أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-05-2015
2446
التاريخ: 27-8-2022
1517
التاريخ: 10-12-2015
9912
التاريخ: 24-11-2015
16733
|
قال تعالى : {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [الحشر: 19]
تنطوي الآية الكريمة على احتمالات ، تناسب تلك الاحتمالات المختلفة المراتب والمتّحدة الحقيقة ، ممّا لا مجال للتفصيل فيه. بيد أنّني أكتفي بذكر نقطة واحدة، هي أنّ نسيان الحقّ يوجب نسيان النفس ، سواء أكان «النسيان» بمعناه المألوف [عدم التذكّر] أو كان بمعنى الترك، فعلى كلا المعنيين ثمّ في الآية تحذير قاصم.
إنّ نسيان الحقّ تعالى يستلزم نسيان الإنسان نفسه، أو قل إنّ الحقّ تعالى يجرّه إلى نسيان نفسه، وهو أمر يصدق على كلّ المراحل السابقة.
فمن ينسى اللّه وحضوره جلّ وعلا في مرحلة العمل، يبتلى بنسيان نفسه، أو إنّه يجرّ إلى ذلك؛ ينسى عبوديته فيجرّ إلى النسيان من مقام العبودية. فمن لا يعرف ما هو ومن هو وما هو تكليفه وما هي عاقبته، فقد حلّ الشيطان فيه وتسلّط عليه وحلّ محله، والشيطان هو عامل العصيان والطغيان. وما لم ينتبه هذا الإنسان إلى نفسه ويئوب إلى ذكر الحقّ، ثمّ ينتقل عن هذا العالم وهو على هذه الحال من الطغيان والتمرّد، فقد يأتي في ذلك العالم بصورة شيطان مطرود من قبل الحقّ تعالى.
أمّا إذا كان النسيان بمعناه الآخر؛ أي بمعنى «الترك» ، فسيكون الأمر أوجع وأشدّ إيلاما؛ لأنّه إذا كان ترك طاعة الحقّ وترك الحقّ من قبل الإنسان موجبا لأن يتركه الحقّ ويكله إلى نفسه ويقطع ألطافه عنه، فلا شك أنّ ذلك سينتهي به إلى خذلان الدنيا والآخرة. لذا نرى كثرة ما جاء في الأدعية الشريفة المأثورة عن المعصومين عليهم السّلام من التأكيد في الدعاء على عدم إيكالنا إلى أنفسنا (1) ؛ لأنّهم عليهم السّلام يدركون تبعات هذه المصيبة، فيما نحن عنها غافلون !
بني، استعظم الذنوب ولا تستخفّ بها مهما بدت صغيرة في عينيك : «انظر إلى من عصيت» (2) , وبهذا المقياس ستغدوا كلّ الذنوب كبائر.
لا تغترّ بأيّ شيء، فجميع الأشياء من اللّه تبارك وتعالى، ولو انقطعت ألطافه الرحمانية عن موجودات عالم الوجود بتمامها لحظة، لما بقي لشيء أثر، حتّى للأنبياء المرسلين والملائكة المقرّبين؛ لأنّ كلّ ما في الوجود مظهر لرحمانيته جلّ وعلا، وأنّ رحمته الرحمانية جلّ وعلا هي المبقية بدوامها دوام نظام الوجود؛ وهي المبقية لنظام الوجود : ولا تكرار في تجلّيه جلّ وعلا. وقد يعبّر عن الحالة أحيانا ببسط الفيض وقبضه على سبيل الاستمرار.
لا تنسى حضوره سبحانه في كلّ حال ، ولا تغترّ برحمته، وفي الوقت نفسه لا تيأس منها. كما لا تغترّ بشفاعة الشافعين عليهم السّلام ؛ لأنّ لكلّ ذلك موازين إلهية نجهلها نحن.
اجعل نصب عينيك أدعية المعصومين عليهم السّلام، وتحرّقهم وتضرّعاتهم ورهبتهم من خشية الحقّ وعذابه، واتخذها نبراسا ينير أفكارك ويوجّه سلوكياتك.
إنّ الأهواء النفسانية وشيطان النفس الأمّارة بالسوء، تدفعنا نحو الغرور، وتجرّنا بذلك إلى التهلكة» (3).
نعيد التأكيد مجدّدا إلى أنّ هذه المقاطع جاءت تجمع بين التفسير بمعناه الوظيفي وبين الإفادات التي تنطلق على ضفاف الآيات، وتستمد منها المعاني، كما فعل سماحته حين دمج في مركّب واحد، بين التفسير وتحليل بعض مكوّنات النفس الإنسانية ونزعاتها، وبين حركة الواقع ووجود الإنسان ودوره في الحياة.
و لم نشأ أن نفصل بين الاثنين تبعا لما يقضي به منهج العرض، حفاظا على وحدة سياق النص، ولكي لا يؤثّر الفصل على انسجامه وانسيابه (4).
___________________________
(1)- من ذلك :« ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا»( الكافي 2 : 524/ 10) ، وكذلك : « ولا تكلني إلى نفسي»( نفس المصدر 2 : 562/ 20) ، أيضا : عن ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام ، يقول وهو رافع يده إلى السماء : « ربّ لا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا،-- لا أقل من ذلك ولا أكثر» ، قال : فما كان بأسرع من أن تحدّر الدموع من جوانب لحيته، ثمّ أقبل عليّ فقال : « يا ابن أبي يعفور إنّ يونس بن متى وكّله اللّه عزّ وجلّ إلى نفسه أقلّ من طرفة عين، فأحدث ذلك الذنب»، قلت : فبلغ به كفرا أصلحك اللّه ؟ قال : «لا، ولكن الموت على تلك الحال هلاك» ( نفس المصدر 2 : 581/ 15).
(2)- جامع السعادات 3 : 76، وفيه :« ولا تنظر إلى صغر الخطيئة، وانظر إلى كبرياء من واجهته بها».
(3)- وعده ديدار : 113- 115، المظاهر الرحمانية : 73- 74.
(4)- هناك نصوص تفسيرية اخرى لهذه الآيات في مصنفات الإمام، منها : شرح حديث جنود عقل وجهل : 52، 131 ، آداب الصلاة : 259 ، تفسير سورة حمد : 104، 158 ، مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية : 21.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|