أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-12-2015
1786
التاريخ: 2024-08-29
316
التاريخ: 11-12-2015
2540
التاريخ: 27-11-2015
2052
|
للتوحيد معنى متميز في القرآن الكريم، لا يدركه إلا أهل البصيرة والفهم العميق، لأنه من المسائل التي يتوقف على معرفته، ويكون شرطا أساسيا لاتباع والتزام ما جاء به هذا الكتاب،
يقول الإمام علي (عليه السلام) في نهج البلاغة : «أول الدين معرفته وكمال التصديق به توحيده وكمال توحيده الإخلاص له». (1)
ومما لا شك فيه أن معرفة اللّه الواحد الأحد معرفة فطرية، وحينما نقول أن المعرفة فطرية يعني أن عقل الإنسان ليس بحاجة إلى بذل جهد، وإقامة البراهين الفلسفية المنطلقة من قواعد معقدة حتى نثبت له ذلك، بل هو يدرك الأمر بسهولة، بالنظر إلى ما حوله من الوجود، والظواهر التي تحيط به كإنسان، فيشعر أنها بحاجة إلى مدبر، ويتولد عنده من ذلك الشعور بأنها محتاجة إلى صانع يوجدها، وخالق لا يحتاج في إيجادها إليها، يقول سبحانه وتعالى : {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم : 30]، وعن الإمام الصادق (عليه السلام) انه قال : في تفسير هذه الآية الشريفة فطرهم على المعرفة (2)
فبالمعرفة الفطرية تنشأ العلاقة القلبية، التي تربط الإنسان بقوة تعيش في أعماق قلبه، وتشعره بضعفه أمام هذه القوة الإلهية، وانه مجرد مخلوق من قبل خالق لهذا الكون، وقد يغفل بعض البشر عن هذه القوة الإلهية، لهذا فهم بحاجة إلى تذكير، وتنبيه عن غفلتهم، فكان الأنبياء حيث بعثهم اللّه للناس، كي يذكروهم بهذه العلاقة القلبية، فيقول ربّنا سبحانه وتعالى : { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ } [الأعراف : 172]
وكما أن المعرفة للوجود الإلهي فطرية، كذلك التوحيد فطري، ومعنى هذا القول أن لا شريك للّه عز وجل، كما يقول ربّنا سبحانه وتعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء : 22]، وتشير هذه الآية إلى تلك المعرفة الفطرية التي يقرّ بها العقل، بغرض الفساد بوجود الهين في الكون، لأن ذلك يخالف وحدة التنظيم، والإتقان في النظام، التي تدل على أن الخالق في غاية الإبداع والحكمة والكمال، وهو في غنى عن الشريك.
والقرآن الكريم قد أشار إلى التوحيد والدعوة إليه، واعتبره أساسا لبناء المجتمع، وإقامة صرحه، برفض كل بديل، وفكرة غريبة، لا تنطلق من هذا الأساس ومن هذا المبدأ. كما واعتبره المحرك الأول للفكر والثقافة الإسلامية، التي تبني حاضر ومستقبل الأمة الإسلامية كما شيدته في الزمن الماضي، فهو يمثل المنطلق الحقيقي للنهوض والبناء والتقدم في عصرنا هذا وفي كل عصر.
ولم يكن التوحيد سمة القرآن والإسلام فقط، بل هو سمة اتصفت بها كل الأديان السماوية جميعا، وقد دعت إلى وحدانية اللّه في هذا الكون، وما نهضت الأمة الإسلامية، وما استطاعت أن تكوّن حضارتها، وتقيم مجدها إلا بمفهوم التوحيد، حيث أحدث نقلة حضارية من حالة الحضيض إلى حالة العلو والسمو، ومن هذا المبدأ لترسيخه في حياة المسلمين كقوله تعالى :
{وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة : 163]
{ هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [غافر : 65]
{وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت : 46]
{ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا} [الحج : 34]
{هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [إبراهيم : 52]
وأعلن القرآن صراحة أن التوحيد هو توحيد الألوهية الخالصة، ومن لا يقرّ بهذا مشركا باللّه، وأن الشرك حالة عارضة على فطرة الإنسان، باعتبارها تشكل انحرافا فطريا، والشرك لا يعني عبادة الأصنام فقط أو قوى الطبيعة كالأجرام السماوية وما شابه ذلك، قد يكون الشرك أبعد من ذلك، حينما يتحول خضوع الإنسان للمتغيرات وما يقبل الفناء، وهذا ما حاولت الفلسفات الحديثة بدعوتها إلى ألوهية الإنسان، أو ألوهية المادة، أو اتخاذ الغريزة، أو لقمة العيش تفسيرا للوجود، وقد تكون هذه الدعوات الجديدة هي نفس الدعوات القديمة بلباس منمّق جذّاب المظهر والشكل وفاسد المحتوى، وهذا هو أسلوب الحياة المعاصرة إذا فهي دعوة إلى عبادة الأوثان بشكل جديد.
وتأكيد القرآن على مسألة التوحيد لأنه يشكل المرحلة الأولى للهداية القرآنية، والإيمان باللّه لا يتم إلا عبر وحدانيته، بل يتوقف كل عمل عبادي اجتهادي تربوي أو أخلاقي سياسي أو اقتصادي على معرفة هذا المبدأ، لأنه المنطلق الأول في الحياة.
روي عن المقدام بن شريح بن هاني عن أبيه قال : أن أعرابيا قام يوم الجمل إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا أمير المؤمنين أ تقول بأن اللّه واحدا. قال :
فحمل الناس عليه. وقالوا : يا أعرابي أما ترى ما فيه أمير المؤمنين من تقسم القلب؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : «دعوه فإن الذي يريده الأعرابي هو الذي نريده من القوم». (3)
بل وتوحيد اللّه ينعكس على سلوك الإنسان، حينما يسلم وجهه للّه الواحد الأحد في كل شيء، فإنه يشعر في قرارة نفسه بأن اللّه رقيب عليه في كل حين { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر : 19]، وحينها تكون مواقف الإنسان وأعماله منسجمة مع هذا المبدأ، فهو يبتعد عن كل ما يغضب اللّه، ويتقرب إلى كل أمر يرضيه خشية منه سبحانه وتعالى لا خوفا من المجتمع، لأن اللّه تعالى يراه أينما كان وأنى يكون، فمن يؤمن بأن اللّه خالق الكون والحياة والإنسان. هو الواحد لا شريك له بيده الأمر والحكم { بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا} [الرعد : 31]
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 120] فمن يؤمن به وحده لا شريك له، لا يستعين إلا به، ولا يطلب حاجته إلا منه، ولا يتوجه إلا إليه، ولا يدعو غيره إذا أصابته مصيبة، ولا يشكر غيره إذا حصل على نعمة، وإذا كان في بلاء وشدة فلا يلجأ إلا إليه، وإذا فعل خيرا فلا يرجو الثواب إلا منه، وإذا أراد النجاة فرّ إلى اللّه عز وجل.
_________________
1. نهج البلاغة خطبة 1 .
2. المحاسن (ج224) ص 241 .
3. نقلا عن تفسير الميزان (ج6) ص 91 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|