تصبح حياة الوالدين اسهل عندما يتواصلان بوضوح مع ابنائهما. ومن الطبيعي ان تسعى غالبيتنا الى جعل الامور سهلة قدر الامكان ، علما ان الكثير من مشكالنا ينجم عما نقوله والطريقة التي نقوله بها. ولحسن الحظ ان العديد من الاسرار الاساسية التي تساعد على ضمان التواصل بشكل واضح هي اسرار بسيطة وسهلة الاستخدام ، وقد وجد العديد من الاهالي انها تشكل فارقاً. يدور هذا الفصل حول ما يسمعه الاولاد فعلا عندما نتحدث اليهم وما يمكننا ان نفعله لنضمن ان الرسالة التي نريد ان نوصلها اليهم قد وصلت بشكل صحيح.

ما يسمعه الأولاد فعلياً

نحن الراشدون نفهم غالبا ما نعنيه وما يعنيه الاخرون ، فقد علمتنا تجارب الحياة معنى ما يقولونه وما يفعلونه. الا ان الاولاد ، لاسيما الصغار في السن منهم ، لا يتمتعون بهذه الخبرة. وما يفهمونه مما نحاول ان نوصله اليهم يختلف غالبا عما في نيتنا. وفي ما يلي ثلاثة امثلة :

• عاد فيتو البالغ من العمر سبع سنوات والذي كان يلعب مع رفاقه ، الى منزله عند المغيب. رأته والدته وقد غطاه الوحل من رأسه حتى اخمص قدميه ، فقالت: (اذهب مباشرة الى غرفة الغسيل وضع كل ما ترتدي في الة الغسيل). وهذا ما فعله تماما ، فوضع كل ما يرتديه في الة الغسيل : القميص، السروال، الملابس الداخلية، الجوارب، الحذاء والساعة. لقد فعل ما طلب منه حرفياً.

• طلبت الوالدة من آن التي تبلغ الرابعة من عمرها ، ان تساعد في التحضير للعشاء ، فقالت لها: (اريدك ان تجمعي العابك). أومأت آن برأسها فيما الام تقول هذا الكلام لكنها لم تفعل أي شيء بشأن العابها. وعندما تعرضت للتأنيب لأنها لم تجمع العابها بدت مرتبكة للغاية وشعرت بالاستياء. لم تكن آن تعلم ان امها حين قالت جملة (اريدك ان تجمعي العابك) كانت تعني (اجمعي العابك). بالنسبة إلى آن ، قالت امها كلاما مثيرا للاهتمام وحسب.

• كانت ويندي تعاني مع ابنها سام البالغ من العمر تسعة اشهر. فكلما حاولت ان تغير الحفاظ لهذا الطفل القوي والضخم بالنسبة الى سنه ، راح يتقلب ويحاول ان يحبو بعيدا عنها. كانت ويندي تشعر بإحباط شديد وخشيت ان يصبح ابنها صعب المراس مع تقدمه في السن. اقترح عليها كاين ان تبدل حفاظ الطفل امامه كي يشاهد ما يجري. وما ان جعلت سام يستلقي على ظهره ونزعت حفاظه حتى انقلب وحاول ان يحبو بعيدا. قالت له ويندي : (لا تتحرك)، فحاول ان يهرب منها بقوة اكبر. كررت كلامها بصوت اعلى : (لا تتحرك!) فبذل مجددا قصارى جهده ليبتعد. عندئذ، قال كاين : (ويندي ، حاولي ان تقولي له : ابق جامداً). فقالت له ويندي على الفور: (ابق جامداً). توقف سام على الفور. وتدخل كاين مجددا : (والآن ، اجعليه يستلقي على ظهره وقولي له فيما انت تفعلين هذا : (استلق وابق جامدا فيما اغير لك الحفاظ). فعلت ويندي ما اقترحه كاين وفعل سام ما طلبته منه تحديدا.

فعل فيتو وآن وسام ما ظنوا انه قد طلب منهم. لم يفعلوا ما قصدته والداتهم بطلباتهن ، بل فعلوا ما قالته الامهات حرفياً. ثمة درس وعبرة يستخلصان من هذا.

ليفعل اولادكم ما تريدونه ، اختاروا كلماتكم بعناية واخبروهم بدقة ووضوح ما تريدون منهم ان يفعلوه.

كيف تسير الأمور

ان الاولاد الصغار (يفكرون عبر اجسادهم) ، أي انهم يفهمون معنى الكلمات والاحداث ماديا او جسدياً. ان معنى الكلمات والاحداث هو الافعال والاشياء التي تتماشى معها. لا يمكن للأولاد ان يفهموا بأي طريقة اخرى ، وخصوصا وهم صغار جدا في السن.

يقوم الاولاد بتمثيل الحركة في داخلهم ليفهموا أي شيء ، ويعيشون من خلال هذه الحركة. ويفعل الاولاد حتى سن الرابع او الخامسة تقريبا هذا بشكل واضح وجلي عبر تمثيل ما يقولونه فيما هم يتكلمون. وعلى الرغم من انه يبدو لكم انهم توقفوا عن فعل هذا الا انهم يستمرون في داخلهم. وفي الواقع ، هذا ما نفعله نحن ايضاً.

رسائل للأولاد

(انت مسؤول عما تقول. اختر كلماتك بعناية).

(تكلم بصوت عادي/ طبيعي، توقف عن الأنين/ الانتحاب/ التحاذق (التذاكي)/ التصرف ببراءة).

(قل ما تريده بشكل مباشر. لن تحصل دوما على ما تريد لكننا سنعرف على الاقل ما تريده).

إيصال الرسائل

ترتبط النصيحة الاولى بارتباط الفكر بالجسد. وتقضي بان تعبروا بشكل دقيق وبالكلمات والصور والافعال عما تريدون من اولادكم ان يفعلوه. تدور كافة الاقتراحات التي تلي حول هذا الموضوع ، وهي قادرة على جعل كافة الأوضاع التي نمر بها مع اولادنا اكثر سهولة، بما في ذلك التحدي الذي يقضي بأن نجعلهم يفعلون ما نريد بسرعة وسهولة.

اختاروا كلماتكم بعناية

قد تشكل هذه النصيحة الفارق الأكبر في المنزل. ويمكنك ان تؤثر بشكل فاعل على المرح والسعادة والراحة والتناغم في منزلك وفي حياتك بشكل عام. وقد أكد العديد من الاهل هذا الكلام. لذا ، انظر ، استمع وتابع العمل!

اختر كلماتك وفقا لمعناها الحرفي والمادي. وستلاحظ من دون شك ان الامور اصبحت أسهل. يمكننا ان نؤثر مباشرة في مزاج وتوجهات أولادنا وان نجعلهم يفعلون الامور المهمة بسهولة وتعاون أكبر. دعونا ننظر الى كل مسالة على حدة.

التأثير في المزاج

عندما ندرك ان الاولاد ينفذون المعنى الحرفي للكلمات التي نستخدمها ، يمكننا ان نبرمجهم بكلماتنا. عندما نريد لأولادنا ان يختبروا الحب والنجاح والسعادة والاستمتاع والهدوء والتفكير بوضوح وحل المشاكل والتعاون والابتهاج وغيرها من الامور وان يفكروا فيها كلها ، علينا ببساطة ان نستخدم هذه الامور تحديدا. أجروا اختبارا. عندما تكونون في المرة القادمة مع اولادكم ، قرروا كيف تريدونهم ان يشعروا. وفيما انتم تتحدثون ، ابدؤوا باستخدام الكلمات التي تتماشى مع هذه المشاعر ، فكلما فعلتهم هذا ، ستنشطون اولادكم وتحفزونهم ليعيشوا هذه التجربة بالذات. ينطبق هذا عليكم ايضا. وبعد وقت قصير ، ستلاحظون على الارجح انتقالا نحو ما تقولون.

ولهذا قيمة عامة ومحددة. لننظر الى عائلاتنا على سبيل المثال. يمكننا ان نضبط الكلمات التي نستخدمها عادة لنتحدث الى بعضنا البعض. وبما اننا نعلم اننا جميعا نعبر عن معنى الكلمات من خلال سلوكنا فيمكننا ان نقوم التأثير الذي تخلفه. ونستطيع ان نستخدم هذا التأثير عبر تغيير الكلمات التي نستعملها بكل بساطة. رأينا عائلات تغير جوها العام بعد ساعات على بدء هذه العملية. ويمكن لكل فرد من افراد الاسرة ان يلعب دور المراقب للآخر للمساعدة على احداث تغيير. قد يتضمن هذا الامر الكثير من المتعة. تخيلوا على سبيل المثال الفارق بين تمثيل (سئمت وتعبت من ان اردد...) و (أريد منك ان تفعل هذا في الحال).

تكمن القيم المحددة في ردنا على حاجات بعضنا البعض. فاختيار كلماتنا من شأنه ان يجعلنا اكثر حساسية ، وفاعلية وابداعاً.

• تدخل اندريا باكية وهي تقول : (انا مستاءة جدا). (يزيد هذا من استياءها ، وهو امر جيد في هذه المرحلة).

تجيب امها: (يا للفتاة المسكينة ، تبدين وكأن عالمك يوشك ان ينهار. تعالي واخبريني ما يجري). (لاحظوا عبارة (الفتاة المسكينة) وعبارة (عالمك يوشك ان ينهار). هل هذا ما نريد لأندريا ان تكون وتعيشه؟)

يزداد بكاء اندريا التي تكافح لتقول: (انا يائسة للغاية فالكل يكرهني. لن اقيم أي صداقات يوماً). (لعلها تعبر بهذه الكلمات عن مشاعرها بصدق ، لكن هذا ما ليس صحيحاً في الواقع او لا يفترض على الاقل ان يبقى صحيحاً).

تربت عليها امها بلطف وتقول: (انت لست يائسة ، والكل لا يكرهك. انا واثقة من ان لديك الكثير من الاصدقاء). (الجملتان الاوليان لا تفيدان حتى وان هدفتا الى اظهار التعاطف. فأندريا تمثل دور (اليائسة للغاية) و(اكرهك). اما الجملة الاخيرة فأفضل، فتمثيل (لديك الكثير من الاصدقاء) جيد لها ، وان كانت اندريا غير مستعدة تماما لسماع هذا الان).

والان ، دعونا نرى مجموعة مختلفة من ردود الافعال :

• تدخل اندريا باكية وتقول : (انا مستاءة جداً).

تجيب الام: (تعالي يا عزيزتي واخبريني ما الخطب. انا واثقة من اننا سنتمكن من ايجاد حل. ما الذي يجري؟ فأنت لا تبدين سعيدة). (انها تزرع بذرة بشأن ايجاد حل وتطلب مزيدا من المعلومات ثم تدفعها داخلا برفق نحو الشعور بتحسن عبر استخدام كلمة (سعيدة)).

تتقدم أندريا التي لا تزال مستاءة من امها وتقول: (انا يائسة للغاية ، فالكل يكرهني. لن احظى يوما بأصدقاء).

تمسك الام بيدها وترد: (أحيانا ، عندما لا نشعر بالسعادة ، نتخيل ان الامور ليست جيدة بقدر ما هي في الواقع. وعندما نشعر عادة بتحسن ، ندرك ان الامور أفضل مما ظننا). (لاحظوا اختيار الكلمات والجمل مثل (نشعر بالسعادة) ، (جيدة بقدر ما) ، (نشعر بتحسن) و(أفضل مما ظننا). هذه الجمل كلها عند اتباعها ستساعد اندريا على رؤية الامور بشكل مختلف).

- المسالة بسيطة بالنسبة اليك ، فانت لديك من الاصدقاء.

اصبحت اندريا الان غاضبة وحزينة في آن. (هذه خطوة الى الامام ، إذ اصبحت جازمة اكثر وهي تستخدم كلمات من قبيل (الكثير من الاصدقاء).

- هذه ليست قضيتنا يا اندريا. النقطة الاساسية انك تشعرين وكان لا اصدقاء لديك. انت لا تحبين نفسك كثيرا في الوقت الحاضر وعلينا ان نجد ما يمكننا ان نفعله بهذا الشأن. دعينا نناقش المسألة ، فثمة حل لكل مشكلة. (ما زالت الام تبرمجها وتدفعها نحو مواجهة نفسها نحو التفكير عمليا بما ينبغي القيام به).