المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



تفسير آية (16-18) من سورة التوبة  
  
4601   11:03 صباحاً   التاريخ: 6-8-2019
المؤلف : اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : ......
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف التاء / سورة التوبة /

 

قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16) مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة : 16 - 18] .

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه الآيات (1) :

قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } [التوبة : 16] .

ثم نبه سبحانه على جلالة موقع الجهاد ، فقال : {أم حسبتم أن تتركوا} معناه : أظننتم أيها المؤمنون أن تتركوا من دون أن تكلفوا الجهاد في سبيل الله مع الإخلاص {ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم} معناه : ولما يظهر ما علم الله منكم ، فذكر نفي العلم ، والمراد نفي المعلوم تأكيدا للنفي ، وإلا فإن الله عز اسمه عالم بما يكون قبل أن كان ، وبما لا يكون لو كان ، كيف كان يكون ، وتقديره : أظننتم أن تتركوا ، ولم تجاهدوا {ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} أي : ولم يعلم الله الذين لم يتخذوا سوى الله ، وسوى رسوله ، والمؤمنين ، بطانة وأولياء يوالونهم ، ويفشون إليهم أسرارهم . وقال الجبائي : هو أن يكونوا منافقين ، وهو قول الحسن . وفي هذه دلالة على تحريم موالاة الكفار والفساق ، والألف بهم . {والله خبير بما تعملون} أي : عليم بأعمالكم ، فيجازيكم عليها .

النظم : وجه اتصال هذه الآية بما قبلها : انه لما تقدم الأمر بالقتال ، عطف عليه بهذا الشرط ، وهو الإخلاص في الجهاد على وجه قطع العصمة ، ليظهر الظفر ، ويستحق الثواب .

 

- { مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ } [التوبة : 17-18] .

لما أمر الله سبحانه بقتال المشركين ، وقطع العصمة والموالاة عنهم ، أمر بمنعهم عن المساجد ، فقال : {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} معناه : لا ينبغي للمشركين أن يكونوا قواما على عمارة مساجد الله ، ومتولين لأمرها ، وينبغي أن يعمرها المسلمون . وقيل : إن المراد بذلك المسجد الحرام خاصة .

وقيل : هي عامة في جميع المساجد . {شاهدين على أنفسهم بالكفر} أي : حال شهادتهم على أنفسهم بالكفر ، أو مع شهادتهم . واختلف في العمارة للمسجد فقيل :

هي بدخوله ونزوله ، كما يقال فلان يعمر مجلس فلان إذا أكثر غشيانه ، لأن المسجد تكون عمارته بطاعة الله ، وعبادته وقيل : هي باستصلاحه ، ورم ما استرم منه ، لأنه إنما يعمر للعبادة ، عن الجبائي . وقيل : هي بأن يكونوا من أهله ، أي : لا ينبغي أن يترك المشركون فيكونوا أهل المسجد الحرام ، عن الحسن .

واختلف في شهادتهم على أنفسهم بالكفر كيف هي ، فقيل : هي أن النصراني يسأل ما أنت؟ فيقول : أنا نصراني . واليهودي يقول : أنا يهودي ، وكذلك المشرك إذا سئل ما دينك ؟ يقول : مشرك ، لا يقولها أحد غير العرب ، عن السدي . وقيل :

معناه أن كلامهم يدل على كفرهم ، كما يقال كلام فلان يدل على بطلان دعواه ، عن الحسن . وقيل : هي قولهم : {لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك} . وقيل : شهادتهم سجودهم لأصنامهم مع إقرارهم بأنها مخلوقة ، عن ابن عباس . ومعناه : أنهم يشهدون على أنفسهم بأفعالهم وأحوالهم ، ومن أظهر شيئا وبينه ، يقال قد شهد به . {أولئك حبطت أعمالهم} التي هي من جنس الطاعة من المؤمنين أي : بطلت لأنهم أوقعوها على الوجه الذي لا يستحق لأجله الثواب عليها عند الله {وفي النار هم خالدون} أي : مقيمون مؤبدون {إنما يعمر مساجد الله} ولفظة إنما لإثبات المذكور ، ونفي ما عداه ، فمعناه : لا يعمر مساجد الله بزيارتها ، وإقامة العبادات فيها ، أو ببنائها ورم المسترم منها إلا {من آمن بالله واليوم الآخر} أي : من أقر بوحدانية الله ، واعترف بالقيامة ، {وأقام الصلاة} بحدودها ، {وآتى الزكاة} أي : أعطاها إن وجبت عليه إلى مستحقها ، {ولم يخش إلا الله} أي : لم يخف سوى الله أحدا من المخلوقين ، وهذا راجع إلى قوله {أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه} أي : إن خشيتموهم فقد ساويتموهم في الإشراك ، كما قال : {فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله} الآية {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} إلى الجنة ، ونيل ثوابها ، لأن عسى من الله واجبة ، عن ابن عباس ، والحسن ، وفي ذكر الصلاة ، والزكاة ، وغير ذلك ، بعد ذكر الإيمان بالله ، دلالة على أن الإيمان لا يتناول أفعال الجوارح ، إذ لو تناولها لما جاز عطف ما دخل فيه عليه . ومن قال . إن المراد فيه التفصيل ، وزيادة البيان ، فقد ترك الظاهر .

________________________

تفسير مجمع البيان ، ج5 ، ص 24-26 .

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنيه في تفسير هذه الآيات (1) :

 

{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ } . تقدم تفسيره في ج 2 ص 165 الآية 142 من سورة آل عمران .

{ ولَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ولا رَسُولِهِ ولَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً } . أفضل الطاعات عند اللَّه جهاد المبطلين أعداء الحق والإنسانية ، وإلى هذا الجهاد أشار بقوله سبحانه :

{ ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ } . وأكبر المعاصي الركون إليهم ، واليه أشار تعالى بقوله : { ولَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ } . . . الخ  ، وكل من يلجأ إلى أهل البغي والعدوان ويربط مصلحته بمصالحهم فهو عدو للَّه ولرسوله وللمؤمنين ، وعلى كل مخلص أن يشهر به ، ويكشف عن دوره في التخريب والعمالة ، ليميز الناس بينه وبين المكافح الأمين ، ويضعوا كلا في المكان الذي يستحقه . { واللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} .

أجل ، انه خبير عليم ، ولكنه لا يعاقب أحدا على ما يعلم منه ، بل على ما تكشف عنه بفعله وسلوكه .

{ ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ } . جاء في كتب اللغة . يقال : عمر المنزل بأهله أي صار مسكونا بهم ، وعمر فلان ربه أي عبده . وشاع على ألسنة الناس : المساجد عامرة بذكر اللَّه . وفي الحديث : « قال اللَّه : بيوتي في الأرض المساجد ، وان زواري فيها عمارها » . وعلى هذا المعنى يحمل قوله تعالى : {يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ} أي ليس للمشركين أن يدخلوها ، ويقيموا فيها عبادتهم الوثنية ، كما كانوا يفعلون أيام الجاهلية ، وبالأولى أن لا يكون لهم التولية عليها ، ويؤيد إرادة هذا المعنى قوله تعالى : {شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْر} لأن عبادتهم الأصنام ودعاءهم اللات والعزّى شهادة من أنفسهم على أنفسهم بأنهم كافرون باللَّه ، ومن كفر باللَّه لا يحق له ان يدخل بيوت اللَّه { أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ } لأن اللَّه لا يقبل مع الشرك عملا { وفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ } لأن الشرك أحبط جميع أعمالهم ، حتى ما كان حسنا لولا الشرك .

{ إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وأَقامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ ولَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهً } . أي لا يجوز لأحد أن يدخل المساجد ويتعبد فيها أو يتولى شيئا من أمورها إلا إذا اجتمعت فيه هذه الصفات ، وهي الإيمان باللَّه واليوم الآخر ، وإقامة الشعائر الدينية ، وأهمها إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ، والخوف من اللَّه أي الإخلاص له في الأقوال والأفعال {فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} إلى الحق والعمل به ، وكلمة عسى من اللَّه تفيد اليقين ، لأن الشك محال عليه .

________________________

تفسير الكاشف ، ج4 ، ص 18-19 .

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :
 

قوله تعالى : ﴿أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ إلى آخر الآية بمنزلة تعليل آخر لوجوب قتالهم لينتج تحريضهم على القتال وفيه بيان حقيقة الأمر ، ومحصله أن الدار دار الامتحان والابتلاء فإن نفوس الآدميين تقبل الخير والشر والسعادة والشقاوة فهي في أول كينونتها ساذجة مبهمة ، ومراتب القرب والزلفى إنما تبذل بإزاء الإيمان الخالص بالله وآياته ، ولا يظهر صفاء الإيمان إلا بالامتحان الذي يورد المؤمن مقام العمل ، ليميز الله بذلك الطيب من الخبيث ، والصافي الإيمان ممن ليس عنده إلا مجرد الدعوى أو المزعمة . 

فمن الواجب أن يمتحن هؤلاء المدعون أنهم باعوا أنفسهم وأموالهم لله بأن لهم الجنة ، ويبتلوا بمثل القتال الذي يميز به الصادق من الكاذب ويفصل الذي قطع روابط المحبة والصلة من أعداء الله سبحانه ممن في قلبه بقايا من ولايتهم ومودتهم حتى يحيا هؤلاء ويهلك أولئك . 

فعلى المؤمنين أن يمتثلوا أمر القتال بل يتسارعوا إليه ويتسابقوا فيه ليظهروا بذلك صفاء جوهرهم وحقيقة إيمانهم ويحتجوا به على ربهم يوم لا نجاح فيه إلا بحجة الحق . 

فقوله : ﴿أم حسبتم أن تتركوا﴾ أي بل أظننتم أن تتركوا على ما أنتم عليه من الحال ولما تظهر حقيقة صدقكم في دعوى الإيمان بالله وبآياته . 

وقوله : ﴿ولما يعلم الله﴾ الآية أي ولما يظهر في الخارج جهادكم وعدم اتخاذكم من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة فإن تحقق الأشياء علم منه تعالى بها وقد مر نظير الكلام مع بسط ما في تفسير قوله تعالى : ﴿أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم﴾ [آل عمران : 142] في الجزء الرابع من الكتاب . 

ومن الدليل على هذا الذي ذكرنا في معنى العلم قوله في ذيل الآية : ﴿والله خبير بما تعملون﴾ . 

والوليجة على ما في مفردات الراغب ، كل ما يتخذه الإنسان معتمدا عليه وليس من أهله .

قوله تعالى : ﴿ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر﴾ العمارة ضد الخراب يقال : عمر الأرض إذا بنى بها بناء ، وعمر البيت إذا أصلح ما أشرف منها على الفساد ، والتعمير بمعناه ومنه العمر لأنه عمارة البدن بالروح ، والعمرة بمعنى زيارة البيت الحرام لأن فيها تعميره . 

والمسجد اسم مكان بمعنى المحل الذي يتعلق به السجدة كالبيت الذي يبنى ليسجد فيه الله تعالى ، وأعضاء السجدة التي تتعلق بها السجدة نوع تعلق وهي الجبهة والكفان والركبتان ورءوس إبهامي القدمين . 

وقوله : ﴿ما كان للمشركين﴾ الآية لنفي الحق والملك فإن اللام للملك والحق ، والنفي الحالي للكون السابق يفيد أنه لم يتحقق منهم سبب سابق يوجب لهم أن يملكوا هذا الحق وهو حق أن يعمروا مساجد الله ويرموا ما استرم منها أو يزوروها كقوله تعالى : ﴿ما كان لنبي أن يكون له أسرى﴾ [الأنفال : 67] وقوله : ﴿وما كان لنبي أن يغل﴾ [آل عمران : 161] . 

والمراد بالعمارة في قوله : ﴿أن يعمروا﴾ إصلاح ما أشرف على الخراب من البناء ورم ما استرم منه دون عمارة المسجد بالزيارة فإن المراد بمساجد الله هي المسجد الحرام وكل مسجد لله ولا عمرة في غير المسجد الحرام ، والدخول في المساجد للعبادة فيها وإن أمكن أن يسمى عمارة وزيارة لكن التعبير المعهود من القرآن فيه الدخول . 

على أن في قوله في الآية الآتية : ﴿أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام﴾ تأييدا ما لكون المراد بالعمارة هو إصلاح البناء دون زيارة البيت الحرام . 

والمراد بمساجد الله بيوت العبادة المبنية لله لكن السياق يدل على أن المراد نفي جواز عمارتهم للمسجد الحرام ، ويؤيده قراءة من قرأ ﴿أن يعمروا مسجد الله﴾ بالإفراد . 

ولا ضير في التعبير بالجمع والمقصود الأصيل بيان حكم فرد خاص من أفراده لأن الملاك عام ، والتعليل الوارد في الآية غير مقيد بخصوص المسجد الحرام فالكلام في معنى : ما كان لهم أن يعمروا المسجد الحرام لأنه مسجد والمساجد من شأنها ذلك . 

وقوله : ﴿شاهدين على أنفسهم بالكفر﴾ المراد بالشهادة أداؤها وهو الاعتراف إما قولا كمن يعترف بالكفر لفظا ، وإما فعلا كمن يعبد الأصنام ويتظاهر بكفره فكل ذلك من الشهادة والملاك واحد . 

فمعنى الآية : لا يحق ولا يجوز للمشركين أن يرموا ما استرم من المسجد الحرام كسائر مساجد الله والحال أنهم معترفون بالكفر بدلالة قولهم أو فعلهم . 

قوله تعالى : ﴿أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون﴾ في مقام التعليل لما أفيد من الحكم في قوله : ﴿ما كان﴾ إلخ ولذلك جيء به بالفصل دون الوصل . 

والمراد بالجملة الأولى بيان بطلان الأثر وارتفاعه عن أعمالهم ، والعمل إنما يؤتى به للتوسل به إلى أثر مطلوب ، وإذ كانت أعمالهم حابطة لا أثر لها لم يكن ما يجوز لهم الإتيان بها ، والأعمال العبادية كعمارة مساجد الله إنما تقصد لما يطمع فيه ويرجى من أثرها وهو السعادة والجنة ، والعمل الحابط لا يتعقب سعادة ولا جنة البتة . 

والمراد بالجملة الثانية بيان ظرفهم الذي يستقرون فيه لو لا السعادة والجنة وهو النار فكأنه قيل : أولئك لا يهديهم أعمالهم العبادية إلى الجنة بل هم في النار الخالدة ، ولا تفيد لهم سعادة بل هم في الشقاوة المؤبدة . 

وفي الآية دلالة على أصلين لطيفين من أصول التشريع : أحدهما : أن تشريع الجواز بالمعنى الأعم الشامل للواجبات والمستحبات والمباحات يتوقف على أثر في الفعل ينتفع به فاعله فلا لغو مشروعا في الدين ، وهذا أصل يؤيده العقل ، وهو منطبق على الناموس الجاري في الكون : أن لا فعل إلا لنفع عائد إلى فاعله . 

وثانيهما : أن الجواز في جميع موارده مسبوق بحق مجعول من الله لفاعله في أن يأتي بالفعل من غير مانع . 

قوله تعالى : ﴿إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر﴾ الآية السياق كاشف عن أن الحصر من قبيل قصر الإفراد كان متوهما يتوهم أن للمشركين والمؤمنين جميعا أن يعمروا مساجد الله فأفرد وقصر ذلك في المؤمنين ، ولازم ذلك أن يكون المراد بقوله : ﴿يعمر﴾ إنشاء الحق والجواز في صورة الإخبار دون الإخبار ، وهو ظاهر . 

وقد اشترط سبحانه في ثبوت حق العمارة وجوازها أن يتصف العامر بالإيمان بالله واليوم الآخر قبال ما نفى عن المشركين أن يكون لهم ذلك ولم يقنع بالإيمان بالله وحده لأن المشركين يذعنون به تعالى بل شفع ذلك بالإيمان باليوم الآخر لأن المشركين ما كانوا مؤمنين به ، وبذلك يختص حق العمارة وجوازها بأهل الدين السماوي من المؤمنين . 

ولم يقنع بذلك أيضا بل ألحق به قوله : ﴿وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله﴾ لأن المقام مقام بيان من ينتفع بعمله فيحق له بذلك أن يقترفه ، ومن كان تاركا للفروع المشروعة في الدين وخاصة الركنين : الصلاة والزكاة فهو كافر بآيات الله لا ينفعه مجرد الإيمان بالله واليوم الآخر وإن كان مسلما ، إذا لم ينكرها بلسانه ، ولو أنكرها بلسانه أيضا كان كافرا غير مسلم . 

وقد خص من بينها الصلاة والزكاة بالذكر لكونهما الركنين الذين لا غنى عنهما في حال من الأحوال . 

وبما ذكرنا من اقتضاء المقام يظهر أن المراد بقوله : ﴿ولم يخش إلا الله﴾ الخشية الدينية وهي العبادة دون الخشية الغريزية التي لا يسلم منها إلا المقربون من أولياء الله كالأنبياء قال تعالى : ﴿الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله﴾ [الأحزاب : 39] . 

والوجه في التكنية عن العبادة بالخشية أن الأعرف عند الإنسان من علل اتخاذ الإله للعبادة الخوف من سخطه أو الرجاء لرحمته ورجاء الرحمة ، أيضا يعود بوجه إلى الخوف من انقطاعها وهو السخط فمن عبد الله سبحانه أو عبد شيئا من الأصنام فقد دعاه إلى ذلك أما الخوف من شمول سخطه أو الخوف من انقطاع نعمته ورحمته فالعبادة ممثلة للخوف والخشية مصداق لها لتمثيلها إياها ، وبينهما حالة الاستلزام ، ولذلك كني بها عنها ، فالمعنى - والله أعلم - ولم يعبد أحدا من دون الله من الآلهة .

 وقوله : ﴿فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين﴾ أي أولئك الذين آمنوا بالله واليوم الآخر ولم يعبدوا أحدا غير الله سبحانه يرجى في حقهم أن يكونوا من المهتدين ، وهذا الرجاء قائم بأنفسهم أو بأنفس المخاطبين بالآية ، وأما هو تعالى فمن المستحيل أن يقوم به الرجاء الذي لا يتم إلا مع الجهل بتحقق الأمر المرجو الحصول . 

وإنما أخذ الاهتداء مرجو الحصول لا محقق الوقوع مع أن من آمن بالله واليوم الآخر حقيقة وحققه أعماله العبادية فقد اهتدى حقيقة لأن حصول الاهتداء مرة أو مرات لا يستوجب كون العامل من المهتدين ، واستقرار صفة الاهتداء ولزومها له ، فالتلبس بالفعل الواقع مرة أو مرات غير التلبس بالصفة اللازمة فأولئك حصول الاهتداء لهم محقق ، وأما حصول صفة المهتدين فهو مرجو التحقق لا محقق . 

وقد تحصل من الآية أن عمارة المساجد لا تحق ولا تجوز لغير المسلم أما المشركون فلعدم إيمانهم بالله واليوم الآخر ، وأما أهل الكتاب فلأن القرآن لا يعد إيمانهم بالله إيمانا قال تعالى : ﴿إن الذين يكفرون بالله ورسله ويريدون أن يفرقوا بين الله ورسله ويقولون نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا﴾ [النساء : 151] ، وقال أيضا في آية 29 من السورة : ﴿قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب﴾ الآية .

________________________

تفسير الميزان ، ج9 ، ص 132-168 .

 

تفسير الأمثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه الآيات (1) :

 

قال تعالى : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التوبة : 16] .

في هذه الآية ترغيب للمسلمين في الجهاد عن طريق آخر ، حيث تحمّل الآية المسلمين مسئولية ذات عب‏ء كبير ، وهي أنّه لا ينبغي أن تتصوروا أن كلّ شي‏ء سيكون تامّا بادعائكم الإيمان فحسب ، بل يتجلى صدق النيّة وصدق القول والإيمان الواقعي في قتالكم الأعداء قتالا خالصا من أي نوع من أنواع النفاق.

فتقول الآية أوّلا : {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا ولَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ ولَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ ولا رَسُولِهِ ولَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} «2» .

و«الوليجة» مشتقة من «الولوج» ومعناه الدخول ، وتطلق الوليجة على من‏ يعتمد عليه في الأسرار ومعناها يشبه معنى البطانة تقريبا.

وفي الحقيقة فإنّ الجملة المتقدمة تنّبه المسلمين إلى أنّ الأعمال لا تكمل بإظهار الإيمان فحسب ، ولا تتجلى شخصية الأشخاص بذلك ، بل يعرف الناس باختبارهم عن طريقين :

الأوّل : الجهاد في سبيل اللّه لغرض محو آثار الشرك والوثنية .

الثاني : ترك أية علاقة أو أي تعاون مع المنافقين والأعداء .

فالأوّل لدفع العدو الخارجي ، والثّاني يحصّن المجتمع من خطر العدو الداخلي .

وجملة {لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ‏} التي قد يلاحظ نظيرها في بعض آيات القرآن الأخر ، تعني أن أمركم لم يتحقق بعد ، وبتعبير آخر : إنّ نفي العلم هنا معناه نفي المعلوم ، ويستعمل مثل هذا التعبير في مواطن التأكيد . وإلّا فإنّ اللّه- طبقا للأدلة العقلية وصحيح آيات القرآن الكثيرة- كان عالما بكل شيء ، وسيبقى عالما بكل شيء .

وهذه الآية تشبه الآية الأولى من سورة العنكبوت ، إذ تقول : {الم* أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وهُمْ لا يُفْتَنُونَ} ‏.

وكما ذكرنا آنفا في تفسيرنا لسورة آل عمران أنّ اختبار اللّه لعباده ليس لكشف أمر مجهول عنده ، بل هو لتربيتهم ولأجل إنّما الاستعدادات وتجلّي الأسرار الداخلية في الناس .

وتختتم الآية بما يدلّ على الإخطار والتأكيد {واللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ‏} .

فلا ينبغي أن يتصور أحدّ أنّ اللّه لا يعرف العلائق السرّية بين بعض الأفراد وبين المنافقين ، بل يعرف كل شيء جيدا وهو خبير بالأعمال كلها .

ويستفاد من سياق الآية أن بين المسلمين يومئذ من كان حديث العهد بالإسلام ولم يكن على استعداد للجهاد ، فيشمله هذا الكلام أمّا المجاهدون الصادقون فقد بيّنوا مواقفهم في سوح الجهاد مرارا .

 

- {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة : 16 - 18] .

 

من يعمر مساجد اللّه ؟

من جملة المسائل التي يمكن أن تخالط أذهان البعض بعد إلغاء عهد المشركين وحكم الجهاد ، هو : لم نبعد هذه الجماعة العظيمة من المشركين عن المسجد الحرام لأداء مناسك الحج ، مع أنّ مساهمتهم في هذه المراسم عمارة للمسجد من جميع الوجوه «المادية والمعنوية» إذ يستفاد من إعاناتهم المهمّة لبناء المسجد الحرام ، كما يكون لوجودهم أثر معنوي في زيادة الحاجّ والطائفين حول الكعبة المشرفة وبيت اللّه.

فالآيتان- محل البحث- تردّان على مثل هذه الأفكار الواهية التي لا أساس‏ لها ، وتصرّح الآية الأولى منهما بالقول : {ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ شاهِدِينَ عَلى‏ أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ} .

وشهادتهم على كفرهم جلية من خلال أحاديثهم وو أعمالهم ، بل هي واضحة في طريقة عبادتهم ومراسم حجّهم .

ثمّ تشير الآية إلى فلسفة هذا الحكم فتقول : {أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ‏} .

ولذلك فهي لا تجديهم نفعا : {وفِي النَّارِ هُمْ خالِدُونَ} ‏.

فمع هذه الحال لا خير في مساعيهم لعمارة المسجد الحرام وبنائه وما إلى ذلك ، كما لا فائدة من كثرتهم واحتشادهم حول الكعبة.

فاللّه طاهر منزّه ، وينبغي أن يكون بيته طاهرا منزّها كذلك ، فلا يصح أن تمسه الأيدي الملوثة بالشرك.

أمّا الآية التّالية فتذكر شروط عمارة المسجد الحرام- إكمالا للحديث آنف الذكر- فتبيّن خمسة شروط مهمّة في هذا الصدد ، فتقول ، {إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ}.

وهذا النص إشارة إلى الشرطين الأوّل والثّاني ، اللذين يمثلان الأساس العقائدي ، فما لم يتوفر هذان الشرطان لا يصدر من الإنسان أي عمل خالص نزيه ، بل لو كان عمله في الظاهر سليما فهو في الباطن ملّوث بأنواع الأغراض غير المشروعة.

ثمّ تشير الآية إلى الشرطين الثّالث والرّابع فتقول : {وأَقامَ الصَّلاةَ وآتَى الزَّكاةَ} .

أي أن الإيمان باللّه واليوم الآخر لا يكفي أن يكون مجرّد ادعاء فحسب ، بل تؤيده الأعمال الكريمة ، فعلاقة الإنسان باللّه ينبغي أن تكون قوية محكمة ، وأن يؤدي صلاته بإخلاص ، كما ينبغي أن تكون علاقته بعباد اللّه وخلقه قوية ، فيؤدي الزكاة إليهم.

وتشير الآية إلى الشرط الخامس والأخير فتقول : {ولَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ‏} .

فقلبه ملي‏ء بعشق اللّه ، ولا يحسّ إلّا بالمسؤولية في امتثال أمره ولا يرى لأحد من عبيده أثرا في مصيره ومصير مجتمعه وتقدمه ، هم أقل من أن يكون لهم أثر في عمارة محل للعبادة.

ثمّ تضيف الآية معقبة بالقول : {فَعَسى‏ أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ‏} فيبلغون أهدافهم ويسعون لعمارة المسجد.

___________________________

1. تفسير الأمثل ، ج5 ، ص 167-170 .

2. «أم» حرف عطف ويعطف بها جملة استفهامية على جملة استفهامية أخرى ، ولهذا فهي تعطي معنى الاستفهام ، غاية ما في الأمر أنّها تأتي بعد جملة استفهامية دائما ، وفي الآية محل البحث عطفت على الجملة «ألا تقاتلون» التي بدئت بها الآية (13) .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .