أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-7-2020
4735
التاريخ: 14-7-2020
5237
التاريخ: 16-7-2020
21520
التاريخ: 22-7-2020
7224
|
قال تعالى: {وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ (32) أَفَمَنْ هُو قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (33) لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ } [الرعد: 32 - 34]
عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال: { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ} كما استهزأ هؤلاء بك { فأمليت للذين كفروا } أي: فأمهلتهم وأطلت مدتهم ليتوبوا ولتتم عليهم الحجة { ثم أخذتهم } أي: أهلكتهم وأنزلت عليهم عذابي { فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} أي: فكيف حل عقابي بهم وهو إشارة إلى تفخيم ذلك العقاب وتعظيمه ثم عاد سبحانه إلى الحجاج مع الكفار {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} معناه: أ فمن هو قائم بالتدبير على كل نفس وحافظ كل نفس أعمالها يجازيها وقيل: أ فمن هو قائم عليها برزقها وحفظها والدفع عنها كمن ليس بهذه الصفات من الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ويدل على هذا المحذوف قوله { وجعلوا لله شركاء } يعني أن هؤلاء الكفار جعلوا لله شركاء في العبادة من الأصنام التي لا تقدر على شيء مما ذكرنا { قل } يا محمد { سموهم } أي: سموهم بما يستحقون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله كما يوصف الله بالخالق والرازق والمحيي والمميت ويعود المعنى إلى أن الصنم لوكان إلها لتصور منه أن يخلق الرزق فيحسن حينئذ أن يسمى بالخالق والرازق وقيل سموهم بالأسماء التي هي صفاتهم ثم انظروا هل تدل صفاتهم على جواز عبادتهم واتخاذهم آلهة وقيل معناه أنه ليس لهم اسم له مدخل في استحقاق الإلهية وذلك استحقار لهم وقيل سموهم ما ذا خلقوا وهل ضروا أونفعوا وهو مثل قوله { أروني ما ذا خلقوا من الأرض } عن الحسن.
{ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ} هذا استفهام منقطع مما قبله أي: بل أ تخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه على معنى أنه ليس ولوكان لعلم { أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ} أي : أم تقولون مجازا من القول وباطلا لا حقيقة له عن مجاهد وقتادة والضحاك وعلى هذا فالمعنى أنه كلام ظاهر ليس له في الحقيقة باطن ومعنى فهوكلام فقط وقيل: أم بظاهر كتاب أنزل الله تعالى سميتم الأصنام آلهة فبين أنه ليس هاهنا دليل عقلي ولا سمعي يوجب استحقاق الأصنام الإلهية عن الجبائي.
ثم بين سبحانه بطلان قولهم فقال: { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ} أي: دع ذكر ما كنا فيه زين الشيطان لهم الكفر لأن مكرهم بالرسول كفر منهم عن ابن عباس وقيل: بل زين لهم الرؤساء والغواة كذبهم وزورهم { وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ} أي: وصدوا الناس عن الحق أوصدوا بأنفسهم عن الحق وعن دين الله { وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} سبق معناه في مواضع { لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَ} بالقتل والسبي والأسر وقيل بالمصائب والأمراض { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} أي: أغلظ وأبلغ في الشدة على النفس لدوامه وخلوصه وكثرته { وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} أي: ما لهم من دافع يدفع عنهم عذاب الله تعالى .
______________
1- تفسير مجمع البيان ،الطبرسي،ج6،ص43-44.
{ ولَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ } . يقول سبحانه لنبيه محمد ( صلى الله عليه واله وسلم ) : اصبر وامض في دعوتك ، وهون عليك أمر الذين كذبوك وسخروا منك وابعدوا في اقتراحاتهم عليك ، فلقد فعل فعلهم من كان قبلهم ، فأطلت لهم ومددت الأجل ، ثم أخذتهم أخذ عزيز مقتدر ، وهذه بالذات عاقبة الذين كذبوا برسالتك .
وما أرسل اللَّه نبيا الا وهو مزود بأمرين : العلم بالأدلة الكونية والعقلية على وجود الخالق ووحدانيته ، ومعجزة تظهر على يده ، وتدل على نبوته ، وبالأولى يقنع الناس بالتوحيد ، وبالثانية يقنعهم بأنه رسول من ربه ، وكان الذين لا يؤمنون الا بمنافعهم وأرباحهم يستهزئون ويسخرون من الأنبياء وأدلتهم ومعجزاتهم ، واللَّه يمد لهم الأجل ليؤبوا إلى رشدهم ، وليعذر إليهم بالإملاء ، كما أعذر إليهم بالحجج .
{ أَفَمَنْ هُوقائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ } يحرسها ويراقبها ويحصي عليها كل شيء ويجازيها بالثواب ان أحسنت ، وبالعقاب ان أساءت ، أفمن يكون بهذه الصفات تجعل الأحجار شريكة له ؟ . . { وجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ } لا يشبهونه بشيء {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ - 17 النحل } ؟ . . { قُلْ سَمُّوهُمْ } أي اذكروا أيها المشركون صفة واحدة لأصنامكم تستحق بها العبادة . . وهذا التحدي يشبه السخرية والتهكم ، تماما كما لوقال الجبان : أنا أشجع الشجعان . فتقول له :
اذكر لنا شاهدا واحدا على شجاعتك .
{أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ } . اللَّه يقول : لا شريك لي . وهم يقولون له ، بل لك شركاء كثيرون . . ومعنى قولهم هذا في واقعه ان اللَّه لا يعلم وهم يعلمون ، وانهم يخبرونه بشيء يجهله . . تعالى اللَّه عما يصفون ، وبتعبير أهل المنطق إذا وجد الملزوم وجد اللازم ، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم - إذا وجدت الشمس وجد النهار ، وإذا انتفت الشمس فلا نهار ، وإذا انتفى النهار فلا شمس أيضا ظاهرا وواقعا . . وكذلك إذا وجد الشريك علم اللَّه بوجوده حتما ، وحيث إن اللَّه لا يعلم به فلا شريك ، والا يلزم جهله تعالى اللَّه عن ذلك .
وانما خص سبحانه الأرض بالذكر مع أنه تعالى لا شريك له في الأرض ولا في السماء ، لأن الحديث يتعلق بالأصنام ، وهي في الأرض لا في السماء .
{ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ } . وضعت الكلمات لتدل على معنى موجود ، وأية كلمة لا تدل على ذلك فهي شيء في الظاهر ، ولا شيء في الواقع ، وكلمة شركاء اللَّه من هذا الباب أسماء بلا مسميات : « إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْماءٌ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ - 23 النجم » ، ومرّ نظيره في الآية 70 من سورة الأعراف ج 3 ص 348 ، والآية 40 من سورة يوسف .
{ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ } . معنى المكر في اللغة الخداع ، وقد خدع المشركون بالأصنام ، فظنوها شريكة للَّه في خلقه ، وزينت لهم أنفسهم هذا المكر والخداع { وصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ } بالبناء للمجهول أي ان الذي زينته له أنفسهم صدهم عن الحق والايمان باللَّه ووحدانيته { ومَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ } . أنظر
تفسير الآية 88 من سورة النساء ، فقرة « الإضلال من اللَّه سلبي لا ايجابي » ج 2 ص 399 .
{ لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا } بالخزي والهوان { ولَعَذابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ} لأن كل شيء من الدنيا سماعه أعظم من عيانه ، وكل شيء من الآخرة عيانه أعظم من سماعه ، كما قال الإمام علي ( عليه السلام ) . { وما لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ واقٍ} يقيهم العذاب ويدفعه عنهم .
__________________
1- التفسير الكاشف، محمد جواد مغنية، ج4، صفحه 408-410.
قوله تعالى:{ وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} تأكيد لما في الآية السابقة من الوعيد القطعي ببيان نظائر له تدل على إمكان وقوعه أي لا يتوهمن متوهم أن هذا الذي نهددهم به وعيد خال لا دليل على وقوعه كما قالوا:{ لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ }: النمل: 68.
وذلك أنه قد استهزىء برسل من قبلك بالكفر وطلب الآيات كما كفر هؤلاء بدعوتك ثم اقترحوا عليك آية مع وجود آية القرآن فأمليت وأمهلت للذين كفروا ثم أخذتهم بالعذاب فكيف كان عقابي؟ أ كان وعيدا خاليا لا شيء وراءه؟ أم كان أمرا يمكنهم أن يتقوه أويدفعوه أويتحملوه؟ فإذا كان ذلك قد وقع بهم فليحذر هؤلاء وفعالهم كفعالهم أن يقع مثله بهم.
ومن ذلك يظهر أن قولهم: إن الآية تسلية وتعزية للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في غير محله.
وقد بدل الاستهزاء في الآية ثانيا من الكفر إذ قيل:{للذين كفروا} ولم يقل بالذين استهزءوا للدلالة على أن استهزاءهم كان استهزاء كفر كما أن كفرهم كان كفر استهزاء فهم الكافرون المستهزءون بآيات الله كالذين كفروا بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا مستهزئين بالقرآن وهو آية: لولا أنزل عليه آية من ربه.
قوله تعالى:{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ } القائم على شيء هو المهيمن المتسلط عليه والقائم بشيء من الأمر هو الذي يدبره نوعا من التدبير والله سبحانه هو القائم على كل نفس بما كسبت أما قيامه عليها فلأنه محيط بذاتها قاهر عليها شاهد لها، وأما قيامه بما كسبت فلأنه يدبر أمر أعمالها فيحولها من مرتبة الحركة والسكون إلى أعمال محفوظة عليها في صحائف الأعمال ثم يحولها إلى المثوبات والعقوبات في الدنيا والآخرة من قرب وبعد وهدى وضلال ونعمة ونقمة وجنة ونار.
والآية متفرعة على ما تقدمها أي إذا كان الله سبحانه يهدي من يشاء فيجازيه بأحسن الثواب ويضل من يشاء فيجازيه بأشد العقاب وله الأمر جميعا فهوقائم على كل نفس بما كسبت ومهيمن مدبر لنظام الأعمال فهل يعدله غيره حتى يشاركه في ألوهيته؟.
ومن ذلك يظهر أن الخبر في قوله:{أ فمن هو قائم} إلخ، محذوف يدل عليه قوله:{وجعلوا لله شركاء} ومن سخيف القول ما نسب إلى الضحاك أن المراد بقوله:{ أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } الملائكة لكونهم موكلين على الأعمال والمعنى أ فيكون الملائكة الموكلون على الأعمال بأمره شركاء له سبحانه؟ وهو معنى بعيد من السياق غايته.
قوله تعالى:{ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ } لما ذكر سبحانه قوله:{وجعلوا لله شركاء} عاد إليهم ببيان يبطل به قولهم ذلك مأخوذ من البيان السابق بوجه.
فأمر نبيه بأن يحاجهم بنوع من الحجاج عجيب في بابه فقال:{قل سموهم} أي صفوهم فإن صفات الأشياء هي التي تتعين بها شئونها وآثارها فلوكانت هذه الأصنام شركاء لله شفعاء عنده وجب أن يكون لها من الصفات ما يسوي لها الطريق لهذا الشأن كما يقال فيه تعالى إنه حي عليم قدير خالق مالك مدبر فهورب كل شيء لكن الأصنام إذا ذكرت فقيل: هبل أواللات أوالعزى لم يوجد لها من الصفات ما يظهر به أنها شريكة لله شفيعة عنده.
ثم قال:{أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض} وأم منقطعة أي بل أ تنبئونه بكذا والمعنى أن اتخاذكم الأصنام شركاء له إنباء له في الحقيقة بما لا يعلم فلوكان له شريك في الأرض لعلم به لأن الشريك في التدبير يمتنع أن يخفى تأثيره في التدبير على شريكه والله سبحانه يدبر الأمر كله ولا يرى لغيره أثرا في ذلك لا موافقا ولا مخالفا، والدليل على أنه لا يرى لنفسه شريكا في الأمر أنه تعالى هو القائم على كل نفس بما كسبت، وبعبارة أخرى أن له الخلق والأمر وهو على كل شيء شهيد بالبرهان الذي لا سبيل للشك إليه، والآية بالجملة كقوله في موضع آخر:{ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ }: يونس: 18.
ثم قال:{أم بظاهر من القول} أي بل أ تنبئونه بأن له شركاء بظاهر من القول من غير حقيقة وهذا كقوله:{ إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ }: النجم: 23.
وعن بعضهم أن المراد بظاهر من القول ظاهر كتاب نازل من الله تسمى فيه الأصنام آلهة حقة وحاصل الآية نفي الدليل العقلي والسمعي معا على ألوهيتها وكونها شركاء لله سبحانه وهو بعيد من اللفظ.
ووجه الارتباط بين هذه الحجج الثلاث أنهم في عبادتهم الأصنام وجعلهم لله شركاء مترددون بين محاذير ثلاثة إما أن يقولوا بشركتها من غير حجة إذ ليس لها من الأوصاف ما يعلم به أنها شركاء لله، وإما أن يدعوا أن لها أوصافا كذلك هم يعلمونها ولا يعلم بها الله سبحانه، وإما أن يكونوا متظاهرين بالقول بشركتها من غير حقيقة وهم يغرون الله بذلك تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
قال الزمخشري في الكشاف،: وهذا الاحتجاج وأساليبه العجيبة التي ورد عليها مناد على نفسه بلسان طلق ذلق أنه ليس من كلام البشر لمن عرف وأنصف على نفسه انتهى كلامه.
قوله تعالى:{ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } إضراب عن الحجج المذكورة ولوازمها والمعنى دع هذه الحجج فإنهم لا يجعلون له شركاء لشيء من هذه الوجوه بل مكر زينه لهم الشيطان وصدهم بذلك عن سبيل الله تعالى وذلك أنهم على علم بأنه لا حجة على شركتها وأن مجرد الدعوى لا ينفعهم لكنهم يريدون بترويج القول بألوهيتها وتوجيه قلوب العامة إليها عرض الدنيا وزينتها، ودعوتك إلى سبيل الله مانعة دون ذلك فهم في تصلبهم في عبادتها ودعوة الناس إليها والحث على الأخذ بها يمكرون بك من وجه وبالناس من وجه آخر وقد زين لهم هذا المكر وهو السبب في جعلهم إياها شركاء لا غير ذلك من حجة أوغيرها وصدوا بذلك عن السبيل.
فهم زين لهم المكر وصدوا به عن السبيل والذي زين لهم وصدهم هو الشيطان بإغوائهم، وأضلوا والذي أضلهم هو الله سبحانه بإمساك نعمة الهدى منهم ومن يضلل الله فما له من هاد.
قوله تعالى:{ لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} أشق أفعل من المشقة وواق اسم فاعل من الوقاية بمعنى الحفظ.
وفي الآية إيجاز القول فيما وعد الله الذين كفروا من العذاب في الآيات السابقة، وفي قوله:{ وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} نفي الشفاعة وتأثيرها في حقهم أصلا، ومعنى الآية ظاهر.
______________
1- تفسير الميزان ،الطباطبائي،ج11،ص298-300.
الآية الأخيرة من هذه المجموعة تخاطب النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتقول له: لست الوحيد من بين الأنبياء تعرّض لطلب المعاجز الإقتراحية والإستهزاء من الكفّار، بل { وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ }. ولكن لم نعاقب هؤلاء الكفّار فوراً، بل {فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} لكي يستيقظوا ويعودوا إلى طريق الحقّ، أو نلقي عليهم الحجّة الكافية على الأقل. لأنّ هؤلاء إذا كانوا مذنبين فإنّ لطف الله وكرمه وحكمته لا تتأثّر بأفعال هؤلاء.
وعلى أيّة حال فهذا التأخير ليس بمعنى نسيان العقاب، بل { ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ} وهذا المصير ينتظر قومك المعاندين أيضاً.
كيف تجعلون الأصنام شركاء مع الله؟!
نعود مرّةً أُخرى في هذه الآيات إلى البحث حول التوحيد والشرك، وهي تخاطب الناس من خلال دليل واضح حيث يقول تعالى: { أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ }(2) وهذه الجملة تريد أن تقول بوضوح إنّ الله سبحانه وتعالى وكأنّه واقف على رأس كلّ شخص ويعلم بما يفعلونه ويجازي عليه وبيده تدبير الأُمور، ولذلك فإنّ كلمة «قائم» لها معنىً واسع يشمل كلّ هذه الأُمور، مع أنّ مجموعة من المفسّرين يرى لها أبعاداً خاصّة.
ولإتمام البحث السابق، ومقدّمة للبحث الآتي، يقول تعالى:{ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ }.
ثمّ يجيبهم بلا فاصلة وبعدّة طرق:
يقول أوّلا: {قل سمّوهم}.
والمقصود من تسميتهم هو إِمّا أن يكونوا ليست لهم أيّة قيمة بحيث لا تستطيعون تسميتهم، فكيف تجعلون هذه الموجودات التي لا تستحق حتّى الأسماء والتي لا قيمة لها، في عداد الخالق القادر المتعال؟
أو يكون المقصود: بيّنوا صفاتهم لكي نرى هل يستحقّون العبادة، فنحن نقول في صفات الله جلّ وعلا بأنّه الخالق، والرازق، والمحيي والعالم والقادر، فهل تستطيعون أن تمنحوا هذه الصفات للأصنام؟! أو بالعكس إذا أردنا تسميتها نقول بأنّها أحجار وأخشاب ساكنة وفاقدة للعقل والشعور، ومحتاجة لمن يعبدها، وخلاصة القول إنّها فاقدة لكلّ شيء! فكيف نجعلها سواء مع الله؟ أفلا تعقلون؟!
أو يكون المقصود: عدّوا لنا أعمالهم، فهل كشفوا الضُرّ لأحد أو منحوا الخير لأحد؟ وهل حلّوا العُقَد والمشاكل؟! ومع هذا الوضع فأي عقل يجيز لكم أن تجعلوهم قرناء مع الله جلّ وعلا وهو مصدر الخير والبركة والنافع والضارّ والمثيب والمعاقب!.
طبعاً لا مانع من أن تجتمع كلّ هذه المعاني في جملة (سمّوهم) !
ويقول ثانياً: { أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ}.
وهذا التعبير في الحقيقة أفضل اُسلوب للجواب على حديثهم الواهي، وكمثال على ذلك يقول لك أحد الأشخاص: إنّ فلاناً كان ضيفاً عندكم البارحة، فتقول له: هل تخبرني عن ضيف لا علم لي به؟! يعني هل من الممكن أن أحداً يكون ضيفي ولا أعلم به وأنت تعلم بذلك؟!
ثالثاً: حتّى أنتم في الواقع لا تؤمنون بذلك في قرارة أنفسكم، بل { أَمْ بِظَاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ.
ولهذا السبب نرى المشركين عندما تضيق بهم المشاكل الحياتية يلوذون بالله، لأنّهم يعلمون في قلوبهم أنّ الأصنام لا يمكن أن تعمل لهم شيئاً، كما بيّن القرآن الكريم حالهم في الآية (65) من سورة العنكبوت حيث يقول تعالى: { فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ }.
رابعاً: إنّ المشركين ليس لهم إدراك صحيح، وبما أنّهم تابعين لأهوائهم وتقليدهم الأعمى، فإنّهم غير قادرين على أن يقضوا بالحقّ وبشكل صحيح، ولهذا السبب ضلّوا الطريق، يقول تعالى: { بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ}.
وقد قلنا مراراً: إنّ هذا الضلال ليس جبراً، ولا هو إعتباطياً وبدون حساب، بل الإضلال الإلهي إنعكاس لما يقوم به الإنسان من الأعمال السيّئة التي تجرّه إلى الضياع، وبما أنّ هذه الخاصيّة قد جعلها الله سبحانه وتعالى لمثل هذه الأعمال فلذلك نسب هذا العمل إليه.
ويشير القرآن الكريم في الآية الأخيرة من هذه المجموعة إلى العقاب الأليم الذي يشملهم في الدنيا والآخرة، الشقاء والهزيمة والحرمان وغيرها، حيث تقول: { لَهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ} لأنّها دائمة ومستمرة، جسدية وروحية، وفيها أنواع الآلام.
وإذا إعتقدوا بأنّ لهم طريقاً للفرار أو سبيلا للدفاع في مقابل ذلك، فإنّهم في إشتباه كبير، لأنّ { وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ}.
________________
1- تفسير الامثل ،ناصر مكارم الشيرازي،ج6نص452-457.
2 ـ الجملة أعلاه مبتدأ لخبر محذوف تقديره (أمّن هو قائم على كلّ نفس بما كسبت كمن ليس كذلك).
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|