أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-9-2020
4747
التاريخ: 22-9-2020
2831
التاريخ: 22-9-2020
4821
التاريخ: 19-9-2020
7120
|
قال تعالى : {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُو فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر : 1 - 3] .
تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :
{الحمد لله فاطر السماوات والأرض} أي خالقهما مبتدئا على غير مثال سبق حمد سبحانه نفسه ليعلمنا كيف نحمده وليبين لنا أن الحمد كله له {جاعل الملائكة رسلا} إلى الأنبياء بالرسالات والوحي {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} تقدم تفسيرها وإنما جعلهم أولي أجنحة ليتمكنوا بها من العروج إلى السماء ومن النزول إلى الأرض فمنهم من له جناحان ومنهم من له ثلاثة أجنحة ومنهم من له أربعة أجنحة عن قتادة قال ويزيد فيها ما يشاء وهو قوله {يزيد في الخلق ما يشاء} قال ابن عباس رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جبرائيل ليلة المعراج وله ستمائة جناح وهذا اختيار الزجاج والفراء وقيل أراد بقوله {يزيد في الخلق ما يشاء} حسن الصوت عن الزهري وابن جريج وقيل هو الملاحة في العينين عن قتادة وروى أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال : ((هو الوجه الحسن والصوت الحسن والشعر الحسن)) .
{إن الله على كل شيء قدير} لا شيء إلا وهو قادر عليه بعينه أو قادر على مثله ثم بين سبحانه أنعامه على خلقه فقال {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} أي ما يأتيهم به من مطر أو عافية أو أي نعمة شاء فإن أحدا لا يقدر على إمساكه {وما يمسك} من ذلك {فلا مرسل له من بعده} أي فإن أحدا لا يقدر على إرساله وقيل معناه ما يرسل الله من رسول إلى عباده في وقت دون وقت فلا مانع له لأن إرسال الرسول رحمة من الله كما قال {وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين} وما يمسكه في زمان الفترة أو عمن يقترحه من الكفار فلا مرسل له عن الحسن واللفظ محتمل للجميع {وهو العزيز} أي القادر الذي لا يعجز {الحكيم} في أفعاله أن أنعم وأن أمسك لأنه يفعل ما تقتضيه الحكمة .
ثم خاطب المؤمنين فقال {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم} الظاهرة والباطنة التي من جملتها أنه خلقكم وأوجدكم وأحياكم وأقدركم وشهاكم (2) ، وخلق لكم أنواع الملاذ والمنافع {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} هذا استفهام تقرير لهم ومعناه النفي ليقروا بأنه لا خالق إلا الله يرزق من السماء بالمطر ومن الأرض بالنبات وهل يجوز إطلاق لفظ الخالق على غير الله سبحانه فيه وجهان {أحدهما} أنه لا تطلق هذه اللفظة على أحد سواه وإنما يوصف به غيره على جهة التقييد وإن جاز إطلاق لفظ الصانع والفاعل نحوهما على غيره {والآخر} أن المعنى لا خالق يرزق ويخلق الرزق إلا الله تعالى {لا إله إلا هو} أي لا معبود يستحق العبادة سواه سبحانه {فأنى تؤفكون} أي كيف تصرفون عن طريق الحق إلى الضلال وقيل معناه أنى يعدل بكم عن هذه الأدلة التي أقمتها لكم على التوحيد مع وضوحها .
_______________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص231-232 .
2- شهّاه : حمله على الشهوة .
تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه الآيات (1) :
{الْحَمْدُ لِلَّهِ فاطِرِ السَّماواتِ والأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وثُلاثَ ورُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللَّهً عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} . حمد اللَّه نفسه ليعلَّمنا كيف نحمده ونشكره . . وتدل الآية على أن من الملائكة من له جناحان ، ومنهم له ثلاثة ، ومنهم له أربعة ، وانه تعالى يزيد لآخرين في الأجنحة ما يشاء . . وهذا وما إليه يتفق مع قدرة اللَّه وعظمته ، والعقل لا يأباه ، هذا ما نعلمه ، وما عداه نتركه إلى علم اللَّه سبحانه لأنّا غير مسؤولين عنه ، ولا يمت إلى حياتنا بسبب ، ولا دليل عليه من آية أو رواية متواترة . وأخشى أن يقول أنصار تأويل النصوص الدينية بالعلم الحديث ، أن يقولوا : ان مثنى إشارة إلى الطائرة ذات المحركين ، وثلاث إلى المحركات الثلاثة ، ورباعا إلى ذات الأربعة ، أما قوله تعالى : يزيد في الخلق ما يشاء فهو إشارة إلى طائرات المستقبل ذات المحركات العديدة .
{ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وهُو الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . الفتح العطاء ، والإمساك المنع ، والإرسال الإطلاق بعد المنع . وليس المراد بالرحمة هنا مجرد المال كما قال بعض المفسرين ، ولا هو مع الصحة والجاه والعلم كما قال آخرون . . كلا ، فإن المال قد يؤدي إلى الطغيان والاستغلال ، فقد رأينا الكثير من أصحاب الملايين حولوا الشعوب الضعيفة إلى شركات مساهمة يملكون أسهمها ، ويتحكمون بأهلها ويحيلونهم إلى عبيد مستخدمين أو لاجئين مشردين . . وقد تؤدي الصحة بصاحبها إلى المغامرة والأخطار ، أما الجاه فهو- في الأعم الأغلب - أداة للبغي والعدوان . ورب علم الجهل خير منه كالعلم الذي أنتج القنبلة الذرية ، وما إليها من الأسلحة الجهنمية . . كلا ، ليس المراد برحمته تعالى في هذه الآية المال وحده ولا الصحة وحدها ، ولا مجرد الجاه والعلم ، وإنما المراد بها لطف اللَّه وهدايته إلى الخير ، ووقايته من الشر .
قال الإمام علي (عليه السلام) : (عند تناهي الشدة تكون الفرجة ، وعند تضايق حلق البلاء يكون الرخاء) وقد شاهدنا أيسر المشاكل تزداد تعقيدا كلما اجتهد أصحابها في حلها ، ورأينا أعسرها تحل بسهولة ويسر أو تلقائيا ، ولا سر لذلك إلا إرادة اللَّه ورحمته ، وصدق من قال : {ينام الإنسان على الشوك مع رحمة اللَّه فإذا هو مهاد ، وينام على الحرير بدون هذه الرحمة فإذا هو شوك القتاد) .
{يا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ والأَرْضِ لا إِلهً إِلَّا هُو فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} . هذا التذكير بنعمة اللَّه وبأنه وحده الخالق الرازق انما هو تأكيد للآية السابقة : {ما يفتح اللَّه للناس الخ} وفي نهج البلاغة : (فكم خصكم اللَّه بنعمته ، وتدارككم برحمته ، أعورتم له - أي ظهرت له عوراتكم - فستركم ، وتعرضتم لأخذه - أي لهلاكه - فأمهلكم . .
فاستتموا نعم اللَّه عليكم بالصبر على طاعته ، والمجانبة لمعصيته ، فإن غدا من اليوم قريب) .
_______________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص276-277 .
تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
غرض السورة بيان الأصول الثلاثة : وحدانيته تعالى في ربوبيته ورسالة الرسول والمعاد إليه وتقرير الحجة لذلك وقد توسل لذلك بعد جمل من نعمه العظيمة السماوية والأرضية والإشارة إلى تدبيره المتقن لأمر العالم عامة والإنسان خاصة .
وقد قدم على هذا التفصيل الإشارة الإجمالية إلى انحصار فتح الرحمة وإمساكها وهو إفاضة النعمة والكف عنها فيه تعالى بقوله : {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها} الآية .
وقدم على ذلك الإشارة إلى وسائط هذه الرحمة المفتوحة والنعم الموهوبة وهم الملائكة المتوسطون بينه تعالى وبين خلقه في حمل أنواع النعم من عنده تعالى وإيصالها إلى خلقه فافتتح السورة بذكرهم .
والسورة مكية كما يدل عليه سياق آياتها ، وقد استثنى بعضهم آيتين وهما قوله تعالى : {إن الذين يتلون كتاب الله} الآية وقوله : {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا} الآية وهو غير ظاهر من سياق الآيتين .
قوله تعالى : {الحمد لله فاطر السموات والأرض} الفطر - على ما ذكره الراغب – هو الشق طولا فإطلاق الفاطر عليه تعالى بعناية استعارية كأنه شق العدم فأخرج من بطنها السماوات والأرض فمحصل معناه أنه موجد السماوات والأرض إيجادا ابتدائيا من غير مثال سابق ، فيقرب معناه من معنى البديع والمبدع والفرق بين الإبداع والفطر أن العناية في الإبداع متعلقة بنفي المثال السابق وفي الفطر بطرد العدم وإيجاد الشيء من رأس لا كالصانع الذي يؤلف مواد مختلفة فيظهر به صورة جديدة لم تكن .
والمراد بالسماوات والأرض مجموع العالم المشهود فيشملهما وما فيهما من مخلوق فيكون من قبيل إطلاق معظم الأجزاء وإرادة الكل مجازا ، أو المراد نفس السماوات والأرض اعتناء بشأنهما لكبر خلقتهما وعجيب أمرهما كما قال : {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر : 57] .
وكيف كان فقوله : {فاطر السموات والأرض} من أسمائه تعالى أجري صفة لله والمراد بالوصف الاستمرار دون الماضي فقط لأن الإيجاد مستمر وفيض الوجود غير منقطع ولو انقطع لانعدمت الأشياء .
والإتيان بالوصف بعد الوصف للإشعار بأسباب انحصار الحمد فيه تعالى كأنه قيل : الحمد لله على ما أوجد السماوات والأرض وعلى ما جعل الملائكة رسلا أولي أجنحة فهو تعالى محمود ما أتى فيما أتى إلا الجميل .
قوله تعالى : {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} الملائكة جمع ملك بفتح اللام وهم موجودات خلقهم الله وجعلهم وسائط بينه وبين العالم المشهود وكلهم بأمور العالم التكوينية والتشريعية عباد مكرمون لا يعصون الله فيما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون .
فقوله تعالى : {جاعل الملائكة رسلا} يشعر بل يدل على كون جميع الملائكة - والملائكة جمع محلى باللام مفيد للعموم - رسلا وسائط بينه وبين خلقه في إجراء أوامره التكوينية والتشريعية .
ولا موجب لتخصيص الرسل في الآية بالملائكة النازلين على الأنبياء (عليهم السلام) وقد أطلق القرآن الرسل على غيرهم من الملائكة كقوله تعالى : {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام : 61] ، وقوله : { إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس : 21] ، وقوله : {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ } [العنكبوت : 31] .
والأجنحة جمع جناح وهومن الطائر بمنزلة اليد من الإنسان يتوسل به إلى الصعود إلى الجو والنزول منه والانتقال من مكان إلى مكان بالطيران .
فوجود الملك مجهز بما يفعل به نظير ما يفعله الطائر بجناحه فينتقل به من السماء إلى الأرض بأمر الله ويعرج به منها إليها ومن أي موضع إلى أي موضع ، وقد سماه القرآن جناحا ولا يستوجب ذلك إلا ترتب الغاية المطلوبة من الجناح عليه وأما كونه من سنخ جناح غالب الطير ذا ريش وزغب فلا يستوجبه مجرد إطلاق اللفظ كما لم يستوجبه في نظائره كألفاظ العرش والكرسي واللوح والقلم وغيرها .
وقوله : {أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} صفة للملائكة ، ومثنى وثلاث ورباع ألفاظ دالة على تكرر العدد أي اثنين اثنين وثلاثة ثلاثة وأربعة أربعة كأنه قيل : جعل الملائكة بعضهم ذا جناحين وبعضهم ذا ثلاثة أجنحة وبعضهم ذا أربعة أجنحة .
وقوله : {يزيد في الخلق ما يشاء} لا يخلو من إشعار بحسب السياق بأن منهم من يزيد أجنحته على أربعة .
وقوله : {إن الله على كل شيء قدير} تعليل لجميع ما تقدمه أو الجملة الأخيرة والأول أظهر .
ولما أشار إلى الملائكة وهم وسائط في وصول النعم إلى الخليقة أشار إلى نفس النعم إشارة كلية فذكر أن عامة النعم من الله سبحانه لا غير فهو الرازق لا يشاركه فيه أحد ، ثم احتج بالرازقية على الربوبية ثم على المعاد وأن وعده تعالى بالبعث وعذاب الكافرين ومغفرة المؤمنين الصالحين حق ، وفي الآيات تسلية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) .
قوله تعالى : {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده} إلخ المعنى أن ما يؤتيه الله الناس من النعمة وهو الرزق فلا مانع عنه وما يمنع فلا مؤتي له فكان مقتضى الظاهر أن يقال : ما يرسل الله للناس إلخ .
كما عبر في الجملة الثانية بالإرسال لكنه عدل عن الإرسال إلى الفتح لما وقع مكررا في كلامه أن لرحمته خزائن كقوله : { أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ } [ص : 9] وقوله : { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء : 100] والتعبير بالفتح أنسب من الإرسال في الخزائن ففيه إشارة إلى أن الرحمة التي يؤتاها الناس مخزونة في خزائن محيطة بالناس لا يتوقف نيلهم منها إلا إلى فتحها من غير مئونة زائدة .
وقد عبر عن الرزق الذي هو النعمة بالرحمة للدلالة على أن إفاضته تعالى لهذه النعم ناشئة من مجرد الرحمة من غير توقع لنفع يعود إليه أو كمال يستكمل به .
وقوله : {وما يمسك فلا مرسل له من بعده} أي وما يمنع من الرحمة فلا مرسل له من دونه ، وفي التعبير بقوله : {من بعده} إشارة إلى أنه تعالى أول في المنع كما أنه أول في الإعطاء .
وقوله : {وهو العزيز الحكيم} تقرير للحكم المذكور في الآية الكريمة بالاسمين الكريمين فهو تعالى لكونه عزيزا لا يغلب إذا أعطى فليس لمانع أن يمنع عنه وإذا منع فليس لمعط أن يعطيه ، وهو تعالى حكيم إذا أعطى أعطى عن حكمة ومصلحة وإذا منع منع عن حكمة ومصلحة وبالجملة لا معطي إلا الله ولا مانع إلا هو ، ومنعه وإعطائه عن حكمة .
قوله تعالى : {يا أيها الناس اذكروا نعمة الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} الخ .
لما قرر في الآية السابقة أن الإعطاء والمنع لله سبحانه لا يشاركه في ذلك أحد احتج في هذه الآية بذلك على توحده في الربوبية .
وتقرير الحجة أن الإله إنما يكون إلها معبودا لربوبيته وهي ملكة تدبير أمر الناس وغيرهم ، والذي يملك تدبير الأمر بهذه النعم التي يتقلب فيها الناس وغيرهم ويرتزقون بها هو الله سبحانه دون غيره من الآلهة التي اتخذوها لأنه سبحانه هو الذي خلقها دونهم والخلق لا ينفك عن التدبير ولا يفارقه فهو سبحانه إلهكم لا إله إلا هو لأنه ربكم الذي يدبر أمركم بهذه النعم التي تتقلبون فيها وإنما كان ربا مدبرا بهذه النعم لأنه خالقها وخالق النظام الذي يجري عليها .
وبذلك يظهر أن المراد بالناس المخاطبين الوثنيون وغيرهم ممن اتخذ لله شريكا .
وقوله : {اذكروا نعمة الله عليكم} المراد بالذكر ما يقابل النسيان دون الذكر اللفظي .
وقوله : {هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض} الرزق هوما يمد به البقاء ومبدؤه السماء بواسطة الأشعة والأمطار وغيرهما والأرض بواسطة النبات والحيوان وغيرهما .
وبذلك يظهر أيضا أن في الآية إيجازا لطيفا فقد بدلت الرحمة في الآية السابقة نعمة في هذه الآية أولا ثم النعمة رزقا ثانيا وكان مقتضى سياق الآيتين أن يقال : هل من رازق أوهل من منعم أوهل من راحم لكن بدل ذلك من قوله : {هل من خالق} ليكون إشارة إلى برهان ثان ينقطع به الخصام ، فإنهم يرون تدبير العالم لآلهتهم بإذن الله فلو قيل : هل من رازق أو منعم غير الله لم ينقطع الخصام وأمكن أن يقولوا نعم آلهتنا بتفويض التدبير من الله إليهم لكن لما قيل : {هل من خالق} أشير بالوصف إلى أن الرازق والمدبر هو خالق الرزق لا غير فانقطع الخصام ولم يمكنهم إلا أن يجيبوا بنفي خالق غير الله يرزقهم من السماء والأرض .
وقوله : {لا إله إلا هو} اعتراض بالتوحيد يفيد التعظيم نظير قوله : {وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه{ .
أي لا معبود بالحق إلا هو لأن المستحق للعبادة هو الذي ينعم عليكم ويرزقكم وليس إلا الله .
وقوله : {فأنى تؤفكون} توبيخ متفرع على ما سبغ من البرهان أي فإذا كان الأمر هكذا وأنتم تقرون بذلك فإلى متى تصرفون عن الحق إلى الباطل ومن التوحيد إلى الإشراك .
وفي إعراب الآية أعني قوله : {هل من خالق غير الله} الخ .
بين القوم مشاجرات طويلة والذي يناسب ما تقدم من تقرير البرهان أن {من} زائدة للتعميم ، وقوله : {غير الله} صفة لخالق تابع لمحله ، وكذا قوله : {يرزقكم} الخ .
و{من خالق} مبتدأ محذوف الخبر وهو موجود ، وقوله : {لا إله إلا هو} اعتراض ، وقوله : {فأنى تؤفكون} تفريع على ما تقدمه .
__________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج17 ، ص5-14 .
تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :
فاتح مغاليق الأبواب !
تبدأ هذه السورة ـ كما هو الحال في سورة الفاتحة وسبأ والكهف ـ بحمد الله والثناء عليه لخلقه هذا الكون الفسيح ، يقول تعالى : {الحمد لله فاطر السموات والأرض} .
«فاطر» من مادّة «فطر» وأصله الشقّ طولا ، لأنّ خلق الموجودات يشبه شقّ ظلمة العدم وظهور نور الوجود ، إستخدم هذا التعبير فيما يخصّ الخلق ، خصوصاً إذا لاحظنا ما يقوله العلم الحديث من نظريات تشير إلى أنّ مجموعة عالم الوجود كانت في البدء كومة واحدة ثمّ انشقّت تدريجيّاً عن بعضها .
وإطلاق كلمة «فاطر» على الله سبحانه وتعالى ، يعطي للكلمة مفهوماً جديداً وأكثر وضوحاً . نعم فنحن نحمد الله ونشكره على خالقيته ، لأنّ كلّ ما هو موجود منه تعالى ، وليس لأحد ممّن سواه شيء من ذاته (2) .
ولأنّ تدبير اُمور هذا العالم قد نيطت من قبل الباري عزّوجلّ ـ بحكم كون عالمنا عالم أسباب ـ بعهدة الملائكة ، فالآية تنتقل مباشرةً إلى الحديث في خلق الملائكة وقدراتها العظيمة التي وهبها الله إيّاها !
{جاعل الملائكة رسلا اُولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع يزيد في الخلق ما يشاء إنّ الله على كلّ شيء قدير} .
هنا تطرح ثلاثة أسئلة :
الأوّل : ما هي رسالة الملائكة التي ورد ذكرها في الآية؟ هل هي رسالة تشريعية وجلب الأوامر من الباري إلى الأنبياء ، أم انّها رسالة تكوينية ، أي تحمّل مسؤولية المأموريات المختلفة في عالم الخلق ، كما سترد الإشارة إليه لاحقاً ، أم يُقصد منه الإحتمالان ؟
يتّضح من ملاحظة ما ورد في الجملة الاُولى ، من الحديث حول خلق السموات والأرض ، وما ورد في الجملة الأخيرة من الحديث حول الأجنحة المتعدّدة للملائكة ، والتي تدلّ على قدرتهم ، وكذلك بملاحظة إطلاق مفهوم «الرسالة» بالنسبة إلى جميع الملائكة (يلاحظ أنّ الملائكة لفظة جمع لإقترانها بالألف واللام وتدلّ على العموم) يتّضح من ذلك كلّه أنّ المقصود من الرسالة مفهوم واسع يشمل كلا من «الرسالة التشريعيّة» و«الرسالة التكوينية» .
إنّ إطلاق لفظة الرسالة على «الرسالة التشريعية» وإبلاغ الوحي إلى الأنبياء ورد في القرآن بكثرة ، وإطلاق هذه اللفظة أيضاً على «الرسالة التكوينية» ليس بالقليل كذلك .
في الآية (21) من سورة يونس نقرأ {إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} [يونس : 21] .
وفي الآية (61) من سورة الأنعام نقرأ {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا} [الأنعام : 61] .
وفي الآية (31) من سورة العنكبوت ورد {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ } [العنكبوت : 31] .
وفي آيات اُخرى من القرآن نرى أنّه قد عهد إلى الملائكة أيضاً بمأموريات مختلفة عدّت من رسالاتهم أيضاً ، وعليه فإنّ للرسالة مفهوماً واسعاً .
الثاني : ما هو المقصود بالأجنحة التي عبّر عنها بـ (مثنى وثلاث ورباع) .
ليس من المستبعد أن يكون المقصود بالأجنحة هنا هو القدرة على الإنتقال والتمكّن من الفعل ، بحيث يكون بعضهم أفضل من بعض وله قدرة أكبر .
وعليه فقد ذكرت لهم سلسلة من المراتب بالأجنحة ، فبعضهم له أربعة أجنحة (مثنى = إثنان إثنان) ، والبعض له ستّة أجنحة ، والبعض ثمانية ، وهكذا .
«أجنحة» جمع (جناح) ما يستعين به الطائر على الطيران ، وهو بمثابة اليد في الإنسان ، ولأنّ الجناح في الطائر يستخدم كوسيلة مساعدة على الإنتقال والحركة والفعّالية ، فقد إستخدمت هذه الكلمة كناية عن وسيلة الحركة ذاتها وعامل القدرة والإستطاعة ، فمثلا يقال : إنّ فلاناً إحترقت أجنحته ، كناية عن فقدانه قدرة الحركة أو الإمكانية ، أو أنّ الإنسان يجب أن يطير بجناحي العلم والعمل ، والكثير من هذه التعبيرات التي تشير إلى المعنى المستعار لهذه الكلمة .
كما يلاحظ أنّ المقصود من تعبيرات مثل «العرش» و«الكرسي» و«اللوح» و«القلم» هي المفاهيم المعنوية لها ، وليس واقعها المادّي .
من الطبيعي أنّه لا يمكن حمل ألفاظ القرآن على غير معانيها الظاهرية بدون قرينة ، ولكن حيثما ظهر أثر لتلك القرائن فليس هناك مشكلة .
ورد في بعض الروايات أنّ «جبرئيل» رسول الوحي الإلهي ، له ستمائة جناح ، وكان يملأ ما بين الأرض والسماء حينما يلتقي به الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (3) .
أو ما ورد في «نهج البلاغة» حينما تحدّث أمير المؤمنين عن عظمة الملائكة . فقال : «ومنهم الثابتة في الأرضين السفلى أقدامهم ، والمارقة من السماء العليا أعناقهم ، والخارجة من الأقطار أركانهم ، والمناسبة لقوائم العرش أكتافهم»(4) .
أو أنّ هناك ملائكة ما بين شحمة آذانهم وعيونهم مسيرة خمسمائة عام من الطيران(5) .
ومن الواضح انّ هذه التعبيرات لا يمكن حملها على البعد الجسماني والمادّي ، بل المراد بيان العظمة المعنوية وأبعاد القدرة .
ونعلم أنّ الجناح ـ عادةً ـ يُستفاد منه في جو الأرض ، لأنّ الأخيرة محاطة بغلاف غازي من الهواء الضاغط ، والطيور إنّما تستفيد من أمواج الهواء للطيران ، والإرتفاع والإنخفاض ، ولكن بمجرد خروجنا من المحيط الغازي للأرض حيث ينعدم الهواء فانّ الجناح ليس له أدنى تأثير في تحقيق الحركة ، ويكون حاله حال سائر الأعضاء .
ناهيك عن أنّ المَلَك الذي تكون أقدامه في أعماق الأرض ورأسه أعلى من أعلى السموات ، ليس له حاجة إلى الطيران الجسماني !!
البحث في هل أنّ «الملائكة» أجسام لطيفة أومن المجردات بحث آخر ، سنشير له في البحوث ان شاء الله . المقصود الآن هو أن نعلم أنّ الجناح والريش بالنسبة لها وسيلة الفعّالية والحركة والقدرة ، والذي عبّرت عنه القرائن المشار إليها أعلاه بقدر كاف ، بالضبط كما قلناه بالنسبة لـ «العرش» و«الكرسي» ، فانّ هاتين الكلمتين تشيران إلى قدرة الله في العالم من أبعاد مختلفة !!
وفي حديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) «الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون ، وإنّما يعيشون بنسيم العرش» (6) .
السؤال الثالث : هل أنّ عبارة (يزيد في الخلق ما يشاء) إشارة إلى زيادة أجنحة الملائكة؟ كما قال به بعض المفسّرين؟ أم أنّ لها معنى أوسع من ذلك بحيث يشمل عدا الزيادة في أجنحة الملائكة الزيادات التي تحصل في خلق الموجودات الاُخرى؟
إطلاق الجملة من جهة ، ودلالة بعض الروايات التي جاءت في تفسير هذه الآيات من جهة اُخرى ، يشير إلى أنّ المعنى الثاني هو الأنسب .
فمن جملة ما ورد ، حديث عن الرّسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في تفسير هذه الجملة أنّه قال : «هو الوجه الحسن ، والصوت الحسن ، والشعر الحسن» .
ونقر في حديث آخر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) : «حسّنوا القرآن بأصواتكم فإنّ الصوت الحسن يزيد القرآن حسناً» وقرأ (يزيد في الخلق ما يشاء) .
بعد الحديث عن خالقية الله سبحانه وتعالى ، ورسالة الملائكة الذين هم واسطة الفيض الإلهي ، تنتقل الآيات إلى الحديث عن رحمة الله سبحانه ، والتي هي الأساس لكلّ عالم الوجود ، تقول الآية الكريمة : {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم} .
الخلاصة أنّ تمام خزائن الرحمة عنده ، وهو يشمل بها كلّ من يراه أهلا لها ، ويفتح أبوابها حيثما إقتضت حكمته ، ولن يستطيع الناس بأجمعهم أن يغلقوا ما فتح ولوكان بعضهم لبعض ظهيراً ، أو أن يفتحوا باباً أغلقه سبحانه وتعالى ، وهذا المفهوم في الحقيقة فرع مهم من بحث التوحيد حيث يتفرّع عنه فروع اُخرى «تأمّل» .
وقد ورد شبيه هذا المعنى في الآيات القرآنية الاُخرى ، ففي الآية 107 ـ سورة يونس يقول تعالى : {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [يونس : 107] .
______________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج11 ، ص9-13 .
2 ـ فيما يخصّ معنى «فاطر» و«فطر» تحدّثنا في ذيل الآية العاشرة من سورة إبراهيم ، وكذلك في تفسير الآية (14) من سورة الأنعام .
3 ـ نور الثقلين ، ج4 ، ص349 ـ ح20 .
4 ـ نهج البلاغة ، خطبة رقم 1 .
5 ـ تفسير علي بن إبراهيم طبقاً لما نقله نور الثقلين ، المجلّد 4 ، الصفحة 349 .
6 ـ في معنى «العرش» راجع شرحنا لهذه الكلمة في تفسير الآية (54) من سورة الأعراف .
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|