أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-26
999
التاريخ: 19-1-2023
1292
التاريخ: 31-3-2016
2935
التاريخ: 9-10-2014
3038
|
{ولقد آتينا داود منا فضلا}
{يا جبال أوبي معه والطير}
{وألنا له الحديد}
{أن اعمل سابغات وقدر في السرد}
{واعملوا صالحا إني بما تعملون بصير}
ويلاحظ بوضوح أن الحكاية تتضمن حدثين أو أكثر، تتسم جميعا بطابع المعجز.
ويلاحظ ثانيا أن الحكاية تتحرك في بيئة إنسانية، وحيوانية، وصناعية، وطبيعية.
ويلاحظ ثالثا أن البيئات الثلاث: الإنسانية، والحيوانية، والطبيعية، قد اكتسبت طابعا حركيا أوفلنقل: طابع الشخوص الذين يمارسون سلوكا واعيا.ويلاحظ رابعا أن البيئات المذكورة أو الشخوص وظفت بأكملها لإلقاء الإنارة على بطل رئيسي واحد هو داود (عليه السلام).
ولنبدأ بتوضيح هذه الملاحظ الأربعة والصياغة الفنية لها.
* * *
من حيث الحدث، فإن طابع الإعجاز يسم كلا من الجبال، والطير، والحديد.
فالحكاية تبدأ بطرح قضية العطاء الذي يشكل فكرة تتخلل الحكايات الثلاث داود، سليمان، سبأ. إنها ـ أي الحكاية ـ تحدد بوضوح عطاء الله لداود (عليه السلام):
{ولقد آتينا داود منا فضلا}
ثم تتقدم بعرض مستويات العطاء المذكور بادئة بالحادث المعجز وهو تسبيح الجبال ثم الطير.
{يا جبال أوبي معه والطير}
ويلاحظ من حيث لغة الحكاية أن عرض العطاء لم يصغ من خلال السرد، بل من خلال الحوار:
{يا جبال أوبي...}
ويلاحظ أيضا أن الحوار قد صيغ احادي الطرف، وإلى أنه خطاب وجهته السماء
إلى الجبال، أمرتها أن تسبح مع داود.
ويعنينا الآن أن نوضح الأسرار الفنية لصياغة التسبيح حوارا بدلا من السرد فيما يتصل بالجبال. مثلما يعنينا أن نتعرف على الطير من حيث صياغته حوارا أيضا، أو احتمال كونه سردا، ثم ما يواكب ذلك من دلالات فنية لصياغة الموقف حوارا أو سردا.
ومن البين أن السماء لم تصغ فيما يتصل بالطير حوارا مماثلا للجبال {يا جبال أوبي معه والطير}، بل عطفت والطير على الجبال، فيما يمكننا أن نستكشف إحتمالين فنيين.
إنه من الممكن ـ كما لاحظ بعض النحاة ـ أن تكون الطير معطوفة على الجبال، بحيث تصبح حوارا.
ومن الممكن ـ كما لاحظ البعض أيضا ـ أن تكون بمعنى سخرنا، فتكون سردا.
وأيا كان الأمر، فإن الحوار فيما يتصل بظاهرة الجبل ينطوي على دلالة فنية أشد فاعلية من السرد مادام الأمر متصلا ببيئة طبيعية هي الجبال، فيما لم يعهد منها الوعي فضلا عن النطق.
من هنا فإن أية صياغة لتسخيرها وجعلها متجاوبة مع داود (عليه السلام) ستأخذ فاعلية أشد حينما يخلع عليها طابع الوعي والنطق، مقترنين بخطاب موجه إليها، أي: بحوار من السماء يتجه إلى الجبال.
وإذا أدركنا أن الفارق بين الطير والجبل، أن الأول منهما يحمل خصيصتين لم يحملهما الآخر ونعني: الوعي واللغة الحيوانيين، أمكننا حينئذ أن نتبين سر الخطاب الموجه إلى موجودات تفتقر إلى الوعي واللغة بحيث يحملنا ذلك على استكشاف القيمة العظيمة لعطاء الله، فيما بلغت الدرجة التي جعل من خلالها أن يعي الجبل، وأن يسبح أو أن يرجع التسبيح، على الأقل من خلال نمط العناية الالهية التي وجهت خطابا مباشرا إلى الجبال بدلا من مجرد تسخيرها بشكل غير مباشر،... مما نستشف من خلاله أن العناية أو الفضل كان من الخطورة بنحو: خلع الله على الجبال وعيا، ثم أضاف إلى ذلك فضلا آخر، هو أنه وجه إليها خطابا مباشرا للتدليل على درجة الاهتمام بالموقف الذي كان من الممكن أن يتم التسخير من خلاله بنحو غير مباشر.
إذن خطورة الحوار تتضح تماما من حيث الخصائص الفنية التي تشكل مسوغا لصياغته بهذا الشكل بدلا من مجرد السرد.
* * *
لحظنا أن الإعجاز هو السمة التي رافقت قصة داود في قضية الجبال التي أمرها الله أن تسبح مع داود.
وحين نتابع هذه السمة الإعجازية، نجد أن النصوص المفسرة تتراوح في عدة استخلاصات تتصل بالدلالة التي انطوت عليها ظاهرة التأويب:
{يا جبال أوبي معه والطير}
فهناك من الدلالات ما يشير إلى التسبيح، وهناك ما يشير إلى دلالة الترجيع، وهناك ما يشير إلى دلالة المسير، أي الجبال سخرت لتسير مع داود لإنجاز مهماته المختلفة فيما يتصل بحفر الآبار والعيون والمعادن والطرق.
بيد أن التسبيح يظل أشد الدلالات المذكورة في هذا الصدد.
والمهم، أن الدلالات بأكملها تبقى مطبوعة بسمة الإعجاز، مع ملاحظة أن التسبيح أو ترجيعه وفقا لبعض نصوص التفسير الذاهبة إلى أن داود عند قراءته الزبور في البراري، إنما كانت الجبال والطير تسبح معه، مما نستكشف أن مثل هذه الدلالة، أي التسبيح ليست مجرد ظاهرة إعجازية فحسب، بل تنطوي على دلالات اخرى، يستكشفها المتلقي حينما يدقق في الفضل الذي منحته السماء لـ داود:
{ولقد آتينا داود منا فضلا}
وفي دلالة التسبيح الذي واكب داود فيما يتصل بنمطين من الكائنات: الجبال والطير.
إن خلع الوعي على الجبال مضافا إلى النطق،... وخلع الدلالة الهادفة:
التسبيح على الطيور، من الممكن أن يستثيرا لدى المتلقي أكثر من دلالة فكرية يفيد منها في هذه الفقرة من السرد.
1 ـ فثمة حقيقة يستكشفها بوضوح حينما يحاط علما بأن الكون بأكمله قد وظف لأداء المهمة العبادية أو الخلافية بما في ذلك: الجماد والحيوان.
2 ـ إن اللغة ـ غير البشرية ـ تظل حقيقة لا مناقشة في صدورها عن كائنات لم نفقه لغتها، حتى وإن كانت جمادا:
{ولكن لا تفقهون تسبيحهم}
كما هو صريح آية قرآنية كريمة في غير هذه السورة.
3 ـ إن تسبيح كائنات غير مألوفة لدى الاعتياديين من البشر وجعله، أي التسبيح مفهوما لدى كائن محدد مثل شخصية داود، يعني إكساب هذه الشخصية طابعا متميزا خاصا يتساوق وظاهرة الفضل التي أشارت الآية إليه في بدء الاقصوصة يضاف إلى ذلك أن تسبيح الجبال والطير نفسه يدلنا ليس على مجرد الفضل الذي منحته السماء لداود فحسب من حيث كونه يفقه لغتها، بل إن تجاوبها مع داود يدلنا على خطورة التسخير: تسخير الكائنات الاخرى للآدميين في حالة تأديتهم للمهمة العبادية.
4 ـ إذا كانت الجبال والطير متسمة بالتجاوب مع رسالة السماء من خلال كائن آدمي، فحري بالآدميين أنفسهم أن يتجاوبوا مع خليفة على الأرض يشاركونه الوعي واللغة المماثلتين لوعي الخليفة ولغته.
* * *
إن الدلالات الفكرية المذكورة يعززها النص بظاهرة اخرى تتصل ببيئة صناعية هي: صناعة الدرع.
ويلاحظ من حيث البناء الفني للاقصوصة أنها قامت على فقرتين أو آيتين:
أولاهما تحدثت عن التسبيح وما واكبه، والاخرى تحدثت عن الصناعة.
ونحن ينبغي ألا نمر عابرا على هذه الخصيصة المعمارية في الاقصوصة، حين نلحظ أن الآية الاولى تتحدث عن مهمة عبادية خطيرة تتصل بكل الكائنات:
إنسانا وحيوانا وجمادا،... في حين تتحدث الآية الاخرى عن مجرد عمل صناعي يتصل بالدرع...
لكننا بأدنى تأمل، يمكننا أن ندرك السر الفني لشطر الاقصوصة شطرين متوازنين يخصص أحدهما للتسبيح، والآخر للعمل اليدوي...
إن هذا يعني أن الاقصوصة تستهدف لفت أنظارنا إلى خطورة العمل اليدوي وأهميته الكبيرة لدى السماء في زحمة المهمة العبادية التي ألقتها على الكائن الآدمي.
إن النصوص الإسلامية طالما تشير أن العمل هو عز الرجل، وإلى أن من يعيل الآخرين أشد فاعلية من حيث معطى العمل العبادي من الممارس لعملية العبادة بمعناه الخاص،... هذا فضلا عما ينطوي عليه العمل من وأد للذات، ودفع للنشاط، واستثمار له من أجل استمرارية المهمة الخلافية... ولعل النماذج المصطفاة من أنبياء وأئمة، وممارساتهم للأعمال اليدوية يفصح عن الحقيقة المذكورة بوضوح.
والمهم أننا حتى بعيدا عن إنارة النصوص الإسلامية لهذا الجانب، يمكننا أن نستخلص ـ فنيا ـ هذه الحقيقة، مادامت الاقصوصة تخصص شطرا مماثلا لشطر التسبيح في رسمها للمهمة العبادية.
ومع ذلك فإن النصوص المفسرة تحدد لنا هذا الجانب المتصل بشخصية داود، حينما أوضحت أن السماء أوحت لداود بأ نه نعم العبد، لكنه يأكل من بيت المال.
وعندها بكى داود أربعين صباحا فألان الله له الحديد، وعمل منه الدروع، وأفاد منها في رزقه.
إن لفت انتباه داود إلى أ نه يأكل من بيت المال يشير إلى ما استخلصه المتلقي ـ فنيا ـ من خطورة العمل اليدوي ومعطياته النفسية والعبادية،... مضافا إلى أن حرص السماء حتى على إعطاء التفصيلات المتصلة بممارسة العمل الصناعي فيما خاطبت داود بقولها:
{وقدر في السرد}
هذا الحرص على تفصيل العمل حتى فيما يتصل بتنظيمه وتعديله يفصح عن خطورة العمل اليدوي وموقعه من الوظيفة العبادية بعامة.
* * *
على أية حال تضمنت اقصوصة أو حكاية داود (عليه السلام) هدفا فكريا محددا هو الفضل أو النعم التي تغدقها السماء على الآدميين مثلما تضمنت رسما لبعض أنماط النعم المختلفة، فيما أوضحت المقدمة {ولقد آتينا داود منا فضلا} مفهوما عاما عن النعم، ثم فصلت بعضها فيما يتصل بداود.
وسيجيء أيضا في اقصوصة سليمان مثل هذا المفهوم للفضل وتفصيلات اخرى.
كما سيجيء ـ مثلما رأينا ـ مثل هذا المفهوم فيما يتصل بسبأ. وكل ذلك يكشف عن البناء الهندسي للأقاصيص الثلاثة التي يجمع بينها هدف موحد وتفصيلات متنوعة تلتم عند ذاك الهدف.
ولا يغب عن بالنا أن اقصوصة داود (عليه السلام) قد ختمت بقوله تعالى:
{واعملوا صالحا...}
حيث يجيء هذا الختام مرتبطا بضرورة الشكر للنعم المذكورة، وانعكاس هذا الختام على هيكل الأقاصيص اللاحقة من سورة «سبأ» فيما وقفنا على قصة سبأ منها وعدم شكر السبئيين للنعم التي أغدقتها السماء عليهم، نعم المزرعتين والمواصلات بين المدن على نحو ما تقدم مفصلا.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|