حديث يوم الغميصاء [1]

كان رسول الله صلى الله عليه وآله وجه المسلمين إلى الأحابيش وهم [2] الهون [3] بن خزيمة [4] والحيا من خزاعة وبنو مالك بن كنانة وهم بأسفل مكة، فقالت امرأة [5] من بني جذيمة وقد أكثر القتل فيهم: (الطويل)

والله لولا غوّث القوم أسلموا [6] ... للاقت سليم يوم ذلك ناطحا [7]

لماصعهم [8] بشر [9] وأصحاب جحدم ... ومرة حتى يترك [10] البرك [11] صائحا [12]

فكائن ترى يوم الغميصاء من فتى ... أصيب ولم يجرح وقد كان جارحا

ألظّت [13] بخطاب [14] الأيامى وطلقت ... غداتئذ من كان منهن ناكحا

وإن خالدا أسر منهم أسارى، فكان فيهم شاب [15] من بني جذيمة، فقال لبعض من يحرسه وهو مكتوف: انطلق بي [16] إلى هذا [17] السبي من النساء أسلّم على امرأة منهن، فذهب به فقال حين وقف على النساء: أسلمى حبيش [18] على نفد [19] العيش، فقالت المرأة: وأنت فحييت [20] عشرا وسبعا وترا وثمانيا تترى، فقال الفتى: (الطويل)

أريتك [21] إذ طالبتكم [22] فوجدتكم [23] ... بحلية [24] أو أدركتكم بالخوانق [25]

ألم يك حقا [26] أن يزوّد [27] وامق ... تكلف إدلاج السرى [28] والودائق [29]

وقد [30] قلت إذ أهلي لأهلك جيرة ... أثيبي [31] بودّ قبل إحدى الصوافق [32]

أثيبي [33] بود قبل أن تشحط النوى ... وينأى أمير [34] بالحبيب المفارق

قال: فلما قدم الفتى فضربت عنقه جاءت فخرت عليه حتى ماتت معه، فقال غلام من بني جذيمة في ذلك اليوم وهو يسوق [35] أمه وأختيه [36] :(الرجز)

ارفعن [37] أطراف الذيول [38] وأمشينّ [39] ... مشي حيّات كأن لم يفزعن [40]

إن تمنع اليوم الثلاث [41] تمنعن [42] وقال غلمة [43] من بني جذيمة يقال لهم بنو مساحق [حين سمعوا بخالد، فقال أحدهم-] [44] : (الرجز)

قد علمت بيضاء [45] صفراء [46] الإطل [47] ... يحوزها [48] ذو ثلة [49] وذو إبل

لأغنين [50] اليوم ما أغنى رجل

وقال الآخر: (الرجز)

قد علمت صفراء [51] تلهى العرسا ... لا تملأ اللحيين [52] منها نهسا [53]

لأضربنّ القومّ [54] ضربا وعسا [55] ... ضرب المحلين [56] مخاضا [57] قعسا [58]

ويروى: ضرب المجرين [59] ، وهو أجود، وقال الثالث: (الرجز)

أقسمت ما إن خادر [60] ذو لبدة [61] ... شثن [62] البنان في غداة بردة

جهم المحيا ذو شبال وردة ... يرزم [63] بين أيكة [64] وجحدة [65]

ضار [66] بآحاد [67] الرجال وحدة ... بأصدق الغداة مني نجدة

وذكر في إسناده عن عبد الله بن أبي حدرد [68] الأسلمي قال: كنت مع خالد يوم الغميصاء فأسرت غلاما منهم وجمعت يديه إلى عنقه، فلما مر بنسوة منه غير بعيد قال لي: اجعل طريقي على النسوة فان لي حاجة إن خف ذلك عليك، فأقبلت به نحوهن، فلما أن كان منهن بالمكان الذي يسمعن كلامه قال: أسلمى حبيش على نفد العيش، قالت: وأنت فأسلم شعيث سقاك ربي الغيث، فقال الفتى [69] : (الطويل)

رأيتك في الأيام كنت لقيتكم ... بحلية أو أيامنا بالخوانق

ألم يك حقا أن ينول [70] عاشق ... تكلف إدلاج السرى والودائق [71]

فلا ذنب لي قد قلت قبل فراقكم ... أثيبي بنيل قبل إحدى الصوافق

أثيبي بنيل قبل أن تشحط النوى ... وينأى الأمير بالحبيب المفارق

فإني ما ضيعت سر [72] أمانة ... ولا راق [73] عيني عنك بعدك رائق [74]

سوى ما نثت [75] قول العشيرة بينها ... على الظن منها ذاك [76] بعد التوامق [77]

فأجابته وقالت: وأنت فحييت [78] عشرا وتسعا وترا وثمانيا تترى، ثم انصرف فضربت عنقه، فلما رأته حبيش [79] أقبلت فأكبت عليه ولم تزل تشهق حتى ماتت، وقد كان القوم تأهبوا لحرب خالد بن الوليد فصاح بهم خالد أن ضعوا السلاح، فان الناس قد أسلموا فقال رجل منهم يقال له جحدم: يا بني جذيمة! إنه خالد بن الوليد فو الله ما بعد وضع السلاح [إلا-] [80] الإسار ولا بعد الإسار إلا حز [81] الأعناق، والله لا أضع سلاحي أبدا، فأخذه رجال من قومه، وقالوا: يا جحدم! أتريد أن تسفك دماءنا [82] ، إن الناس قد أسلموا ووضعت الحرب أوزارها وأمن الناس، فلم يزالوا به حتى وضع سلاحه ووضع قومه السلاح، ثم وضع خالد فيهم السيف فأكثر القتل وبلغ الخبر رسول الله صلى الله عليه فودى لهم الدماء وما أصيب لهم من الأموال حتى انه ليدي لهم مبلغة الكلب، حتى لم يبق شيء من دم ولا مال إلا وداه علي بن أبي طالب عليه السلام، وبقيت معه بقية من المال فقال لهم حين فرغ: [هل-[83]] بقي لكم دم أو مال لم يود لكم [84] ؟ قالوا: لا، قال: فأني أعطيكم هذه البقية من المال احتياطا لرسول الله صلى الله عليه مما لا يعلم ومما لا تعلمون، ففعل ثم رجع إلى رسول الله صلى الله عليه فأخبره الخبر، فقال: أصبت وأحسنت، قال: فكان بين خالد وعبد الرحمن في ذلك كلام فقال له عبد الرحمن: عملت [85] بأمر الجاهلية في الإسلام، فقال خالد: إنما ثأرت بأبيك [86] ، فقال عبد الرحمن: كذبت، قد قتلت قاتل أبي، ولكنك ثأرت بعمك الفاكه بن المغيرة.

________________

[1] الغميصاء كحميراء: موضع بالبادية على مقربة من مكة كان يسكنها بنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة بن كنانة.

[2] في الأصل: هو.

[3] في الأصل: الهول- باللام.

[4] في الأصل: جذيمة- بالجيم المعجمة والذال.

[5] اسمها سلمى- قاله ابن هشام في السيرة ص 836، وفي الأغاني 7/ 28: سلمى بنت عميس.

[6] الشطر الأول في سيرة ابن هشام ص 836 والأغاني 7/ 28 ومعجم البلدان 6/ 307:

ولولا مقال القوم للقوم أسلموا.

[7] أصابه ناطح أي أمر شديد ذو مشقة.

[8] ماصع: قاتل وجالد.

[9] في سيرة ابن هشام ص 836: بسر- بالسين المهملة.

[10] في سيرة ابن هشام ص 836 ومعجم البلدان 6/ 307: يتركوا.

[11] البرك كحرب: جماعة الإبل الباركة، وفي معجم البلدان 6/ 307: الأمر، وهو خطأ.

[12] في الأصل: صايحا- بالياء المثناة، وفي سيرة ابن هشام ص 836 ومعجم البلدان 6/ 307: صابحا- بالباء الموحدة، وهو خطأ، وفي الروض الأنف 2/ 285: ضابحا- بالضاد المعجمة والباء الموحدة.

[13] في الأصل: الطت- بالطاء المهملة، وألظ بالشيء: لازمه ولم يفارقه، وفي الأغاني 7/ 28: أحاطت.

[14] في الأصل: بخطاط- بالطاءين، تعني بخطاب الأيامى خالد بن الوليد.

[15] اسمه عبد الله بن علقمة الجذمي، ذكرت قصته في الأغاني 7/ 25 وما بعدها.

[16] في الأصل: إلى.

[17] في الأصل: هذ.

[18] في الأصل: جيش، وحبيش كزبير ترخيم حبيشة.

[19] في سيرة ابن هشام ص 837: في نفد من العيش، وفي الأغاني 7/ 29: قبل نفاد العيش.

[20] في الأصل: فجيت- بالجيم، وفي الأغاني 7/ 29: وأنت فأسلم تسعا وترا وثمانيا تترى وعشرا أخرى، وفي سيرة ابن هشام ص 838: فحييت سبعا وعشرا وترا وثمانيا تترى، ومعنى تترى متتابعا وأصلها وترى.

[21] في الأصل: أريت، والتصحيح من سيرة ابن هشام ص 837 ومعجم البلدان 7/ 249.

[22] في الأصل: إذا ادلتكم، والتصحيح من سيرة ابن هشام ص 837 ومعجم البلدان 7/ 249.

[23] في الأصل: فطلبتكم، والتصحيح من سيرة ابن هشام ص 837 ومعجم البلدان 7/ 249.

[24] في الأصل: بحليبة- بالباء الموحدة، وحلية كقرية: واد بتهامة أعلاه لهذيل وأسفله لكنانة- معجم البلدان 3/ 313، وفي معجم البلدان 7/ 339: بلية- بكسر اللام وتشديد الياء المفتوحة وهي من نواحي الطائف.

[25] في معجم البلدان 7/ 349: الخرانق، والخوانق: موضع عند طرف جبل أجا في غربي نجد، وكذلك الخرانق بالراء- انظر معجم البلدان 3/ 413 و 480.

[26] في سيرة ابن هشام ص 837: أهلا.

[27] في سيرة ابن هشام ص 837 ومعجم البلدان 7/ 349: ينوّل.

[28] في سيرة ابن هشام ص 837: اذلاخ، وهو تحريف.

[29] في الأصل: وسردايق، والودائق جمع الوديقة وهي شدة الحر.

[30] في الأصل: وهل، وفي الأغاني 7/ 29 وسيرة ابن هشام:

فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرة، إذ أهلنا معا (رواية ابن هشام) والجيرة بكسر الجيم المعجمة جمع الجار.

[31] في الأصل: ابتي.

[32] في الأغاني 7/ 29: البوائق، وفي 7/ 30 منه: الصعائق، وهو تصحيف، وفي سيرة ابن هشام ص 837: الصفائق، والصوافق والصفائق شيء واحد وهما والبوائق: الدواهي والنوائب.

[33] في الأصل: ايثني.

[34] في سيرة ابن هشام ص 837: الأمير.

[35] في الأصل: وهم يسوقون، والتصحيح من سيرة ابن هشام ص 838.

[36] في الأصل: أخته.

[37] في سيرة ابن هشام ص 839: رخين- أنظر الأغاني 7/ 27.

[38] في سيرة ابن هشام ص 838: المروط.

[39] في الأصل: وارلقا، وفي سيرة ابن هشام ص 839: وأربعين، ولعل الصواب ما أثبتنا.

[40] في الأصل: يفرعا.

[41] في سيرة ابن هشام ص 839: النساء.

[42] في الأصل: تمنعا.

[43] في الأصل: غلام.

[44] الزيادة من سيرة ابن هشام ص 839.

[45] في الأصل: بيضا.

[46] في الأصل: صفر.

[47] الإطل بكسر الهمزة والطاء: الخاصرة جمعه آطال.

[48] في الأصل: يجودها- بالدال المهملة.

[49] الثلة- بالثاء المثلثة المفتوحة وتشديد اللام المفتوحة: جماعة الغنم الكثيرة.

[50] في الأصل: لاعنين- بالعين المهملة.

[51] في الأصل: صفرا.

[52] في الأصل: اللجين، وفي سيرة ابن هشام ص 839: الحيزوم، ومعناه الصدر والوسط.

[53] نهس اللحم نهسا: أخذه بمقدم فيه، وهذا المعنى لا يوافق السياق فالكلمة محرفة عندنا.

[54] في سيرة ابن هشام ص 839: اليوم.

[55] الوعس كوعد: شدة الوطأ على الأرض.

[56] في الأصل: المخلين- بالخاء المعجمة، والمراد بالمحلين الذين خرجوا من الحرم إلى الحل.

[57] المخاض: الإبل الحوامل.

[58] القعس (بالضم) من الإبل التي تأبى أن تمشي أو تنقاد لقائدها.

[59] في الأصل: المحرين- بالراء، ولعل الصواب ما أثبتناه.

[60] الخادر: اللازم، يقال: خدر الأسد في عرينه من باب نصر إذا لزمه.

[61] اللبدة بكسر اللام: الشعر الذي يكون فوق كتفه.

[62] شئن البنان بفتح الشين وسكون الثاء المثلثة: خشن الأصابع.

[63] يرزم من أرزم: يرعد، وفي الأغاني 7/ 27: يزأر.

[64] الأيكة بفتح الهمزة الغيضة الملتفة الأشجار جمعها الأيك.

[65] أرض جحدة بفتح الجيم المعجمة: اليابسة خالية من الخير، وفي الأغاني 7/ 27: وهدة وهي الأرض المنخفضة.

[66] ضرى الكلب بالصيد من باب سمع: تعوده وأولع به وتطعم بلحمه ودمه، وفي الأغاني 7/ 27: يفرس.

[67] في سيرة ابن هشام ص 839: بتأكال، وفي الأغاني 7/ 27: شبان.

[68] حدرد كجعفر.

[69] راجع حواشي ص 213 لشرح الأبيات الأربعة التالية.

[70] في الأصل: نبول- بالباء الموحدة.

[71] في الأصل: الروائق- بالراء المهملة.

[72] في الأصل: السر.

[73] راق عيني: أعجبها وسرها.

[74] في الأصل: رايق- بالياء المثناة.

[75] نثت: أشاعت.

[76] في الأصل: ذلك.

[77] البيت في سيرة ابن هشام ص 838 والأغاني 7/ 30 هكذا روي:

سوى أن ما نال العشيرة شاغل ... عن الود إلا أن يكون التوامق

[78] في الأصل: فحيت.

[79] في الأصل: حبيس.

[80] ليست الزيادة في الأصل.

[81] في الأصل: حزب.

[82] في الأصل: دما.

[83] ليست الزيادة في الأصل.

[84] في الأصل: يودي إليكم، والتصحيح من سيرة ابن هشام ص 835.

[85] في الأصل: علمت- بتقديم اللام على الميم.

[86] يعني عوفا أبا عبد الرحمن، وكان رجال من بني جذيمة قتلوه والفاكه عم خالد كما مر.