المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8222 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
عمليات خدمة الكرنب
2024-11-28
الأدعية الدينية وأثرها على الجنين
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الثاني
2024-11-28
التعريف بالتفكير الإبداعي / الدرس الأول
2024-11-28
الكرنب (الملفوف) Cabbage (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-28
العلاقات مع أهل الكتاب
2024-11-28



قاعدة اليقين‏ والاستصحاب  
  
2026   07:20 صباحاً   التاريخ: 30-5-2020
المؤلف : الشيخ محمد علي الأراكي
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج‏2، ص: 662
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / الاصول العملية / الاستصحاب /

لا إشكال أنّه يعتبر في الاستصحاب ثبوت اليقين بالمستصحب بالنظر إلى زمان السابق، وتمحّض الشكّ فيه بالنظر إلى الزمان اللاحق، فلو سرى الشكّ إلى الزمان السابق فليس هو استصحابا، نعم يمكن ورود التعبّد فيه أيضا بعدم الاعتناء بالشكّ، ويسمّى حينئذ في لسانهم بقاعدة اليقين وقاعدة الشكّ الساري.

 

وربّما يتوهّم إمكان إرادة الجامع بين الاستصحاب والقاعدة من قولهم صلوات الله عليهم: لا تنقض اليقين بالشكّ، ومن كان على يقين فأصابه شكّ فليمض على يقينه، وتقريب ذلك يكون بأحد وجهين.

الأوّل: أنّ المتكلّم بالكلام المزبور لا يخلو حاله من ثلاثة وجوه لا رابع لها؛ لأنّه إذا قال مثلا: لا تنقض اليقين بعدالة زيد بالشكّ فيها، فإمّا يريد من قوله: بعدالة زيد، عدالته المقيّدة بالزمان السابق، كعدالة زيد المقيّدة بيوم الجمعة، فحينئذ لا محالة يرجع الضمير في قوله: بالشكّ فيه، أو أصابه شكّ فيه إلى ذلك المقيّد، لا إلى غيره، لوضوح اختلاف المتعلّق حينئذ مع وضوح استفادة اتّحاده من القضيّة المذكورة، وحينئذ يتعيّن الكلام في القاعدة.

وإمّا يريد عدالة زيد باعتبار الزمان السابق بحيث يجعل الزمان ظرفا لا قيدا، ويريد من الشكّ فيها الشكّ باعتبار الزمان اللاحق كذلك، لوضوح عدم اختلاف النظر واللحاظ في الكلام الواحد، فإذا لاحظ الزمان ظرفا في جانب اليقين فيكون هكذا الحال في طرف الشكّ، نعم يمكن اعتبار الزمان الأوّل أيضا ظرفا في جانب المشكوك حتّى ينطبق أيضا على القاعدة، لكن لا يمكن الجمع بين لحاظ ظرفيّة الأوّل ولحاظ ظرفيّة الثاني، وقد عرفت أنّ قوام القاعدة بالأوّل، وقوام الاستصحاب بالثاني.

وإمّا يريد نفس عدالة زيد مجرّدة عن ملاحظة الزمان رأسا، لا بنحو الظرفيّة، ولا بوجه القيديّة، فاليقين بأصل وجود عدالة زيد لا بدّ أن لا ينقض بالشكّ في أصل وجود تلك العدالة.

والكلام على هذا قابل للانطباق على القاعدة والاستصحاب كليهما، وجه ذلك أنّا نفرض شخصين أحدهما قاطع بعدالة زيد يوم الجمعة مثلا وشاكّ فيها في يوم السبت، والآخر كان قاطعا بعدالته يوم الجمعة، ثمّ تبدّل يقينه بالشكّ في نفس عدالته يوم الجمعة، فهما معا في عرض واحد في شمول عموم «لا تنقض» لهما.

فمقتضاه في حقّ الأوّل أن لا يرفع اليد عن يقين عدالة يوم الجمعة بالشكّ في يوم السبت، ومعناه البناء على العدالة يوم السبت، ومقتضاه في حقّ الثاني أن لا يرفع اليد عن يقين عدالة يوم الجمعة بالشكّ في يوم الجمعة، ومعناه البناء على ترتيب آثار العدالة يوم الجمعة لو كان له آثار في المستقبل، وبالجملة، فاليقين بأصل الشي‏ء إذا قوبل بالشكّ في أصل الشي‏ء يجب الأخذ باليقين وطرح الشكّ، وهذا حاصل تقريب الوجه الأوّل.

وقد أجاب عنه شيخنا الاستاد العلّامة أدام الله علينا أيّامه بما حاصله يحتاج إلى تمهيد مقدّمة، وهي أنّ الطبيعة المهملة للشي‏ء التي يكون لها أنحاء من الوجود ويعرضها الحياة بعدد ما لها من الأفراد لا يمكن أن يطرأها العدم والحال أنّ أحد أنحاء وجوده ثابت، للزوم اجتماع النقيضين، مثلا طبيعة الإنسان لا يعرضها العدم إلّا اذا انعدم تمام ما له من الأفراد، فلو انعدم العمرو وكان الزيد موجودا فلا يصدق عدم الطبيعة؛ إذ المفروض صدق وجودها بواسطة وجود الزيد، وبعد صدق الوجود يستحيل بداهة صدق العدم.

فإن قلت: ما ثبت لأحد المتحدين ثبت للآخر بالضرورة، ولا ينقض هذا بجزئية الزيد وكليّة النوع؛ لأنّ الجزئية والكليّة من عوارض المفهوم، وهما متغايران مفهوما وإن اتّحدا خارجا، فالعارض على أحدهما في الخارج الذي هو موطن اتّحادهما لا محالة يثبت للآخر، وإلّا كان خلفا في الاتّحاد، مثلا لو قام الزيد صدق أنّه قام الإنسان، ولو قعد العمرو في ذلك الحال صدق أنّه قعد الإنسان، ثمّ لمّا يصدق أنّ زيدا ما قعد بحكم أنّ ضدّ الشي‏ء يلازم نقيضه، يصدق أيضا: ما قعد الإنسان، ولكنّ الحصّة المتّحدة مع الزيد غير الحصّة المتّحدة مع العمرو، ولهذا لا يلزم اجتماع النقيضين ولا الضدين في الشي‏ء الواحد.

والحاصل: كما أنّ عوارض الوجود ونقائضها مضافة إلى الطبيعي بواسطة اتّصاف الأفراد المختلفة بها، كذلك الوجود والعدم أيضا مضافان إليها بواسطة إضافتهما إلى الفردين له، ويرفع غائلة اجتماع الضدّين والنقيضين تعدّد الحصص المتّحدة من الطبيعي مع الأفراد وكونها كالآباء مع الأولاد، لا الأب الواحد مع الأولاد المتعدّدين.

قلت: الحقّ الفرق بين الضدّين والنقيضين في الطبيعي بصدق الأوّلين معا في زمان واحد فيه بواسطة اتّصاف فردين منه بهما، وعدم صدق الثانيين، أمّا الأوّل فلأنّ محلّ عروض الضدّين هو الوجود، لا نفس الطبيعة المهملة، فالقيام والقعود مثلا إنّما يعرضان مهملة الإنسان بتبع عروض الوجود عليها، فإنّ العارض على العارض عارض، فإذا فرض تعدّد أنحاء الوجود للمهملة وأمكن تلبّس كلّ وجود منها بضدّ غير ما تلبّس الآخر به صحّ إضافة الضدّين إلى المهملة في زمان واحد.

وأمّا الثاني فلأنّه إذا تعدّد أنحاء الوجود العارضة على الطبيعي، فنحو من وجوده وجوده مع زيد، ونحو منه وجوده مع عمرو، وهكذا إلى آخر الأفراد، وهكذا الحال في الأعراض العارضة عليه بتبع عروض الوجود مثل القيام والقعود، فلا محالة لا يصدق الانعدام مضافا إلى الطبيعي أو إلى أحد الأعراض المتأخّرة عن الوجود مضافا إلى الطبيعي إلّا بعد سلب جميع تلك الأنحاء الوجوديّة عنه؛ إذ مع ثبوت واحد من تلك الأنحاء لا مجال لصدق الانعدام مع ضرورة النقاضة بينه وبين الوجود.

وعلى هذا فلا ضير في اجتماع الضدّين في الطبيعي في زمان واحد، إذ قد عرفت‏ أنّهما لا يعرضان عليه بلا واسطة حتّى يمتنع حين اتّصافه بالقعود مثلا اتّصافه بالقيام، بل هما عارضان أوّلا على الوجود، والعارض الأوّلي على الطبيعة منحصر في الوجود والعدم، وإذا تعدّد الوجودات العارضة على الطبيعة المهملة بوحدتها وكان واحد من تلك الوجودات قائما والآخر قاعدا، فلا مانع من عروضهما الثانوي على الطبيعة في زمان واحد، فالممتنع اجتماعهما في الوجود الواحد من وجوداته في زمان واحد، لا في مطلق وجوده الصحيح إضافته إليه، فإنّه لا محذور في اجتماع الضّدين فيه بحسب هذا الوجود لاتّساعه وسعته للضدّين بدون حدوث مضادّة ومزاحمة بينهما، وهذا واضح.

إذا عرفت هذه المقدّمة فنقول: كما أنّ الانعدام لا يعرض الطبيعي إلّا إذا ارتفع جميع أنحاء وجوده، ولا يصدق الانعدام مع بقاء واحد منها في دار الوجود، كذلك لا يتلبّس الطبيعي بمشكوكيّة الوجود والعدم إلّا مع تلبّس جميع أنحاء وجوده بالشكّ، ولا يصدق الشكّ فيه مع كون أحد أنحاء وجوده مقطوعا.

وحينئذ ففي الفرض الثالث من الفروض الثلاثة المتقدّمة التي فرضتم فيه الشكّ في أصل وجود عدالة زيد في العالم بالأعمّ من يوم الجمعة ويوم السبت لا بدّ في تحقّق هذا الشكّ من الشكّ في عدالته الخاصّة في كلّ من اليومين؛ إذ مع القطع بأحد الخاصّين كيف يمكن تعلّق الشكّ بالعام الجامع بينهما؟ والحال أنّك عرفت أنّ الشكّ في المقسم لا يطرأ إلّا بطروّ الشكّ في جميع الأقسام، وعلى هذا فالكلام يكون كالفرض الأوّل ممحّضا في الشكّ الساري، لا جامعا بينه وبين الاستصحاب كما ادّعاه المدّعي.

الوجه الثاني: نظير ما ذكره صاحب الفصول في قاعدة «كلّ شي‏ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» من إمكان استفادة الاستصحاب وقاعدة الطهارة منها صدرا وذيلا، وقد وافقه المحقّق الخراساني مصرّا عليه، فقال هنا بنظير ذلك، وحاصل تقريبه أن يقال: إنّا نعتبر المتيقّن مقيّدا بالزمان، ولكن نقول: الشكّ فيه تارة مقرون بالقطع في ما بعده، واخرى بالشكّ.

مثلا إذا قطعنا بعدالة زيد المقيّدة بيوم الجمعة، ثمّ شككنا في هذا المقيّد، فتارة نقطع بعدالته أو فسقه في ما بعد يوم الجمعة، واخرى نشكّ فيهما بعده أيضا، فقاعدة لا تنقض اليقين بالشكّ بإطلاقه يعمّ كلا الشّكين، فمفاده عدم رفع اليد عن عدالته يوم الجمعة بواسطة الشكّ، بل البقاء عليها والمعاملة معه معاملة العدالة ما دام الشكّ، ويؤيّده قوله عليه السلام: بل تنقضه بيقين مثله، فما دام لم يحصل اليقين الآخر بالفسق يبقي على اليقين الأوّل.

قال شيخنا الاستاد دام ظلّه: قد أجبنا في ما تقدّم عن نظير هذا التوهّم في قاعدة «كلّ شي‏ء طاهر حتى تعلم أنّه قذر» ويجري مثله في المقام، وحاصله أنّ القضيّة غير مشتملة إلّا على نسبة تامّة واحدة، وهي لا محالة إمّا الحكم بأصل الثبوت في الموضوع الغير المفروغ عن ثبوت المحمول له، وإمّا الحكم بالاستمرار والبقاء في الموضوع الذي فرغ عن أصل الثبوت فيه، وهذان حكمان يحتاجان إلى موضوعين ومحمولين، والنسبة التامّة في أحدهما غير النسبة التامّة في الآخر، ولا يمكن أن يجتمعا في قضيّة واحدة.

وقوله: «كلّ شي‏ء طاهر حتى تعلم ...» في قوّة قولك: كلّ شي‏ء مشكوك طاهر، ودوام الحكم بدوام موضوعه وهو الشكّ لا يسمّى استصحابا؛ إذ يعتبر فيه الدوام المسبوق بالحدوث المفروغ، لا مطلق الدوام.

ففي المقام أيضا إذا فرضتم أن المتيقّن هو العدالة المقيّدة بيوم الجمعة، والدليل دالّ على عدم نقض هذا اليقين بالشكّ ما دام الشكّ باقيا، وعدم رفع اليد عنه إلّا بيقين آخر، فهذا معناه أنّ أحكام هذه العدالة المقيّدة بيوم الجمعة لا بدّ من ترتيبه في المستقبل ولو إلى آخر العمر، وأين هذا من ترتيب آثار العدالة يوم السبت والأحد وما بعدهما؛ إذ متعلّق اليقين والشكّ لا بدّ من وحدتهما، فإذا فرضتم أخذ الزمان في متعلّق اليقين قيدا فلا بدّ من أخذه في متعلّق الشكّ أيضا كذلك، وإلّا خرجا عن الاتّحاد.

ولو فرض تجريد المتيقّن عن قيد الزمان رأسا حتّى بنحو الظرفيّة- كما مرّ في‏ الوجه الثالث- فعدم نقض يقينه حينئذ بالشكّ في أصل الشي‏ء وإن كان يعمّ الشكوك المتأخّرة، فيلزم البناء على آثار العدالة مثلا في يوم السبت والأحد وما بعده في المثال المتقدّم، إلّا أنّه حينئذ تصير قاعدة نظير قاعدة الطهارة، وليست بقاعدة الاستصحاب ولا قاعدة اليقين، وذلك لعدم المفروغيّة عن أصل الثبوت فيه المعتبر في الاستصحاب وكونه متعرّضا للشكوك المتأخّرة المفقودة في قاعدة اليقين.

وقد تحقّق ممّا ذكرنا أنّ المعتبر في قاعدة اليقين أخذ الزمان قيدا في المتيقّن والمشكوك، فمتعلّقهما شي‏ء واحد من جميع الخصوصيّات حتى الزمان، ولا اختلاف بينهما حتى في الزمان والاختلاف الزماني إنّما هو لوصفي اليقين والشكّ، وإلّا فالمتعلّق واحد لا اختلاف فيه، والمعتبر في الاستصحاب تجريد المتعلّق عن الزمان بنحو القيديّة وملاحظة الوحدة بين ما كان منه في الزمان السابق وما كان في اللاحق، ولكن ملاحظة الزمان أيضا لا بدّ منه لكي يكون اليقين متعلّقا بالحدوث والزمان السابق، والشكّ بالبقاء والزمان اللاحق، والجمع بين هذين أعني الاتّحاد بين المتعلّقين ومفروغيّة أصل الثبوت إنّما هو بلحاظ الزمان السابق واللاحق ظرفين للموصوفين لا للوصفين.

وأنت خبير بأنّ ملاحظة الزمان قيدا في الشي‏ء وظرفا له- فينثلم وحدته في الأوّل ولا ينثلم في الثاني- لحاظان متغايران غير مجتمعين في لحاظ واحد، وهذا مع ملاحظة الزمان بنحو ما في المتعلّق.

ومع تجريده عنه رأسا بنحو من الوجهين أيضا قد عرفت عدم صيرورة القضيّة جامعة بين المعنيين، وقد عرفت حال الغاية أيضا آنفا.

وقد أشار شيخنا المرتضى قدّس سرّه إلى الوجه الثاني لوجهي الجمع الذي هو نظير ما توهّم في قوله: «كلّ شي‏ء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» وردّه بأنّه مستلزم للاستعمال في معنيين، ومقصوده قدّس سرّه ما ذكرنا، لا ربّما يتوهّم في بادي النظر من أنّ محطّ كلامه إرادة بقاء الحكم ببقاء الشكّ، كيف وقد أوضح هو نفسه في طيّ‏ الكلام على قوله عليه السلام، كلّ شي‏ء طاهر الخ أنّ هذا المعنى غير منطبق على الاستصحاب المصطلح وأنّ دوام الحكم ما دام الموضوع الذي هو الشك في مقامنا ليس استصحابا، بل هو الحكم بالاستمرار المقرون بالفراغ عن الثبوت، وهذا لا يجتمع في كلام واحد مع التكفّل فيه للحكم بأصل الثبوت، وغرضه قدّس سرّه في هذا الكلام الذي أفاده في هذا المقام أيضا هذا المعنى، أعني دفع توهّم الجمع بين الاستصحاب والقاعدة بهذا النحو، فلا تغفل.

ثمّ لمّا فرغ قدّس سرّه عن بيان عدم الإمكان بشي‏ء من النحوين في كلامه، أورد بناء على المماشاة وتسليم إمكان الجمع بأنّ اللازم حينئذ وقوع المعارضة بين القاعدة والاستصحاب، فإنّ من تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شكّ فيها، فلهذا الشكّ فردان معارضان من اليقين، أحدهما اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل يوم الجمعة، والآخر اليقين بعدالته المقيّدة في يوم الجمعة، ومقتضى عدم نقض اليقين الثاني هو البناء على وجود العدالة يوم الجمعة، ومقتضى عدم نقض الأوّل هو البناء على عدمها، فيسقط الكلام بسبب ذلك عن قابليّة التمسّك.

واعترض عليه المحقّق الخراسانى قدّس سرّه في حاشيته بما حاصله أنّ التعارض وإن كان حاصلا، إلّا أنّ بين القاعدة والاستصحاب السببيّة والمسببيّة، وليس المراد هو السببيّة والمسببيّة الواقعيتين بين فردين من الشكّ، كما في الأصل السببي والمسبّبي، لفرض وحدة الشكّ هنا، ولكنّه حيث إنّ له طرفان: احتمال الوجود واحتمال العدم، فلكلّ من طرفيه يقين مناقض، لا أنّ هنا شكّان مستقلّان.

فالمقصود بالسببيّة والمسببيّة نظير ما نقول في دليل حجيّة الأمارة في مورد جريان الأصل حيث إنّ الشكّ هناك أيضا واحد، ولكن لو قدّم دليل الأمارة يوجب ارتفاع الشكّ وهو الموضوع لدليل الأصل، ولكن لو قدّم الأصل فحيث إنّه حكم في موضوع الشكّ ودليل الأمارة ليس حكما في موضوع الشكّ، فيكون موضوعه محفوظا.

نعم لا يمكن الجمع بينه وبين الأصل المخالف لمؤدّاه في المشموليّة لدليلها، فلا بدّ من تخصيص دليل الأمارة على فرض تقديم الأصل، ولكن لا يلزم ذلك في دليل الأصل على تقدير تقديم الأمارة، بل اللازم فيه هو التخصّص، فمراده قدّس سرّه في المقام إثبات مثل هذه السببيّة بين القاعدة والاستصحاب.

والذي ذكره الاستاد ودام ظلّه لتوجيه هذا المعنى بينهما أن يقال: إنّ اليقين بعدم العدالة المطلقة قبل يوم الجمعة قد انتقض حقيقة بواسطة حصول اليقين بالعدالة المقيّدة يوم الجمعة، بخلاف العكس، فلم يحدث انتقاض لهذا اليقين الثاني باليقين الأوّل، لفرض تأخّره عنه.

وحينئذ فمتى تبدّل هذا اليقين الثاني بالشكّ الساري، فالموضوع للاستصحاب وإن كان يتحقّق، إلّا أنّ القاعدة تنزل الشكّ المزبور منزلة اليقين بالعدالة المقيّدة الذي كان بوجوده مانعا ورافعا لليقين بمطلق العدالة، فكأنّه يقول: الآن أيضا أنت على يقينك الناقض.

وهذا بخلاف الحال لو أجرينا الاستصحاب، فليس له هذا اللسان؛ إذ لم يحدث خارجا لليقين بعدم العدالة صفة الناقضيّة ليقين الوجود حتى ينزل الاستصحاب الشكّ الطاري بمنزلته في هذه الجهة، فالقاعدة يثبت وجود الناقض التنزيلي للاستصحاب، ولكنّ الاستصحاب لا يفيد وجود الناقض كذلك للقاعدة، نعم لا يمكن مع جريانه جريان القاعدة، فلا بدّ من رفع اليد عن حكمه مع بقاء موضوعه، هذا غاية تقريب مرامه.

ولكن استشكل عليه شيخنا الاستاد دام ظلّه بأنّ صفة الناقضيّة إنّما هي ثابتة لنفس اليقين، سواء كان صفة أم طريقا، لا للمتيقّن، ويكون أثرا عقليّا أيضا، لا بترتيب من الشارع، ولو فرض ورود الحكم به من الشارع كان محمولا على الإرشاد، وقد عرفت في ما تقدّم في مبحثه أنّ النقض وعدمه ملحوظان بالنسبة إلى آثار المتيقّن، وبعبارة اخرى إلى الآثار المترتّبة على اليقين من حيث كونه طريقا، فلا ينظر إلى ما يرتّب على نفسه، سواء حملنا العبارة على الاستصحاب أم على القاعدة، فعلى كلّ منهما يكون المفاد عدم النقض لآثار العدالة المتيقّنة.

وعلى هذا لا يبقي ترجيح لأحدهما على الآخر، بل هما في عرض واحد، فأحدهما يثبت وجوب ترتيب آثار وجود العدالة، والآخر وجوب ترتيب آثار عدمها، وبين هذين المضمونين تهافت وتناقض بدون سبق لأحدهما على الآخر.

ثمّ إنّ الظاهر من كلام شيخنا العلّامة قدّس سرّه أنّ وجود هذا التعارض دائميّ.

واستشكل عليه شيخنا الاستاد دام ظلّه بأنّه إنّما يتمّ لو اريد من اليقين بالعدم الثابت قبل يوم الجمعة اليقين بعدم هذا المقيّد، فإنّه حينئذ دائميّ؛ إذ ما من مقيّد بزمان إلّا وهو مسبوق بعدمه قبل ذلك الزمان.

وأمّا لو اريد به اليقين بعدم العدالة المطلقة كما هو الظاهر، بل الصريح من كلامه، ففيه أنّه لا يلزم أن يكون هذه المعارضة دائميّة؛ إذ ربّما لا يكون هنا حالة سابقة من أوّل وجود الزيد، نعم حينئذ يجري أصالة عدم العدالة بنحو مفاد ليس التامّة، لكن إنّما يفيد هذا لو كان مورد الأثر هو بهذا المعنى، وأمّا إذا كان الأثر لثبوت العدالة لزيد ونفيها عنه فلا يكفي هذا الاستصحاب في إثباته، فلا معارضة حينئذ؛ لعدم الجرى للاستصحاب، فتدبّر.

ثمّ بعد ما عرفت من عدم إمكان إرادة القاعدتين من هذه الأخبار فنقول: لا بدّ من حملها على الاستصحاب بملاحظة تطبيق العبارة عليه في بعض الأخبار بقرينة المورد، حيث إنّ مورد بعضها الشكّ في الطهارة الحدثيّة، والآخر الشكّ في الطهارة الخبثية بقاء مع العلم بالحدوث، فيكون سائر الأخبار التي وردت العبارة فيها بلا سبق سؤال وتطبيق على مورد محمولا على هذا المعنى حتّى لا يلزم اختلاف السياق والمضمون في العبارة الواحدة المتكرّرة في الموارد العديدة. وعلى هذا لا يبقي على قاعدة اليقين دليل.

نعم ربّما يتمسّك بقاعدة التجاوز عن المحلّ، ولكنّها غير قاعدة اليقين، لعدم اعتبار اليقين السابق فيها، بل من المحتمل الغفلة في المحلّ عن المشكوك، نعم يعمّ موارد الشكّ الساري أيضا بناء على تعميم تلك القاعدة لجميع الأبواب، فاللازم التكلّم في تلك القاعدة، وملاحظة مقدار مدلولها.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.