أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-8-2016
1384
التاريخ: 28-8-2016
1366
التاريخ: 26-8-2016
1628
التاريخ: 8-8-2016
1216
|
الواجب تارة يلاحظ فيه إضافته إلى الفاعل، واخرى لم يلحظ فيه ذلك بأن يكون الغرض متعلّقا بمجرّد وجوده وإن لم يستند إلى مكلّف أصلا كما في بعض التوصليّات كتطهير البدن والثوب للصلاة.
وعلى الأوّل قد يعتبر المباشرة، وقد يكون المقصود اعمّ منها ومن التسبيب، وكذا قد يعتبر الإيجاد ببدنه وإن كان بإيجاد السبب، وقد يكون الغرض أعمّ منه ومن الإيجاد بنائبه، وكذا قد يعتبر أن يكون الإيجاد بالاختيار والقصد وإن كان بنائبه وبإيجاد السبب، وقد يكون المراد أعمّ منه ومن الإيجاد بدون التفات أصلا وعن غفلة.
ثمّ الإيجاد بالاختيار قد يحصل بأن يكون الداعي له هو هذا العنوان، كما لو شرب الخمر بداعي نفس هذا العنوان، وقد يكون بمجرّد الالتفات إلى نفس العنوان مع كون الداعي له عنوانا آخر، كما لو شرب الخمر مع العلم بكونه خمرا بداعي رفع العطش لا شرب الخمر، فيمكن أن يكون المقصود خصوص القسم الأوّل من هذين القسمين وأن يكون هو الأعمّ منه ومن الثاني.
فالمقصود في هذا المقام هو البحث عن أنّ الأمر هل يكون له ظهور في تشخيص هذه الوجوه أولا ظهور له مطلقا أو يفصّل، ثمّ على تقدير عدم الظهور فالأصل العملي الذي هو المرجع حينئذ ما ذا؟
فنقول وباللّه الاستعانة: القيد على قسمين، الأوّل: ما يحتاج إليه الطلب ولا يصحّ بدونه، والثاني غيره، وكلّ منهما إمّا مذكور في الكلام وإمّا غير مذكور، والقسم الأوّل أعني ما يتوقّف عليه حسن الطلب إمّا أن يكون دخيلا في المطلوب والغرض الأصلي أيضا وإمّا لا، فإن لم يكن مذكورا في القضيّة فالظاهر عدم دخل له في الغرض، ويعبّر عن ذلك بإطلاق المادّة، ولذا لمّا كان دليل وجوب الصلاة مطلقا يحكم بمطلوبيّتها في حقّ النائم مع عدم قدرته على الصلاة، ومن هنا يجب عليه القضاء مع كونه تابعا للفوت الغير الصادق إلّا مع ثبوت المقتضي في حقّه.
والدليل على ذلك أنّ المولى لمّا صار بصدد بيان محبوبه وغرضه، فكلّما كان له دخل في غرضه دلّ عليه، فما لم يدّل عليه يستكشف عدم دخل له في هذا المقام وإن كان له دخل في تعلّق الطلب، وعلى هذا فلو قال انقذ الغريق من دون التقييد بالقدرة يلزم الحكم بشمول المحبوبيّة لجميع الأفراد حتّى فيما لو اجتمع غريقان ولم يتمكّن المكلّف إلّا من إنقاذ أحدهما، وأمّا لو كان هذا القيد مذكورا في الكلام كما لو قال: اضرب زيدا إن قدرت عليه، فلا يمكن الحكم بتقييد المادّة ولا بإطلاقها، بل يحكم بإجمالها، وذلك لعدم العلم بأنّ ذكر القيد يكون لأجل مدخليّة له في المطلوب أو لتوقّف الطلب عليه، فالمانع عن الأخذ بأصالة الإطلاق في طرف المادّة موجود؛ إذ من موانع الأخذ بأصالة الإطلاق وجود ما يصلح للقيديّة في الكلام، كما أنّ من موانع الأخذ بأصالة الحقيقة وجود ما يصلح للقرينيّة فيه، فيعمل بمقتضى الاصول.
وأمّا القسم الثاني وهو ما لا يتوقّف حسن الطلب وصحّته عليه كوصف الإيمان في الرقبة المأمور بعتقها، فإن لم يكن مذكورا في الكلام فلا شكّ أنّه لا وجه حينئذ للتقييد بل يحكم بالإطلاق لو وجدت هناك شرائط الأخذ بالإطلاق، وإلّا فبمقتضى الاصول، كما لا إشكال في أنّه متى كان مذكورا كان الظاهر هو التقييد ما لم يستظهر إلغاء القيد من الخارج.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّه لو شكّ في أنّ الشارع لاحظ إضافة الفعل المأمور به إلى المكلّف بحيث لو صدر عن غيره ولو بتسبيب منه لم يحصل الغرض، أو أنّه لم يلحظ ذلك، بل الغرض متعلّق بالأعمّ من المباشرة والتسبيب؟ فظاهر صيغة الأمر طلب وقوع الفعل من المخاطب على وجه ينسب إليه، ولا ينسب إليه العمل إلّا إذا كان مباشرا له، وأمّا إذا كان سببا فنسبته إليه مجاز.
لكن لو أمكن دعوى أنّ المعلوم من حال الشارع في غالب خطاباته التوصّلية توسعة الغرض وتعلّقه بالأعمّ فيحكم بذلك في مورد الشكّ إلحاقا له بالأعم الأغلب، أو لم يمكن دعوى ذلك في الشرعيّات وأمكن دعواه في العرفيّات فيحكم بذلك في مورد الشكّ أيضا؛ إذ الخطابات الشرعيّة منزّلة على طبق فهم العرف ما لم يعلم تخطئته من الشرع فلا كلام.
وأمّا إن لم يمكن شيء من هاتين الدعويين فحيث إنّ القيد المشكوك هنا وهو المباشرة من القيود التي لا يتوقّف حسن التكليف عليها، كما هو واضح، وعرفت أنّها لو كانت مذكورة في الكلام فالظاهر تقييد المادّة بها، فالحكم هنا هو التقييد؛ إذ ظاهر اللفظ يعطي اختصاص المطلوبيّة بصورة المباشرة كما عرفت، فلو كان الغرض أعمّ لكان الواجب الإتيان بعبارة مؤدّاها أعمّ.
ولو شكّ في اعتبار قيد الاختيار بمعنى لزوم وقوع الفعل من الفاعل بالتفاته وشعوره وعدم كفاية صدوره عنه لا كذلك كما في حال النوم، أو شكّ بعد الفراغ عن اعتبار هذا القيد في اعتبار قصد العنوان وعدمه، فملخّص الكلام في هذين الشكّين أنّه لا إشكال في عدم معقوليّة تعلّق الطلب بخصوص ما يصدر عن المكلّف بغير التفاته، وكذا لا إشكال في عدم معقوليّة تعلّقه بخصوص ما يصدر عنه بالتفاته لكن لا بقصد عنوانه، بل بقصد عنوان آخر.
أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثاني فلأنّ شأن الأمر الداعويّة إلى المتعلّق، والمتعلّق هنا ضرب زيد مثلا، ولا يعقل أنّ الأمر صار داعيا ومحرّكا إلى ضرب زيد، ومع ذلك لم يكن الضرب بعنوانه مقصودا.
إذا عرفت ذلك فبناء على عدم إمكان تعلّق الطلب بالجامع ولزوم تعديته إلى الأفراد نقول: الجامع بين الفرد الغير الاختياري والفرد الاختياري الغير المقصود عنوانه والفرد الاختياري المقصود عنوانه هو ضرب زيد مثلا، فالطلب لا بدّ وأن يسري منه إلى تلك الأفراد، وعرفت أنّ فردين منها غير قابلين لتعلّق الطلب، فينحصر متعلّق الطلب في فرد واحد وهو الاختياري المقصود عنوانه، فيكون الاختياريّة وقصد العنوان على هذا من القيود التي يتوقّف حسن التكليف عليها، فما دامت القضيّة اللفظيّة خاليه عن ذكرهما كما في قوله: اضرب زيدا، يحكم بإطلاق المادّة بالنسبة إليهما على ما مرّ في الضابط، فيكون الفردان الآخران مسقطين للأمر وإن لم يكونا متعلّقين له.
وأمّا بناء على صحّة تعلّق الطلب بالجامع بلحاظ صرف الوجود وعدم تعديته إلى الأفراد وإن كان متّحدا معها فنقول: للجامع هنا فرد مقدور وهو ما يصدر بالتفات، وفرد غير مقدور وهو ما يصدر بغيره وبمجرّد كون فرد واحد منه مقدورا يصحّ توجّه الطلب إليه؛ إذ القدرة على الفرد الواحد قدرة على أصل الطبيعة، وعلى هذا فميزان صحّة الطلب مقدوريّة أصل الطبيعة الحاصلة بمقدوريّة فرد واحد منها، بخلاف المبنى السابق؛ فإنّ الميزان هناك هو الاختياريّة وقصد العنوان الملحوظان بالنسبة إلى الفرد، فهنا لو لم يكن القدرة على أصل الطبيعة مذكورة حكم بإطلاق المادّة وإلّا بإجمالها، وأمّا الاختياريّة وقصد العنوان فعلى هذا من القيود التي لا يتوقّف حسن الطلب عليها، فإذا ذكرا حكم بتقييد المادّة، وإذا لم يذكرا حكم بإطلاقها مع وجود الشرائط، وإلّا فالمرجع الاصول.
وأمّا الشكّ في اعتبار المباشرة بالبدن فلا تكفي النيابة وعدمه فالكلام فيه في مقامين:
الأوّل: في تصوير النيابة وإمكانها عقلا في العبادات
و الثاني: بعد الفراغ عن إمكانها في الاصول اللفظيّة أو العلميّة الجارية عند الشكّ في إجزائها.
أمّا المقام الأوّل [في أنّ وصف المقربيّة من أعظم أركان العبادة ...]
فنقول: لا إشكال في أنّ وصف المقربيّة من أعظم أركان العبادة فلا يسقط الأمر العبادي بدونه، وحينئذ فكيف يعقل قبولها للنيابة وبأن يصير سعي النائب مقرّبا للمنوب فيما إذا فرض عدم حصول إعمال اختيار من المنوب أصلا حتّى مثل الاستدعاء للنيابة والاستيجار عليها، بل وعدم حصول اطلاع له على أصل النيابة، كما لو فرض كون شخص متبرّعا من جانبه وهو غير مطّلع.
وبالجملة، فالقرب لا بدّ وأن يكون ناشئا من كمال في نفس العبد وهو في الفرض المذكور معدوم، ومجرّد التنزيل لو كان مؤثّرا في القرب لكان مؤثّرا في التعبّد أيضا؛ لوضوح عدم تفاوت بينهما مع أنّه غير مؤثّر في الثاني قطعا، فلو فرض أنّ أحدا عمل عملا سيّئا ونزّل نفسه منزلة غيره لا يرجع تبعته إلّا إلى نفسه.
وهنا إشكال آخر وهو أنّ الأمر المتوجّه إلى المنوب كيف يمكن أن يصير داعيا للنائب؟
وفيه أنّه يمكن أن يكون الأمر متوجّها إلى شخص المنوب، ومع ذلك كان الغرض متعلّقا بذات الفعل سواء صدر منه أم من غيره، وكان وجه تخصيص المنوب بالأمر عدم إمكان توجيهه إلى غيره، مثال ذلك أنّ من كان غرضه اشتراء اللحم وكان له خادم فهو مع كون مطلوبه ذات شراء اللحم من أيّ شخص صدر لا يأمر به إلّا خادمه؛ إذ لا حقّ له على غير الخادم حتّى يأمره، فعدم أمر غير الخادم لأجل قبحه لا لأخصّية الغرض، وحينئذ فلو كان للخادم صديق فيمكن أن يدعو الأمر المتوجّه إلى الخادم ذلك الصديق إلى الشراء لأجل أن يحصل بسبب ذلك غرض المولى فيسقط أمره فيستخلص بسبب ذلك الخادم من تبعات الأمر.
لكن هذا الجواب إنّما يجري في التوصليّات، وأمّا في التعبديّات فبعد ما عرفته في الإشكال الأوّل من أنّ القرب لا يحصل لأحد بفعل غيره لا يمكن داعويّة الأمر للغير أيضا؛ إذ بعد ما يعلم الغير أنّ فعله لا ينفع بحال المنوب ولا يخلصه من تبعات الأمر لعدم حصول القرب له بسببه فلا ينبعث إلى العمل لا محالة، وعلى هذا فالإشكال الثاني متفرّع على الأوّل وجوابه جوابه.
وكيف كان فللفحول أجوبة عن الإشكال الأوّل لا يسمن ولا يغني شيء منها من جوع.
الأوّل: أنّ العمل وإن كان للنائب لكنّ المنوب راض به ومتشكّر منه، فالقرب والثواب بواسطة هذا الرضى والتشكّر؛ إذ الراضي بفعل قوم كالداخل فيه معهم.
وفيه أنّه مستلزم للدور؛ لأنّ رضى المنوب وحبّه لعمل النائب متوقّف على كونه موجبا لقربه؛ إذ لا يعقل رضى الإنسان وحبّه لعمل الغير مع عدم عود نفع منه إليه؛ فإنّ الحبّ والبغض من الصفات التي لا يمكن إيجادها لمصلحة في نفسها كالعلم، بل لا بدّ وأن يكونا منبعثين من المصلحة والمفسدة في متعلّقهما وقد فرض أنّ حصول القرب للمنوب متوقّف على رضاه بفعل النائب وحبّه له.
الثاني: أنّه ليس المراد بالقرب حصول الشأن العظيم والجاه الرفيع عند المولى للعبد بواسطة عمله، بل المراد ما هو أعمّ من ذلك وهو أن يكون العبد الذي تنسب إليه العبادة ممتازا في نظر المولى عن غيره الذي لم تنسب إليه، ويتفرّع على هذا كون العامل لخوف النار أو لطمع الجنّة متقرّبا؛ إذ هو ممتاز عن التارك بالمرّة قطعا.
وحينئذ فنقول: رجلان ماتا جميعا، فتبرّع من أحدهما متبرّع فقضى عنه العبادات المتروكة، ولم يتبرّع من الآخر أحد، ليسا على حدّ سواء في نظر المولى.
الثالث: أنّ العامل يسلّم العمل إلى المنوب، وهو يضعه في طبق الإخلاص ويسلّمه إلى المولى.
ويمكن أن يقال: إنّ الأفعال مختلفة، فبعضها لا ينسب إلّا إلى فاعله كالأكل والشرب ونحوهما. وبعضها ينسب إلى المباشر وإلى السبب كالقتل والإتلاف والضرب وشبهها، وبعضها ينسب إلى الغير مع عدم كونه مباشرا ولا سببا وهو كلّ فعل كان تقوّمه بالقصد فجيء به بقصد الغير مع رضى هذا الغير وتقبّل المولى، ففي هذه الأفعال لا بدّ من الالتزام بأنّ الفاعل يوجد القصد بالاختيار لملاحظة المصالح والفوائد التي يراها في نفسه لا لملاحظتها في المتعلّق.
ولهذا يكون الحقّ مع من قال بأنّ الإرادة صفة نفسانيّة وراء العلم بالصلاح؛ إذ لا يمكن إيجاد العلم اختيارا ولو كان فيه ألف مصلحة، بل يلزم التناقض فيما لو كان شاكّا في صلاح وفساد أصل الفعل، وإيراد التسلسل بأنّ الإرادة لو كانت اختياريّة لزم أن يكون مسبوقة بإرادة اخرى وهكذا، مدفوع كما عرفت في أوائل الكتاب بأنّ الإرادة الثانية موجودة لمصلحة في المتعلّق وهو الإرادة الاولى، وهي موجودة بالإرادة الثانية.
وبالجملة، ففي هذا القسم من الأفعال لو رأى الفاعل النفع في أن يقصد العنوان لأجل الغير فقصده لأجله، فلا يعقل بعد لحوق الإمضاء والتقبّل ممّن بيده ذلك وهو المولى عدم ترتّب أثر كان مترتّبا على الفعل الصادر من شخص الغير.
مثلا عنوان التعظيم لا شكّ في أنّه يحتاج في تحقّقه إلى القصد، فحطّ الظهر مثلا في حدّ ذاته كما قد يكون تعظيما، كذلك قد يكون توهينا، وقد لا يكون هذا ولا ذاك، فهو في مرتبة الذات خال عن جميع العناوين الثانويّة، وإنّما يتمحّض لأحدها بالقصد، فلا بدّ أن يوجد النفس القصد ويضمّه إلى الفعل حتّى يصير المجموع منشأ لعنوان التعظيم، ولا بدّ وأن نلتزم بأنّ هذا القصد يوجدها النفس اختيارا لمصلحة في نفسه لا في المقصود؛ إذ العمل في حدّ نفسه مردّد بين التعظيم والتوهين، وهذه المصلحة هو القرب من المعظّم له.
إذا عرفت ذلك فنقول: لا شكّ في أنّ الأغراض مختلفة، فكما أنّه قد يرى المصلحة في أن يقصد بالعمل كونه تعظيم نفسه عمرا فكذا قد يراها في أن يقصد كونه تعظيم زيد عمرا، والمفروض أنّ زمام القصد بيده، فكما أنّه يقتدر على إيجاده في نفسه لمصلحة فيه فكذا في الصورة الثانية.
فإن قلت: نعم ولكنّ العمل لا يحسب تعظيما مضافا إلى زيد ما لم يكن صادرا من شخصه.
قلت: قد عرفت أنّ ذات العمل لا يكون تعظيما لا لنفس العامل ولا لزيد، بل نسبتهما إليه على السواء، وحينئذ فإذا كان ضمّ قصد تعظيم النفس إلى العمل مؤثّرا وجاعلا له تعظيما للنفس فلا بدّ أن يكون قصد كون التعظيم لزيد أيضا جاعلا له تعظيما لزيد، ولا وجه للتفكيك بين هذين القصدين في التأثير.
نعم فرق بين الصورتين من حيث إنّه في الصورة الاولى ليس في البين سوى المعظّم والمعظّم له، فلا يحتاج تحقّق التعظيم إلى أمر آخر سوى القصد، وأمّا في الصورة الثانية ففي البين ثالث وهو من وقع التعظيم بنيابته، فيعتبر رضاه بالنيابة وتقبّله لها، فلو كان كارها لها لا يحصل التعظيم له، وكذا يعتبر تقبّل المعظّم له من الثالث هذا التعظيم الذي أتى به نائبه، فإذا اجتمع هذه الامور الثلاثة أعني: قصد العامل كون التعظيم للغير، ورضى ذلك الغير، وتقبّل المعظّم له فلازمه عقلا ترتّب كلّ أثر كان للتعظيم الحاصل من شخص ذلك الغير، هذا وكذلك نقول في العبادات.
مثلا الهيئة الصلاتيّة من حيث إنّها مركّبة من تكبيرة وقيام وركوع وسجود قد تكون مقرّبة، كما إذا قصد بها التقرّب، وقد تكون مبعّدة كما إذا أتى بها رئاء، وقد تكون لغوا كما إذ أتى بها لا عن شعور، فحينئذ لا بدّ من ضمّ قصد التقرّب إليها حتّى يصير المجموع مقرّبا، فهذا القصد ممّا يوجده النفس بالإرادة والاختيار لأجل كونه ذا مصلحة، وكما أنّ قصد كونها مقرّبة للفاعل يكون فيه فائدة، فكذا في قصد كونها مقرّبة لأبيه الميّت أيضا فائدة، فكما يمكن الأوّل ويترتّب عليه الأثر فكذا الثاني أيضا ممكن بلا إشكال، ويضاف العمل إلى الميّت ويوجب له القرب، لكن بعد رضاه وتقبّل الشارع، أمّا رضاه فهو حاصل بالقطع، وأمّا الثاني فقد دلّ عليه الأخبار الدالّة على صحّة النيابة عن الميّت.
فعلم أنّ للعامل قصدين طوليين، أحدهما: قصد إيجاد الصلاة بقصد تقرّب الميّت، والعمل بلحاظ هذا القصد يعبّر عنه بالنيابة ولا يضاف إلّا إلى العامل، والثاني:
قصد تقرّب الميّت بالأفعال المخصوصة والعمل بهذا الاعتبار صلاة يضاف إلى الميّت وهو متقرّب به.
ثمّ إنّه قد يترتّب الثواب على العمل باعتباره الأوّل أيضا كما لو كان متبرّعا فيكون له ثواب الإحسان، وقد لا يترتّب، فلا ينافي عدم ترتّب الثواب والقرب على العمل لنفس هذا العامل بهذا الاعتبار ترتّبهما عليه للميّت بالاعتبار الآخر، ثمّ بعد ما ثبت بأخبار التبرّع أنّ أصل العمل نافع بحال الميّت، غاية الأمر أنّ للتبرّع أيضا ثواب الإحسان، وكان من القواعد المسلّمة أنّ ميزان صحّة الاستيجار كون العمل بحيث يرجع منه نفع إلى الغير، كان الاستيجار في المقام بلا مانع، لكن مع إحراز إمضاء الشرع للنيابة في خصوص كلّ عبادة كما في الحجّ.
وهنا وجه آخر لدفع الإشكال ولكن لا يستقيم معه صحّة الاستيجار على العبادة وهو أن يقال: إنّ مطلوب الشارع في العبادات وجود أصل العمل مع حصول قرب في الجملة في مقابل التوصّليّات، حيث إنّ المطلوب فيها ليس إلّا صرف وجود العمل، سواء حصل معه قرب لأحد أم لا، وأمّا لزوم كون القرب المعتبر في العبادات حاصلا للمأمور فليس عليه دليل بل يكفي حصوله لغيره.
كما لو كان المطلوب في الصلاة أعمّ من مباشرة نفس المأمور ونائبه، فيكفي حينئذ في سقوط الأمر العبادي عن المأمور صدور العبادة عن النائب على وجه أوجب القرب له، فيندفع أصل الإشكال كما هو واضح، وكذا إشكال عدم تعقّل داعويّة الأمر المتوجّه إلى المأمور لغيره؛ لما فرض من كون الغرض أعمّ من مباشرة نفس المأمور.
وربّما يستأنس لهذا أعني: عدم لزوم حصول القرب في العبادة لنفس المأمور في سقوط الأمر بها بما ذكروه في باب الزكاة التي هي من العبادات، ويتوقّف إجزائها على نيّة القربة من أنّه لو امتنع من عليه الزكاة من أدائها دفعها الحاكم من ماله، ومن المعلوم أنّ القربة لا تتمشّى في هذا الفرض إلّا من الحاكم، مع أنّ المأمور بالزكاة صاحب المال، وبما ذكروه في غسل الميّت من أنّه لو انحصر الغاسل للإمرأة الميّتة في الامرأة الكافرة باشرت غسلها مع أنّ من المعلوم عدم تمشّي القربة من الكافرة، والغسل أيضا من العبادات يتوقّف على القربة، فلا بدّ أن يتولّى النيّة من تتمشّى منه من الرجال.
وبالجملة، فيمكن أن يستكشف من ذلك أنّه ليس المعتبر في العبادة إلّا ضمّ قرب إلى أصل العمل ولو بأن يكون العمل من شخص والقرب لآخر، أو يكون كلاهما لغير المأمور، لكن مع كون الغرض متعلّقا بالأعمّ من المباشرة وعمل النائب.
وعلى هذا فيمكن أن يكون الغرض في العبادات المقرّرة في الشريعة متعلّقا بخصوص المباشرة ما دام الحياة وصار بعد الموت بحيث يحصل بعمل النائب، لكن على هذا الوجه لا يصحّ الاستيجار لما فرضنا من كون العمل مقرّبا للنائب، ومن الواضح عدم تمشّي القربة مع قصد الاجرة، فلا يحصل الغرض، فلا يسقط الأمر عن الميّت، فيكون العمل لغوا.
اعلم أنّ دلالة الأخبار على كون النيابة نافعة بحال المنوب عنه ممّا لا شبهة فيها بمعنى أنّها مبرئة لذمّته، كما أنّ أداء دين الغير تبرّعا مبرئ لذمّته؛ فإنّ العبادة دين اللّه سبحانه على العبد.
نعم يبقى الكلام في أنّ عمل النائب مثل عمل المنوب يفيد القرب للمنوب، أو أنّه يفيده للنائب ويسقط الأمر عن ذمّة المنوب، ولا ثمرة لذلك في صورة التبرّع، وإنّما تظهر الثمرة للاستيجار، فعلى الأوّل يصح وعلى الثاني لا يصح؛ إذ يعتبر في حصول القرب للفاعل أن يأتي بالعمل لغاية إلهيّة ولو كانت راجعة إلى الدنيا وإلى المشتهيات النفسانيّة مثل أن يعمل لأجل وسعة الرزق؛ فإنّ صرف النظر عن الخلق وتوجيهه إلى الخالق مطلوب وإن كان لإنجاح مطلب دنيوي، ومن المعلوم أنّ الداعي في صورة الاستيجار على العمل محض الدنيا.
المقام الثاني [لو شكّ في قبول عبادة خاصّة للنيابة فمقتضى القاعدة عدمه]
لو شكّ في قبول عبادة خاصّة للنيابة فمقتضى القاعدة عدمه؛ إذ الظاهر من الصيغة هو المباشرة بالبدن فيكون المباشرة قيدا مذكورا في الكلام، مع عدم توقّف حسن الطلب عليه، فيكون ظاهرا في تقييد المادّة على ما مرّ.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|