أقرأ أيضاً
التاريخ: 26-10-2014
5763
التاريخ: 24-10-2014
6215
التاريخ: 7-4-2016
12976
التاريخ: 26-11-2015
5719
|
قال تعالى : {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (1) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج : 1 ، 2]
{يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج : 11 - 14] .
ان العلاقة الحميمة والحب المتبادل والعطف والحنان والرعاية التي توليها الام لرضيعها ، لا يمكن أن توصف إلّا من قبل الام نفسها ، ولا تقوم به إلّا ام لأبنها فقط ، لكون ذلك مستحيلا ضمن قاموس الحب والحنان الموجود على ظهر الأرض.
فالأم وحدها تتحمل مشاكل الحمل وآلام الولادة وما يرافقها حتى ترى ثمرة ذلك ، ألّا وهو وجود طفلها بين أحضانها تقبله في عطف ، وتغدق عليه حنان الامومة بلطف ومحبة وتسقيه الحليب بشوق ومتعة. تسهر لسهره ، وتمرض لمرضه. وإذا ابتسم في وجهها أشرقت معانيها بابتسامة الرضى والأمل. لا تكل عن العناية به سواء في الليل أم في النهار ، فإذا صرخ دق قلبها الحنون ، وفزعت نحوه لتسكته ، وتعرف سبب صراخه.
هذه الام المخلصة ، والمستعدة لكل طارئ تجاه رضيعها ، تراها في لحظات معينة من حياتها تنسى هذا الرضيع وتتركه ، وتنشغل عنه بأمور أو مشكلة أو مشهد أهم وأعمق وأوسع وأشمل من أهتمامها برضيعها المدلل.
وهنا ينتصب السؤال : كيف حدث هذا التغير المفاجئ في غريزة ومنهاج و حياة هذه الام الوالهة ، بحيث تتصرف مثل هذا التصرف المخالف لطبيعتها وأخلاقها وعرفها.
ففي هذه الآية الكريمة يصف اللّه سبحانه وتعالى قيام الساعة وما يرافقها من وقائع ملؤها العظمة والرهبة والخوف ، بحيث أنّ تلك الام المسكينة تنشغل عن رضيعها المحبوب بما هو أهم وأكثر تأثيرا منه ، وذلك من هول الصدمة التي تتعرض لها عند رؤيتها لمنظر قيام الساعة ، الأمر الذي يجعلها تتصرف خلاف غريزتها وطبيعتها التوّاقة لاحتضان وإرضاع وليدها.
هذه الحالة تعتبر من الناحية النفسية والطبية حالة انقلاب شديد وعنيف على الواقع الذي كانت تسلكه الام خلال حياتها العادية ، وحالة اضطراب نفسي مفاجئ يجعلها تترك أعز ما لديها ، وتنشغل بانشداد للواقع الجديد الذي حدث أمامها ، وأدّى بها الى هذا التبدل المفاجىء والمخالف لغريزتها كام.
هذا الانقلاب النفسي الحاد الذي صوره اللّه لنا في هذه الآية ، يمثل قمة التصوير الفني الذي يوضح لنا المعنى المراد من الآية من خلال طرح العلاقة المعروفة بين الام ورضيعها .
هذه الصورة الاولى ، أما الصورة الثانية ، فحين تضع كل حمل حملها ، لأنّ شدة تأثير مشهد قيام الساعة لا يشغل- فقط- الام المرضعة عمّا ترضع ، وانما يترك أثرا شديدا وخوفا عنيفا وفزعا عظيما على المرأة الحامل ، فيؤدي ذلك إلى حدوث تقلصات في عضلات البطن والرحم. تؤدي في النهاية إلى اسقاط الجنين من بطنها بتأثير الخوف المفزع ، علما بأنّ هذا الخوف أو الرهبة من منظر قيام الساعة ، ليس بالشيء الطبيعي الذي تتحمله المرأة الحامل ، وإنما هو خوف عظيم يفوق طاقتها وتحملها النفسي والجسمي ، وله تأثير عصبي مباشر على الجهاز العصبي ، بحيث يؤدي إلى تقلص العضلات المذكورة بصورة عنيفة وسريعة ، مما ينتج عنه حالة إجهاض مفاجئة.
وتسمى هذه الحالة في الطب الحديث بالهبوط العصبي المفاجىء ، ويحدث هذا إمّا من رؤية بعض المناظر المرعبة ذات التأثير النفسي الحاد ، أو نتيجة لضربة مفاجئة وشديدة على أحد مراكز الدماغ أو بعض الأعصاب كالعصب العاشر ، فيؤدي ذلك إلى هبوط عصبي مفاجىء يجعل الأنسان يسقط على الأرض في حالة إغماء أو موت مفاجىء في بعض الأحيان.
وقد يرافق سقوط الأنسان على الأرض بعض الأعراض الطبية ، مثل التقيء الشديد ، واصفرار الوجه ، وسرعة في النبض ، مع تعرق شديد قد تنتهي في بعض الأحيان إلى السكتة القلبية.
أما في المرأة الحامل ، فإنّ التأثير العصبي المفاجىء ينتج عنه الاجهاض ، نتيجة العوامل النفسية والعصبية المارة الذكر.
والصورة الثالثة ، حيث ترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكنّ عذاب اللّه شديد. فمن المعروف أنّ شدة الصدمة العصبية تترك ردّ فعل عصبي بقدر تأثيرها على المشاهد ، فهؤلاء الناس المصابون بالهلع الشديد نتيجة هول المنظر المخيف الذي يرونه أمامهم ، يجعل منهم اناسا غير عاديين ، يتصرفون بشكل غير طبيعي أو إرادي أشبه ما يكون بالسكران الذي يتصرف بغير عقله.
هذا الانسان الذي كان قبل فترة وجيزة كامل العقل ، مدركا ، ذا إرادة وقوة وقدرة ، يتحول في ساعة معينة إلى إنسان آخر ، خائر القوى ، عديم التوازن ، يتصرف خلاف إرادته وارائه ، بسبب شدة الصدمة التي تعرض لها لدرجة جعلته مسلوب الفكر ، غير قادر على مواجهة المنظر أو الكارثة التي حدثت أمامه. فيأخذ بالتصرف بشكل غير عقلائي وسليم كأنه شرب كأسا مسكرا.
وهذا التحول لا يحدث إلّا عند ما يكون المؤثر الخارجي قويا جدا على المؤثر عليه.
هذا التشبيه البديع لأنسان عادي المظهر يتصرف من منظر مخيف كما يتصرف السكير هو خليط من الهلوسة التي تصيب بعض الناس نتيجة تعرضهم لضغوط نفسية عديدة ، وآلام وأفكار تجعل من حياتهم عرضة للخطر ، فيتصرفون وفق آراء مغايرة للواقع الذي كان يعيشونه ، ممّا يؤدي بهم في النهاية إلى سلوك طريق مغاير للمجتمع الذي انسلخوا عنه تدريجيا.
أو نتيجة تسلط فكري مشبع بآراء غير منطقية لا وجود لها في الواقع ، وإنما في مخيلة المصاب فقط وهذه الآراء المتسلطة تسبب له مشاكل مستقبلية ، وتؤدي إلى انفصاله تدريجيا عن المجتمع نتيجة لا نطوائه وتعلقه بتلك الآراء الخاطئة التي تصورها في نفسه فقط ، لأنّ الآية الكريمة تقول في الختام : وما هُمْ بِسُكارى ولكِنَّ عَذابَ اللَّهِ شَدِيدٌ. لأنّ السكر لم يكن واقعا بالفعل ، وإنما شدة العذاب جعلتهم يتصرفون تصرف السكارى.
أما الصورة الرابعة التي يعرضها اللّه علينا خلال تلك اللحظات من عمر الأنسان ، حيث يقول جلّ شأنه في سورة المعارج : {يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (13) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنْجِيهِ} [المعارج : 11 - 14] .
بهذه اللوحة الدقيقة المعالم والتصوير ، ذات التعبير الرائع ، يعرض علينا القرآن هذه الصورة الفريدة من نوعها ، التي تخالف العادات والقيم التي اعتاد عليها البشر ولا زال يلتزم بها في علاقاته العائلية والاجتماعية والعشائرية ، التي كانت تسيطر عليه وتسوده منذ نشأته الاولى وحتى الممات.
فالأب يحنو على طفله الصغير ، ويصرف الوقت والمال لكي ينمو ويترعرع في كنفه وتحت رعايته ، ويندفع نحو العمل ليلا ونهارا في سبيل إسعاد زوجته وإرضائها وتوفير العيش الكريم لها من مأكل وملبس ومشرب وكل ما تحتاجه ، بفضل الرابطة الربانية والحب الالهي الذي أوجده اللّه فيما بينهما منذ أيام الاقتران الاولى.
والأخ يحنو على أخيه ويساعده في كل شيء ، ويحمل الكثير من همومه وآلامه ، حتى يصبح قادرا على تحمل مصاعب الحياة.
أما الرجال فكل واحد منهم يبذل الجهد والمال لكي تكون علاقاته وروابطه مع أقربائه وعشيرته جيدة وحسنة ، يسودها الاحترام والمحبة والعون والمساعدة في أغلب الحالات والأحيان.
ولكننا نرى هذا الإنسان ذا الروابط الأجتماعية القوية ، يتصرف تصرفا مغايرا لما تعوّد عليه حينما يرى بأم عينيه قيام الساعة ومنظرها المهول الذي يجعل العقل حائرا والصبر نافذا ، فينسى في لحظات كل شيء كان في عقله.
ويبدأ بالتصرف وفق قانون الغريزة وحب البقاء ، ولم يعد يفكر إلّا بنفسه وكيفية خلاصها ونجاتها من المرتقب المجهول ، ولو كان ذلك على حساب أعز الناس إليه ، كالأولاد والزوجة والاخوان والعشيرة ، بل وحتى كل الناس.
سلوك مغاير ، وتبدل عجيب طرأ على ذلك الانسان المدهوش من قوة الصدمة النفسية ، حيث جعلت منه إنسانا ضيق الافق ، أناني النزعة ، يضحي بكل غال وعزيز في سبيل الخلاص من تلك الساعة ، متناسيا ما كان يحمله في الماضي من محبة وحنان وإخلاص ، فأصبح الآن تسيطر عليه الأنانية وحب الذات ، وتحولت عواطفه الروحية والانسانية إلى نزعة نرجسية لا مكان فيها للأيمان ولا همّ لها سوى النجاة والخلاص.
هكذا إنسان تغلبت عليه عقدة حب النفس أصبح من الخطورة والاستعداد لأن يفعل أيّ شيء ويضحي بكل شيء في سبيل إنقاذ نفسه ، والحفاظ عليها ، ولتكن فديته أقرب وأحب الناس إلى قلبه وعقله.
يا له من تبدل وتحول وانقلاب نفسي حاد ومفاجىء يطرأ على واقع الأنسان ومفهومه الشخصي نتيجة رؤيته ذلك المنظر المخيف ، وتلك الصورة المفزعة ، فأصبح لا يفكر إلّا بنجاة نفسه ولو على حساب جميع أهل الأرض . وهذه هي قمة (الذات النرجسية) عند الأنسان.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|