر المختلفة من القبائل العربية تحت قيادة الرسول «صلى الله عليه وآله» في المدينة.

الثانية : قد استغلت قوة هذا التجمع القبلي وتكاتفه للضغط على يهود المدينة لكسب تعاونهم في مواجهة أي ضغط خارجي.

وليس من الضروري أن يكون قد تم تنظيم الاتفاقيات في لحظة واحدة ، فقد كانت هناك أطوار مختلفة في المرحلتين ، اقتضت إضافة مواد وفقرات باستمرار ، حسب الظروف الطارئة ، والأحداث المستجدة ، التي تستلزم تجديد الالتزامات ؛ وفرض الشروط لمجابهتها ، فتكتب المواد ، وتضاف الفقرات ، التي تحمل آثار ذلك التطور في العلاقات فيما بين عناصر الأمة في المدينة.

أما دليلهم على هذا الذي ذكروه ، فهو تكرر بعض الفقرات في الوثيقة ، حيث لوحظ :

أن هذه الفقرات تنص على التزامات وشروط واحدة ، كالعبارتين اللتين تنصان على أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين ، وكالعبارتين اللتين تنصان على رد أي خلاف ينجم بين المتعاهدين إلى رسول الله «صلى الله عليه وآله».

وكذلك التكرار الحاصل لعبارة : إن البر دون الإثم.

وعبارة : كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين ، حيث تكررت بالنسبة لعدد من قبائل الأوس والخزرج (12).

ونقول :

إن من الواضح : أن هذا الدليل لا يكفي لإثبات ما زعموه ، فإن هذا التكرار قد جاء ليؤكد ويثبت هذا الأمر بالنسبة إلى كل قبيلة على حدة ، حيث يطلب في المواثيق والمعاهدات التنصيص ، والدقة والصراحة ، حتى لا يبقى عذر لمعتذر ، ولا حيلة لمتطلب حيلة ، ويكون التصريح بذلك بالنسبة لكل طائفة وفئة ، وقبيلة ، قد أريد به أن تعرف تلك الفئة أو القبيلة بصراحة ودقة كل ما تطلبه هي ، وكل ما يطلب منها.

فهذه المعاهدة هي مجموعة التزامات تصدر من كل قبيلة تجاه غيرها من الفئات أو القبائل ، أو تجاه عناصر القبيلة أنفسهم ، فلا بد من التنصيص على هذه الالتزامات.

وعلى هذا يصبح للمعاهدة الواحدة خصوصية المعاهدات المتعددة أيضا.

وأما بالنسبة لليهود المقصودين في هذه الوثيقة ، فإن من الجلي : أن المقصود بهم ليس اليهود الذين هم من أصل إسرائيل ، وهم : قينقاع ، والنضير ، وقريظة.

بل المقصود اليهود الذين هم من قبائل الأنصار ، فقد كان ثمة جماعة من قبائل الأنصار قد تهودوا ، وقد جاء ذكرهم في الوثيقة منسوبين إلى قبائلهم.

وقد قال ابن واضح : «وتهود قوم من الأوس والخزرج ، بعد خروجهم من اليمن ، لمجاورتهم يهود خيبر ، وقريظة ، والنضير ، وتهود قوم من بني الحارث بن كعب ، وقوم من غسان ، وقوم من جذام» (13).

كما أن بعض الروايات تذكر : جماعة من أولاد الأنصار قد تهودوا بسبب : أن المرأة من الأنصار كانت إذا لم يعش لها ولد تجعل على نفسها : إن عاش لها ولد أن تهوده ، فلما أجليت بنو النضير قال آباء أولئك : لا ندع أبناءنا ، وأنزل الله : (لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ) ، قالوا : هي مخصوصة بهؤلاء الذين تهودوا قبل الإسلام (14).

ملاحظات سريعة على الوثيقة :

ومهما يكن من أمر : فإن هذه الوثيقة ، أو الوثائق ، قد تضمنت أمورا كثيرة هامة ، وأساسية في مجال بناء العلاقات في هذا المجتمع الجديد.

وكمثال على ذلك نشير هنا إلى ما يلي :

١ ـ إنها قد قررت : أن المسلمين أمة واحدة ، رغم اختلاف قبائلهم وانتماءاتهم ، وتفاوت مستوياتهم ، وحجم ونوع طموحاتهم ، ورغم اختلاف حالاتهم المعيشية ، والاجتماعية ، وغير ذلك.

ولهذا القرار أبعاده السياسية ، وله آثاره الحقوقية ، وغيرها.

ثم له آثار وانعكاسات على التكوين السياسي ، والاجتماعي ، وعلى الحالة النفسية ، والعاطفية ، والفكرية ، والمعيشية ، والحياتية بصورة عامة.

ولسنا هنا بصدد الخوض في تفاصيلها وجزئياتها.

٢ ـ قد تضمنت إقرار المهاجرين من قريش على عاداتهم وسننهم في الديات والدماء.

ويقولون : إن ذلك قد نسخ فيما بعد ، وإن كنا نرى : أن النسخ لم يطل هذه الموارد ، وهي مما كان قد قرره عبد المطلب ، أو مما كان وصل إليهم أو بلغهم من دين الحنيفية.

ولهذا انحصر الاستثناء فيها ، ولم يشمل الحالات التجارية ، أو الأحوال الشخصية مثلا.

وحتى لو كان ثمة بعض الموارد التي لم تكن كذلك ، فإن بالإمكان أن يستفاد منها موضوع التدرج في مجال تشريع الأحكام ، وفق الحالات والمعطيات القائمة في الواقع المعاش.

٣ ـ إن مسؤولية المهاجرين عن فداء أسراهم ، ثم مسؤولية جميع القبائل عن فداء أسراها أيضا بالقسط والمعروف ، إنما تعني أن تعيش كل قبيلة حالة التكافل ، والإحساس الجماعي ، بالإضافة إلى أن ذلك يضمن نوعا من الترابط بين هؤلاء الناس ، والذب عن بعضهم ، والمعونة في مواقع الخطر وفي ساحات النزال.

أضف إلى ذلك : أن شعور المحارب بأن هناك من يهتم بأمره ، ومن هو ملزم ببذل المال لإطلاق سراحه في صورة وقوعه في الأسر ، لسوف يزيده نشاطا ، وثقة بنفسه ، وإقداما في منازلة العدو.

هذا كله : عدا أن العبء الاقتصادي إذا تحملته الجماعة الكثيرة ، فإنه يصبح أخف وأيسر ، وأبعد عن الإضرار بحال الناس الذين هم في متن المشكلة.

ويلاحظ هنا : التعبير بكلمة القسط والمعروف ، فإن كلمة القسط تدل على رفض أي حيف أو تجن في مجال تعديل وتوزيع الحصص على أفراد القبيلة.

أما كلمة المعروف ، فإنها تدل على ما هو أبعد من ذلك ، حيث لا حظت أنه لا بد من التزام سبيل المعروف في مجال تطبيق القرار ، أو الحكم الشرعي الذي يمس الآخرين ، ويعنيهم في شؤونهم المالية ، أو غيرها ؛ فلا يجوز الشذوذ عن هذا السبيل بحجة التمسك بحرفية الأوامر الصادرة ، أو القانون الساري.

٤ ـ لقد قررت الوثيقة أيضا : أن من كان عليه دين ، ولم يكن له عشيرة تعينه في فداء أسيره ، فعلى المسلمين إعانته في فداء ذلك الأسير.

وهذا قرار يهدف إلى سد الثغرة الحاصلة من تشريع الفداء على القبائل حسبما تقدم ، ولا يفوتنا هنا التنبيه إلى أن الفقرتين المتقدمتين قد عالجتا المشكلة في وقت لم يكن ثمة بيت مال للمسلمين يمكن الاعتماد عليه في حالات كهذه ، حيث كان ذلك في وقت لم يكن المسلمون قادرين فيه حتى على سد احتياجاتهم الشخصية فضلا عن غيرها ، مع عدم وجود موارد أخرى يمكن الاستفادة منها في هذا المجال.

٥ ـ وجاء في الوثيقة أيضا : أن مسؤولية دفع الظلم تقع على عاتق الجميع ، ولا تختص بمن وقع عليه الظلم.

ولعل هذا من أهم القرارات التي تضمنتها الوثيقة ، سواء من حيث آثار قرار كهذا على البنية الاجتماعية ، ثم علاقة ذلك بالقرار والموقف السياسي ، وتعاطي الحكام مع مسألة الظلم ، وتفاعلهم معها ، ثم مع المردود الإيجابي أو السلبي لقرار يجعل مقاومة الظلم مسؤولية اجتماعية ، لا تنحصر بالحاكم ، وإن كانت قد تمس حاكميته وموقعه بصورة أو بأخرى في أحيان كثيرة.

أما التأثير الروحي أو النفسي أو غير ذلك لقرار كهذا على الأمة ، فهو أيضا كبير وخطير ولا مجال للدخول في التفاصيل ، فإن ذلك يحتاج إلى دراسة مستوعبة لطبيعة التشريع الإسلامي ، وأسسه ومنطلقاته بصورة أدق وأعمق.

٦ ـ وهناك القرار الذي ينص على عدم قود المسلم بالكافر ، وفي هذا تأكيد على أن شرف الإنسان إنما هو بالإسلام.

وذلك إنما ينطلق من مقولة : أن القيم والمثل التي يؤمن بها الفرد أو المجتمع ، هي التي تمنحه القيمة ، أو تسلبها عنه ، فإذا كان الإنسان المسلم هو الذي يحمل في داخله من تلك القيم ، ما تسمو به نفسه ، ويؤكد ويعمق فيه إنسانيته ، بما لها من معان سامية ونبيلة ، ثم هو يمارس إنسانيته هذه على صعيد الواقع والحركة ، فإنه لا يمكن أن يقاس به من لا يمارس إنسانيته ، أو لا يحمل في داخله منها إلا القليل أو لا يحمل شيئا من معانيها النبيلة على الإطلاق.

هذا فضلا عما إذا كان لا يعترف بها ولا يوليها أية قيمة ، فضلا عن أن يدافع عنها ، ويضحي في سبيلها بالغالي وبالنفيس إن اقتضى الأمر ذلك.

٧ ـ قد ذكرت الوثيقة : أنه يجير على المسلمين أدناهم ، ولا يجير كافر على مسلم.

وهذا يؤكد ما ذكرناه آنفا ، فالإسلام لا يرى الشرف بالمال ، ولا بالقبيلة ، ولا بغير ذلك من أمور ، وإنما إنسانيته هي التي تعطيه القيمة.

ونزيد هنا : أن قرارا كهذا يرسخ الشعور بالمساواة فيما بين المسلمين ؛ فلا يمتاز غني على فقير ، ولا قوي على ضعيف ما دام الجميع قد حملوا في داخلهم معين القيم ، والمثل ، وما عليهم بعد ذلك إلا الاستفادة من هذا المعين الثر لينشر الخير والصلاح والفضل والتقى في جميع ربوع حياتهم ، وفي مختلف شؤونها.

٨ ـ وقد تقرر أيضا : أن لا ينصر المسلمون من أحدث وابتدع ، بل يجب عليهم مقاومته والتصدي له ولبدعته بكل صلابة وحزم.

وفي هذا تتجلى الأهمية البالغة التي يوليها الإسلام للسلامة الفكرية ، ويؤكد أهمية الصيانة في المجال الثقافي والعقيدي والفكري.

ثم هو يعطي للجماعة أو فقل للأمة دورا في تحقيق هذه الصيانة ، ويؤكد على دور الناس جماعات وأفرادا في التصدي للانحراف ومقاومته ، قبل أن تعصف بهم رياحه أو يجرفهم تياره ، حيث إنه يستهدفهم أفرادا أولا ، ليعبث بقدراتهم جماعات ، ثم يسخرهم ويستغل كل طاقاتهم في ترسيخ دعائمه ، وتثبيت عزائمه ، وليكونوا من ثم اليد التي يبطش بها ، والمعول الذي يهدم به كل فضيلة ويشيع كل رذيلة.

٩ ـ في هذه الوثيقة أيضا تكريس للسلطة الإسلامية واعتراف مسجل بها من قبل ألد أعدائها وهم اليهود ـ أعني الذين تهودوا من الأنصار وقد كان اليهود يعتبرون أنفسهم وحدهم دون كل من عداهم ، أصحاب كل الامتيازات ، وإن كل قرار يجب أن يكون صادرا عنهم ، ومنهم ، وإليهم ، فهم الحكام على الناس ، والناس كلهم يجب أن يكونوا تحت سلطتهم ، وقد خلقوا ليكونوا لهم خدما كما يزعمون.

فقد قررت الوثيقة : أن لا يخرج أحد من اليهود إلا بإذن رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، وأن الحاكمية إنما هي لدين الله ولرسول الله «صلى الله عليه وآله» لا لأحد سواه.

ولعل هذا القرار قد اتخذ أيضا من أجل أن لا يفسح المجال أمام اليهود لممارسة دور الإفساد والجاسوسية من الداخل لصالح الأعداء المتربصين بالإسلام وبالمسلمين شرا من الخارج ، ومن أجل أن يؤكد لكل الناس الذين يعيشون معهم وحولهم : أن ثمة قوة لا بد من الاعتراف بها ، والتعامل معها بواقعية وموضوعية وصدق.

١٠ ـ وقد أكد ما ذكرناه آنفا وعمّقه ذلك القرار الذي اعترف به اليهود وسجلوه على أنفسهم ، والذي ينص على أن رسول الله «صلى الله عليه وآله» هو المرجع الذي يتولى حل المشكلات ، التي تنشأ فيما بينهم وبين المسلمين.

ولسنا بحاجة إلى التذكير بما لهذه المادة من مدلول سياسي ، ومن أثر نفسي واجتماعي عليهم وعلى غيرهم ممن يعيشون في المدينة ، وكذا ما لهذا القرار من أثر كذلك على المنطقة بأسرها.

هذا ، وقد حفظ بذلك المضمون العقائدي ، وروعيت فيه الجهات الفقهية ، كما يظهر بأدنى تأمل في ذلك ، ويمكن بحث هذه النقطة بصورة مستقلة في مجال آخر.

١١ ـ هذا كله ، عدا عن أن هذه الوثيقة قد ضمنت لمن تهود من الأنصار حقوقهم العامة ، وذلك من قبيل حق «الأمن» و «الحرية» بشرط ألا يفسدوا.

وهذان الحقان ولا سيما حق الحرية ، يؤكدان على أن الإسلام لا يخشى شيئا إذا كان منطلقا من الواقع وقائما على أساس الحق والصدق ، ولكنه يخشى من الإفساد ، ومن الإفساد فقط.

وهذا يصب في اتجاه الإسلام إلى التأكيد على المعرفة ، والدعوة إلى العلم ، لأنه يرى أنه أول من يستفيد من العلم ومن المعرفة ، ومن إطلاق الحريات ، في خط البناء ، لا في خط الهدم والافساد.

١٢ ـ ثم تضمنت الوثيقة : اعترافا من المنافقين والمشركين ، ومن اليهود أيضا بأن المؤمنين على أحسن هدى وأقومه ، مع أن ما كان يشيعه هؤلاء الأعداء إنما هو : أن هذا النبي قد جاء ليفرق جماعاتهم ، ويسفه أحلامهم ، و.. و.. الخ .. كما ذكره عمرو بن العاص للنجاشي ملك الحبشة.

١٣ ـ وجاء فيها أيضا قرار بإلغاء القبيلة التي توجب على القبيلة الانتصار لأبنائها ، حتى ولو كانوا المعتدين على غيرهم ، والظالمين لهم.

حيث تقرر أن على جميع المؤمنين أن يلاحقوا القاتل ، من كان ، ومهما كان.

كما أن ذلك إنما يعني إلغاء سائر الاعتبارات التي تؤثر في هذا المجال ، من قبيل الرئاسات ، والزعامات ، أو نوع القبيلة ، التي يكون المجرم منها ، كما كان الحال فيما بين بني قريظة وبني النضير ، حيث كان الامتياز في ذلك لبني النضير على بني قريظة.

١٤ ـ ثم إن هذه الوثيقة قد أعطت للمسلمين الحق في التصدي لأخذ أموال قريش (وليس المشركين) ؛ لأن قريشا هي التي سلبتهم أموالهم ، وأخرجتهم من ديارهم ، ليكون ذلك عوضا عما أخذ منهم.

وقد اعترف لهم بهذا الحق حتى المشركون ، الذين هم طرف في هذه المعاهدة ، الأمر الذي جعل المشركين يشعرون : أنهم غير معنيين بما تتعرض له قريش في هذا السياق ، وجعل القضية تصب في الاتجاه الآخر بالنسبة إليهم ، ثم هو قد أعطى الجانب الإنساني قيمة وفاعلية في ضمير ووجدان الناس ، الذين فقدوا إحساسهم بهذه القيمة أو كادوا.

١٥ ـ ونلاحظ : أن هذه الوثيقة قد اعتمدت التعبير ب «المؤمنين» بدل «المسلمين».

ولهذا دلالاته على صعيد التعامل ، كما أن له إيحاءاته بالنسبة للمخلصين ، ليزدادوا خلوصا وإخلاصا أو بالنسبة للمنافقين الذين يخادعون الله والذين آمنوا ، وما يخدعون إلا أنفسهم ، كما أن له تأثيراته السياسية في مجال التمايز بين الفرق ، كي لا يكون ذلك من منطلق التعصب للدين والمذهب.

١٦ ـ وفي الوثيقة أيضا : إظهار شرف الإيمان الذي أعطيت الامتيازات على أساسه ، واعتبار الكفر في درجة منحطة حينما قال : «أن لا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ، ولا ينصر كافرا على مؤمن».

١٧ ـ هذا إلى جانب التمايز الواضح فيما بين معسكري الكفر والإيمان ، وتكريس حالته.

١٨ ـ ويلاحظ : أن الوثيقة قد نصت على أن كل من يعترف بما في هذه الصحيفة لا يحق له نصر محدث ، ولا إيواؤه ، وهذا من شأنه أن يشيع الأمن العام ، ويجعل الناس يطمئنون نوعا ما ، ويخفف من الخوف الذي كان سائدا بين الأوس والخزرج ، كما أن فيه إنذارا مبطنا للآخرين من اليهود والمشركين الذين يعيشون مع المسلمين في بلد واحد.

١٩ ـ كما أن إظهار المسلمين أمام أعدائهم على أنهم قوة واحدة ومتماسكة ومتناصرة ، له أثر كبير في تكريس الهيبة لهم في النفوس ، وإبعاد الأطماع في أن ينفذ نافذ إلى المسلمين من خلال التلاعب بالعواطف القبيلة أو سواها.

٢٠ ـ ويلاحظ أخيرا : أن الوثيقة لم تعط للمشركين حقوقا ، ولكنها فرضت عليهم قيودا ، فليس للمشرك أن يجير مالا لقريش ، ولا نفسا ، ولا يحول دونه على مؤمن.

هذا ما أحببنا الإلماح إليه في هذه العجالة ، وثمة أمور كثيرة أخرى نأمل أن نوفق لدراستها في فرصة أخرى.

موادعة اليهود :

وجاءت يهود قريظة ، والنضير ، وقينقاع ، وطلبوا الهدنة من رسول الله «صلى الله عليه وآله» ، فكتب لهم بذلك ، على أن لا يعينوا عليه أحدا ، ولا يتعرضوا لأحد من أصحابه بلسان ، ولا يد ، ولا بسلاح ، ولا بكراع ، في السر ، ولا في العلانية ، لا بليل ولا بنهار ، فإن فعلوا فرسول الله «صلى الله عليه وآله» في حل من سفك دمائهم ، وسبي ذراريهم ونسائهم ، وأخذ أموالهم ، وكتب لكل قبيلة كتابا على حدة (15).

ولكن اليهود عادوا بعد ذلك إلى الغدر والمكر ، كما سيأتي إن شاء الله ، مع علمهم بأنه النبي الحق ، كما تدل عليه تصريحاتهم المختلفة.

__________________

(١) تاريخ الخميس ج ١ ص ٣٥٣.

(2) الربعة : الحال التي جاء الإسلام وهم عليها. والعاني : الأسير. والمعاقل : الديات.

(3) المفرح : المثقل بالدين والكثير العيال.

(4) الدسيعة : العظيمة.

(5) اعتبطه : قتله بلا جناية منه توجب قتله.

(6) يوتغ : يهلك.

(7) بطانة الرجل : خاصته وأهل بيته.

(8) أي على الرضا به.

(9) في رواية أبي عبيد في الأموال : وإذا دعوا اليهود إلى صلح حليف لهم ، فإنهم يصالحونه وإن دعونا إلى مثل ذلك ، فإن لهم ما على المؤمنين إلا من حارب الدين.

(10) في الأموال : وعلى كل أناس حصتهم من النفقة.

(11) سيرة ابن هشام ج ٢ ص ١٤٧ ـ ١٥٠ ، والبداية والنهاية ج ٣ ص ٢٢٤ ـ ٢٢٦ ، والأموال ص ٢٠٢ ـ ٢٠٧ ، ومجموعة الوثائق السياسية وأشار إليه في مسند أحمد ج ١ ص ٢٧١ ، وأشار إليه أيضا في مسند أبي يعلى ج ٤ ص ٣٦٦ و ٣٦٧.

(12) راجع في الذي ذكرناه كتاب نشأة الدولة الإسلامية ص ٢٥ ـ ٢٧.

(13) تاريخ اليعقوبي ج ١ ص ٢٥٧.

(14) راجع : السيرة الحلبية ج ٢ ص ٢٦٧ ، والجامع لأحكام القرآن ج ٣ ص ٢٨٠ عن أبي داود ، ولباب التأويل ج ١ ص ١٨٥ ، وفتح القدير ج ٥ ص ٢٧٥ عن أبي داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن مردويه ، والبيهقي في السنن ، والضياء في المختارة ؛ والدر المنثور ج ١ ص ٣٢٨ عنهم وعن ابن مندة في غرائب شعبة ، وعن النحاس في ناسخه ، وعبد بن حميد ، وسعيد بن منصور.

(15) إعلام الورى ص ٦٩ ، والبحار ج ١٩ ص ١١٠ و ١١١ عنه ، والسيرة النبوية لدحلان ج ١ ص ١٧٥.

 

 




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).