العلاقة بين مفهومي التنمية المستدامة والتنمية البشرية المستدامة |
3219
08:20 مساءً
التاريخ: 15-11-2020
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-3-2018
10334
التاريخ: 2024-07-07
381
التاريخ: 2024-06-03
598
الإطار الإحصائي المحاسبي للحسابات القومية وطرق العرض (القطاعات الرئيسية والحسابات والجداول الأساسية)
التاريخ: 2024-06-09
549
|
رابعا - العلاقة بين مفهومي التنمية المستدامة والتنمية البشرية المستدامة :
ليست التنمية البشرية مفهوما جديدا. فقبل بضعة عقود كانت تستعمل للإشارة بشكل أضيق إلى الاستثمار في المهارات البشرية. وكان ينظر إليها على أنها مكمل ضروري للاستثمار في رأس المال المادي. وفي أوساط المختصين الإداريين كانت التنمية البشرية تميل إلى التساوي مع تطوير الموارد البشرية. ولم تكتسب التنمية البشرية معنى أعمق إلا في السنوات الأخيرة من خلال الإدراك بأن التنمية قابلة للإدامة فقط عندما يكون البشر قادرين بصورة متزايدة على التحكم بمصائرهم. ذلك أن جوهر التنمية البشرية هو جعل التنمية في خدمة الناس بدلا من وضع الناس في خدمة التنمية. ومن هذا المنظور فإن التنمية البشرية تعطـي ضمناً تخويل البشر سلطة انتقاء خياراتها بأنفسهم، سواء فيما يتصل بموارد الكسب، أم الأمن الشخصي أم الوضع الاجتماعي والسياسي. كما أنها تؤكد على وثوق الصلة بالقيم الحلية والمعرفة كأدلة مرشدة وأدوات لاعتماد هذه الخيارات. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا كانت القيادة السياسية الوطنية مستعدة لتقديم بيئة تنتعش ضمنها الخيارات والمبادرات المحلية. وهذا يعني أيضا خلق بيئة تتيح ذلك من خلال الإصلاحات الهيكلية، وإعادة تخصيص الأموال، ولا مركزية السلطة وتخويل الصلاحية للجماعات المحرومة والمهمشة عن طريق حركات اجتماعية. وأخيرا فإن التنمية البشرية، ينبغي أن تشمل استخدام منظور شامل للتنمية يجعل العمل متكاملا ومندمجا بين الاختصاصات والقطاعات المختلفة.
أما التنمية المستدامة فهي مفهوم شائع تم تداوله في السابق كثيرا وقد انبثق من قلق المختصين بالبيئة بسبب تدهور الموارد الريفية الذي تسببه التنمية التقليدية. ثم صار اهتماما يثيره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بصورة منهجية منتظمة عقب قمة الأرض في ريو دي جانيرو واعتماد جدول أعمال القرن الحادي والعشرين في عام 1992، مما أعطى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي دورا اكبر - ضمن منظومة الأمم المتحدة - فيما يتعلق بقضايا البيئة وإدارة الموارد الطبيعية. وكان التحدي الأساسي هو كيفية دمج التنمية المستدامة بالتنمية البشرية، كي يصبح للمفهومين معا معنى معقول. وجدول أعمال القرن 21 يجعل هذه المهمة اسهل من خلال تركيزه على الاستخدام المستديم للموارد الطبيعية والتنمية البشرية.
ثم جاءت التنمية البشرية المستدامة. التي من النظرة الأولى كأنها أفضل تسوية غير أن التدقيق فيها يستدعي السؤال عن الفرق بينها وبين التنمية المستدامة أو التنمية البشرية. ذلك أن التنمية البشرية المستدامة يجب أن تكون شيئا مختلفا، وأن تعني اكثر من مجرد التنمية المستدامة مضافا إليها التنمية البشرية. بل وينبغي أيضا أن تكتسب معناها الخاص وأبعادها التطبيعية كي تلهم المحللين والممارسين، والسياسيين والجمهور على حد سواء.
لقد كان من اخطر عواقب الأزمة الثلاثية للدولة والسوق والعلم، والمرتبطة بنموذج التنمية التقليدية، تبدد الثقة في أهمية التفاعل الاجتماعي والسياسي. وأصبح الناس يتشككون بالسلطة، وغالبا ما يكنون موقفا مماثلا تجاه المنظمات التنموية الخارجية. وقد ترك هذا أثره فيما يتعلق بضعف تأثير هذه المنظمات، مما جعل الناس يفضلون التفاعل في مجالات يشعرون أنهم ليسوا غرباء فيها وأنهم يعرفون الآخرين المتعاملين معهم. وهذه الأزمة ناجمة في معظمها عن كون التفكير الإنمائي التقليدي قد أخضع كل من رأس المال الطبيعي، والبشري والمؤسسي لرأس المال المادي. ونظرا لأن النمو في هذا الفكر مرتبط تماما بـخلق رأسمال مادي فقط، فقد تم تجاهل اعتبارات الاستدامة.
ونحن نرى في مفهوم التنمية البشرية المستدامة فرصة لتصحيح الأخطاء الباهظة الكلفة الناجمة عن هذا النهج عن طريق ربطه بتكوين رأسمال اجتماعي. والرغم أن فكرة مثل هذا في النظام الرأسمالي ليست جديدة، فإنها لم تكتسب تداولا أوسع إلا في الآونة الأخيرة.
ورأس المال الاجتماعي ملازم لهيكل العلاقات ما بين عوامل التنمية. وعلى عكس رأس المال المادي الملموس ورأس المال البشري الذي يتجسد في معرفة الفرد ومهاراته، فإن رأس المال الاجتماعي يوجد في العلاقات بين الأشخاص، ويمكن تعريفه بكل بساطة على أنه الأشكال الطوعية من التنظيم الاجتماعي. ولإعطاء مثل توضيحي لرأس المال الاجتماعي، يمكننا النظر إلى هدف تمكين الناس من الانتقال بصورة أسرع، وهذا يجعل من الضروري الاستثمار في رأس المال المادي (كالطرق، والجسور، وأكشاك الجباية، والسيارات).
ورأس المال البشري (مثل مهارات السياقة، والمهارات الآلية) و رأس المال الاجتماعي (مثل القوانين، واللوائح والتعليمات، واحترام هذه القوانين والاستعداد لإطاعتها، ومؤسسات الرقابة، والسلوك المؤدب على الطرقات، ومبادئ صيانة السيارات). فالتوسع في تقديم الشكلين الأولين من رأس المال قد ينتج تحسنا مبدئيا، ولكنه يؤدي أيضا إلى زيادة الحوادث، والتلوث، والتدمير للمناطق الخضراء، ومآزق الاختناقات المرورية غير الضرورية، والعنف المتصل بحوادث المرور. وإذا تجاوز الأمر نقطة معينة، فإن العواقب الضارة ترجح بكفة الفوائد المباشرة. وهكذا فبدون رأسمال اجتماعي، لا يمكن المحافظة على الأشكال الأخرى من رأس المال أو استخدامها بصورة صحيحة وملائمة.
فالمفهوم مفيد في كونه يحدد وظيفة للهيكل الاجتماعي وذلك يساعد شركاء التنمية في تفسير وتحليل نتائجها. ورأس المال الاجتماعي يعتمد على المبدأ القائل بأن على المرء أن يتجاوز المصلحة الشخصية ويتصرف بموجب مصلحة المجتمع أو الجماعة التي ينتمي إليها. وهذا المبدأ، مدعوما بالتأييد الاجتماعي، والمكانة والشرف وغيرها من المكاسب، يولد رأس مال اجتماعيا يغذي الجهود البشرية ويقويها. كما أن الالتزام بقضية ترتبط ارتباطا نموذجيا بهذا النوع من رأس المال يعزز استعداد الناس للمواظبة على بذل جهودهم ويقلل ما يسميه الاقتصاديون تكاليف العمليات.
فمفهوم رأس المال الاجتماعي يفند فرضية أن جميع الأفراد يتصرفون بطريقة نفعية لزيادة مصلحتهم الشخصية إلى الحد الأقصى. غير أنه على أية حال لا يمنع الافتراض بأن الأفراد يحسبون حسابا للكمية التي ينبغي أن يستثمروها في رأس المال الإجماعي من وقتهم وطاقتهم. وعلى سبيل المثال، فإن تحقيقا عمليا في رأس المال الاجتماعي يؤدي إلى اكتشاف درجة الثقة التي يظهرها الأشخاص في مؤسسات قد تصنف وفق سلسلة تتراوح من القريبة إلى البعيدة . ومن الطرق الأخرى للقيام بذلك استطلاع القضايا الاجتماعية التي يظهر المستجيبون استعداد للتضحية في سبيلها. ومن الطرق الأخرى كذلك استكشاف الناس الذين يبدي المستجيبون استعدادا لاقتسام المعلومات السرية أو المحصورة التداول.
فرأس المال الاجتماعي هو المفتاح النموذجي لشكل من أشكال التنمية البشرية الأكثر قابلية للاستدامة. فهو لا يقتصر على وضع الإنسان في مركز التنمية، بل يركز أيضا وقبل كل شيء على العلاقات بين البشر. لأنهم يشكلون الأساس الذي تبنى عليه المجتمعات الأخلاقية. ويسعى رأس المال الإنساني إلى تحسين قدرة الفرد على اتخاذ القرارات؛ ويسعى رأس المال الاجتماعي إلى تحسين قدرة الشعب كله على اتخاذ القرارات. ومن الطبيعي ألا ينفي كل منهما الآخر، ذلك أن الشخص الأكثر مهارة يغنـي مجتمعه، كما أن المجتمعات الأكثر انسجاما تجعل المهارات الفردية ذات قيمة وفاعلية. ومع ذلك، فلا يمكن لأي منهما أن يستبدل بالآخر. فرأس المال الاجتماعي يتعدى بناء القدرة البشرية الفردية فهو يدرك بأن توسيع اختيارات الناس وقدراتهم لا يكون له قيمة إلا في سياق أشكال العمل الجماعي الطوعي. كما أنه يختلف عن بناء المؤسسات. فهذا الأخير يتضمن تنسيق الطباع الفردية مع المصالح الجماعية. فالمجتمعات تتخذ قراراتها عن طريق عدد من الآليات المؤسسية، بما فيها الإرغام، وتفويض السلطة، والتمثيل والتصويت، والاشتراك المباشر.
أيضا فإن رأس المال الاجتماعي يسهل تنفيذ برامج التنمية البشرية المستدامة أو مشاريعها بفضل كونه اكثر تناغما مع الظروف السائدة في الدول النامية ، إن نظريات التنمية الحالية القائمة على ما هو موجود في الدول المتقدمة تستمر في الدفاع عن استنساخ أو تقليد الممارسات المرسخة في أطر مؤسسية في البلدان الصناعية. ومثل هذه النظريات تفترض مسبقا وجود بيئة في الدول النامية مغروسة بشكل نموذجي في ثقافات مختلفة جدا فهي نادرا ما تدخل في المعادلة. والنتيجة أن الإجراءات المقترحة تفشل ويلقى اللوم على البلدان النامية ، إن التركيز على راس المال الاجتماعي يعكس ذلك عن طريق الاعتراف بأن النظام المعياري مختلف إلى درجة أنه يتطلب حلولا تجديدية وليست تقليدية. فهو يقدم عدسة للعثور على حلول المشاكل تبنى على المعرفة المحلية والمؤسسات المحلية؛ وباختصار فهي حلول تملك الصفات التي تربطها بالتنمية البشرية المستدامة.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|