أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-4-2020
1642
التاريخ: 5-6-2020
2684
التاريخ: 12-11-2019
1305
التاريخ: 3-12-2019
2807
|
حرب البصرة
على الرغم من أن طلحة والزبير كانا من أشد الناقمين على سياسة عثمان ومع أنهما سبقا الناس في البيعة للإمام علي (عليه السلام) بعد قتل عثمان، فإن الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام (عليه السلام) في الحياة الإسلامية لم تجد هوى في نفسيهما فبدآ في العمل للخروج على الإمام (عليه السلام) وإثارة المسلمين عليه، فكانت حصيلة ذلك فتنة كبدت الأمة خسارة فادحة.
وقد بذل الإمام (عليه السلام) جهداً كبيراً لتحاشي هذه الفتنة فلم يأل جهداً في بذل النصح لهم وتحميلهم مغبة ما سيكون إذا نشبت الحرب، وهذه نصيحته (عليه السلام) لهما:
«أما بعد يا طلحة، ويا زبير، فقد علمتما أني لم أرد الناس حتى أرادوني، ولم أبايعهم حتى أكرهوني، وأنتما أول من بادر إلى بيعتي، ولم تدخلا في هذا الأمر، بسلطان غالب، ولا لعرض حاضر، وأنت يا زبير، ففارس قريش، وأنت يا طلحة فشيخ المهاجرين، ودفعكما هذا الأمر قبل أن تدخلا فيه كان أوسع لكما من خروجكما منه بعد إقراركما، ألا وهؤلاء بنو عثمان هم أولياؤه المطالبون بدمه، وأنتما رجلان من المهاجرين، وقد أخرجتما أمكما من بيتها الذي أمرها الله تعالى أن تقر فيه، والله حسبكما..»(1).
وفي البصرة استمر الإمام (عليه السلام) يبذل نصحه من أجل حقن الدماء، فأرسل للناكثين رسولاً يدعوهم للصلح ورأب الصدع.
كما التقى بالزبير وذكره بأمور جرت لهما في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) منها: ما حملك على ما صنعت يا زبير؟
قال: حملني على ذلك الطلب بدم عثمان!
فقال الإمام: إن أنصفت نفسك، أنت وأصحابك قتلتموه، ولكني أنشدك الله يا زبير أما تذكر، قال لك رسول الله (صلى الله عليه وآله): يا زبير أتحب علياً، فقلت، وما يمنعني من حبه وهو ابن خالي.
فقال لك: أما أنك تخرج عليه وأنت له ظالم!
فقال الزبير: اللهم بلى، قد كان ذلك.
فقال الإمام: «أنشدك الله أتذكر يوم جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) من عند بني عوف، وأنت معه، وهو آخذ بيدك فاستقبلته، فسلمت عليه، فضحك في وجهي، وضحكت إليه. فقلت أنت: لا يدع ابن أبي طالب زهوه، فقال (صلى الله عليه وآله) لك: مهلاً يا زبير ليس بعلي زهو، ولتخرجن عليه يوماً وأنت ظالم له؟
قال الزبير: اللهم بلى، ولكني قد نسيت ذلك، وبعد أن ذكرتنيه لأنصرفنَّ»(2).
وقد عزم الزبير على اعتزال الناس، غير أن ابنه عبد الله وصفه بالجبن إن هو أقدم على ذلك.
وهكذا تفجّر الموقف واندلع القتال بين المعسكرين..
الموقف الإنساني:
غير أن الإمام ظل ملتزماً بالصبر والأناة وبما امتاز به من الروح الإنسانية الرفيعة، فها هو يخاطب جيشه -بعد اندلاع القتال، وبعد أن ذهبت كل محاولاته لإصلاح الموقف سدى- ملزماً أصحابه بأرفع الأخلاق التي يريد الله سبحانه من المسلم الالتزام بها في ساحة الحرب أيها الناس أنشدكم الله أن لا تقتلوا مدبراً، ولا تجهزوا على جريح، ولا تستحلوا سبياً، ولا تأخذوا سلاحاً، ولا متاعاًً(3). طارحاً بذلك أحكام شريعة الله تعالى في البغاة.
ثم دعا ربه الأعلى سبحانه مستجيراً من الفتنة التي فجرها الناكثون معلناً براءته منها أمام الله الكبير المتعال.
فبعد أن رفع يديه إلى السماء قال «اللهم إن طلحة والزبير أعطياني صفقة أيديهما طائعين، ثم نصبا إلى الحرب ظاهرين، اللهم، فأكفنيهما بما شئت وكيف شئت..»(4).
وقد أسفرت المعركة عن انتصار ساحق لمعسكر الإمام (عليه السلام) فأعلن الإمام العفو العام عن جميع المشتركين في حربه:
«ألا لا يجهز على جريح، ولا يتبع مولٍ، ولا يطعن في وجه مدبر، ومن ألقى السلاح فهو آمن، ومن أغلق بابه فهو آمن، ولا يستحلن فرج ولا مال، وانظروا ما حضر به الحرب من آنية فاقبضوه، وما كان سوى ذلك، فهو لورثته، ولا يطلبن عبد خارج من المعسكر، وما كان من دابة أو سلاح فهو لكم، وليس لكم أم ولد -الأمة استولدت ذكراً أو أنثى- والمواريث على فريضة الله، وأي امرأة قتل زوجها، فلتعتد أربعة أشهر وعشراً.
فقال بعض أصحابه: يا أمير المؤمنين تحل لنا دماءهم ولا تحل لنا نساؤهم؟
فقال (عليه السلام): كذلك السيرة في أهل القبلة(5).
بيد أن بعضاً من جيشه كانوا يرغبون الحصول على مغانم أكبر مما حدده الإمام (عليه السلام).
فقام له رجلٌ قائلاً: يا أمير المؤمنين، والله ما قسمت بالسوية ولا عدلت في الرعية!
قال الإمام (عليه السلام): ولم؟ ويحك!!
قال: لأنك قسمت ما في المعسكر وتركت الأموال والنساء والذرية!!
فقال له الإمام موضحاً فلسفة ذلك الموقف الإنساني الذي التزمه:
يا أخا بكر: إنك امرؤ ضعيف الرأي أو ما علمت أنا لا نأخذ الصغير بذنب الكبير، وأن الأموال كانت لهم قبل الفرقة وتزوجوا على رشد، وولدوا على الفطرة، وإنما لكم ما حوى عسكرهم، وما كان في دورهم، فهو ميراث لذريتهم، فإن عدا علينا أحد منهم أخذناه بذنبه، وإن كفَّ لم نحمل عليه ذنب غيره.
يا أخا بكر: لقد حكمت فيهم بحكم رسول الله (صلى الله عليه وآله) في أهل مكة: قسم ما حوى العسكر، ولم يعرض لما سوى ذلك وإنما اتبعت أثره..
يا أخا بكر: أما علمت أن دار الحرب يحل ما فيها؟
وأن دار الهجرة يحرم ما فيها إلا بحق..».
هذه بعض مصاديق الموقف الإنساني الفريد الموافق لأمر الله والمطابق لشريعته الغراء الذي التزم به الإمام (عليه السلام) في معاملة المنهزمين في خصومه.. إنه موقف لا ترى فيه للعاطفة والاندفاع والتشقي أثراً.. إنه موقف جسد فيه الإمام حكم الله تعالى.
وهل غير علي (عليه السلام) جدير بتجسيد حكم شريعة الله فيما شجر بين الناس؟
وواصل الإمام (عليه السلام) خطواته الإنسانية إزاء الناكثين.
وهكذا حسم الموقف لصالح الإمام (عليه السلام) في فتنة البصرة فأبدى الإمام (عليه السلام) خلاله وبعده أنبل المشاعر وأصدقها نحو المغرر بهم محاولاً بذلك رأب الصدع وجمع الشمل وإعزاز الأمة.
______________
1 - الفصول المهمة ص55 لابن الصباغ المالكي.
2 - الفصول المهمة في معرفة الأئمة/ ابن الصباغ المالكي ص63 وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص77، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج2 ص167.
3 - الفصول المهمة / للمالكي ص62 وتذكرة سبط ابن الجوزي.
4 - الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص62، وتذكرة سبط بن الجوزي.
5 - أحاديث أم المؤمنين عائشة ق1 ص181، نقلاً عن اليعقوبي وكنز العمال.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|