المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
دين الله ولاية المهدي
2024-11-02
الميثاق على الانبياء الايمان والنصرة
2024-11-02
ما ادعى نبي قط الربوبية
2024-11-02
وقت العشاء
2024-11-02
نوافل شهر رمضان
2024-11-02
مواقيت الصلاة
2024-11-02

تثبيت النتروجين تكافلياً Symbiotic Nitrogen Fixation
20-5-2020
فتح الخلايا وفحص الطوائف
7-6-2016
اهمية التمور كمضادات للأكسدة
13-12-2015
تأثير تصغير مقاييس الحبيبات على خواص المادة
2023-11-21
trochee (n.)
2023-12-01
التماثل في شكل الحيود Diffraction Symmetry
2023-09-25


إبراهيم بن العباس بن محمد الصولي  
  
3161   03:58 مساءً   التاريخ: 6-7-2019
المؤلف : د .شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : تاريخ الأدب العربي ـالعصر العباسي الثاني
الجزء والصفحة : ص :575ـ587
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015 2104
التاريخ: 29-12-2015 1758
التاريخ: 24-7-2016 2730
التاريخ: 27-1-2016 3496

 

إبراهيم (1) بن العباس بن محمد الصولي

كان جده صول حاكما لجرجان مع أخيه فيروز، وكانا تركيين يدينان بالمجوسية ويتشبّهان بالفرس، ودخل صول الإسلام على يد يزيد بن المهلب والى خراسان للحجاج، وأصبح من خاصّته، حتى إذا ثار يزيد على بني أمية في مطالع القرن الثاني الهجري حارب تحت لوائه حتى قتل معه في موقعة العقر بالقرب من الكوفة. وكان ابنه محمد من رجال الدولة العباسية ودعاتها، ونشأ له ابنه العباس في ظلال تلك الدولة، ورزق ولدين: عبد الله وإبراهيم، وكان عبد الله أكبر سنّا من أخيه. وقد ولد إبراهيم سنة 176 للهجرة، وقيل بل سنة 167 ويقول مترجموه إن أمه كانت أخت العباس بن الأحنف الشاعر المشهور، وكأنه هو وأخاه تأدّبا عليه في باكورة حياتهما، كما تأدبا على ابن عمهما عمرو بن مسعدة الكاتب المشهور في عصر المأمون. ومن المؤكد أن إبراهيم لزم-على عادة لداته-حلقات العلماء والشعراء حتى أصبح يتقن العربية، وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة. وكان أخوه عبد الله سبقه إلى العمل مع ابن عمه عمرو بن مسعدة في دواوين الفضل بن سهل الملقب بذي الرياستين وزير المأمون، حين كانا لا يزالان في مرو قبل تحول المأمون

ص575

إلى بغداد. ويبدو أن إبراهيم أراد الالتحاق بأخيه وابن عمه وعملهما، فرحل إليهما، وتصادف حين وصوله أن كان المأمون قد عهد بالخلافة من بعده إلى على بن موسى الرّضا. ويمدح إبراهيم ولى العهد الجديد، ويهبه عشرة آلاف درهم من دراهم كانت ضربت باسمه، ويقال إنه احتفظ بها وجعل منها مهور نسائه، وأبقى بعضها لكفنه فيما بعد وجهازه إلى قبره (2). وألحقه الفضل بن سهل بدواوينه، ومن حينئذ ظلّ يعمل في الدواوين إلى أن توفى سنة 243 وهو على ديوان النفقات والضياع للمتوكل، ويقول صاحب الفهرست: «كان إليه ديوان الرسائل في مدة جماعة من الخلفاء» (3).

وقد ترك الدواوين مدة قصيرة لعهد الواثق جرّت عليه بلاء عظيما، ذلك أن ابن الزيات الوزير-وكان صديقا له-ولاّه على معونة الأهواز وخراجها، ثم تنكّر له، فوجّه إليه بمحاسب كبير يسمى أبا الجهم ليكشفه، فتحامل عليه تحاملا شديدا، وقال إن أموالا كثيرة لم تؤدّ إلى بيت الخراج، وغضب ابن الزيات، وأمر بعزله واعتقاله في ولايته. وكانت محنة كبيرة لإبراهيم لم يبل فيها صديقه ابن الزيات وحده، بل بلا فيها كثيرا من الأصدقاء ومن كانوا يظهرون له المودة، إذ قلبت له منهم جماعة ظهر المجنّ مثل أحمد بن المدبر، الذى كان يوغر صدر ابن الزيات عليه ويحثه على محاسبة عمّاله واستخراج الأموال منهم، مما جعله يزهد فيما بعد في صحبة الإخوان والرفقاء وكان إذا سئل في ذلك قال: «ما مثل الإخوان إلا كمثل النار قليلها مقنع وكثيرها محرق أو قليلها متاع وكثيرها بوار». ولعل ذلك ما جعله ينظم أشعارا كثيرة في الصداقة والصديق، كأنما يريد أن يرسم واجباتها ومسئولياتها. ولم يعدم بعض الإخوان الذين كانوا يشفعون له عند ابن الزيات وهو ماض في النكاية به، وقد كتب إليه شعرا ونثرا كثيرا يستعطفه، ومن أطرف ما كتب له هذه الرسالة (4):

«كتبت إليك وقد بلغت المدية المحزّ، وعدت الأيام بك علىّ بعد عدوى بك عليها، وكان أسوأ ظني وأكثر خوفي أن تسكن في وقت حركتها،

ص576

وتكفّ عند أذاها، فصرت علىّ أضرّ منها، وكفّ الصديق عن نصرتي وبادر إلىّ العدوّ تقرّبا إليك. وكتب تحت ذلك:

أخ بيني وبين الدّه‍ … ر صاحب أيّنا غلبا

صديقي ما استقام فإن … نبا دهر علىّ نبا

وثبت على الزمان به … فعاد به وقد وثبا

ولو عاد الزمان لنا … لعاد به أخا حدبا»

والرسالة توضّح شخصيته الأدبية فهو كاتب شاعر، ويقول المسعودي: «كان كاتبا بليغا وشاعرا مجيدا، لا يعلم فيمن تقدم وتأخر من الكتّاب أشعر منه» (5).

ويقول ابن الجرّاح في كتابه الورقة: «أشعر نظرائه الكتّاب وأرقهم لسانا، وأشعاره قصار ثلاثة أبيات ونحوها إلى العشرة، وهو أنعت الناس للزمان وأهله غير مدافع» (6) ويقول أبو الفرج الأصبهاني: «كان يقول الشعر ثم يختاره، ويسقط رذله، ثم يسقط الوسط، ثم يسقط ما سبق إليه، فلا يدع من القصيدة إلا اليسير، وربما لم يدع منها إلا بيتا أو بيتين» (7). وشعره مقطوعات حقّا، ولكنها مقطوعات ترقى إلى مرتبة رفيعة في البلاغة، مثلها مثل هذه الرسالة القصيرة التي كتب بها لابن الزيات راجيا أن يخلصه من محنته، فكل كلمة فيها قد اختارها ذوق أدبى مصفّى، وكل عبارة قد أحكمت، أحكمتها يد صناع، فالمدية قد بلغت المحز كناية عن بلوغ المحنة الحد الأقصى، والأيام تعدو بابن الزيات عليه بعد أن كان يعدو به عليها، لقد كان ينتصر به عليها، فإذا هي تقهره به، وما أدق قوله له في رسالة أخرى (8):

وكنت أعدّك للنائبات … فها أنا أطلب منك الأمانا

فناصره أصبح قاهره. ويتوالى الطباق في الرسالة، فالسكون يقابل الحركة والكف يقابل المبادرة والصديق يقابل العدو. وظل ابن الزيات لا يعفو عنه، حتى بلغ منه كل مكروه، ثم عرف الواثق تحامله عليه وأنه مظلوم فيما نسبه إليه

ص577

أبو الجهم، فأمر ابن الزيات بردّ حربته إليه وانتظامه في حاشيته وبلاطه مصونا، فبسط لسانه في غريمه ونظم فيه أشعارا كثيرة ذامّا هاجيا. وقد يكون ما حدث بينه وبين ابن الزيات هو الذى جعل المتوكل يقرّبه منه منذ أول عهده بالخلافة، فقد كان بدوره ينقم على ابن الزيات أشياء كثيرة، فلم يكد يتقلّد الخلافة حتى صادر أمواله، وعذبه في تنّور ملئ بمسامير من الحديد حتى مات.

وأصبح إبراهيم بن العباس حظيّا عند المتوكل، فقلّده ديوان رسائله ودواوين مختلفة، وظل حتى وفاته يكتب عن المتوكل كل الكتب التي تصدر عنه، سواء أكانت منشورات أم عهودا لأولياء العهد أم فتوحا أم تهنئات بالأعياد أم تعازى باسم الخليفة، وأحيانا ينصّ الطبري أن هذا الكتاب أو ذاك من إنشائه، وأحيانا لا ينص. ومن أوائل ما كتب له المنثور الموجّه إلى عمّاله في الآفاق بشأن النصارى وأهل الذمة وأخذهم بلبس الطّيالسة والزّنانير، مما عرضنا له في غير هذا الموضع، وهو يستهله على هذه الشاكلة (9):

«بسم الله الرحمن الرحيم، أما بعد فإن الله تبارك وتعالى بعزّته التي لا تحاول وقدرته على ما يريد، اصطفى الإسلام، فرضيه لنفسه، وأكرم به ملائكته، وبعث به رسله، وأيّد به أولياءه، وكنفه بالبرّ، وحاطه بالنصر، وحرسه من العاهة، وأظهره على الأديان، مبرّأ من الشبهات، معصوما من الآفات، محوّا بمناقب الخير، مخصوصا من الشرائع بأطهرها وأفضلها، ومن الفرائض بأزكاها وأشرفها، ومن الأحكام بأعدلها، ومن الأعمال بأحسنها وأقصدها، وأكرم أهله بما أحلّ لهم من حلاله، وحرّم عليهم من حرامه، وبيّن لهم من شرائعه وأحكامه، وحدّ لهم من حدوده ومناهجه، وأعدّ لهم من سعة جزائه وثوابه، فقال في كتابه فيما أمر به ونهى عنه، وفيما حضّ عليه فيه ووعظ: {(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)»}.

وواضح من هذا الاستهلال للمنشور مدى ما كان يأخذ به إبراهيم بن العباس نفسه من الاحتفال بصناعة الكلام. فهو لا يكتب ما يرد على ذهنه عفوا،

ص578

بل هو يفكر فيما يكتب. ويختار له الألفاظ الجزلة الناصعة محدتا بينها ضروبا من التلاؤم بحيث يبدو كلامه مقطّعا، وإن لم يتخذ شكل تقطيع السجع، وهو بذلك أقرب إلى ذوق أسلوب الازدواج الذى يوازن بين العبارات دون أن يحيلها سجعا وتنميقا خالصين. وكان من أحداث خلافة المتوكل ثورة إسحق بن إسماعيل في شمالي أرمينية وإحراقه لمدينة تفليس سنة 238 وقد نازلته جيوش المتوكل، وهزمته هزيمة ساحقة، وأخذ أسيرا، فضربت عنقه وصلبت جثته وحمل رأسه إلى سامرّاء. ولإبراهيم بن العباس رسالة في هذا الفتح نوّه بها القدماء، وفيها يقول (10):

«قسّم الله عدوّه أقساما ثلاثة: روحا معجّلة إلى عذاب الله، وجثّة منصوبة لأولياء الله، ورأسا منقولا إلى دار خلافة الله، استنزلوه من معقل إلى عقال (أغلال) وبدّلوه آجالا من آمال، وقديما غذّت المعصية أبناءها، فحلبت عليهم من درّها (لبنها) مرضعة، وبسطت لهم من أمانيها مطمعة، وركبت بهم مخاطرها موضعة (مسرعة) حتى إذا وثقوا فأمنوا، وركبوا فاطمأنوا، وانقضى رضاع وآن فطام، سقتهم سمّا، ففجّرت مجارى ألبانها منها دما، وأعقبتهم من حلو غذائها مرّا، ونقلتهم من عز إلى ذل، ومن فرحة إلى ترحة، ومن مسرّة إلى حسرة، قتلا وأسرا، وغلبة وقسرا، وقلّ من أوضع (أسرع) في الفتنة مرهجا (مثيرا) واقتحم لهبها مؤجّجا، إلا استلحمته (تبعته) آخذة بمخنّقه (بحلقه) وموهنة بالحق كيده حتى جعلته لعاجله جزرا، ولآجله حطبا، وللحق موعظة، وعن الباطل مزجرة، أولئك لهم خزى في الدنيا، ولعذاب الآخرة أكبر، وما ربك بظلاّم للعبيد».

وبلاغة الصولي التي اشتهر بها واضحة في هذه الرسالة، فهو يعنى بكلامه محمّلا له معانى غزيرة، ومطرفا فيه بكل ما يستطيع من تقسيم على نحو ما صنع أول هذه الفقرة. وهو يضيف إلى ذلك مقابلة بين المعاني تنتهي إلى الطباق، فقد كان إسحق بن إسماعيل في معقل فأصبح في عقال، وكان في آمال وحياة رغدة فأصبح في آجال وموت رهيب. ويضيف إلى ذلك الصور، فقد أرضعتهم

ص579

المعصية من لبنها وأطمعتهم باسطة لهم في الأماني العذاب، وأسرعت بهم مخاطرها. وكل تلك صور متلاصقة. ثم يسوق عبارة كأنها مثل من الأمثال، إذ يقول. انقضى رضاع وآن فطام. والكناية واضحة. وعاد إلى التصوير، وكأنما يريد أن يرسم لوحة ذات خطوط وظلال وأضواء. ويعود إلى الطباق، فيضع الرضاع مع الفطام والمر مع الحلو والذل مع العز والترحة مع الفرحة والحسرة مع المسرة. ثم يعود ثالثة إلى التصوير، وكأنما الفتنة جحيم يتأجج باللهب، وتعمّ حتى لتأخذ بمخنّق كل شخص، وحتى تجعله في دنياه جزرا وقطعا من اللحم تنوشها السباع، أما في الآخرة فتجعله حطبا ووقودا للنار. ويختم الفقرة بآي من القرآن. والطباق اللون البديعي العقلي الذى كان يروع العباسيين يكثر فيها، كما يكثر التصوير، وكأن إبراهيم بن العباس يريد أن يثبت إبداعه باستخدام فنون البديع التي كانت تخلب معاصريه، فهو يبدؤها بالتقسيم، وهو يشيع فيها الجناس كما يشيع الطباق على نحو ما يتضح في مثل: معقل وعقال وآجال وآمال، وفرحة وترحة وأسرا وقسرا وعاجل وآجل. ومضى يوغل في الموازنة بين عباراته، وإذا هو لا يكتفى بما قد يحدث فيها من تقطيعات صوتية، إذ يطلب ازديادا في التلاؤم وفى الجرس، فليس يكفى أن تتقابل العبارات وتتوازن، بل يحسن أن تلتحم نغماتها وإزناناتها، فإذا هو يكثر من السجع وترصيفه. واحتفظت كتب الأدب بتحميده لهذه الرسالة، وهو يمضى فيه على هذا النحو (11):

«الحمد لله معزّ الحق ومديله (ناصره) وقامع الباطل ومزيله، الطالب فلا يفوته من طلب، والغالب فلا يعجزه من غلب، مؤيد خليفته وعبده، وناصر أوليائه وحزبه، الذين أقام بهم دعوته، وأعلى بهم كلمته، وأظهر بهم دينه، وأدال بهم حقّه، وجاهد بهم أعداءه، وأنار بهم سبيله، حمدا يتقبّله ويرضاه، ويوجب أفضل عواقب نصره، وسوابغ نعمائه».

والتحميد يحمل نفس الخصائص المبثوثة في الرسالة، وفيه اتجاه واضح نحو السجع وأن الكاتب يريد أن يلذّ كلامه الأسماع والآذان، كما يلذّ العقول والأذهان، بملا أماته بين الكلمة والكلمة في الجرس، وبما يستخدم من طباقات

ص580

وجناسات وتصويرات مختلفة. ولم تصلنا رسالة الخميس التي كتب بها إلى الولايات المختلفة بتولي المتوكل الخلافة، ولكن وصلنا التحميد الذى وضعه في صدرها على هذا النحو (12):

«أما بعد فالحمد لله الذى جلّت نعمه، وتظاهرت مننه، وتتابعت أياديه، وعمّ إحسانه، إله كل شيء وخالقه، وبارئه ومصوّره، والكائن قبله، والباقي بعده، كما قال في كتابه: {(كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ)} العالي في مشيئته والقاهر فوق عباده المتعالي عن شبه خلقه: {(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)} خلق العباد بقدرته، وهداهم برحمته، وأوضح لهم السبيل إلى معرفته، بما نصب لهم من دلائله، وأراهم من عبره، وصرّفهم فيه من صنعه، كما قال جلّ جلاله: {(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ، ثُمَّ سَوّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ)}. وذلك كله من خلقه إياهم بتمثيله ما مثّل لهم من الدلائل التي نصبها لهم والأعلام التي جعلها إزاء قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم، ويسرّ لهم خواطرهم وفكرهم، والهيئة التي هيّأها لهم، ليقع الأمر والنّهى عليهم، فلا يكلفهم فوق طاقتهم، ولا يجشمهم ما يقصر عنه وسعهم، نظرا منه تبارك وتعالى إليهم، ورحمة بهم، ليؤمنوا به ويعبدوه، فيستحقّوا به رحمته ورضوانه والخلود في النعيم المقيم والظلّ المديد والعيش الدائم، كما قال تعالى ذكره: {(إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ)}. وكان من نظره ورأفته بهم أن بعث فيهم أنبياءه ورسله، يدعونهم إلى طاعته، ويبينون لهم هداه، ويوضّحون لهم سبيله، ويهدونهم إلى رحمته، ويعدونهم ثوابه، وينذرونهم عقابه، ويبسطون لهم توبته، ويحذّرونهم سخطه، ويبينون لهم سننه وشرائعه، ويكشنون لهم مواعظه، ويعلّمونهم كتابه وحكمته، كما قال تبارك وتعالى:

{(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)} وكان من رأفته بهم ونظره لهم أن بعثهم إليهم بالحجج الظاهرة، والأعلام البيّنة، والشواهد الناطقة التي أظهر بها صدقهم، وأقام بها

ص581

برهانهم، وأوضح بها دليلهم، وأثابهم عمل سواهم ليكون أدعى لهم إلى تصديقهم والقبول عنهم، وأوكد للحجة على من أبى ذلك منهم».

والتحميد يدور على موضوعين أساسيين هما: نعم الله وآلاؤه على الناس إذ بسط لهم الأسباب في الهدى والرشاد، ونعمه أيضا وآلاؤه إذ أرسل لهم الرسل مبشرين ومنذرين. ونراه في مستهل تحميده يشير إلى تنزيه الله عن شبه خلقه، وهو أصل من الأصول الأساسية عند المعتزلة، فهو منزه عن التحيز في جوهر وعرض، لا يدركه حسّ ولا يحيط به خيال، منزه عن كل شبه بالآدميين في خلقهم وصفاتهم. وليس من الضروري أن يكون من المعتزلة، فيكفى أن يكون على صلة بمباحثهم، وهو ما نريد إثباته، فالتحميد كله كأنما كتبه اعتزالي كبير إذ كانوا يتكلمون كثيرا عن تنزيه الله في صفاته وذاته وإبداعه للكون وللإنسان بما يشهد بعظمته وقدرته. وكانوا يستمدون ذلك كله من القرآن وما دعا إليه من التأمل في النظام الكوني وما بثّ الله فيه من آيات تدل على وحدانيته وقدرته الباهرة. ويصوّر القرآن كما في آيات خلق الإنسان التي اقتبسها الصولي كيف أنشأ الله الخلق إنشاء بديعا وكيف أودع فيهم من ملكات السمع والبصر والأفئدة ما يحقق لهم جميع حاجاتهم وكمالاتهم، وإنه لحرى بهم أن يستغلوا هذه الملكات ليستقر في نفوسهم الإيمان بالكائن الأعلى. ويبثّ الصولي هذه الفكرة في الشطر الأول من تحميده.

ويخرج منها إلى الفكرة التي طالما كررها المعتزلة فكرة أنه كان من رحمة الله بالناس أن أرسل إليهم الرسل ليهدوهم إلى طريق الحق والخير، إذ لم يخلقهم عبثا ولا دون غاية سامية، فقد خلقهم ليتّبعوا هداه، وليقع الأمر والنهى عليهم، فكان لا بد لهم من رسل يوضحون لهم سبل الهدى، حتى يعرفوا العمل الصالح وما ينتظرهم في الآخرة من ثواب وعقاب، مبينين لهم السنن والشرائع التي تكفل لهم السعادة في الدارين، وكيف أن من يجور عن الطريق يحق عليه العذاب إلا من تاب وأناب فإن الله غفور رحيم. وقد صاغ إبراهيم بن العباس هذه المعاني في ألفاظه جزلة رصينة، يجرى فيها التقطيع الصوتي الذى ذكرناه آنفا، وإن لم يبلغ مداه في الرسالة السابقة، إذ لم يتحول به إلى إرنانات السجع التي شاعت فيها، وكأنما كان مشغولا هنا عن السجع بالمعاني التي أثارها في تحميده والتي جعلته يتمثل ببعض

 

ص582

 آي الذكر الحكيم. وبالمثل كان مشغولا عن الجناسات والطباقات والصور إلا ما جاء في النادر وعفو الخاطر. ومن تحميداته في أحد الفتوح (13):

«الحمد لله الغالب ذي القدرة، والقاهر ذي العزّة، الذى لم يقابل بالحق باطلا في موطن من مواطن التحاكم بين عباده إلا جعل أولياء الحق منهم حزبه وجنده، وجعل الباطل بهم فلاّ (هزيما) منكوبا، ودحيضا (باطلا) زهوقا إن نهض به أولياؤه كانت مراصد عواقبه مفرّقة ما جمع، ومبتّرة (مستأصلة) ما أعدّ، وقائدة بأشياعه إلى مصرع الظالمين، حتى يكون الحق الطالب الأعزّ والباطل المطلوب الأذلّ، وأولياء الحق الأعلين يدا وأيدا (قوة) وأشياع الضلال الأخسرين أعمالا وكيدا، قضاء الله وسنته، وعادة الله وإرادته، في الفئة المنصورة أن تعزّ فلا ترام، وأن يمكّن لها في الأرض كما مكّن للذين من قبلها، وفى الفئة الناكبة عنه أن تذلّ، فتكون كلمتها السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم».

ونحسّ قدرته على اصطفاء الكلمات في هذا التحميد، ولا نصل إلى قوله:

«وجعل الباطل بهم فلاّ منكوبا ودحيضا زهوقا»، حتى يتجسّد لنا هذا الاصطفاء وأن الكاتب يعنى بالموازنة الدقيقة بين العبارات. ويتضح لنا ذلك أكثر حين نصل إلى قوله: «يكون الحقّ الطالب الأعزّ، والباطل المطلوب الأذلّ، وأولياء الحق الأعلين يدا وأيدا، وأشياع الضلال الأخسرين أعمالا وكيدا» وكأن العبارات توضع في صفوف لا في سطور، لتأخذ كل كلمة بيد أختها، وكأننا في مرقص للكلمات تتشابك فيه أيديها، فكل كلمة توشك أن تمسك بيد أختها في العبارة التالية لعبارتها. فكلمة الحق تتلاقى مع كلمة الباطل، وتتلاقى كلمة الطالب مع كلمة المطلوب وكلمة الأعز مع كلمة الأذل. وبالمثل تتلاقى في العبارتين التاليتين كلمة الحق وكلمة الضلال وكلمة الأعلين يدا وكلمة الأخسرين أعمالا.

فالكلمات في العبارات تتجاذب تجاذبا شديدا، في الصوت والجرس والأداء وفى المعاني المتقابلة المتناقضة، فقد عمّ فيها الطباق وكأنما أحدث بكثرته بينها نوعا من صلة القربى ووشائج الرحم. وانظر كيف وضع إبراهيم بن العباس كلمة «يدا»

 

ص583

بجانب كلمة «أيدا» طلبا للتلاؤم في الجرس الذى قد يخفى أحيانا، وأحيانا يتضح وضوح الشمس في كبد السماء. وفى ذلك ما يدل بوضوح على مدى إحكامه لصنعة الكتابة وقدرته على اختيار اللفظ وانتخابه بحيث يروق اللسان والجنان. وينهى الرسالة باقتباس من القرآن الكريم، ويكثر عنده اصطناعه لبعض ألفاظه المونقة كقوله في هذا التحميد: «الأخسرين أعمالا». ودائما نحس عنده القدرة على استخدام العبارة المطنبة والأخرى المجملة الموجزة، حتى لكأنما يصوغ أمثالا كما أشرنا إلى ذلك آنفا. ومن خير ما يصوّر ذلك عنده رسالة كتب بها لسنة 240 عن المتوكل إلى أهل حمص حين ثاروا على عامل المعونة وقتلوا جماعة من أصحابه وأخرجوا صاحب الخراج من مدينتهم، والرسالة تمضى على هذا النمط (14):

«أما بعد فإن أمير المؤمنين يرى من حق الله عليه، مما قوّم به من أود (عوج) وعدّل به من زيغ، ولمّ به من منتشر، استعمال ثلاث، يقدّم بعضهن على بعض، أولاهنّ ما يتقدّم به من تنبيه وتوقيف، ثم ما يستظهر به من تحذير وتخويف، ثم التي لا يقع حسم الداء بغيرها:

أناة فإن لم تغن عقّب بعدها … وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه»

وقرأ إبراهيم بن العباس الرسالة على المتوكل فملأت نفسه إعجابا، وأومأ إلى وزيره عبيد الله بن يحيى بن خاقان-وكان حاضرا-أما تسمع؟ فقال: يا أمير المؤمنين إن إبراهيم فضيلة خبأها الله لك، وذخيرة ذخرها على دولتك. ويقال إن البيت في هذه الرسالة أول شعر نفذ في كتاب عن الخلفاء العباسيين. والمتوكل إنما أعجب بالرسالة لأن إبراهيم أدّى الغرض الذى كانت تكتب فيه الرسائل الطويلة بأوجز عبارة دون أي تقصير ودون أي إخلال، بل مع الوفاء به إلى أبعد حد.

وكأننا لا نقرأ صيغا متعاقبة في رسالة، وإنما نقرأ حكما وأمثالا، لدنة المعاني ودقة أدائها وصياغتها، وقد أجرى فيها ضروبا من التقطيعات الصوتية، وإن لم تأخذ الصورة النهائية على نحو ما يتضح في أوائلها، ولم يلبث أن أضاف فيها سجعة طريفة، كما أضاف صورة بديعة إذ عبّر عن الحرب بحسم الداء. والكتاب بحق

 

ص584

يصور مرانا طويلا على استخدام الكلام ووضعه في مواضعه، بل قل إنه يصوّر خبرة طويلة امتدت عشرات السنين. ومن طراز هذه الرسالة رسالة أكثر منها قصرا كتب بها في شفاعة إلى أحد أصدقائه يزكّى رجلا يستحق العناية به (15):

«فلان ممن يزكو (ينمو) شكره، ويحسن ذكره، ويعنيني أمره، والصنيعة عنده واقعة موقعها، وسالكة طريقها:

وأفضل ما يأتيه ذو الدّين والحجي … إصابة شكر لم يضع معه أجر»

والرسالة موجزة ولكنها تؤدّى الغرض منها أداء واضحا، وقد استخدم فيها إبراهيم بن العباس السجع، وبلغ من شدة تدقيقه في المعنى أن أخرج البيت الذى ضمّنه الرسالة مخرج الأمثال. وكان كتّاب الرسائل يكتبون في عيدي الفطر والأضحى رسائل إلى الرعية يبشرونهم فيها بسلامة الخلفاء، وقد يوجهونها إلى حكام الولايات ليحمدوا الله على سلامة الخليفة ويذكّروهم واجبهم، من ذلك قوله في رسالة (16):

«أما بعد فإن لكل فرع أصلا، عنه مورده ومستنبطه، وإليه مرجعه وموئله، ومتى رجع من أصول الأمور إلى تأثلها (تأصّلها) وتمكّنها، رجع من فروعها إلى استتبابها واستقامتها. وأفضل ما تدبّره أمور دين الله وخلافته، وحقوق الله وعباده. فكان الأصل وزكاؤه (نماؤه) ما جمع بإذن الله سكون الدّهماء (العامة) وصلاح البيضة (الولاية) وأمن السّرب (الجماعة) وتظاهر النّعم فيما قرب وبعد، ودنا ونأى. . . فافعل ذاك معانا على أمرك».

والترادف والازدواج واضحان في السطور الأولى من الرسالة، فمورده يليها مستنبطه بنفس المعنى، وبالمثل مرجعه تليها موئله، وتأثلها يليها تمكنها، واستتبابها يليها استقامتها. وفى ذلك حرص واضح على إرضاء الأذن، وفى كلامه عن الأصول والفروع ما قد يشير إلى أنه كان مثقفا ثقافة فقهية، وقد جمع الأصول الدالة على حسن الحكم وتدبيره في أربعة: سكون الناس دون إحداث أى فتن أو ثغرات مما يدل على رضاهم عن حاكمهم، وصلاح الولاية في شئونها السياسية والاقتصادية

 

ص585

والإدارية، وأمن الناس على نفوسهم، وظهور النعم عليهم وأنهم لا يعانون البؤس والضنك في الحياة. ويكتب باسم المتوكل وأبنائه تعزيات مختلفة، من ذلك تعزية باسمه إلى طاهر بن عبد الله واليه على خراسان، وفيها يقول (17):

«أما بعد فإن أحقّ من أرضى الله في نعمته بشكره وفى مصائبه بالتسليم له، من فهم ما في شكر النعم من استدعاء تمامها، وما في التذلل للمقادير من استحقاق رضوانه، وقد جعل الله محلّك من الحالتين جميعا محل المتقدم بنيّته ومعرفته. والله يمتع أمير المؤمنين فيك بصالح قسمه فيمن مضى، والجاري على من بقى ويبقى، حتى يؤدّى الفناء الذى لا بقاء معه إلى البقاء الذي لا فناء بعده. وأمير المؤمنين يعظك بالله، وهو أحق من وعظ به، ويرشدك من إيثار الله لما ندبك له منه. . . فقدّم حق الله عليك بطاعتك له فيما أمرك به، واتّق الله في مواقع أقداره بك، تقتض بذلك من ثواب الله أفضل عوض الصالحين».

والرسالة تحمل طائفة من دقائق المعاني، فواجب الإنسان إزاء ربه شكره على نعمه واستسلامه لما ينزل به قضاؤه فإنه بذلك يستحق رضوانه. والله يمتع أمير المؤمنين به حتى يطوف به طائف الفناء الذى لا بقاء معه، والذى ينتقل به إلى البقاء الذى لا فناء بعده. ويقول له: قدّم حق الله عليك بالطاعة له والرضا بقدره، وبذلك تستحق ثوابه، هو خير عوض للراضين المقرّبين. وفى كتب الأدب قطع مختارة لإبراهيم ابن العباس تزخر بالسجع، ويبدو أنه كان يستخدمه أحيانا في جوانب من رسائله مسهبا فيه، على نحو ما نرى في القطعة التالية التي احتفظ بها ياقوت في معجم الأدباء إذ يقول: (18)

«ووجد أعداء الله زخرف باطلهم، وتمويه كذبهم سرابا بقيعة {(يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً)} وكوميض برق عرض فأسرع، ولمع فأطمع، حتى إذا انحسرت (انكشفت) مغاربه، وتشعّبت مولّية مذاهبه، وأيقن راجيه وطالبه، أن لا ملاذ ولا وزر، ولا مورد ولا صدر (صدور) ولا من الحرب مفرّ، هنالك ظهرت عواقب الحق منجية، وخواتم الباطل مردية،

ص586

سنّة الله فيما أزاله وأداله (هزمه) {(وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلاً)} ولا عن قضائه تحويلا».

والقطعة سجع خالص، وتحمل اقتباسات من آي القرآن، وكلماتها منتخبة انتخبها ذوق مرهف، وتجرى فيها الخصائص التي ذكرنا لإبراهيم بن العباس، ففيها الازدواج والتكرار في مثل: «زخرف باطلهم وتمويه كذبهم»، ومثل «أزاله وأداله»، وفى الكلمة الأخيرة جناس ناقص. وتلقانا بعض طباقات مثل: «ولا مورد ولا صدر» ومثل «عواقب الحق وخواتم الباطل» ونعثر على بعض صور مثل زخرف الباطل وتمويه الكذب ومثل تشبيه زخرف الباطل بالسراب. وكأنه كان في نثره مثل شعره وما وصفه به أبو الفرج، كما مر بنا، يكتب ثم يختار، وما يزال يصلح ويسقط حتى تخرج الرسالة نخبة من الصياغات الأدبية الطريفة. وله توقيعات بديعة تدور في الكتب الأدبية، فمن ذلك أن بعض الكتاب كتب إليه يذم شخصا ويمدح آخر، فوقّع في الرسالة (19):

«إذا كان للمحسن من الجزاء ما يقنعه، وللمسيء من النكال ما يقمعه، بذل المحسن الواجب على رغبة، وانقاد المسيء للحق رهبة».

والسجع واضح في التوقيع، ولكن المهم طرافة التقسيم. ويقول المسعودي:

«ولإبراهيم بن العباس مكاتبات قد دونت، وفصول حسان من كلامه قد جمعت».

ويروى عنه أنه كان يقول: «مثل أصحاب السلطان مثل قوم علوا جبلا ثم وقعوا منه، فكان أقربهم إلى التلف أبعدهم في الارتقاء» (20). ويذكر ياقوت له ديوان شعر وديوان رسائل، وفى الحق أنه كان كاتبا بليغا بلاغة رائعة.

ص587

 

ــــــــــــــــــــــــــ

(1) انظر في ترجمة إبراهيم بن العباس ورسائله وشعره وأخباره الأغاني (طبع دار الكتب) 10/ 43 والفهرست لابن النديم ص 182 وتاريخ بغداد 6/ 117 ومعجم الأدباء لياقوت 1/ 164 ومروج الذهب 4/ 23 وكتاب الورقة لابن الجراح (طبع دار المعارف) ص 136 وابن خلكان في إبراهيم وتاريخ الطبري في ترجمة المتوكل وجمهرة رسائل العرب لأحمد زكى صفوت، وديوانه بتحقيق عبد العزيز الميمني في كتاب الطرائف الأدبية طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر.

(2) الأغاني 10/ 52.

(3) الفهرست ص 182.

(4) الأغاني 10/ 56 ومعجم الأدباء 1/ 170.

(5) مروج الذهب 4/ 23.

(6) كتاب الورقة ص 136.

(7) الأغاني 10/ 43.

(8) الأغاني 10/ 57 ومعجم الأدباء 1/ 171.

(9) الطبري 9/ 172.

(10) مروج الذهب 4/ 25.

(11) جمهرة رسائل العرب 4/ 174.

(12) جمهرة رسائل العرب 4/ 172.

(13) جمهرة رسائل العرب 4/ 176.

(14) عجم الأدباء 1/ 187.

(15) الأغاني 10/ 53 ومعجم الأدباء 1/ 178.

(16) جمهرة رسائل العرب 4/ 189.

(17) جمهرة رسائل العرب ص 182.

(18) معجم الأدباء 1/ 190.

(19) جمهرة رسائل العرب 4/ 461.

(20) مروج الذهب 4/ 26.





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.