المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



الحمّاني العلويّ  
  
1755   04:49 مساءً   التاريخ: 14-7-2019
المؤلف : د .شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة : 393ـ396
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-12-2015 6646
التاريخ: 29-06-2015 2464
التاريخ: 22-2-2018 3508
التاريخ: 25-06-2015 2383

 

الحمّاني العلويّ (1)

سمي الحمّاني نسبة إلى حي بالكوفة نشأ وعاش فيه؛ وهو علي بن محمد بن جعفر العلوىّ، خرج أبوه محمد الملقب بالديباجة في المدينة لأوائل عصر المأمون قبل تحوله من خراسان إلى بغداد، غير أن ثورته ضد العباسيين لم تنجح، وحمل إلى بغداد، ونفي منها إلى خراسان، فنزل بساحة المأمون هناك، وسرعان ما وافاه الموت ويقال إنه لما حمل الرجال نعشه دخل المأمون بين عموديه، فاشترك في حمله حتى نزوله في لحده، وكان مما قال: هذه رحم مجفوّة منذ مائتي سنة.

وانتقلت أسرة الديباجة بعده إلى الكوفة، وبها نشأ ابنه علي، وعنيت الأم والأسرة بتثقيفه، فلم يحسن صنع الشعر فحسب، بل أحسن صنوفا من الآداب وعلوم الشريعة، مما جعل العلويين في تلك البلدة يختارونه نقيبهم ومدرّسهم ولسانهم، كما يقول المسعودي. ونمى إلى المتوكل أن في داره سلاحا وأن الشيعة يجتمعون عنده، وقيعة فيه من بعض حساده، فوجّه إليه جندا اقتحموا عليه داره فجأة، فوجدوه يتعبّد ربه في غرفة مغلقة مرتديا ثوبا بسيطا من الصوف،

ص393

ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى، وهو يتلو القرآن مترنما بآية. فحملوه إلى المتوكل ووصفوا له ما يعيش فيه من شظف، فرقّ له، وسأله: ما يقول آل بيتك في العباس بن عبد المطلب (جد العباسيين)، فأجابه بقوله: وما يقول آل بيتي يا أمير المؤمنين في رجل افترض الله طاعة نبيه على خلقه وافترض طاعته على نبيه؟ ولان قلب التوكل له فأمر بإعطائه أربعة آلاف دينار، وقيل بل مائة ألف درهم. ولم يرد الحمّاني في إجابته ظاهرها من طاعة العباس على نبيه كما يتضح في الشطر الثاني من الجواب، وإنما أراد طاعة الله على نبيه.

ومرّ بنا أن الشعراء أكثروا في عصر المتوكل من ذمّ العلويين إرضاء له، وكان من أكثرهم قدحا في علي و آله علي بن الجهم وكان ينتسب إلى بنى سامة بن لؤىّ القرشيين، وافتخر مرارا بهذا النسب في أشعاره، وكان طبيعيّا أن لا يسكت الحمّاني على هذا القدح، وخاصة أنه تتداوله الألسنة وتعمل بغداد على نشره، فطعن علي بن الجهم طعنة بطعنات، ولكن لا بالقدح في خلقه وعرضه على عادة الشعراء في عصره، وإنما بالقدح في نسبه إلى سامة، فهو ليس من أحفاده، وبالتالي ليس قرشيّا ولا فيه من القرشية شيء يقول:

وسامة منّا فأما بنوه … فأمرهم عندنا مظلم

أناس أتونا بأنسابهم … خرافة مضطجع يحلم

وعرف علي بن الجهم له فضله وحقه وحق أسرته العلوية، فلم ينبس ببنت شفة واجدا عليه ولا هاجيا، وإنما اكتفى بأبيات ينوّه فيها بفضله، ويعترف له فيها بحقه وحقوق بيته.

وقد حزن الحمّاني حزنا شديدا على ابن عمه يحيى بن عمر حين خرج لعهد المستعين داعيا لنفسه بالخلافة، وقتل دون أمنيته، وحدث أن الحسن بن إسماعيل قائد الجيش الذي نكّل به دخل الكوفة عقب انتصاره مهدّدا متوعدا، ولم يمض الحماني للسلام عليه، وكان الوحيد الذي تخلّف من العلويين عن لقائه، ولا حظ ذلك الحسن بن إسماعيل، فبعث إليه بجماعة أحضروه حتى إذا دخل مجلسه أظهر شجاعة

ص394

وجلدا وأنه لا يخشى سطوة القائد، ولم يلبث أن أنشده:

قتلت أعزّ من ركب المطايا … وجئتك أستلينك في الكلام

وعزّ علىّ أن ألقاك إلا … وفيما بيننا حدّ الحسام

وهو موقف كريم إذ لم يتملق القائد كما كان يظن ولا داراه، بل جاهره بما في نفسه دون خوف أو وجل. وله مراث كثيرة في يحيى، يبكيه فيها ويندبه، ويصور أنه مات موتا كريما، موت البطل الشجاع الذي لا يرهب الموت بل يلقاه في قوة وصلابة مهما ادلهمت الخطوب من حوله، ومهما أظلمت الدنيا في عينيه، حتى لتهول بطولته خصومه، وحتى ليطلبون لقبره السّقيا وله الرحمة، يقول:

فإن يك يحيى أدرك الحتف يومه … فما مات حتى مات وهو كريم

وما مات حتى قال طلاّب روحه … سقى الله يحيى إنه لصميم

ويصوّر في مراثيه له مأساة البيت العلوي وأن أفراده دائما بين قتيل وجريح.

وللحمّاني مراث كثيرة-بجانب مراثيه لابن عمه يحيى-في أهله، وفي أخيه لأمه إسماعيل وهو لا يرثى فيه الأخ والرحم القريبة فقط، بل أيضا يرثى الصديق شقيق النفس والروح، ويتفجّع عليه تفجّعا شديدا بمثل قوله:

هذا ابن أمي عديل الروح في جسدي … شقّ الزمان به قلبي إلى كبدي

من لي بمثلك يا روح الحياة ويا … يمنى يدىّ التي شلّت من العضد

قد ذقت أنواع ثكل أنت أبلغها … على القلوب وأخناها على الجلد

فاليوم لم يبق شيء أستريح له … إلا تفتّت أحشائي من الكمد

قل للرّدى لا يغادر بعده أحدا … وللمنيّة من أحببت فاعتمدي

إن السرور تقضّى بعد فرقته … وآذن العيش بالتكدير والنّكد

والمرثية مؤثرة وهي سيل من الدموع والزفرات والأنين الموجع. وللحمّاني

 

ص 395

غزليات كثيرة تتداولها بعض كتب الأدب وهي تنمّ على شعور رقيق وخيال خصب من مثل قوله:

متى أرتجي يوما شفاء من الضّنا … إذا كان جانيه علىّ طبيبي

وله فخر يتحدث فيه عن آبائه. ويصوّر سمو نفسه وارتفاعها عن النقائص، كما يصور كبر همته وأنها ملء قلبه بل أكبر من قلبه، يقول:

قلبي نظير الجبل الصعب … وهمتي أكبر من قلبي

فاستخر الله وخذ مرهفا … وافتك بأهل الشرق والغرب

ولا تمت إن حضرت ميتة … حتى تميت السيف بالضرب

وهو ممن أكثروا من ذم الشيب وكراهته، وصوّر ذلك في أشعار كثيرة كأن نراه يكره الشيب ويكره مفارقته لأنها تعنى فقده للحياة، وكأنه-على بغضه له-يود أن لا يفارقه، يقول:

بكى للشيب ثم بكى عليه … فكان أعزّ فقدا من شباب

فقل للشيب لا تبرح حميدا … إذا نادى شبابك بالذهاب

وبجانب ذمه للشيب يأسى كثيرا على الشباب وأيام لهوه ومتاعه بالنظر إلى الغانيات فقد ضل ذلك منه، أضله الشيب، وهل من غانية تنظر إلى شيخ فان، يقول:

لقد كنت تملك ألحاظهنّ … فصرن يعرنك لحظا معارا

وأصبحن أعقبن بعد الوداد … بعادا وبعد السكون النّفارا

وله وصف كثير في سرى الليل وفي اعتساف الفلوات بالإبل والخيل نجد منه مقتطفات في كتب الشعر، ومن طريف نعته لطول الليل وسكونه وجثومه على الكون دون أي حركة قوله:

كأن نجوم الليل سارت نهارها … ووافت عشاء وهى أنضاء أسفار

فخّمن حتى تستريح ركابها … فلا فلك جار ولا كوكب سار

ص396

وكان يكثر من ذكر المنازل والديار، وله قصيدة بديعة يتحدث فيها عن المنازل القريبة من الكوفة مثل آثار قصري الخورنق والسّدير، وكانا من قصور الحيرة، وديارات الأساقف المطلة على نهر الغدير هناك وما حول هذه المنازل من رياض نضرة ترفّ فيها الأنوار والأزهار، ومن قوله في تلك القصيدة:

كم وقفة لك بالخور … نق لا توازى بالمواقف

بين الغدير إلى السّدي‍ … ر إلى ديارات الأساقف

دمن كأن رياضها … يكسين أعلام المطارف

تلقى أوائلها أوا … خرها بألوان الزخارف

وواضح من هذه الأشعار التي وقفنا عندها للحماني أنه كان شاعرا مجيدا، فعنده كثير من الخواطر والأخيلة البارعة، وبالغ بعض الشيعة المتحمسين له فقالوا إنه كان أشعر شعراء قرنه. وقد توفى سنة 260 للهجرة.

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في الحماني وأشعاره مروج الذهب 4/ 29، 65 ومقاتل الطالبيين ص 662 وكتاب الزهرة نشر نيكل طبع بيروت سنة 1932 (انظر الفهرس) وكتاب الديارات ص 237 والمختار من شعر بشار للخالديين ص 16، 251 وديوان المعاني 1/ 109، 2/ 658 .





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.