المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17607 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
غزوة الحديبية والهدنة بين النبي وقريش
2024-11-01
بعد الحديبية افتروا على النبي « صلى الله عليه وآله » أنه سحر
2024-11-01
المستغفرون بالاسحار
2024-11-01
المرابطة في انتظار الفرج
2024-11-01
النضوج الجنسي للماشية sexual maturity
2024-11-01
المخرجون من ديارهم في سبيل الله
2024-11-01



تفسير آية (81-83) من سورة التوبة  
  
2665   12:58 صباحاً   التاريخ: 10-8-2019
المؤلف : إعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (82) فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ} [التوبة : 81 - 83] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير  هذه الآيات (1) :

 

ثم أخبر سبحانه أن جماعة من المنافقين الذين خلفهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،  ولم يخرجهم معه إلى تبوك (2) ، استأذنوه في التأخر ، فأذن لهم ، فرحوا بقعودهم ، فقال : {فرح المخلفون بمقعدهم} أي : بقعودهم عن الجهاد {خلاف رسول الله} أي : بعده . وقيل : معناه لمخالفتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم {وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} ظاهر المعنى {وقالوا} أي : قالوا للمسلمين ليصدوكم عن الغزو {لا تنفروا في الحر} أي : لا تخرجوا إلى الغزو سراعا في هذا الحر . وقيل : بل معناه قال بعضهم لبعض ذلك ، طلبا للراحة والدعة ، وعدولا عن تحمل المشاق في طاعة الله ، ومرضاته .

{قل} يا محمد لهم {نار جهنم} التي وجبت لهم بالتخلف عن أمر الله تعالى {أشد حرا} من هذا الحر ، فهي أولى بالاحتراز والحذر عنها ، إذ لا يعتد بهذا الحر في جنب ذلك الحر {لو كانوا يفقهون} أوامر الله تعالى ، ووعده ووعيده ، {فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا} هذا تهديد لهم في صورة الأمر أي : فليضحك هؤلاء المنافقون في الدنيا قليلا ، لأن ذلك يفنى ، وإن دام إلى الموت ، ولأن الضحك في الدنيا قليل لكثرة أحزانها وهمومها ، وليبكوا كثيرا في الآخرة ، لأن ذلك يوم مقداره خمسون ألف سنة ، وهم فيه يبكون ، فصار بكاؤهم كثيرا .

{جزاء بما كانوا يكسبون} من الكفر ، والنفاق ، والتخلف ، بغير عذر عن الجهاد ، قال ابن عباس : إن أهل النفاق ليبكون في النار عمر الدنيا ، فلا يرقأ لهم دمع ، ولا يكتحلون بنوم . وروى انس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ، ولبكيتم كثيرا {فإن رجعك الله} يا محمد أي فإن ردك الله من غزوتك هذه ، وسفرك هذا ، {إلى طائفة منهم} أي من المنافقين الذين تخلفوا عنك ، وعن الخروج معك {فاستأذنوك للخروج} معك إلى غزوة أخرى {فقل لن تخرجوا معي أبدا} إلى غزوة {ولن تقاتلوا معي عدوا} ثم بين سبحانه سبب ذلك فقال {إنكم رضيتم بالقعود أول مرة} أي عن غزوة تبوك .

{فاقعدوا مع الخالفين} في كل غزوة . واختلف في المراد بالخالفين ، فقيل : معناه مع النساء والصبيان ، عن الحسن ، والضحاك . وقيل : مع الرجال الذين تخلفوا من غير عذر ، عن ابن عباس . وقيل : مع المخالفين . قال الفراء : يقال عبد خالف ، وصاحب خالف ، إذا كان مخالفا . وقيل : مع الخساس والأدنياء ، يقال : فلان خالفة أهله إذا كان أدونهم . وقيل : مع أهل الفساد من قولهم : خلف الرجل على أهله يخلف خلوفا : إذا فسد . ونبيذ خالف أي : فاسد . وخلف فم الصائم : إذا تغيرت ريحه . وقيل : مع المرضى والزمني ، وكل من تأخر لنقص ، عن الجبائي .

_________________________

1. تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 98-99 .

2. [لما] .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } . حكى اللَّه سبحانه فيما سبق قول بعض المنافقين للنبي ائذن لي في القعود عن الجهاد ، وأخبر في هذه الآية عن فرحهم بهذا القعود مخالفة لرسول اللَّه ، وكراهية للجهاد بأموالهم وأنفسهم في سبيل اللَّه بعامة ، وفي غزوة تبوك بخاصة ، لأن الآيات نزلت فيها .

{ وقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ } .

اشفقوا على أنفسهم من حر الدنيا ، ولم يشفقوا عليها من نار جهنم ، وهي أشد حرا ، وأطول أمدا . . هذا ، إلى أن من ترك جهاد الطغاة ألبسه اللَّه ثوب الذل في الدنيا ، وسيم الخسف ومنع النّصفة . . وما غزي العرب والمسلمون في عقر دارهم إلا حين تواكلوا وتخاذلوا ، وآثروا الخزي والمذلة على الاستشهاد من أجل العزة والكرامة .

{ فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا ولْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ } . الأمر بالضحك والبكاء معناه الإخبار بأن المنافقين ، وان فرحوا بمقعدهم عن الجهاد فان هذا الفرح ليس بشيء بالنسبة إلى ما سيلقونه من الخزي والذل في الدنيا ، وهم في الآخرة أذل وأخزى .

{ فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ } الخطاب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ومعنى رجعك ردك من غزوة تبوك إلى المدينة ، والمراد بالطائفة جماعة المنافقين ، وضمير منهم يعود إلى من تأخر في المدينة عن الغزو ، فإن بعض هؤلاء تأخر لعذر صحيح { فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ } معك إلى الغزو أو غير الغزو { فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا } . لقد تخلفوا عن الجهاد الواجب ، فعاقبهم اللَّه بالحرمان من صحبة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، والخروج معه إلى الحرب وغيرها ، وهذا النوع من العقاب أشد على النفس من وقع السهام ، ويأتي في الآية 95 قوله تعالى :

{ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ } ثم بيّن سبحانه سبب النهي عن إخراجهم مع النبي ، واشراكهم في قتال العدو بقوله : { إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ } قعدوا عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) في ساعة العسرة فلن يقبلوا بعدها . . ومن اختار لنفسه الهوان يدعه اللَّه وما اختار ، والمراد بالخالفين الصبيان والعجزة والنساء .

________________________

1. تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 77-78 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قوله تعالى : ﴿فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله﴾ الآية الفرح والسرور خلاف الغم وهما حالتان نفسيتان وجدانيتان ملذة ومؤلمة ، والمخلفون اسم مفعول من قولهم خلفه إذا تركه بعده والمقعد كالقعود مصدر قعد يقعد وهو كناية عن عدم الخروج إلى الجهاد . 

والخلاف كالمخالفة مصدر خالف يخالف ، وربما جاء بمعنى بعد كما قيل ولعل منه قوله : ﴿وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا﴾ وكان قياس الكلام أن يقال : ﴿خلافك﴾ لأن الخطاب فيه للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنما قيل : ﴿خلاف رسول الله﴾ للدلالة على أنهم إنما يفرحون على مخالفة الله العظيم فما على الرسول إلا البلاغ . 

والمعنى فرح المنافقون الذين تركتهم بعدك بعدم خروجهم معك خلافا لك - أو بعدك - وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله . 

وقوله تعالى : ﴿وقالوا لا تنفروا في الحر﴾ خاطبوا بذلك غيرهم ليخذلوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويبطلوا مسعاه في تنفير الناس إلى الغزوة ، ولذلك أمره الله تعالى أن يجيب عن قولهم ذلك بقوله : ﴿قل نار جهنم أشد حرا﴾ أي إن الفرار عن الحر بالقعود إن أنجاكم منه لم ينجكم مما هو أشد منه وهو نار جهنم التي هي أشد حرا فإن الفرار عن هذا الهين يوقعكم في ذاك الشديد . 

ثم أفاد بقوله : ﴿لو كانوا يفقهون﴾ المصدر بلو التمني اليأس من فقههم وفهمهم . 

قوله تعالى : ﴿فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون﴾ تفريع على تخلفهم عن الجهاد بالأموال والأنفس وفرحهم بالقعود عن هذه الفريضة الإلهية الفطرية التي لا سعادة للإنسان في حياته دونها . 

وقوله : ﴿جزاء بما كانوا يكسبون﴾ والباء للمقابلة أو السببية دليل على أن المراد بالضحك القليل هو الذي في الدنيا فرحا بالتخلف والقعود ونحو ذلك ، وبالبكاء الكثير ما كان في الآخرة في نار جهنم التي هي أشد حرا فإن الذي فرع عليه الضحك والبكاء هو ما في الآية السابقة ، وهو فرحهم بالتخلف وخروجهم من حر الهواء إلى حر نار جهنم . 

فالمعنى : فمن الواجب بالنظر إلى ما عملوه واكتسبوه أن يضحكوا ويفرحوا قليلا في الدنيا وأن يبكوا ويحزنوا كثيرا في الآخرة فالأمر بالضحك والبكاء للدلالة على إيجاب السبب وهو ما كسبوه من الأعمال لذلك . 

وأما حمل الأمر في قوله : ﴿فليضحكوا﴾ وقوله : ﴿وليبكوا﴾ على الأمر المولوي لينتج تكليفا من التكاليف الشرعية فلا يناسبه قوله : ﴿جزاء بما كانوا يكسبون﴾ . 

ويمكن أن يكون المراد الأمر بالضحك القليل والبكاء الكثير معا ما هو في الدنيا جزاء لسابق أعمالهم فإنها هدتهم إلى راحة وهمية في أيام قلائل وهي أيام قعودهم خلاف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم إلى هوان وذلة عند الله ورسوله والمؤمنين ما داموا أحياء في الدنيا ثم إلى شديد حر النار في الآخرة بعد موتهم . 

قوله تعالى : ﴿فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج﴾ إلى آخر الآية المراد بالقعود أول مرة التخلف عن الخروج في أول مرة كان عليهم أن يخرجوا فيها فلم يخرجوا ، ولعلها غزوة تبوك كما يهدي إليه السياق . 

والمراد بالخالفين المتخلفون بحسب الطبع كالنساء والصبيان والمرضى والزمنى وقيل : المتخلفون من غير عذر ، وقيل : الخالفون هم أهل الفساد ، والباقي واضح . 

وفي قوله : ﴿فإن رجعك الله إلى طائفة منهم﴾ الآية دلالة على أن هذه الآية وما في سياقها المتصل من الآيات السابقة واللاحقة نزلت ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في سفره ولما يرجع إلى المدينة ، وهو سفره إلى تبوك .

________________________

1 . تفسير الميزان ، ج9 ، ص 298-300 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

إعاقة المنافقين مرّة أخرى :

يستمر الحديث في هذه الآيات حول تعريف المنافقين وأساليب عملهم وسلوكهم وأفكارهم ليعرفهم المسلمون جيدا ، ولا يقعوا تحت تأثير وسائل إعلامهم وخططهم الخبيثة وسمومهم .

في البداية تتحدث الآية عن هؤلاء الذين تخلفوا عن الجهاد في غزوة تبوك ،  وتعذروا بأعذار واهية كبيت العنكبوت ، وفرحوا بالسلامة والجلوس في البيت بدل المخاطرة بأنفسهم والاشتراك في الحرب رغم أنّها مخالفة لأوامر اللّه ورسوله : {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ‏} وبدل أن يضعوا كل وجودهم وإمكاناتهم في سبيل اللّه لينالوا افتخار الجهاد وعنوان المجاهدين ، فإنّهم امتنعوا {وكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ‏} .

إلّا أنّ هؤلاء النفر لم يكتفوا بتخلفهم وتركهم لهذا الواجب المهم ، بل إنّهم سعوا في تحذيل الناس عن الجهاد بوساوسهم الشّيطانية ومحاولة إخماد جذوة الحماسة الملتهبة في صدور المسلمين وتشبث المنافقون بكل عذر يمكن أن يحقق الهدف حتى ولو كان العذر الحرّ !! {وقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ} . وفي الحقيقة إنّ هؤلاء كانوا يطمعون في أضعاف إرادة المسلمين ، ومن جهة أخرى كانوا يحاولون سحب أكبر عدد ممكن إلى مستنقع رذيلتهم ، حتى لا ينفردوا بالجرم .

ثمّ تتغير وجهة الخطاب إلى النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، فيأمره اللّه سبحانه وتعالى أن يجيبهم بلهجة شديدة وأسلوب قاطع : {قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ‏} . لكنّهم للأسف لضعف إيمانهم ، وعدم الإدراك الكافي لا يعلمون آية نار تنتظرهم ، فشرارة واحدة من تلك النّار أشدّ حرارة من جميع نيران الدّنيا وأشدّ حرقة وألما .

وتشير الآية الثّانية إلى أنّ هؤلاء قد ظنوا بأنّهم قد حققوا نصرا بتخلفهم وتخذيلهم المسلمين وصرف أنظارهم عن مسألة الجهاد ، وضحكوا لذلك وقهقهوا بمل‏ء أفواههم ، وهذا هو حال المنافقين في كل عصر وزمن ، إلّا أنّ القرآن حذّرهم من مغبة أعمالهم فقال : {فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا ولْيَبْكُوا كَثِيراً} .

نعم ، ليبكوا على مستقبلهم المظلم ليبكوا على العذاب الأليم الذي ينتظرهم ليبكوا على أنّهم أعلقوا كل أبواب العودة بوجوههم ، وأخيرا ليبكوا على ما أنفقوا من قوتهم وقدراتهم وعمرهم الثّمين ، واشتروا به الخزي والفضيحة وسوء العاقبة وتعاسة الحظ .

وفي نهاية الآية يبيّن اللّه تعالى أنّ هذه العاقبة التي تنتظرهم هي‏ {جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ‏} .

ممّا قلناه يتّضح أنّ المقصود هو: إنّ هذه الجماعة يجب أن يضحكوا قليلا في هذه الدنيا ويبكوا كثيرا ، لأنّهم لو اطلعوا على ما ينتظرهم من العذاب الأليم لبكوا كثيرا ولضحكوا قليلا بالفعل .

إلّا أنّ بعض المفسّرين يذكر رأيا آخر في تفسير هذه الآية ، وهو أنّهم مهما ضحكوا فإنّ ضحكهم قليل لقصر عمر الدنيا ، وسيبكون في الآخرة بكاء بحيث أن كل بكاء الدنيا لا يعادل شيئا من ذلك البكاء .

غير أن التّفسير الأوّل أنسب وأوفق لظاهر الآية ، وللتعبيرات المشابهة لها سواء وردت في الأقوال أم الكتابات ، خاصّة إذا علمنا أن اللازم من التّفسير الثّاني أن يكون معنى الأمر في الآية هو الإخبار لا الأمر ، وهذا خلاف الظاهر .

ويشهد للمعنى الأوّل‏ الحديث المعروف عن النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم ، والذي ذكره كثير من المفسّرين ، حيث قال : «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» .

(فتأمل جيدا) .

وفي آخر آية- من الآيات محل البحث- إشارة إلى طريقة أخرى دقيقة وخطرة من طرق المنافقين ، وهي أنّهم حينما يفعلون ما يخالف القانون الإسلامي ، فإنّهم يظهرون أعمالا يحاولون بها جبران ما صدر منهم ، ومحاولة تبرئة ساحتهم ممّا يستحقون من العقوبة ، وبهذه الأعمال المناقضة لأعمالهم المخالفة للقانون فإنّهم يخفون وجوههم الحقيقة ، أو يسعون إلى ذلك .

إنّ الآية الكريمة تقول : {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى‏ طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا} أي أنّ النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم يجب أن يزرع اليأس في نفوس هؤلاء ، ويعلمهم أن هذا التلون سوف لا ينطلي على أحد ، ولن يخدع بهم أحد ، والأولى لهم أن يحزموا أمتعتهم ويرحلوا من هذا المكان إلى‏ مكان آخر ، فإنّ أحدا سوف لا يقع في مكائدهم وحبائلهم في هذه المدينة .

وتوجد هنا مسألة ينبغي التنبيه إليها ، وهي أنّ جملة {طائِفَةٍ مِنْهُمْ}‏ توحي أن هؤلاء المنافقين لم يكونوا بأجمعهم يمتلكون الشجاعة حتى يحضروا ويطلبوا من النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم السماح لهم في الخروج إلى الجهاد ، ربّما لأن بعضهم كانوا مفضوحين إلى حد يخجلون معه من الحضور في مجلس النّبي صلى اللّه عليه وآله وسلّم وطلب الخروج معه .

ثمّ تبيّن الآية أن سبب عدم قبول اقتراح هؤلاء وطلبهم ب {إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ‏} .

_______________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 310-312 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .