أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-8-2016
867
التاريخ: 23-8-2016
1156
التاريخ: 23-8-2016
684
التاريخ: 1-8-2016
780
|
بقي الكلام في إمكان الجمع بين القاعدة والاستصحاب في عبارة واحدة وعدم إمكانه، فعلى الأوّل يحمل عدم نقض اليقين بالشكّ على المعنى الأعمّ منهما حفظا لظهور هذه الرواية مع تلك الصحاح، وعلى الثاني يكون إجراء عدم النقض في الصحاح في مورد الاستصحاب دليلا على إرادة هذا المضمون في هذه الرواية.
فنقول: غاية ما يمكن أن يقال في تقريب الإمكان: أنّا نفرض شخصين أحدهما تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة، ثمّ شكّ في يوم السبت في عدالته في يوم الجمعة، والآخر تيقّن بعدالة زيد يوم الجمعة ثمّ شكّ في يوم السبت في عدالته في يوم السبت، فيصحّ أن يقال: إنّ هذين الشخصين كانا على يقين بأصل عدالة زيد في الزمان السابق، ثمّ حدث لهما الشكّ في هذا المعنى أعني أصل عدالة زيد في اللاحق؛ فإنّ الشخص الثاني أيضا لا شكّ في أنّه تعلّق كلّ من يقينه وشكّه بأصل العدالة.
فحينئذ يمكن توجيه الخطاب إلى هذين الشخصين بإيجاب الأخذ بيقينهما وعدم نقضهما لليقينين بالشكّين، غاية الأمر أنّ مصداق النقض في حقّ كلّ منهما غيره في حقّ الآخر، فمصداقه في حقّ الشخص الأوّل الذي شكّ في العدالة الكائنة يوم الجمعة هو رفع اليد عن عدالة زيد يوم الجمعة؛ لأنّها متعلّق الشكّ بالنسبة إليه ومصداقه في حق الثانى الذى شكّ في العدالة الكائنة في يوم السبت هو رفع اليد عن عدالة زيد يوم السبت؛ لانّها متعلّق الشكّ بالنسبة إليه، دون العدالة في يوم الجمعة.
وبعبارة اخرى: أنّ الأوّل قد تعلّق شكّه بأصل العدالة حدوثا، والثاني قد تعلّق شكّه بأصل العدالة بقاء، وأوجب الشارع على كلّ منهما عدم الاعتناء بشكّه، فمعنى عدم الاعتناء بالشكّ في الحدوث هو البناء على حدوث العدالة، ومعنى عدم الاعتناء بالشكّ في البقاء هو البناء على بقاء العدالة.
والحاصل أنّا نقول بأنّ المتكلّم بقضيّة من تيقّن بشيء فشكّ فيه لا يلاحظ الوقوع في زمان من الأزمنة في متعلّق اليقين والشكّ، بل يجعل المتعلّق مهملا عن الوجودات في الأزمان، فمعنى الكلام أنّه إذا حصل يقين ثمّ شكّ وكان لكلّ منهما تعلّق بالعدالة مثلا وجب المضيّ على اليقين، فيدخل في عموم الكلام صورة حصول اليقين بالعدالة في يوم الجمعة، والشكّ بعده في العدالة في يوم الجمعة أيضا، وهذا شكّ في الحدوث، وصورة حصول اليقين بالعدالة في يوم الجمعة وحصول الشكّ بعده في العدالة في يوم السبت، وهذا شكّ في البقاء، وذلك لأنّ الشكّ في بقاء العدالة شكّ في العدالة، فيصحّ أن يقال: إنّ هنا يقينا وشكّا، ولكلّ منهما تعلّق بالعدالة، وحينئذ فمعنى المضيّ في صورة الشكّ في الحدوث بمعنى الشكّ في العدالة في يوم الجمعة هو الحكم بالحدوث، وفي صورة الشكّ في البقاء بمعنى الشكّ في العدالة في يوم الشكّ هو الحكم بالبقاء.
من هنا يظهر اندفاع ما ذكره شيخنا المرتضى قدّس سرّه في تقريب عدم الجواز، وحاصله أنّه لا بدّ من ملاحظة الوقوع في زمان من الأزمنة في متعلّق اليقين والشكّ، وحينئذ فإمّا أن يعتبر ذلك قيدا في متعلّق اليقين، فحيث إنّه لا بدّ من اتّحاد متعلّق اليقين والشكّ، يكون الشكّ لا محالة متعلّقا بالمقيّد بعين الزمان الذي تعلّق اليقين بالمقيّد به، فإذا قيل: من تيقّن بالعدالة الواقعة في يوم الجمعة بوصف كونها واقعة في يوم الجمعة فشكّ فيها، فمعنى قوله: فشكّ فيها حصول الشكّ في العدالة الواقعة في يوم الجمعة، فهذا يتمحّض لقاعدة اليقين.
وإمّا أن يعتبر الوقوع في زمان من الأزمنة في طرف اليقين ظرفا، وحينئذ فإن اعتبر ظرف المشكوك أيضا هذا الزمان كان متمحّضا لقاعدة اليقين، وإن اعتبر زمان آخر كان متمحّضا للاستصحاب، وحيث إنّ المفروض في القضيّة اختلاف زمان اليقين والشكّ كانت متمحّضة للاستصحاب، فإذا قيل: من تيقّن بمطلق العدالة في يوم الجمعة فشكّ فيها، فمعنى قوله: فشكّ فيها، حصول الشكّ في مطلق العدالة في ما بعد الجمعة، بمعنى كون الشكّ في البقاء، فيكون متمحّضا للاستصحاب، ومن المعلوم عدم إمكان الجمع بين هذين اللحاظين في شيء من اليقين والشك.
وجه الاندفاع أنّا نقول بأنّ الوقوع في زمان من الأزمنة غير ملحوظ أصلا لا قيدا ولا ظرفا، ويكون المتعلّق مهملا عن الوجود في الزمان الأوّل والثاني والثالث وهكذا، هذا.
والحقّ عدم تماميّة ما ذكرنا أيضا، بيانه يتوقّف على مقدّمة، وهي أنّه إذا تعلّق نفي أو نهي بالطبيعة المهملة التي هي المقسم بين الوجودات فلازم ما هو معنى النفي والنهي ومدخولهما بحسب اللغة هو استغراق جميع الأفراد واستيعابها، ولا ندور في الحكم بالاستيعاب وعدم الحكم مدار إحراز مقدّمات الحكم في المدخول وعدمه، فإن كان محرزا أنّ المتكلّم أراد المطلق من المدخول حكم بالاستيعاب، وإلّا لم يحكم، لاحتمال أن يكون المراد قسما خاصّا منه، ويكون النفي والنهي بملاحظته، كما ذكر ذلك بعض الأساتيد قدّس سرّه.
فنقول: حال الشكّ حال النفي والنهي في أنّه إذا تعلّق بالطبيعة المهملة وما هو المقسم في ما بين الوجودات فلا بدّ أن يكون جميع أنحاء الوجود لهذه المهملة واقعة تحت الشكّ، وذلك لأنّ الشكّ ذو طرفين؛ لأنّ معناه عدم العلم بالوجود وعدم العلم بالعدم، فمعنى مشكوكيّة المهملة عدم معلوميّة وجود المهملة، وعدم معلوميّة عدمها، ومعنى عدم معلوميّة وجود المهملة أن تكون بجميع أنحاء وجودها غير معلومة، وإلّا فإن كان نحو خاصّ من وجودها معلوما وكان سائر الأنحاء غير معلوم فالمشكوك سائر الأنحاء، ولا يصدق أنّه المهملة؛ أو النحو الخاص المعلوم وجود المهملة أيضا.
إذا تمهّد ذلك فنقول: إنّ الاحتمالات المتصوّرة في قضيّة من تيقّن بشيء فشكّ ثلاثة لا رابع لها.
الأوّل: أن يلاحظ الوقوع في زمان من الأزمنة قيدا في متعلّق اليقين والشكّ، وهذا منطبق على قاعدة اليقين.
والثاني: أن يلاحظ ذلك ظرفا فيهما، وهذا منطبق على الاستصحاب.
والثالث: أن يجرّد النظر عن الوقوع في زمان من الأزمنة ويجعل متعلّق اليقين والشكّ مهملا عن الوجودات في الأزمان، وهذا منطبق على قاعدة اليقين؛ لأنّ معنى تعلّق الشكّ بالعدالة بالمعنى الذي هو المقسم بين الوجودات في الأزمان سراية الشكّ إلى كلّ وجود في كلّ زمان كما هو المتحقّق في قاعدة اليقين، وأمّا لو كان وجود خاص كالوجود في الزمان الأوّل معلوما وكان الشكّ في الوجودات المتأخّرة كما هو المتحقّق في الاستصحاب فلا يصدق أنّه تعلّق الشكّ بالعدالة كما عرفت.
فتبيّن ممّا ذكرنا أنّ الجمع بين القاعدة والاستصحاب في الرواية غير ممكن، وحينئذ فحيث علمنا ورود العبارة المذكور في سائر الروايات في مورد الاستصحاب أعني ما إذا كان الشكّ في البقاء، تعيّن حملها في هذه الرواية أيضا على الاستصحاب بحملها على الاحتمال الثاني من ملاحظة الزمان في كلّ من اليقين والشكّ ظرفا.
[مكاتبة على بن محمّد القاساني]
ومنها مكاتبة على بن محمّد القاساني «قال: كتبت إليه وأنا بالمدينة عن اليوم الذي يشكّ فيه من رمضان، هل يصام أو لا؟ فكتب عليه السلام: اليقين لا يدخله الشكّ، صم للرؤية وأفطر للرؤية».
وقوله عليه السلام: اليقين لا يدخله الشك، قضيّة عامّة مفادها أنّ جنس اليقين لا يدخله الشك، والمراد به الاستصحاب بقرينة تفريع قوله: صم للرؤية الخ، عليه، فإنّه إنّما يصحّ إذا كان المراد أنّ اليقين بعدم دخول شهر رمضان لا يدخله الشكّ في دخوله، واليقين بعدم دخول شوّال لا يدخله الشك في دخوله، ولو كان المراد العمل بالاحتياط والأخذ بجانب اليقين وعدم الاكتفاء بالعمل المشكوك لما صحّ هذا التفريع كما هو واضح.
ومن هنا يظهر أنّ المراد بنظير هذا، العبارة الواردة في الصحيحة الثالثة لزرارة أيضا هو الاستصحاب، دون ما ذكره شيخنا المرتضى من قاعدة الاحتياط، هذا ما استدلّ به في المقام من الروايات العامّة.
[الروايات المؤيدة الواردة في الموارد الخاصّة]
وربّما يؤيّد المقام بالروايات الواردة في الموارد الخاصّة.
مثل رواية عبد اللّه بن سنان الواردة في من يعير ثوبه الذميّ وهو يعلم أنّه يشرب الخمر ويأكل لحم الخنزير، «قال: فهل عليّ أن أغسله؟ قال عليه السلام: لا؛ لأنّك اعرته إيّاه وهو طاهر ولم تستيقن أنّه نجّسه».
وهذه الرواية صريحة في الاستصحاب؛ لأنّه عليه السلام جعل الحكم بالطهارة معلّلا بسبق الطهارة وعدم اليقين بعروض النجاسة، ومن المعلوم أنّ الحكم في قاعدة الطهارة معلّل بالشكّ الفعلي مع قطع النظر عن اليقين السابق، ولكن لا تصلح هذه الرواية دليلا إلّا على حجيّة الاستصحاب في خصوص باب الطهارة، ويمكن إتمام الكلام في سائر الأبواب بعدم القول بالفصل.
ومثل موثّقة عمّار «كلّ شيء طاهر حتّى تعلم أنّه قذر» وهذه الرواية على احتمال تكون دليلا على حجيّة الاستصحاب في خصوص باب الطهارة، وعلى آخر دليلا على قاعدة اخرى أجنبيّة عن الاستصحاب وهي قاعدة الطهارة، وذلك لأنّه يحتمل أن يكون المراد بقوله عليه السلام: «طاهر» كما هو الظاهر الحكم بأصل ثبوت الطهارة في كلّ شيء ظاهرا، وما دام مشكوكا، فحصول العلم بالقذارة غاية لهذا الحكم الظاهري، والمعنى أنّ كلّ شيء محكوم في الظاهر بالطهارة إلى أن يعلم القذارة، فإذا علم القذارة انقطع هذا الحكم الظاهري.
ويحتمل على بعد أن يكون المراد بقوله عليه السلام: (طاهر» هو الحكم ظاهرا باستمرار الطهارة في خصوص الأشياء التى ثبت أصل الطهارة فيها في زمان وكان مفروغا عنه، والمعنى أنّ كلّ شيء ثبت أصل الطهارة فيه في زمان فطهارته محكومة في الظاهر بالامتداد إلى حصول العلم بالقذارة، فالغاية غاية لنفس الطهارة لا للحكم الظاهري، فعلى الأوّل يكون مفاد الرواية قاعدة الطهارة وعلى الثاني استصحابها.
ويجري في هذه الرواية أيضا الكلام في إمكان الجمع بين قاعدة الطهارة واستصحابها وعدمه، نظير ما جرى في الرواية من البحث في إمكان الجمع بين قاعدة اليقين والاستصحاب وعدمه، وحيث وقع ذلك هنا محلّا للنقض والإبرام والتشاجر بين الأعلام، فلا بأس ببسط الكلام.
فنقول: ذهب شيخنا المرتضى قدّس سرّه إلى عدم إمكان الجمع، لما هو واضح من أنّه لا بدّ في قاعدة الطهارة من ملاحظة أصل ثبوت الطهارة غير مفروغ عنه حتّى يصحّ الحكم بأصل ثبوتها، وفي الاستصحاب من ملاحظة أصل ثبوتها مفروغا عنه حتّى يحكم باستمرار الثبوت، والجمع بين ملاحظته مفروغا عنه وملاحظته غير مفروغ عنه في استعمال واحد غير ممكن.
واعترض بذلك على صاحب الفصول قدّس سرّه حيث إنّه جوّز الجمع بين القاعدتين، فقال ما حاصله أنّه يستفاد من الرواية شيئان، الأوّل أنّ مشكوك الطهارة والنجاسة طاهر، والثاني أنّ ما ثبت طهارته في زمان يستمرّ طهارته إلى أن يعلم القذارة.
وقد انتصر بعض الأساتيد قدّس سرّه في الحاشية لصاحب الفصول، ومجمل ما ذكره قدّس سرّه بطوله في تقريب الجواز أنّه إنّما لم يمكن الجمع لو اريد من كلمة «طاهر» الحكم بأصل ثبوت الطهارة والحكم باستمرارها مع الفراغ عن أصل الثبوت، أو اريد من الغاية كونها غاية لأصل الثبوت وغاية للاستمرار في مورد الفراغ عن أصل الثبوت، ونحن لا نقول بشيء من هذين، بل نقول: إنّ القاعدة مستفادة من كلمة «طاهر» والاستصحاب مستفاد من الغاية، فالكلام بمنزلة قضيّتين، إحداهما أنّ الأشياء كلّها طاهرة، والثانية أنّ الأشياء الطاهرة تبقى طهارتها إلى زمان العلم بالقذارة.
توضيح ذلك أنّ قوله عليه السلام: «كلّ شيء طاهر يدلّ بعمومه على أنّ الأشياء بعناوينها الأوّليّة كالماء والتراب وغيرهما طاهرة واقعا، فيكون دليلا اجتهاديّا، وبإطلاقه لحالات الشيء التي منها حالة كونه مشتبه الطهارة إمّا من جهة كونه مشتبه الحكم أو مشتبه الموضوع يدلّ على قاعدة الطهارة، فإذا كان هناك ماء وفضلة خفّاش ومائع مردّد بين الماء والبول فالرواية تدلّ عموما وإطلاقا على طهارة الجميع.
وإن أبيت إلّا عن عدم كون الشبهة من حالات الشيء المندرجة تحت الإطلاق وأنّها من حالات المكلّف وإن كان لها إضافة إلى الشيء أيضا فنقول: المشكوكيّة بالشبهة الحكميّة أو الموضوعيّة لازمة لبعض الأشياء غير منفكّة عنه أبدا مثل فضلة الخفاش، وهذا الشيء الملازم للمشكوكيّة داخل في عموم كلّ شيء، فإذا تمّ دلالة الرواية بالعموم على طهارة هذا المشكوك يتمّ المطلوب في سائر المشكوكات بعدم القول بالفصل.
ولا ضير في كون مفاد الرواية حكما واقعيّا في بعض الأفراد وظاهريّا في آخر، فإنّا لا نعني بالحكم الواقعي إلّا ما كان متعلّقا بالشيء بالعنوان الأوّلي، وبالظاهري إلّا ما كان متعلّقا بالشيء بعنوان كونه مشكوك الحكم، فإذا تعلّق الطهارة بالمعنى الواحد بعنوان جامع لكلا هذين الصنفين وهو «كلّ شيء» فلازم ذلك اختلاف الطهارة في الظاهرية والواقعيّة باختلاف المحالّ.
فقد تبيّن أنّ صدر الرواية مع قطع النظر عن الذيل يكون دليلا اجتهاديّا ودليلا على قاعدة الطهارة في الشبهة الحكميّة وفي الشبهة الموضوعيّة.
وأمّا الاستصحاب فهو مستفاد من الذيل وهو قوله عليه السلام: حتّى تعلم أنّه قذر، وذلك لأنّ الغاية تدلّ بنفسها على استمرار المحمول إلى زمان حصولها من دون حاجة إلى إرادة الاستمرار من المحمول، غاية الأمر أنّها إن كانت غاية لبيّة كما في قولك: كلّ شيء طاهر حتى يلاقي النجس، يكون دليلا اجتهاديّا على الاستمرار الواقعي، وان كانت غاية تعبّديّة بأن كانت هو العلم بانتفاء المحمول يكون دليلا على الاستمرار التعبّدى عند الشكّ في الاستمرار والبقاء، وحينئذ فقوله عليه السلام: حتّى تعلم أنّه قذر يدلّ على أنّ الأشياء الطاهرة يدوم طهارتها تعبّدا إلى أن يعلم انتفاء الطهارة، ولا نعني بالاستصحاب إلّا ذلك ...(1)
ويرد على ما ذكره قدّس سرّه في الذيل أنّ أركان الاستصحاب امور ثلاثة، الأوّل وجود المتيقّن السابق، والثاني الشكّ فيه في الزمان المتأخّر، والثالث وهو المحمول في باب الاستصحاب الحكم ببقاء ما كان في زمان الشكّ الذي هو الزمان المتأخّر، فاستفادة الاستصحاب من الرواية يتوقّف على استفادة هذه الامور منها.
فنقول: أمّا المتيقّن السابق فيمكن استفادته من صدر الرواية المفيد لطهارة الأشياء واقعا، وأمّا الأمران الآخران فيتوقّف استفادتهما من الرواية حينئذ على الالتزام بأنّ الغاية غير مرتبطة بمحمول الرواية وهو قوله عليه السلام: «طاهر»، وأنّ هنا موضوعا ومحمولا آخرين مطويّين في الكلام تكون الغاية مرتبطة بهما، والتقدير أنّه إذا شككت في بقاء طهارة الأشياء فهي محكومة بالبقاء، لكنّ الالتزام بهذا إخراج للكلام عن قانون المحاورة وخلاف ما اعترف به هو أيضا.
وأمّا إن جعلنا الغاية لنفس المحمول في الرواية، فيلزم كون المحمول محدودا بزمان الشكّ؛ فإنّ قضيّة كلّ غاية جعل المحمول السابق عليها محدودا بضدّها، مثلا قولنا: كلّ شيء طاهر إلى أن يلاقي النجس، معناه كلّ شيء طاهر في زمان عدم ملاقاة النجس، فكذلك معنى قوله عليه السلام: كلّ شيء طاهر حتى تعلم أنّه قذر، أنّ كلّ شيء طاهر في زمان الشكّ.
والحاصل أنّ مفاد الغاية حينئذ أنّ أصل ثبوت الطهارة الذي أفاده قوله عليه السلام: «طاهر» يكون من أوّل زمان الشكّ إلى انتهائه الحاصل بالعلم بالقذارة، وعلى هذا يكون مفاد صدر الرواية هو الحكم الظاهري؛ لأنّه المغيّا بغاية العلم بالخلاف، وأمّا الواقعي فليس مغيّا بذلك، بل بأمر آخر لبيّ.
وحينئذ وإن كان نفس الحكم بالاستمرار مستفادا من كلمة «حتّى» وكونه حكما في زمان الشكّ مستفادا من كلمة «تعلم» ولكن ليس في البين متيقّن سابق؛ لأنّه قد صار المتحصّل من مجموع الصدر والذيل هو الحكم بالطهارة الظاهرية الاستمراريّة، وليس كلّ استمرار ظاهري من باب الاستصحاب، فإنّ استمرار الحكم في قاعدة الطهارة باستمرار الشكّ يكون من باب استمرار الحكم باستمرار موضوعه لا من باب الاستصحاب قطعا.
نعم يمكن جعل الطهارة الظاهرية المستفادة من الصدر حينئذ متيقّنا سابقا، لكن لا لهذا الشكّ، بل لشكّ آخر وهو الشكّ في أنّ حكم الشارع بالطهارة الظاهرية في المشكوك هل هو باق أو نسخ، فلو حكم في موضوع هذا الشكّ بالطهارة كأن قيل: وإذا شككت في ذلك فكلّ شيء طاهر حتى تعلم النسخ، كان مفيدا للاستصحاب، ولكن مع أنّ الغاية لهذا الحكم هو العلم بالنسخ دون القذارة، لا يمكن إرادته من كلمة «طاهر» في الرواية؛ لأنّه مستلزم لكون الحكم ناظرا إلى الشكّ في نفسه ومتكفّلا لحكم آخر يكون الحكم الأوّل موضوعا له.
فتحصّل أنّا لو جعلنا الصدر حكما ظاهريا كانت الغاية مناسبة لهذا المغيّا، ولكن ليس فى البين متيقّن سابق، ولو جعلناه حكما واقعيّا كان هو المتيقّن السابق، ولكن لم يناسب الغاية للمغيّا، والمناسب لها موضوع آخر هو الشكّ فى بقاء طهارة الأشياء، ومحمول آخر هو الحكم ببقاء طهارتها، هذا.
وحيث إنّ من الواضح أنّ الغاية لنفس هذا المغيّا فمفاد المغيّا حكم ظاهري والرواية بصددها، وذيلها بمنزلة قولنا: كلّ شيء مشكوك طاهر، ولا يستفاد منها سوى قاعدة الطهارة.
___________________
(1) هنا في الأصل بياض بمقدار نصف الصفحة تقريبا.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|