أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
1683
التاريخ: 12-10-2014
1917
التاريخ: 27-04-2015
14089
التاريخ: 6-5-2017
8809
|
أن الطباطبائي يرى أن التنافي بين النصين إنما هو التعارض الظاهر وليس التعارض الحقيقي ، لأن كلام الله تعالى جل جلاله منزه عن الاختلاف ، وأن الحكمين فيما إذا كان أحدها منسوخ بالآخر يجب أن يختلف زمن العمل بهما ، فاتحاد الزمان بين الحكمين ، وهو شرط تحقق التعارض ، مانع من النسخ ، واختلاف الزمن فيهما ، وهو شرط لوقوع النسخ ، مانع من التعارض . كما رأينا أيضاً أن الطباطبائي ميز بين الرافع للتنافي الحاصل بين الناسخ والمنسوخ من جهة ، وبين الرافع للتنافي الحاصل بين العام والخاص ، والمطلق والمقيد باعتبار أن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ هو تحقق المصلحة الموجود بينهما .
فالنسخ عند الطباطبائي ليس من المناقضة في القول ، ولا هو من قبيل الاختلاف في النظر والحكم ، وإنما هو ناشئ من الاختلاف في المصداق من حيث قبول انطباق الحكم أو عدمه لوجود مصلحة (1) . وعليه ، فإن مقتضى القول بأن النسبة بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة التي بين العام والخاص ، وبين المطلق والمقيد ، أو بين المحكم والمتشابه أن يتنبه الباحث أو المفسر ، كما يرى الطباطبائي ، إلى تحقق المصلحة الموجودة ، كما فرض في مثال النبي أو الإمام إذا توفي ، وهو آية من آيات الله ، فإن إماماً آخر يخلفه ، فتنطبق مصلحة الدين . . على مصلحة الوقت ، أو كما هو الحال في حكم العفو في أول الدعوة ، وحكم الجهاد بعد ذلك حينما قوي الإسلام ، إلى غير ذلك مما ورد في كتاب الله تعالى ، وينطوي على إيماءات وتلميحات إلى النسخ . وفي ضوء هذا الذي تقدم ، يمكن أن نتحدث عما يراه الطباطبائي في معنى نسخ الحكم دون التلاوة ، الذي يرى الطباطبائي مثله مثل سائر المسلمين الذين أجمعوا عبر العصور على أن الآية من ناحية مفادها التشريعي منسوخة ، ولكنها تبقى ثابتة في الكتاب الكريم يقرؤها المسلمون ، وهذا ما عرض له السيد الخوئي في البيان أيضاً . ولكن قبل أن نعرض لآراء العلماء لا بد من التوقف عند رأي الطباطبائي فيما ذهب إليه في معنى الآية ، فهو يقول : «إن كون الشيء آية تختلف باختلاف الأشياء . والحيثيات والجهات ، فالبعض من القرآن آية لله تعالى باعتبار عجز البشر عن الإتيان بمثله ، والأحكام والتكاليف الإلهية آيات له تعالى . . . والموجودات العينية آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها ، وبخصوصيات وجودها عن خصوصيات صفاته وأسمائه سبحانه . . . وأنبياء الله وأوليائه آيات له تعالى ، باعتبار دعوتهم إليه بالقول والفعل والعمل ، ولذلك كانت الآية تقبل الشدة والضعف ، قال الله تعالى : ﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾ (2) ومن جهة أخرى ، كما يرى الطباطبائي ، الآية ربما كانت ذات جهة واحدة ، وربما كانت ذات جهات كثيرة ، ونسخها وإزالتها كما يتصور بجهته الواحدة كإهلاكها ، كذلك يتصور ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك» (3) .
وهذا الكلام من الطباطبائي ، وهو من غرر كلامه في تفسيره «الميزان» ، يؤكد أن الذين ذهبوا إلى القول بنسخ التلاوة دون الحكم ، أو الذين قالوا بنسخ الحكم مع التلاوة معاً ، هم إنما ذهبوا شططاً في القول وجهلاً في الدين ، لكونهم لم يفهموا معنى قوله تعالى : ﴿ مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ﴾ على اعتبار أن النسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحققها ، كما يرى المفسر ، بل الحكم حيث علق على الوصف ، وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ ﴾ ، مما أفاد أن المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية من حيث أنها آية مع حفظ أصله ، فبالنسخ يزول أثره من تكليف ، أو غيره مع بقاء أصله ، وهذا هو المستفاد من اقتران قوله : ننسها بقوله : ﴿ مَا نَنسَخْ ﴾ فيكون معنى النسخ هو الإذهاب عن العين ، كما يكون معنى الإنساء الإذهاب عن العلم (4) ، وهذه الإفاضة من المفسّر تكشف عن أنه لا يمكن أن يكون النسخ إذهاباً للأصل أو إمحاءً له ، بدليل ، كما نفهم طبعاً ، أن النبي أو الإمام ينسخ أحدهما الآخر مع اشتمال كليهما على المصلحة المشتركة . فإذا كانت التوراة قد نسخت بالإنجيل ، وإذا كانت الشرائع كلها قد نسخت بالقرآن ، فليس معنى هذا ذهاب الأصل ، وإن كان قد ذهب الأثر ، أو التكليف في حدود ما نسخته الشريعة الإسلامية ، إذ كيف يكون نسخاً للأصل ، وقد دعا الإسلام إلى الإيمان بالنبي عيسى (عليه السلام) وبكل الأنبياء الذين أرسلهم الله تعالى قبل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ بل وأكثر من ذلك ألا ترى أنه لا يكتمل إيمان أمرئ إلاّ بالإيمان بالله ورسله وملائكته دونما تفريق بينهم؟ أليس في ذلك اشتمال للمصلحة ، فضلاً عما في هذه الآيات من وجوه لم تنسخ لما لها من أثر في حياة الأمم في كل زمان؟
هذه كلها أسئلة تطرح على من ذهب إلى القول جهلاً ، أو خطأً بأن الإذهاب إنما حصل للأصل ، كما حصل للأثر أو التكليف ، على اعتبار أن هناك جهات كثيرة في الآيات لم تنسخ ولها معناها ومصلحتها ، على الأقل ، فيما ذهب إليه الطباطبائي من أن الآية تنسخ من حيث حكمها الشرعي وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها . وهذا هو القرآن المستور بين دفتين فيه الناسخ والمنسوخ ، فيما يعود إلى التشريع وأحكامه دونما الأخبار ، إلاّ أن هذا الناسخ والمنسوخ له موقعه في الآيات ، سواء فيما يأتي قبله أم بعده ، ولهذا نجد أن الطباطبائي في تفسيره يركز على السياق ودلالاته ، سواء اللغوي ، أم النحوي ، أو غير ذلك من أنماط السياق التي لا بد منها في تفسير القرآن ، وما من دلالة سياقية إلاّ وتلحظ بمعزل عن الناسخ والمنسوخ ، كما نفهم طبعاً ، لأن السياق كاشف عن الحقيقة ، وقد اعتمده الطباطبائي ، فتراه يرفض الكثير من الروايات والدلالات لكونها لا تستفاد من السياق ، وهذا ما أثبته الطباطبائي في بحثه الروائي عن الناسخ والمنسوخ فيما روى عن أمير المؤمنين أنه قال : نسخ قوله تعالى : ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ قوله عزَّ وجل : ﴿ . . . وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾ ، أي للرحمة خلفهم (5) . وقد بين الطباطبائي أن الدلالة فيها على أخذه بالنسخ أعم من النسخ في التشريع ، باعتبار أن الآية الثانية تثبت حقيقة توجب تحديد الحقيقة التي تثبتها الآية الأولى ، بمعنى أن الآية الثانية تثبت للخلق غاية ، وهي الرحمة ، والآية الأولى تثبت غاية العبادة للجميع . . . (6) .
إن قول الطباطبائي بأن النسخ في الآية هو أعم من التشريع ، هو ما ينبغي التأمل فيه في سياق فهم الناسخ والمنسوخ في القرآن وما ينطوي عليه من مصالح آنية أو مستقبلية قد لا يلتفت إليها العباد ، فكيف لهم أن يتجرأوا على الله بادّعاء النسخ للحكم والتلاوة ، أو التلاوة دون الحكم ، إلى غير ذلك مما زعموه ، ويؤدي إلى القول بتحريف القرآن ، سواء من حيث أرادوا ذلك أم لم يريدوه .
مما تقدم ، نخلص إلى القول بأن ما أجمع عليه المسلمون من نسخ للحكم دون التلاوة هو الحق الحقيق ، لأنه يُبقي على الأصل ويحفظ الغاية والمصلحة من جهة أن الآية إذا كانت من عند الله تعالى كانت حافظة لمصلحة من المصالح الحقيقية التي لا تحفظ من دونها ، فلو زالت الآية فاتت المصلحة ولن يقوم مقامها شيء تحفظ به تلك المصلحة ، ويستدرك ما فات منها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد ، فتكون الآية بديلاً فلا تفوت المصلحة دونما توهم بأن شأنه تعالى كشأن عباده وإنما لكونه ﴿ يَمْحُواْ اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ ، فلا يعجز عن إقامة ما هو خير من الفائت ، أو إقامة ما هو مثل الفائت مقامه ، كما قال الله تعالى : ﴿ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة : 107] .
وكيف كان ، فإن القول بنسخ الحكم دون التلاوة ، عرض له الفقهاء على نحو يؤكد شمول النسخ للأحكام التكليفية والوضعية ولكل أمر بيد الشارع رفعه ووضعه بالجعل التشريعي بما هو شارع ، ما يعني شمول النسخ تلاوة القرآن على القول به ، باعتبار أن القرآن هو من المجعولات الشرعية (7) . ولكن بما أن القول بذلك يؤدي إلى القول بتحريف القرآن ، فإنه لا يمكن أن يصار إليه إلاّ بدليل قطعي ، يقول المظفر : «إن نسخ التلاوة في الحقيقة يرجع إلى القول بالتحريف لعدم ثبوت نسخ التلاوة بالدليل القطعي ، سواء أكان نسخاً لأصل التلاوة ، أو نسخاً لها ولما تضمنته من حكم معاً ، وإن كان في القرآن ما يشعر بوقوع نسخ التلاوة ، كقوله الله تعالى : ﴿ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُواْ إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ ﴾ [النحل : 101] ، ولكن ليست الآية صريحة بوقوع ذلك ، ولا ظاهرة ، وإنما أكثر ما تدل عليه إمكان الوقوع (8) .
ولا شك في أن الذي يهمنا في هذا المبحث هو ما يراه الطباطبائي في إمكان هذا النسخ ، طالما أن إجماع الفقهاء وعلماء الأصول على أنه لا يصح الحكم بنسخ آية من القرآن إلاّ بدليل قطعي ، سواء أكان النسخ بقرآن أو بسنة أو إجماع ، هذا مضافاً إلى إجماعهم على أن في القرآن ناسخاً ومنسوخاً ، وكل هذا قطعي لا شك فيه ، ويبقى المبحوث فيه هو تشخيص موارد الناسخ والمنسوخ في القرآن ، والقواعد الأصولية التي ننتفع بها في هذا المجال ، هي أن الناسخ إن كان قطعياً أخذنا به واتبعناه ، وإن كان ظنياً فلا حجة فيه ، ولا يصح الأخذ به لما تقدم في الإجماع على عدم جواز الحكم بالنسخ إلاّ بدليل قطعي ، ولهذا أجمع الفقهاء قاطبة على أن الأصل عدم النسخ عند الشك في النسخ دونما اعتبار لحجيّة الاستصحاب ، كما ربما يتوهم البعض ، بل حتى من لا يذهب إلى حجيّة الإستصحاب يقول بأصالة عدم النسخ ، وما ذلك إلاّ من جهة هذا الاجماع على اشتراط العلم في ثبوت النسخ (9) .
وإذا كان المبحوث عنه في هذه الدراسة هو موقف الطباطبائي من نسخ الحكم دون التلاوة ، الذي لا دليل قطعي عليه ، كما أسلفنا ، فقد رأينا أن الطباطبائي لا يقول بنسخ السنة للقرآن ، سواء المتواتر منها أو الآحاد ، وهذا ما يقتضي منا أن نعرض لما فصله الفقهاء في نسخ الحكم دون التلاوة طالما هم متفقون على جوازه إمكاناً ، وعلى تحققه بالفعل ، حيث توجد في القرآن آيات منسوخة وآيات ناسخة ، ومما بيّنه الفقهاء أن لهذا النسخ أنحاءً ثلاثة فصلّها السيد الخوئي على النحو الآتي :
أولاً : إن الحكم الثابت في القرآن ينسخ بالسنة المتواترة ، أو بالإجماع القطعي الكاشف عن صدور النسخ عن المعصوم (عليه السلام) وهذا القسم من النسخ لا إشكال فيه عقلاً ونقلاً ، فإن ثبتت في مورد فهو المتبع ، وإلا فلا يلتزم بالنسخ ، وقد عرفت أن النسخ لا يثبت بخبر الواحد ، وهذا ما استشكل عليه الطباطبائي بقوله إن القرآن لا ينسخ بالسنة ، سواء المتواتر أو الآحاد ، وذلك نظراً لكون الأول قطعي ، والثانية ظنية ، وقد أجيب عليه بأن مفروض الكلام ما إذا كانت السنة متواترة وقطعية الصدور أيضاً . وهذا ما لا سبيل إليه عند الطباطبائي طالما هو يجعل من القرآن مرجعاً لقبول أو رد الأخبار والمرويات . فكيف يُنسخ بها؟ وهو الدليل على صحتها وقبولها ورفضها وفاقاً لمبدأ الطباطبائي ومنهجه في التفسير فقال : «وأما النسخ بالسنة ـ ففيه بطلان هذا القسم من النسخ من أصله لكونه مخالفاً للأخبار المتواترة ، الآمرة بعرض الأخبار على الكتاب وطرح ما خالفه والرجوع إليه . . .» (10) .
ثانياً : إن الحكم الثابت بالقرآن ينسخ بآية أخرى منه ناظرة إلى الحكم المنسوخ ، ومبينة لرفعه ، وهذا القسم أيضاً مما لا إشكال فيه ، وقد مثلوا عليه بآية النجوى ، وهذا ما رأى فيه الطباطبائي ، بأن الرافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ هو تحقق المصلحة الموجودة بينهما ، وهذا ما لا يختلف فيه مع أحد ، ولكنه تميز فيما عرضه لناحية شمول كل من الناسخ والمنسوخ للمصلحة ، على نحو ما بين في معنى نسخ الآية وما يكون لها من جهة أو جهات . . (11) .
ثالثاً : إن الحكم الثابت بالقرآن ، ووفقاً للسيد الخوئي طبعاً ، ينسخ بآية أخرى غير ناظرة إلى الحكم السابق ولا مبيّنة لرفعه ، وإنما يلتزم بالنسخ لمجرد التنافي بينهما فيلتزم بأن الآية المتأخرة ناسخة لحكم الآية المتقدمة ، وهنا تثور ثائرة الطباطبائي على نحو ما سنرى ، كون من يذهب إلى هذا الرأي ، يعتقد بوجود التنافي الحقيقي بين الآيتين ، وهذا ما عبر عنه السيد الخوئي بقوله : «إن هذا القسم من النسخ غير واقع في القرآن ، كيف وقد قال الله تعالى : ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ [النساء : 82] ، ولعل السيد الخوئي لم يلتفت إلى ما قد يثار من إشكالات حول ما يذهب إليه لجهة قوله : «والتحقيق أن هذا القسم من النسخ غير موجود في القرآن» (12) . ولا شك في أن ما يذهب إليه السيد الخوئي قد يصح فيما لو كان بين الآيات تنافياً كلياً لا جزئياً وفي بعض الوجوه ، لأن الأخير أشبه بالتخصيص منه إلى النسخ المصطلح ، وإن كان البعض قد قال بنسخ العام للخاص ونسخ المطلق للمقيد ، الذي يرى السيد الخوئي أن المطلق لا ينسخ المقيد وإن جاء متأخراً عنه . وهنا تجدر الإشارة إلى أن أحداً لم يذهب إلى القول بالتنافي الحقيقي بين الآيات ، وعلى فرض أنه موجود ، فمن يستطيع الوقوف عليه إلاّ بنص من المعصوم ، وهذا ما كان مثار تأمل وبحث عند السيد الطباطبائي ، الذي رأى أن التنافي بين النصين في النسخ إنما هو التعارض الظاهر ، وليس التعارض الحقيقي ، لأن كلام الله تعالى وبمثل ما قال السيد الخوئي : «منزه عن الاختلاف ، كما قال الله تعالى ، ﴿ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلَافاً كَثِيراً ﴾ على ما بينهما من اختلاف في الرؤية والموقف من حقيقة التنافي أو ظاهره ! ؟ وكما بيّن الطباطبائي أن النسخ ليس من المناقضة في القول . . . وكذلك ليس من قبيل الاختلاف في النظر والحكم ، وإنما هو ناشئ من الاختلاف في المصداق من حيث قبوله انطباق الحكم يوماً لوجود مصلحة فيه وعدم قبوله الانطباق يوماً آخر لتبدل المصلحة من مصلحة أخرى توجب حكماً آخر .
وكما بينا سابقاً ، أن التعارض الظاهر هو مبنى النسخ في آيات الكتاب الكريم عند الطباطبائي . وهكذا ، فإن ما ذهب إليه السيد الخوئي لا يمكن حمله على الالتباس ، وإنما هو ، كما يرى «معرفة» في تلخيص التمهيد ، يجعل منه مستمسكاً لنكران هذا النحو من النسخ (13) ، ويُجيب عليها ، أنه لا تنافٍ بين الناسخ والمنسوخ في متن الواقع ، وإنما هو تنافٍ ظاهري ، وهذا ما عبر عنه الطباطبائي ، ولعل «معرفة» تأثر به ، إذ الحكم المنسوخ هو في الحقيقة حكم محدود في علم الله من أول تشريعه ، غير أن ظاهره الدوام ، على ما بين في علم الأصول ، ومن ثمّ كان التنافي بينه وبين الناسخ المتأخر شكلياً محضاً ، وهذا كله إنما يصح فيما لو وقف المفسّر أو الفقيه على حقيقة هذا التنافي ، وعلم بأسباب النزول على النحو الذي يمكنه من معرفة المتقدم والمتأخر من الآيات الناسخة ، إذ لا عبرة كما يقول «معرفة» بثبت آية قبل أخرى في المصحف ، فهناك الكثير من الآيات الناسخة المتقدمة في ثبتها على المنسوخة ، كما في آية البقرة ، الآية : 234 (14) من السورة ذاتها ، وهي ناسخة لآية الاجتماع إلى الحول ، كما في قوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ . . . ﴾ [البقرة : 240] وهذا إجماع (15) .
عموماً يمكن القول : إن الاضطراب الحاصل في هذا العلم لا يحسمه إلاّ القرآن والسنة القطعية لكونها مفسرة للقرآن ، إذ لا قرآن من دون سنة . وعليه ، فإنه يبقى على الباحث أن يدرك رؤية وموقف الطباطبائي ، فيما اختاره من أسلوب ومنهج للتفسير ، ذلك أن المفسّر قد أقلقه التضارب في علوم القرآن فاختار منهج التفسير القرآني للوقوف على الحقائق القرآنية واكتشاف معارفها والحكم من خلال القرآن على كل ما اختلف بشأنه طالما أن المعصوم (عليه السلام) قد أرشد إلى الأخذ بالقرآن والعرض عليه ، على قاعدة : «إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله تعالى ، وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به . .» (16) .
___________________________________________
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|