المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17738 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19

علي بن شمس الدين محمد بن علي
11-8-2016
الأخشاب اللينة Soft Wood
2023-03-01
التوزيع الجغرافي للإشعاع الشمسي The Geographical Distribution of Solar Radiation
2024-11-10
بيبتيدات الكازين المحورة للمناعة
22-9-2016
البيئة من عوامل تكوين الشخصية
15-02-2015
SOUND INTENSITY
4-12-2020


تفسير الاية (106-111) من سورة النحل  
  
4142   06:52 مساءً   التاريخ: 14-8-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف النون / سورة النحل /

 

قال تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107) أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ (108) لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (109) ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ  } [النحل: 106 - 111]

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ } اختلف في تقديره فقيل إن تقديره وتلخيص معناه من كفر بالله بأن يرتد عن الإسلام وشرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم { إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} فتكلم بكلمة الكفر على وجه التقية مكرها { وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ} أي: ساكن { بالإيمان } ثابت عليه فلا حرج عليه في ذلك وقيل إنه يتصل بما تقدم فمعناه إنما يفتري الكذب من كفر بالله من بعد إيمانه ثم استثني من ذلك من أكره على ذلك وكان مطمئن القلب إلى الإيمان في باطنه فإنه بخلافه.

 { وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي: من اتسع قلبه للكفر وطابت نفسه به { فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وله العذاب في الآخرة ثم أشار سبحانه إلى العذاب العظيم فقال { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا} أي: آثروا { الحياة الدنيا } والتلذذ فيها والركون إليها { على الآخرة } عنى بذلك أنهم فعلوا ما فعلوه للدنيا طلبا لها دون طلب الآخرة { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} قد سبق معناه { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ } قد سبق معنى الطبع على القلوب والسمع والأبصار في سورة البقرة { وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ } وصفهم بعموم الغفلة مع أن الخواطر تزعجهم لجهلهم عما يؤدي إليه حالهم في الآخرة وقيل أراد أنهم بمنزلة الغافلين فيكون تهجينا لهم وذما ثم قال { لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} هذا تأكيد لحكم الخسار عليهم يعني أنهم هم المغبونون إذ حرموا الجنة ونعيمها وعذبوا في النار { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا } أي: عذبوا في الله وارتدوا على الكفر فأعطوهم بعد ما أرادوا ليسلموا من شرهم { ثم جاهدوا } مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) { وصبروا } على الدين والجهاد إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا} أي من بعد تلك الفتنة أوتلك الفعلة التي فعلوها من التفوه بكلمة الكفر { لغفور رحيم } .

{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ} أراد به يوم القيامة { تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} أي تخاصم الملائكة عن نفسها وتحتج بما ليس فيه حجة وتقول والله ربنا ما كنا مشركين ويقول أتباعهم ربنا هؤلاء أضلونا فأتهم عذابا ضعفا من النار ويحتمل أن يكون المراد أنها تحتج عن نفسها بما تقدر به إزالة العقاب عنها { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ } أي جزاء ما عملت من خير وشر { وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} في ذلك.

_________________

1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص203-206.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهً وقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ } . تدل هذه الآية على الإذن بالتفوه بكلمة الكفر للنجاة من القتل ، على أن يكون لافظها مؤمنا حقا وصدقا . وجاء في تفسير الرازي : « أكره أناس على كلمة الكفر ، منهم عمار وأبواه ياسر وسمية ، وصهيب وبلال وخباب وسالم ، وقد عذبوا ، فأما سمية فربطت بين بعيرين ، ووخزت في قلبها بحربة فقتلت ، وقتل ياسر ، وهما أول قتيلين قتلا في الإسلام ، وأما عمار فقد أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها .

فقال بعضهم : يا رسول اللَّه ان عمارا كفر . فقال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله وسلم ) ، كلا ، ان عمارا مليء ايمانا من قرنه إلى قدمه ، واختلط الايمان بلحمه ودمه . .

فأتى عمار رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) وهو يبكي ، فجعل الرسول يمسح عينيه ويقول : « ما لك ؟ ان عادوا لك فعد بما قلت » . وتقدم الكلام عن التقية عند تفسير الآية 30 من سورة آل عمران .

{ ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ ولَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ } بعد أن ذكر سبحانه من آمن واقعا ، وأظهر الكفر للنجاة من القتل ، وانه معذور عند اللَّه - بعد هذا ذكر من كفر ظاهرا وواقعا ، لا لشيء الا رغبة في الكفر ، ولا جزاء لهذا الا غضب اللَّه وعذابه الأليم { ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الآخِرَةِ } ذلك إشارة إلى غضب اللَّه وعذابه ، واستحبوا آثروا ، والمعنى ان اللَّه سبحانه يطرد الكافرين من رحمته ، ويعذبهم بناره لأنهم آثروا الحياة وزينتها على الآخرة ونعيمها .

وقوله تعالى : ذلك بأنهم استحبوا الخ . صريح في أن العلة لعذابهم وغضب اللَّه عليهم هي استحبابهم الدنيا على الآخرة ، ومعنى هذا ان كل من آثر الهوى على الحق ، والعاجلة على الآجلة فهو عند اللَّه مثل الكافر والمشرك من حيث استحقاقه الغضب من اللَّه والعذاب .

{ وأَنَّ اللَّهً لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ } بمعنى انه لا يعتبرهم مهتدين بعد ان استحبوا الكفر على الايمان بطبيعة الحال . وأيضا لا يهديهم بمعنى انه لا يثيبهم . . وليس من شك انه قد هداهم بمعنى انه أقام لهم الأدلة الكافية الوافية على وجوده ونبوة أنبيائه : « وأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى - 16 فصلت » .

{ أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وسَمْعِهِمْ وأَبْصارِهِمْ وأُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ } .

تقدم نظيره مع التفسير في سورة البقرة الآية 6 .

{ لا جَرَمَ } لا شك { أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ } . ولا خسران أعظم من غضب اللَّه وعذابه .

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } . بعد ان ذكر سبحانه حكم من آمن في الواقع ، وكفر في الظاهر مكرها ، بعد هذا ذكر هنا من كان قد آمن برسول اللَّه ، ولكنه بقي بمكة ولم يهاجر معه إلى المدينة ، وأعطى المشركين بعض ما أرادوا منه ، ثم تاب وهاجر وجاهد بين يدي رسول اللَّه ، وصبر على جهاد المشركين والفاسدين ، وقد بيّن سبحانه حكم هذا بقوله : { إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } . وضمير بعدها يعود إلى فعلتهم التي يدل عليها السياق ، أوإلى توبتهم مع الهجرة والجهاد والصبر .

وفي كثير من التفاسير ان هذه الآية نزلت في جماعة من أصحاب رسول اللَّه ( صلى الله عليه واله وسلم ) كانوا قد تخلفوا بمكة ، ولم يهاجروا مع رسول اللَّه ، فاشتد المشركون عليهم ، حتى فتن البعض منهم عن دينه ، وجاروا المشركين ، ثم ندموا ، وخافوا ان لا تقبل لهم توبة ، فأنزل اللَّه هذه الآية .

{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها } . المراد بالنفس الأولى الإنسان ، وبالنفس الثانية ذاته ، والمعنى ان كل إنسان يوم القيامة يدفع عن نفسه ، ولا يهتم بغيره : « لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ - 37 عبس » . { وتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ } . ونظيره قوله تعالى : « ولِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وهُمْ لا يُظْلَمُونَ - 22 الجاثية » . وقوله : « لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى - 15 طه » . وقد تكرر هذا المعنى في عشرات الآيات .

_______________

1- تفسير الكاشف،محمد جواد مغنيه،ج4،ص556-558.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

في الآيات وعيد على الكفر بعد الإيمان وهو الارتداد ووعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا المجاهدين الصابرين في الله، وفيها تعرض لحكم التقية.

قوله تعالى:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ} الاطمئنان السكون والاستقرار، والشرح البسط، قال في المفردات: أصل الشرح بسط اللحم ونحوه، يقال: شرحت اللحم وشرحته، ومنه شرح الصدر أي بسطه بنور إلهي وسكينة من جهة الله وروح منه، قال تعالى:{رب اشرح لي صدري}{أ لم نشرح لك صدرك}{أ فمن شرح الله صدره} وشرح المشكل من الكلام بسطه وإظهار ما يخفى من معانيه. انتهى.

وقوله:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} شرط جوابه قوله:{ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ} وعطف عليه قوله:{ولهم عذاب عظيم} وضمير الجمع في الجزاء عائد إلى اسم الشرط{من} لكونه بحسب المعنى كليا ذا أفراد.

وقوله:{ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} استثناء من عموم الشرط والمراد بالإكراه الإجبار على كلمة الكفر والتظاهر به فإن القلب لا يقبل الإكراه والمراد أستثني من أكره على الكفر بعد الإيمان فكفر في الظاهر وقلبه مطمئن بالإيمان.

وقوله:{ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا} أي بسط صدره للكفر فقبله قبول رضى ووعاه، والجملة استدراك من الاستثناء فيعود إلى معنى المستثنى منه فإن المعنى ما أريد بقولي:{ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ} من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن أريد به من شرح بالكفر صدرا، وفي مجموع الاستثناء والاستدراك بيان كامل للشرط، وهذه هي النكتة لاعتراض الاستثناء بين الشرط والجزاء وعدم تأخيره إلى أن تتم الشرطية.

وقيل: قوله:{من كفر} بدل من{الذين لا يؤمنون بآيات الله} في الآية السابقة، وقوله:{وأولئك هم الكاذبون} جملة معترضة، وقوله:{إلا من أكره} استثناء من ذلك وقوله:{ولكن من شرح} مبتدأ خبره أوالقائم مقام خبره قوله:{ فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ}.

والمعنى - على هذا - إنما يفتري الكذب الذين كفروا من بعد إيمانهم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان وعند ذلك تم الكلام ثم بدأ فقال: ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله.

والذوق السليم يكفي مئونة هذا الوجه على ما به من السخافة.

قوله تعالى:{ ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} بيان لسبب حلول غضب الله بهم وثبوت العذاب العظيم عليهم وهوأنهم اختاروا الحياة الدنيا وهي الحياة المادية التي لا غاية لها إلا التمتع الحيواني والاشتغال بمشتهيات النفس على الآخرة التي هي حياة دائمة مؤبدة في جوار رب العالمين وهي غاية الحياة الإنسانية.

وبعبارة أخرى هؤلاء لم يريدوا إلا الدنيا وانقطعوا عن الآخرة وكفروا بها والله لا يهدي القوم الكافرين وإذ لم يهدهم الله ضلوا عن طريق السعادة والجنة والرضوان فوقعوا في غضب من الله وعذاب عظيم.

قوله تعالى:{ أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} إشارة إلى أن اختيار الحياة الدنيا على الآخرة والحرمان من هداية الله سبحانه هو الوصف الذي يوصف به الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم والذين يسمون غافلين.

فإنهم باختيارهم الحياة الدنيا غاية لأنفسهم وحرمانهم من الاهتداء إلى الأخرى انقطعوا عن الآخرة وتعلقوا بالدنيا وجعلوها غاية لأنفسهم فوقف حسهم وعقلهم فيها دون أن يتعدياها إلى ما وراءها وهو الآخرة فليسوا يبصرون ما يعتبرون به ولا يسمعون عظة يتعظون بها ولا يعقلون حجة يهتدون بها إلى الآخرة.

فهم مطبوع على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فلا تنال قلوبهم ولا سمعهم وأبصارهم ما يدلهم على الآخرة، وهم غافلون عنها لا يتنبهون لشيء من أمرها.

فظهر أن ما في الآية السابقة من الوصف بمنزلة المعرف لما في هذه الآية من الطبع ومن الغفلة فعدم هداية الله إياهم إثر ما تعلقوا بالدنيا هو معنى الطبع والغفلة، والطبع صنع إلهي منسوب إليه تعالى فعله بهم مجازاة والغفلة صفة منسوبة إليهم أنفسهم.

قوله تعالى:{ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ } لأنهم ضيعوا رأس مالهم في الدنيا فبقوا لا زاد لهم يعيشون به في أخراهم، وقد وقع في نظير المقام من سورة هود:{ لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ }: هود: 22، ولعل وجه التشديد هناك أنه تعالى أضاف إلى صفاتهم هناك أنهم صدوا عن سبيل الله فراجع.

قوله تعالى:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} الفتنة في الأصل إدخال الذهب النار ليظهر جودته ثم استعمل في مطلق البلاء والتعذيب، وقد كانت قريش ومشركومكة يفتنون المؤمنين ليردوهم عن دينهم ويعذبونهم بأنواع العذاب حتى ربما كانوا يموتون تحت العذاب كما فتنوا عمارا وأباه وأمه فقتل أبواه وارتد عمار ظاهرا فتفصى منهم بالتقية وفي ذلك نزلت الآيات السابقة كما سيأتي إن شاء الله في البحث الروائي.

ومن هنا يظهر أن للآية اتصالا بما قبلها من قوله:{ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } وهي في معنى قولنا: وبعد ذلك كله إن الله غفور رحيم للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا وصبروا.

فقوله:{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا } وعد جميل للمهاجرين من بعد ما فتنوا بالمغفرة والرحمة يوم القيامة قبال ما أوعد غيرهم بالخسران التام يومئذ وقد قيد ذلك بالجهاد والصبر بعد المهاجرة.

وقوله:{ إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } بمنزلة تلخيص صدر الكلام - لطوله - ليلحق به ذيله، ويفيد فائدة التأكيد كقولنا: زيد في الدار زيد في الدار كذا وكذا، ويفيد أن لما ذكر من قيود الكلام دخلا في الحكم فالله سبحانه لا يرضى عنهم إلا أن يهاجروا ولا عن هجرتهم إلا أن يجاهدوا بعدها ويصبروا.

قوله تعالى:{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} إتيان النفس يوم القيامة كناية عن حضورها عند الملك الديان، كما قال:{فإنهم لمحضرون}: الصافات: 127 والضمير في قوله:{عن نفسها} للنفس ولا ضير في إضافة النفس إلى ضمير النفس فإن النفس ربما يراد بها الشخص الإنساني كقوله:{من قتل نفسا بغير نفس}: المائدة: 22، وربما يراد بها التأكيد ويتحد معناها بما تقدمها من المؤكد سواء كان إنسانا أوغيره، كما يقال: الإنسان نفسه والفرس نفسه والحجر نفسه والسواد نفسه، ويقال: نفس الإنسان ونفس الفرس ونفس الحجر ونفس السواد، وقوله:{عن نفسها} المراد فيه بالمضاف المعنى الثاني وبالمضاف إليه المعنى الأول، وقد دفع التعبير بالضمير بشاعة تكرار اللفظ بالإضافة، وفي هذا المقدار كفاية عن الأبحاث الطويلة التي أوردها المفسرون.

وقوله:{ يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا} الظرف متعلق بقوله في الآية السابقة:{لغفور رحيم} ومجادلة النفس عن نفسها دفاعها عن نفسها وقد نسيت كل شيء وراء نفسها على خلاف ما كانت عليه في الدنيا من التعلق بكل شيء دون نفسها بنسيانها وليس ذلك إلا لظهور حقيقة الأمر عليها وهي أن الإنسان لا سبيل له إلى ما وراء نفسه، وليس له في الحقيقة إلا أن يشتغل بنفسه.

فاليوم تأتي النفس وتحضر للحساب وهي تجادل وتصر على الدفاع عن نفسها بما تقدر عليه من الأعذار.

وقوله:{ وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ } التوفية إعطاء الحق تاما من غير تنقيص، وقد علق التوفية على نفس العمل إذ قيل:{ما عملت} فأفيد أن الذي أعطيته نفس العمل من غير أن يتصرف فيه بتغيير أوتعويض، وفيه كمال العدل حيث لم يضف إلى ما استحقته شيء ولا نقص منه ولذلك عقبه بقوله:{وهم لا يظلمون}. ففي الآية إشارة: أولا: إلى أن نفسا لا تدافع يوم القيامة ولا تجادل عن غيرها بل إنما تشتغل بنفسها لا فراغ لها لغيرها كما قال:{ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَنْ مَوْلًى شَيْئًا }: الدخان: 41، وقال:{ يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ }: الشعراء: 88، وقال:{يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة}: البقرة: 254.

وثانيا: إلى أن الجدال لا ينفعها في صرف ما استحقتها من الجزاء شيئا فإن الذي تجزاه هوعين ما عملت ولا سبيل إلى تغيير هذه النسبة وليس من الظلم في شيء.

______________

1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج12،ص289-292.

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

المرتدون عن الإِسلام:

تكمل هذه الآيات ما شرعت به الآيات السابقة من الحديث عن المشركين والكفار وما كانوا يقومون به، فتتناول الآيات فئة أُخرى من الكفرة وهم المرتدون.

حيث تقول الآية الأُولى: { مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }.

وتشير الآية إِلى نوعين من الذين كفروا بعد إِيمانهم:

النوع الأوّل: هم الذين يقعون في قبضة العدو الغاشم ويتحملون أذاه وتعذيبه، ولكنّهم لا يصبرون تحت ضغط ما يلاقوة من أعداء الإِسلام، فيعلنون براءتهم من الإِسلام وولاءهم للكفر، على أنّ ما يعلنوه لا يتعدى حركة اللسان، وأمّا قلوبهم فتبقى ممتلئة بالإِيمان.

فهذا النوع يكون مشمولا بالعفو الإِلهي بلا ريب، بل لم يصدر منهم ذنب، لأنّهم قد مارسوا التقية التي أحلها الإِسلام لحفظ النفس وحفظ الطاقات للإِستفادة منها في طريق خدمة دين اللّه عزَّوجلّ.

النوع الثّاني: هم الذين يفتحون للكفر أبواب قلوبهم حقيقةً، ويغيّرون مسيرتهم ويتخلّون عن إِيمانهم، فهؤلاء يشملهم غضب اللّه عزَّ وجلّ وعذابه العظيم.

ويمكن أن يكون «غضب اللّه» إِشارة إِلى حرمانهم من الرحمة الإِلهية والهداية في الحياة الدنيا، و«العذاب العظيم» إِشارة إِلى عقابهم في الحياة الأُخرى.. وعلى أيَّةِ حال، فما جاء في الآية من وعيد للمرتدين هو في غاية الشدة .

وتتطرق الآية التالية إِلى أسباب ارتداد هؤلاء، فتقول: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} الذين يصرّون على كفرهم وعنادهم.

وخلاصة المقال: حين أسلم هؤلاء تضررت مصالحهم المادية وتعرضت للخطر المؤقت، فندموا على إِسلامهم لشدّة حبّهم لدنياهم، وعادوا خاسئين إِلى كفرهم.

وبديهي أن من لا يرغب في الإِيمان ولا يسمح له بالدخول إِلى أعماق نفسه، لا تشمله الهداية الإِلهية، لأنّ الهداية تحتاج إِلى مقدمات كالسعي للحصول على رضوانه سبحانه والجهاد في سبيله، وهذا مصداق لقوله عزَّوجلّ في آخر سورة العنكبوت: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا }.

وتأتي الآية الأُخرى لتبيّن سبب عدم هدايتهم، فتقول: { أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ} بحيث أنّهم حُرموا من نعمة الرؤية والسمع وادراك الحقائق: { وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}.

وكما قلنا سابقاً فإِنّ ارتكاب الذنوب وفعل القبائح يترك أثره السلبي على إدراك الإِنسان للحقائق وعلى عقله ورؤيته السليمة، وتدريجياً يسلب منه سلامة الفكر، وكلما ازداد في غيه كلّما اشتدت حجب الغفلة على قلبه وسمعه وبصره، حتى يؤول به المآل إِلى أن يصبح ذا عين ولكنْ لا يرى بها، وذا أُذن وكأنّه لا يسمع بها، وتغلق أبواب روحه من تقبّل أيّة حقيقة، فيخسر الحس التشخيصي والقدرة على التمييز، والتي تعتبر من النعم الإِلهي العالية.

«الطبع» هنا: بمعنى «الختم»، وهو إِشارة إِلى حالة الإِحكام المطلق، فلو أراد شخص مثلا أنْ يغلق صندوقاً معيناً بشكل محكم كي لا تصل إِليه الأيدي فإِنّه يقوم بربطه بالحبال وغيرها، ومن ثمّ يقوم بوضع ختم من الشمع على باب الصندوق للإِطمئنان من عبث العابثين.

ثمّ تعرض الآية التالية عاقبة أمرهم، فتقول: { لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرُونَ }.

وهل هناك من هو أتعس حالا من هذا الإِنسان الذي خسر جميع طاقاته وامكاناته لنيل السعادة الدائمة بإتباعه هوى النفس.

وبعد ذكر الفئتين السابقتين، أي الذين يتلفظون بكلمات الكفر وقلوبهم ملأى بالإِيمان، والذين ينقلبون إِلى الكفر مرّة أُخرى بكامل اختيارهم ورغبتهم، فبعد ذلك تتطرق الآية التالية إِلى فئة ثالثة وهم البسطاء المخدوعون في دينهم، فتقول: { ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ }(2).

فالآية دليل واضح على قبول توبة المرتد، ولكنّ الآية تشير إِلى مَن كان مشركاً في البداية ثم أسلم، فعليه يكون المقصود به هو (المرتد الملّي) وليس (المرتد الفطري)(3).

وتأتي الآية الأخيرة لتقدم تذكيراً عاماً بقولها: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا}(4) لتنقذها من العقاب والعذاب.

فالمذنبون أحياناً ينكرون ما ارتكبوه من ذنوب إِنكاراً تاماً فراراً من الجزاء والعقاب، والآية (23) من سورة الأنعام تنقل لنا قولهم: {واللّه ربّنا ما كّنا مشركين}، وعندما لا يلمسون أيّة فائدة لإِنكارهم يتجهون بإِلقاء اللوم على أئمتهم وقادتهم، ويقولون: { رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ}(الأعراف،38).

ولكنْ.. لا فائدة من كل ذلك.. { وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }.

_____________________

1- تفسير الامثل ،مكارم الشيرازي،ج7،ص181-183.

2 ـ ضمير «بعدها» ـ وكما يقول كثير من المفسّرين ـ يعود إِلى «الفتنة»، في حين ذهب البعض من المفسّرين إِلى أنّه يعود إِلى الهجرة والجهاد والصبر المذكورة سابقاً.

3 ـ المرتد الفطري: هو الذي يولد من أبوين مسلمين ثمّ يرتد عن الإِسلام بعد قبوله إِياه، والمرتد الملّي: يطلق على مَن انعقدت نطفته من أبوين غير مسلمين ثمّ قبل الإِسلام، وارتَّد عنه بعد ذلك.

4- اختلاف القول بخصوص متعلق «يوم» جار بين المفسّرين..فبعضهم يذهب إِلى أنّه متعلق بفاعل مستتر والتقدير هو «ذكرهم يوم القيامة»، واعتبره آخرون متعلقاً بفعل الغفران والرحمة المأخوذان من (الغفور الرحيم) في الآية السابقة، (ولكنّنا نرجح التّفسير الإِحتمال الأوّل لشموله).




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .