أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-03-2015
3601
التاريخ: 15-07-2015
3846
التاريخ: 12-08-2015
3235
التاريخ: 3-03-2015
8785
|
هو محمود بن عمر(1)، وُلد سنة 467 بزمخشر قرية من قرى خوارزم، فنُسب إليها، وبها كان منشؤه ومرباه، وقد أقبل منذ نعومة أظفاره على العلوم اللغوية والدينية، ورحل في سبيل طلب العلم إلى بخارى وإلى بغداد، وجاور بمكة حقبة طويلة، نشط فيها لتصنيف تفسيره للقرآن المسمى بالكشاف ودرس حينئذ كتاب سيبويه على أحد علماء الأندلس النابهين على نحو ما سنعرف في حديثنا عن نحاة الأندلس، وتكاثرت تصانيفه منذ هذا الحين. وعاد إلى موطنه، وشهرته قد ملأت الآفاق، والطلاب يَفِدون عليه من كل صوب وحدب يأخذون عنه معجبين مُكْبرين، حتى اختاره الله لجواره في سنة 538 للهجرة. وهو يسلك في المعتزلة وفي علماء التفسير الأفذاذ وأئمة اللغة والنحو، ومعجمه "أساس البلاغة" مشهور. ومن مصنفاته الفائق في غريب الحديث، وصنف في اللغة والأدب والعروض والنحو مصنفات مختلفة، ومن أشهر مصنفاته النحوية النموذج والمفصل, وعنيبصنع حاشية له، وشرحه ابن يعيش شرحا ضافيا على نحو ما قدمنا. وقد جعله في أقسام أربعة: قسم للأسماء تحدث فيه عن المرفوعات والمنصوبات والمجرورات والنسب والتصغير والمشتقات، وقسم للأفعال وضروبها وأنواعها المختلفة، وقسم للحروف وأصنافها من حروف عطف وغير حروف عطف، وقسم للمشترك أراد به الإمالة والزيادة والوقف والإبدال والإعلال والإدغام.
ص283
وإذا أخذنا نتعقب آراءه وجدناه يمثل الطراز البغدادي الذي رأيناه عند أبي علي الفارسي وابن جني، فهو في جمهور آرائه يتفق ونحاة البصرة الذين نهجوا علم النحو ووطئوا الطريق إلى شعبه الكثيرة، ومن حين إلى حين يأخذ بآراء الكوفيين أو بآراء أبي علي أو ابن جني، وقد ينفرد بآراء خاصة به لم يسبقه آحد من النحاة إليها. ويكفي أن نرجع إلى المفصل فسنراه يضع كتاب سيبويه نصب عينيه، حتى ليصبح ملخصا له أحيانا على نحو ما يلقانا في باب المفعول المطلق وصوره الكثيرة، وغالبا ما يتابعه في آرائه النحوية، ونضرب لذلك بعض الأمثلة من القسم الأول من كتابه ومن صُحُفه الأولى التي شرحها ابن يعيش، فمن ذلك متابعته له في أن الفعل الثاني هو العامل في باب التنازع(2) وأن مثل: "هل زيد قام؟ " تعرب فيه زيد فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور لا مبتدأ كما ذهب الكوفيون(3) ، وكذلك متلوّ إن الشرطية في مثل: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ}(4) واختار رأيه في أن متلو لولا في مثل: "لولا علي لسافرت" مبتدأ خبره محذوف(5)، وفي أن خبر إن وأخواتها مرفوع بها لا بما كان مرتفعا به قبل دخول إن كما زعم الكوفيون(6) وفي أن الناصب للمنادى ما ينوب عنه حرف النداء وهو الفعل مثل: أريد وأدعو(7) وجعله تشرب روحه للمذهب البصري يعبر عن البصريين كما عبر عنهم أبو علي الفارسي وابن جني باسم أصحابه، فهو في أغلب أحواله إما أن ينزع عن قوسهم جميعا، وإما أن ينزع عن قوس بعضهم كأخذه برأي الخليل في أن الفاعل أصل المرفوعات والمبتدأ محمول عليه، وكان سيبويه -كما أسلفنا منذ قليل- يذهب إلى العكس(8) وكأخذه برأي الأخفش في أن الكاف تأتي في النثر كثيرا مرادفة لمثل، فتعرب إعرابها وتخرج عن حرفيتها، وبذلك جوزا أن تعرب في مثل: "زيد كالأسد" خبرا لزيد مضافا للأسد(9)، وكأخذه برأي المبرد في أن لفظ "الآن" مبني؛ لأنه استعمل من أول وضعه بالألف واللام، ولم يستعمل نكرة(10)، وكأخذه
ص284
برأي الزجاج في أن مثل: "أكرمْ بزيد" أمر على حقيقته لكل أحد أن يصف زيدا بالكرم والباء زائدة، وكان سيبويه يذهب إلى أن الفعل في مثل هذه الصيغة ماضٍ أخرج بلفظ الأمر والباء زائدة مثلها في {كَفَى بِاللَّهِ}(11). وعلى شاكلة أضرابه من البغداديين كان يختار رأي الكوفيين أحيانا في بعض المسائل، من ذلك أنه زاد معهم في الأفعال المتعدية إلى ثلاثة مفاعيل فعل حدَّث كقول الحارث بن حلزة اليشكري:
إن منعتم ما تسألون فمن حُـ ... ـدِّثْتموه له علينا العلاء(12)
ومما اختاره من مذهبهم جواز أن يكون البدل والمبدل منه نكرة كما قوله تعالى: {أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ} ، وقوله: {مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ}(13) واختار -على غرارهم- أن تكون جملة البسملة متعلقة بفعل محذوف تقديره: أقرأ لا باسم كما ذهب البصريون(14) واختار مثلهم أن تكون أن وما بعدها في مثل: "لو أنك جئت" فاعلا لفعل محذوف تقديره: ثبت؛ لأن لو تتطلب أن يتلوها فعل(15). ومما وافق فيه أبا علي الفارسي أن ما في مثل: "نعما محمد" نكرة تامة منصوبة على التمييز(16) وأن الجملة تنقسم إلى اسمية وفعلية وشرطية وظرفية. واعترض ابن يعيش على هذا التقسيم؛ لأن الجملة الشرطية ترد إلى الفعلية لأنها تتألف من فعل الشرط وفعل الجواب، وكذلك الظرفية لأنها تقدر متعلقة بفعل(17) ومما وافق الفارسي فيه أن الباء إنما تزاد مع ما الحجازية العاملة ولا تزاد مع ما التميمية المهملة، فمثل: ما محمد بقائم يتحتم أن تكون ما فيها حجازية(18) ووافق ابن جني في مجيء أنْ ظرفية على غرار ما الزمانية مثل: "جئتك أن تصلي العصر" أي: زمن صلاة العصر، وخرج الزمخشري على هذا المعنى قول جل شأنه: {أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ} أي: وقت أن آتاه(19) ووافقه أيضا في أن الجملة تبدل من المفرد، كما جاء في قول بعض الشعراء:
ص285
إلى الله أشكو بالمدينة حاجة ... وبالشام أخرى كيف يلتقيانِ
فكيف يلتقيان بدل من حاجة وأخرى, كأنه قال: أشكو هاتين الحاجتين تعذر التقائهما(20).
وللزمخشري بجانب اختياراته من المذاهب البغدادية والكوفية والبصرية آراء كثيرة ينفرد بها، من ذلك ذهابه إلى أن "إذ" قد تقع مبتدأ، وخرَّج على ذلك قراءة بعضهم آية آل عمران: "لَقَدْ مَنِّ الله على الْمؤمنِين إذ بعث فيهِم رَسولا" أي: وقت بعثه فيهم رسولا(21) ، وأن أما في مثل: "أما زيد فذاهب" تعطي الكلام فضل تأكيد(22) وأن واو العطف قد تفيد الإباحة في مثل: جالس محمدا وعليا(23) وأن رافع الخبر هو الابتداء فقط، وكان ابن جني كما أسلفنا يرى أن رافعه الابتداء والمبتدأ(24) وأنه قد يلي إلا نعت لما قبلها مفرد مثل: "ما مررت برجل إلا شجاعٍ" وجملة مثل: ما مررت بأحد إلا زيد خير منه(25) وجعل الجملة بعد إلا في مثل قوله تعالى: {وَمَا أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَهَا كِتَابٌ مَعْلُومٌ} صفة لقرية، وقال: إن الواو للصوق الصفة، وجعلها غيره واو الحال(26) وفرق بين التعدية بالهمزة والتضعيف، فجعل التضعيف يفيد التكرار. فمثل نزّل تفيد تكرار النزول بخلاف أنزل(27) وجوز أن يكون الفاعل جملة، وبذلك خرج آية السجدة: "أوَلم يَهْدِ لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون" فجعل جملة كم وما بعدها فاعل الفعل المجزوم "يهد", ورأى ابن هشام أن الفاعل مستتر راجع إلى الله سبحانه وتعالى(28) وذهب إلى أن "لن" تفيد تأكيد النفي، بل تأبيده مثل: لن أجبن(29) . وكان سيبويه والجمهور يذهبون إلى أن همزة الاستفهام إذا جاءت في جملة معطوفة بالواو أو الفاء أو ثم تأخرت حروف العطف بعدها لما لها من الصدارة مثل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا} , {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحًا} وذهب الزمخشري إلى أن
ص286
الهمزة في مكانها الأصلي, غير أن العطف على جملة مقدرة بينها وبين العاطف، فيقول: التقدير في الآية الأولى: أمكثوا فلم يسيروا في الأرض؟ وفي الآية الثانية: أنهملكم فنضرب عنكم الذكر صفحا؟(30).
ص287
__________________
(1) انظر في ترجمة الزمخشري: الأنساب للسمعاني الورقة 277، ومعجم الأدباء 19/ 126، ومعجم البلدان في مادة زمخشر، وإنباه الرواة 3/ 265، واللباب في الأنساب 2/ 506، وابن خلكان 2/ 81، وأزهار الرياض 3/ 282، وشذرات الذهب 4/ 118، ونزهة الألباء ص 391، وطبقات المفسرين للسيوطي ص41، والبغية ص388.
(2) انظر ابن يعيش على المفصل 1 /77.
(3) ابن يعيش على المفصل 1/ 81.
(4) ابن يعيش على المفصل 1/ 82.
(5) ابن يعيش على المفصل 1/ 95.
(6) ابن يعيش على المفصل 1/ 101.
(7) ابن يعيش على المفصل 1/ 127.
(8) ابن يعيش على المفصل 1/ 71، وقابل بالهمع 1/ 93.
(9) ابن يعيش على المفصل 8/ 42.
(10) ابن يعيش 4/ 103.
(11) ابن يعيش 7/ 147.
(12) ابن يعيش 7/ 65.
(13) ابن يعيش 3/ 68, والمغني ص50 8، والهمع 2/ 121.
(14) المغني ص423 وما بعدها.
(15) ابن يعيش 1/ 81, والمغني ص299، والهمع 1/ 138.
(16) ابن يعيش 7/ 134، وانظر المغني ص328، والهمع 1/ 250 .
(17) ابن يعيش 1/ 88.
(18) المغني ص619.
(19) المغني ص756، والهمع 1/ 82.
(20) الهمع 2/ 128.
(21) المغني ص85.
(22) المغني ص59.
(23) المغني ص67، 396.
(24) ابن يعيش 1/ 83، 85، والرضي على الكافية 1/ 87.
(25) ابن يعيش 2/ 93، والهمع 1/ 230 .
(26) المغني ص483.
(27) المغني ص578، والهمع 2/ 82.
(28) المغني ص652.
(29) ابن يعيش 8/ 111، والمغني ص314.
(30) المغني ص9.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي يعلن إطلاق المسابقة الجامعية الوطنية لأفضل بحث تخرّج حول القرآن الكريم
|
|
|