المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24



أكاذيب و مواقف  
  
3583   11:40 صباحاً   التاريخ: 17-6-2019
المؤلف : نجم الدين طبسي .
الكتاب أو المصدر : صــوم عاشــوراء
الجزء والصفحة : ص115-150.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /

[سيتم عرض خلال هذا الموضوع اهم المواضيع الحساسة حول يوم عاشوراء ومنها : ]

أ- الأكاذيب في التوسعة و الاكتحال‌

ب- موقف أهل البيت عليهم السّلام من الأكاذيب‌

ج- كيف يجتمع النسي‌ء مع صوم عاشوراء‌

د- إصرار على الغلط‌

ه‍- عاشوراء عيد الأمويين‌

و- معاوية يعلن عاشوراء يوم عيد‌

ز- الوظائف يوم عاشوراء‌

الأكاذيب في التوسعة و الاكتحال

لقد افتعلوا أحاديث و نسبوها زورا إلى الرسول الأكرم (صلّى اللّه عليه و آله) في فضل عاشوراء مفادها : فضل التوسعة على العيال في ذلك اليوم و الاكتحال و الادّهان و التطيّب فيه و التزيّن ...!! و هي- كما ستعرف- روايات ضعيفة الاسناد غريبة المتون، و قد صرّح علماء العامّة بأنّها من مفتعلات جهلة أهل السنّة، و أنّها من وضع الكذّابين، كما عن العيني، و أنّ فيها من الكذب ما يقشعرّ له الجلد، كما عن ابن الجوزي، و أنّها من وضع قتلة الحسين- بني أميّة لعنهم اللّه-، كما عن الحاكم و غيره، و هذه التصريحات و الاعترافات الخطيرة تغنينا عن البحث في إسناد هذه الأباطيل فنكتفي في المقام ببعض تلك الموضوعات ثمّ بيان موقف علماء السنّة منها:

[1- الرواية الأولى للشوكاني]

1- الشوكاني : من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع اللّه عليه سائر سنته.

رواه الطبراني؛ عن انس مرفوعا، و في إسناده : الهيصم بن شداخ، مجهول.

و رواه العقيلي؛ عن أبي هريرة، و قال : سليمان بن أبي عبد اللّه، مجهول، و الحديث غير محفوظ.

و قال في اللئالي : قال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه : قد ورد من حديث أبي هريرة من طرق : صحّح بعضها أبو الفضل ابن ناصر، و تعقّبه ابن الجوزي في الموضوعات و ابن تيمية في فتوى له فحكما بوضع الحديث من تلك الطريق، قال : و‌ الحقّ ما قالاه.

أي أنّ الحديث موضوع. أقول : أورد الهيثمي حديثين بهذا المضمون في أحدهما محمد بن إسماعيل الجعفري، قال فيه أبو حاتم : منكر الحديث.

و الثاني : عن ابن الشداخ، و هو ضعيف جدّا.

[2-] تصريح لابن الجوزي:

قال : تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السنّة فقصدوا غيظ الرافضة  فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء و نحن براء من الفريقين، و قد صحّ انّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) أمر بصوم عاشوراء إذ قال : إنّه كفّارة سنة، فلم يقنعوا بذلك حتى‌ أطالوا و أعرضوا و ترقّوا في الكذب.

أقول يرد عليه:

أوّلا : قد عرفت أنّ حديث : كفّارة سنة ممّا لم يثبت صحّته عندهم، و لم يورده البخاري، و قالوا : لا يعرف سماع معبد من أبي قتادة، و أورده ابن عديّ في الضعفاء.

ثانيا : ثبوت الأمر بالصوم لا يلازم الاستمراريّة و عدم النسخ، فلذا كان يكرهه من هو ذو مكانة عندهم كابن عمر.

[3- الرواية الثانية للشوكاني]

2- و عنه أيضا : انّ اللّه افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة، و هو يوم عاشوراء، و هو اليوم العاشر من المحرّم فصوموه، و وسّعوا على أهليكم، فإنّه اليوم الّذي تاب اللّه فيه على آدم.

قال الشوكاني : رواه ابن ناصر، عن أبي هريرة، مرفوعا، و ساق في اللئالي مطوّلا : و فيه من الكذب على اللّه و على رسوله ما يقشعرّ له الجلد، فلعن اللّه الكذّابين، و هو موضوع بلا شكّ.

[4- رواية عبد الرّزاق الصنعاني]

3- عبد الرّزاق، عن ابن جريج، عن رجل، عن عكرمة، قال : هو يوم تاب اللّه على آدم يوم عاشوراء.

أقول : و فيه : أوّلا إنّه مرسل لأنّه عن رجل.

ثانيا : و فيه عكرمة:

فعن ابن سيرين و يحيى بن سعيد الأنصاري : أنّه كذّاب و عن ابن أبي ذئب : أنّه غير ثقة. و عن محمد بن سعد : و ليس يحتجّ بحديثه و يتكلّم الناس فيه. و عن علي بن عبد اللّه بن عبّاس : أنّ هذا الخبيث- أي عكرمة- يكذب على أبي.

و قد تجنّبه مسلم و روى له قليلا مقرونا بغيره.

[5- رواية القاري]

4- القاري : من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا.

رواه الحاكم عن ابن عبّاس مرفوعا، و في إسناده جويبر، قال الحاكم : أنا أبرأ إلى اللّه من عهدة جويبر. و قال في اللئالي : أخرجه البيهقي في الشعب، و قال : إسناده ضعيف بمرّة.

و رواه ابن النجّار في تاريخه من حديث أبي هريرة، و في إسناده إسماعيل بن معمر بن قيس.

قال في الميزان : ليس بثقة.

قال القاري : و أحاديث الاكتحال و الادّهان و التطيّب فمن وضع الكذّابين.

أقول : أورد الزيلعي طرقها و فنّدها سيّما و انّ في إحدى الطرق : رواية الضحّاك عن ابن عبّاس، و هو لم يلق ابن عبّاس و لا رآه.

[6- الرواية الأولى لابن الجوزي]

5- ابن الجوزي : ... فمن الأحاديث الّتي و ضعوا : ... عن الأعرج، عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) إنّ اللّه عزّ و جلّ افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء و هو اليوم العاشر من المحرّم، فصوموه،  و وسّعوا على أهليكم، فإنّه من وسّع على أهله من ماله يوم عاشوراء وسّع عليه سائر سنته، فصوموه، فإنّه اليوم الّذي تاب اللّه فيه على آدم (عليه السّلام) ، و هو اليوم الّذي رفع اللّه فيه إدريس (عليه السّلام)  مكانا عليّا، و هو اليوم الّذي نجّي فيه إبراهيم (عليه السّلام)  من النار، و هو اليوم الّذي أخرج فيه نوحا (عليه السّلام)  من السفينة، و هو اليوم الّذي أنزل اللّه فيه التوراة على موسى (عليه السّلام)  و فدى اللّه‌ إسماعيل (عليه السّلام)  من الذبح، و هو اليوم الّذي أخرج اللّه يوسف (عليه السّلام) من السجن، و هو اليوم الّذي ردّ اللّه على يعقوب (عليه السّلام)  بصره، و هو اليوم الذى كشف اللّه فيه عن أيّوب (عليه السّلام)  البلاء، و هو اليوم الّذي أخرج اللّه فيه يونس (عليه السّلام)  من بطن الحوت، و هو اليوم الّذي فلق اللّه فيه البحر لبني إسرائيل، و هو اليوم الّذي غفر اللّه لمحمد (صلّى اللّه عليه و آله) ذنبه ما تقدّم و ما تأخّر، و في هذا اليوم عبر موسى (عليه السّلام)  البحر، و في هذا اليوم أنزل اللّه تعالى التوبة على قوم يونس (عليه السّلام) ، فمن صام هذا اليوم كانت له كفّارة اربعين سنة.

و أوّل يوم خلق اللّه من الدنيا يوم عاشوراء ... و أوّل مطر نزل من السماء يوم عاشوراء، و أوّل رحمة نزلت يوم عاشوراء، فمن صام يوم عاشوراء فكأنّما صام الدهر كلّه، و هو صوم الأنبياء ... و من أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد اللّه تعالى مثل عبادة أهل السماوات السبع، و من صلّى أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة و خمسين مرّة قُلْ هُوَ اللّٰهُ أَحَدٌ غفر اللّه خمسين عاما ماض، و خمسين عاما مستقبل، و بنى له في الملأ الأعلى ألف ألف منبر من نور، و من سقى شربة من ماء فكأنّما لم يعص اللّه طرفة عين،  و من أشبع أهل بيت مساكين يوم عاشوراء مرّ على الصراط كالبرق الخاطف، و من تصدّق بصدقة يوم عاشوراء فكأنّما لم يردّ سائلا قطّ، و من اغتسل يوم عاشوراء لم يمرض مرضا إلّا مرض الموت، و من اكتحل يوم عاشوراء لم ترمد عينه تلك السنة كلّها، و من أمرّ يده على رأس يتيم فكأنّما برّ يتامى ولد آدم كلّهم.

و من صام يوم عاشوراء اعطي ثواب ألف حاجّ و معتمر، و من صام يوم عاشوراء اعطي ثواب ألف شهيد، و من صام يوم عاشوراء كتب له أجر سبع سماوات، و فيه خلق اللّه السماوات و الأرضين و الجبال و البحار، و خلق العرش يوم عاشوراء ... و خلق القلم يوم عاشوراء، و خلق اللوح يوم عاشوراء، و خلق‌ جبرئيل (عليه السّلام)  يوم عاشوراء، و رفع عيسى (عليه السّلام)  يوم عاشوراء، و أعطى سليمان (عليه السّلام)  الملك يوم عاشوراء، و يوم القيامة يوم عاشوراء، و من عاد مريضا يوم عاشوراء، فكأنّما عاد مرضى ولد آدم كلّهم.

قال ابن الجوزي : هذا حديث لا يشكّ عاقل في وضعه، و لقد أبدع من وضعه و كشف القناع و لم يستحيى و أتى فيه المستحيل، و هو قوله : و أوّل يوم خلق اللّه يوم عاشوراء، و هذا تغفيل من واضعه لأنّه إنّما يسمّى يوم عاشوراء إذا سبقه تسعة.

و قال فيه : خلق السماوات و الأرض و الجبال يوم عاشوراء.

و في الحديث الصحيح : أنّ اللّه تعالى خلق التربة يوم السبت، و خلق الجبال يوم الأحد.

و فيه من التحريف في مقادير الثواب الّذي لا يليق بمحاسن الشريعة ... و ما أظنّه إلّا دسّ في أحاديث الثقات، و كان مع الّذي رواه نوع تغفّل و لا أحسب ذلك إلّا في المتأخّرين و إن كان يحيى بن معين قد قال في ابن أبي الزناد : ليس بشى‌ء و لا يحتجّ بحديثه، و اسم أبي الزناد : عبد اللّه بن ذكوان، و اسم ابنه عبد الرحمن، كان ابن مهدي لا يحدث عنه.

و قال أحمد : هو مضطرب الحديث، و قال أبو حاتم الرازي : لا يحتجّ به، فلعلّ بعض أهل الهوى قد أدخله في حديثه.

 

[7-] تصريح للقاضي عبد النبي:

... و لم تثبت هذه الأعمال من الأحاديث الصحيحة فإنّ الأحاديث المنقولة موضوعات ... و اعلم أنّ الفقهاء و العباد يلتزمون الصلاة و الأدعية في هذا اليوم، و يذكرون فيها الأحاديث، و لم يثبت شي‌ء منها عند أهل الحديث غير الصوم و‌ توسيع الطعام ... .

أقول : و قد مرّ الكلام في أحاديث التوسعة على العيال و الصيام في عاشوراء.

الهيثمي : روى الطبراني : و في رجب حمل اللّه نوحا (عليه السّلام)  في السفينة فجرت بهم السفينة سبعة أشهر، آخر ذلك يوم عاشوراء. قال الهيثمي : فيه عبد الغفور، و هو متروك.

[8- الرواية الثانية لابن الجوزي]

3- ابن الجوزي : ... حدّثنا حبيب بن أبي حبيب، عن إبراهيم الصائغ، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس، قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : من صام يوم عاشوراء كتب اللّه له عبادة ستّين سنة بصيامها و قيامها، و من صام يوم عاشوراء اعطي ثواب عشرة آلاف ملك، و من صام يوم عاشوراء اعطي ثواب ألف حاجّ و معتمر، و من صام يوم عاشوراء أعطي ثواب عشرة آلاف شهيد، و من صام يوم عاشوراء كتب اللّه له أجر سبع سموات.

و من أفطر عنده مؤمن في يوم عاشوراء فكأنّما أفطر عنده جميع أمّة محمّد، و من أشبع جائعا في يوم عاشوراء فكأنّما أطعم جميع فقراء أمّة محمد و أشبع بطونهم، و من مسح على رأس يتيم رفعت له بكلّ شعرة على رأسه في الجنّة درجة.

قال : فقال عمر : يا رسول اللّه، لقد فضّلنا اللّه عزّ و جلّ بيوم عاشوراء؟ قال : نعم خلق اللّه عزّ و جلّ يوم عاشوراء و الأرض كمثله، و خلق الجبال يوم عاشوراء، و النجوم كمثله، و خلق القلم يوم عاشوراء، و اللوح كمثله، و خلق جبرئيل يوم عاشوراء و ملائكته يوم عاشوراء، و خلق آدم يوم عاشوراء، و ولد إبراهيم يوم عاشوراء، و نجّاه اللّه من النار يوم عاشوراء، و رفع إدريس يوم عاشوراء و ولد في يوم عاشوراء، و تاب اللّه على آدم في يوم عاشوراء، و غفر ذنب داود في يوم عاشوراء، و أعطى اللّه الملك لسليمان يوم عاشوراء، و ولد النبيّ في يوم عاشوراء ... و‌ استوى الربّ عزّ و جلّ على العرش يوم عاشوراء، و يوم القيامة يوم عاشوراء.

[9- رأي ابن الجوزي في هذه الأكاذيب]

1- قال ابن الجوزي : هذا حديث موضوع بلا شكّ، و قال أحمد بن حنبل : كان حبيب بن أبي حبيب يكذّب، و قال ابن عديّ : كان يضع الحديث، و في الرواة من يدخل بين حبيب و بين إبراهيم إبله.

قال أبو حاتم ابن حبان : هذا حديث باطل لا أصل له قال : و كان حبيب من أهل مرو يضع الحديث على الثقات لا يحلّ كتب حديثه إلّا على سبيل القدح فيه. 2

أقول : و عن أبي داود : كان من أكذب الناس، و عن الرازي و الأزدي : متروك الحديث، و عن ابن عديّ : أحاديثه كلّها موضوعة، عن مالك و غيره، و ذكر له عدّة أحاديث، ثمّ قال : و هذه الأحاديث مع غيرها ممّا روى حبيب، عن هشام بن سعد كلّها موضوعة و عامّة، حديث حبيب موضوع المتن، مقلوب الاسناد، و لا يحتشم في وضع الحديث على الثقات و أمره بيّن في الكذب.

[10- رأي القاري]

2- و قال القاري : و منها- أي من الموضوعات- الاكتحال يوم عاشوراء، و التزيّن، و التوسعة، و الصلاة فيه، و غير ذلك من فضائل لا يصحّ منها شي‌ء، و لا حديث واحد، و لا يثبت عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) فيه شي‌ء غير أحاديث صيامه،  و ما عداها فباطل، و أمثل ما فيها حديث : و من وسّع على عياله يوم عاشوراء وسّع اللّه عليه سائر سنته قال الامام أحمد : لا يصحّ هذا الحديث، و فيه أيضا : من اكتحل ... رواه البيهقي عن ابن عبّاس ...

قال : من وسّع على عياله في يوم عاشوراء. قال الزركشي : لا يثبت إنّما هو من‌ كلام محمد بن المنتشر.

و قال : من صام يوم عاشوراء كتب اللّه له عبادة ستّين سنة، فهذا باطل يرويه حبيب بن أبي حبيب، عن إبراهيم الصانع، عن ميمون بن مهران، عن ابن عبّاس. و حبيب هذا غير حبيب- أي مرغوب عنه- و ليس بجيّد، كان يضع الأحاديث.

[11- رأي زين الدين الحنفي]

3- و قال زين الدين الحنفي : أمّا التوسعة فيه على العيال ... قد روي من وجوه متعدّدة لا يصحّ فيها شي‌ء ... و ممّن قال ذلك : محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكم، و قال العقيلي : هو غير محفوظ. و قد روي عن عمر من قوله، و في إسناده مجهول لا يعرف.

[11- رأي العيني]

4- و قال العيني : ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء و يوم عاشوراء و في فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصحّ، و من ذلك : من اكتحل بالإثمد و هو حديث موضوع وضعه قتلة الحسين. و قال أحمد : و الاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فيه أثر، و هو بدعة.

[12- رأي القرضاوي]

5- و قال الشيخ يوسف القرضاوي:

رأينا رعايا اكثر بلاد المسلمين يحتفلون بيوم عاشوراء، يذبحون الذبائح، و يعتبرونه عيدا أو موسما، يوسّعون فيه على الأهل و العيال اعتمادا على حديث ضعيف، بل موضوع في رأي ابن تيميّة و غيره، و هو الحديث المشهور على الألسنة : من أوسع على عياله و أهله يوم عاشوراء أوسع اللّه عليه سائر سنته.

قال المنذري : رواه البيهقي و غيره من طرق، عن جماعة من الصحابة، و قال البيهقي : هذه الأسانيد و إن كانت ضعيفة فهي إذا ضمّ بعضها إلى بعض أخذت قوّة.

قال القرضاوي : و في هذا القبول نظر، و قد جزم ابن الجوزي و ابن تيمية في‌ منهاج السنّة و غيرهما انّ الحديث موضوع. و حاول الطبراني و غيره الدفاع عنه و إثبات حسنه لغيره! و كثير من المتأخّرين يعزّ عليهم أن يحكموا بالوضع على حديث، و الّذي يترجّح لي انّ الحديث ممّا وضعه بعض الجهّال من أهل السنّة في الردّ على مبالغات الشيعة في جعل يوم عاشوراء يوم حزن و حداد فجعله هؤلاء يوم اكتحال و اغتسال و توسعة على العيال.

 

موقف أهل البيت (ع) من الأكاذيب

لقد عارض الأئمّة عليهم السّلام هذه المؤامرة الأمويّة الخبيثة و تخطيطها الشيطاني بشأن إعلان يوم عاشوراء عيدا فتصدّوا لهذا التيّار الظالم و البدعة القبيحة بكلّ ما لديهم من طاقة.

فتراهم يعلنون بمل‌ء الفم بترك السعي للحوائج يوم عاشوراء، و الاضراب عن العمل و جعل هذا اليوم يوم حزن و بكاء، و تقبيح من يعدّه يوم بركة، و الدعاء عليه بحشره يوم القيامة مع المبتدعين لهذه البدعة الشيطانيّة، و هم بنو أميّة و أذنابهم، فالأوامر الصادرة من الأئمّة بشأن الحداد في يوم عاشوراء من البكاء و أمر أعضاء الاسرة بالبكاء و التلاقي بالبكاء ... أوامر مؤكّدة يضمن الامام لمنفّذها الجنّة، فالأئمّة يشجبون مزاعم البركة في ادّخار قوت السنة في يوم عاشوراء خلافا لما يذيعه و يشيعه الأمويّون حيث يرون البركة في شراء قوت السنة، فالأئمّة عليهم السّلام يكشفون الستار عن مؤامرة الشجرة الملعونة و وعّاظهم في جعل يوم شهادة الحسين (عليه السّلام)  يوم عيد و بركة لدفن القضيّة و صرف الأذهان عن الفاجعة الكبرى بشأن سيّد شباب أهل الجنّة رجاء أن يعدل الرأي العامّ من الاستنكار و الشجب إلى الاستعداد للعيد و‌ التبرّك به، و العدول عن البكاء و الحداد و الحزن إلى الفرح و السرور سوّد اللّه وجوههم- بني اميّة- كما اسودّت قلوبهم.

1- ابن طاوس:

و روينا بإسنادنا إلى مولانا علي بن موسى الرضا (عليه السّلام)  أنّه قال:

من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة، و من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه و بكائه جعل اللّه يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنّة عينه، و من سمّى يوم عاشوراء يوم بركة و ادّخر لمنزله فيه شيئا لم يبارك له فيما ادّخر، و حشر يوم القيامة مع يزيد و عبيد اللّه بن زياد و عمر بن سعد لعنهم اللّه في أسفل درك من النّار.

2- الطوسي:

محمد بن الحسن في المصباح؛ عن محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن علقمة، عن أبي جعفر (عليه السّلام)  في حديث زيارة الحسين (عليه السّلام)  يوم عاشوراء من قرب و بعد، قال : ثمّ ليندب الحسين و يبكيه و يأمر من في داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، و يقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، و ليعزّ بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين (عليه السّلام)  و أنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه عزّ و جلّ جميع ذلك- يعني ثواب ألفي حجّة و ألفي عمرة و ألفي غزوة.

قلت : أنت الضامن لهم ذلك و الزعيم؟

قال : أنا الضامن و الزعيم لمن فعل ذلك.

قلت : و كيف يعزّي بعضنا بعضا؟

قال يقولون : أعظم اللّه اجورنا و اجوركم بمصابنا بالحسين (عليه السّلام) ، و جعلنا و إيّاكم من الطالبين بثأره مع وليّه الامام المهدي من آل محمد، و إن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، و إن قضيت لم يبارك له فيها و لم ير فيها رشدا، و لا يدّخرنّ أحدكم لمنزله فيه شيئا فمن ادّخر في‌ ذلك اليوم شيئا لم يبارك له فيما ادّخر، و لم يبارك له في أهله فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه لهم ثواب ألف حجّة و ألف عمرة و ألف غزوة كلّها مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و كان له أجر و ثواب كلّ نبيّ و رسول و وصيّ و صدّيق و شهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة.

الصدوق : حدّثنا الحسين بن إدريس، قال : حدّثنا أبي، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطّاب، عن نصر بن مزاحم، عن عمرو بن سعيد، عن ارطاة بن حبيب، عن فضيل الرسّان.

3- الصدوق : عن جبلة المكّية

، قالت : سمعت ميثم التمّار قدّس اللّه روحه يقول: و اللّه لتقتل هذه الامّة ابن نبيّها في المحرّم لعشر يمضين منه، و ليتّخذّن أعداء اللّه ذلك اليوم يوم بركة، و انّ ذلك لكائن قد سبق في علم اللّه تعالى ذكره. أعلم ذلك بعهد عهده إليّ مولاي أمير المؤمنين (عليه السّلام) . و لقد أخبرنى انّه يبكي عليه كلّ شي‌ء حتى الوحوش في الفلوات، و الحيتان في البحر، و الطير في السماء، و يبكي عليه الشمس و القمر و النجوم و السماء و الأرض و مؤمنو الإنس و الجنّ و جميع ملائكة السماوات و الأرضين و رضوان و مالك و حملة العرش، و تمطر السماء دما و رمادا، ثمّ قال : و جبت لعنة اللّه على قتلة الحسين (عليه السّلام)  كما وجبت على المشركين الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّٰهِ إِلٰهاً آخَرَ، و كما وجبت على اليهود و النصارى و المجوس.

قالت جبلة : فقلت له : يا ميثم! فكيف يتّخذ الناس ذلك اليوم الّذي قتل فيه الحسين يوم بركة؟

فبكى ميثم رضى اللّه عنه ثمّ قال : يزعمون لحديث يضعونه أنّه اليوم الّذي تاب اللّه فيه على آدم و إنّما تاب اللّه على آدم في ذي الحجّة، و يزعمون أنّه اليوم الّذي قبل اللّه فيه توبة داود و إنّما قبل اللّه عزّ و جلّ توبته في ذي الحجّة، و يزعمون أنّه اليوم الّذي خرج اللّه‌ فيه يونس من بطن الحوت و إنّما أخرج اللّه عزّ و جلّ يونس من بطن الحوت في ذي الحجّة، و يزعمون أنّه اليوم الّذي استوت فيه سفينة نوح على الجوديّ و إنّما اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ في يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، و يزعمون أنّه اليوم الّذي فلق اللّه عزّ و جلّ فيه البحر لبني إسرائيل و إنّما كان ذلك في ربيع الأوّل، ثمّ قال ميثم: يا جبلة اعلمي أنّ الحسين بن علي سيّد الشهداء يوم القيامة و لأصحابه على سائر الشهداء درجة.

يا جبلة : إذا نظرت السماء  حمراء كأنّها دم فاعلمي أنّ سيّد الشهداء الحسين (عليه السّلام)  قتل.

قالت جبلة : فخرجت ذات يوم فرأيت الشمس على الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة فصحت حينئذ و بكيت و قلت : قد و اللّه قتل سيّدنا الحسين بن علي (عليه السّلام) .

4- من دعاء في قنوت صلاة

علّم به الامام الصادق (عليه السّلام)  عبد اللّه بن سنان يقرأه يوم عاشوراء، اللّهمّ و أهلك من جعل قتل أهل بيت نبيّك عيدا و استهلّ فرحا و سرورا و خذ آخرهم بما أخذت به أوّلهم، اللّهمّ أضعف البلاء و العذاب و التنكيل على الظالمين من الأوّلين و الآخرين و على ظالمي آل بيت نبيّك (صلّى اللّه عليه و آله) و زدهم نكالا و لعنة، و أهلك شيعتهم و قادتهم و جماعتهم.

5- عن زرارة

قال : قال أبو عبد اللّه (عليه السّلام)  : يا زرارة إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحا بالدم، و إنّ الأرض بكت أربعين صباحا بالسواد، و إنّ الشمس بكت أربعين صباحا بالكسوف و الحمرة، و إنّ الجبال تقطّعت و انتثرت، و إنّ البحار تفجّرت، و إنّ الملائكة بكت أربعين صباحا على الحسين، و ما اختضبت منّا امرأة و‌ لا ادّهنت و لا اكتحلت و لا رجلت حتى أتانا رأس عبيد اللّه بن زياد لعنه اللّه، و ما زلنا في عبرة بعده ... .

[6- رواية أخرى للصدوق]

6- الصدوق : حدّثنا محمد بن علي بن بشّار القزويني رضى اللّه عنه قال : حدّثنا أبو الفرج المظفّر بن أحمد القزويني، قال : حدّثنا محمد بن جعفر الكوفي الأسدي، قال : حدّثنا سهل بن زياد الآدمي، قال : حدّثنا سليمان بن عبد اللّه الخزّاز الكوفي، قال : حدّثنا عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، قال : قلت لأبي عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام)  : يا بن رسول اللّه، كيف صار يوم عاشوراء يوم مصيبة و غمّ و جزع و بكاء دون اليوم الّذي قبض رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و اليوم الّذي ماتت فيه فاطمة عليها السّلام، و اليوم الّذي قتل فيه أمير المؤمنين (عليه السّلام) ، و اليوم الّذي قتل فيه الحسن (عليه السّلام)  بالسمّ؟

فقال : إنّ يوم الحسين (عليه السّلام)  أعظم مصيبة من جميع سائر الأيّام، و ذلك انّ أصحاب الكساء الّذي كانوا أكرم الخلق على اللّه تعالى كانوا خمسة، فلمّا مضى عنهم النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) بقي أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام فكان فيهم للناس عزاء و سلوة، فلمّا مضت فاطمة عليها السّلام كان في أمير المؤمنين (عليه السّلام)  و الحسن (عليه السّلام)  و الحسين (عليه السّلام)  عزاء و سلوة، فلمّا مضى منهم امير المؤمنين (عليه السّلام)  كان للناس في الحسن (عليه السّلام)  و الحسين (عليه السّلام)  عزاء و سلوة، فلمّا مضى الحسن (عليه السّلام)  كان للناس في الحسين (عليه السّلام)  عزاء و سلوة، فلمّا قتل الحسين (عليه السّلام)  لم يكن بقي من أهل الكساء أحد للناس فيه بعده عزاء و سلوة، فكان ذهابه كذهاب جميعهم كما كان بقاؤه كبقاء جميعهم، فلذلك صار يومه أعظم مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي : فقلت له يا بن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فلم لم يكن للناس في علي بن الحسين عزاء و سلوة مثل ما كان لهم في آبائه عليهم السّلام؟

فقال : بلى، إنّ علي بن الحسين كان سيّد العابدين (عليه السّلام) ، و إماما و حجّة على الخلق بعد آبائه الماضين، و لكنّه لم يلق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و لم يسمع منه، و كان علمه‌

وراثة عن أبيه، عن جدّه، عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) و كان أمير المؤمنين و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام قد شاهدهم الناس مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) في أحوال في آن يتوالى فكانوا متى نظروا إلى أحد منهم تذكروا حاله مع رسول اللّه و قول رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) له و فيه، فلمّا مضوا فقد الناس مشاهدة الأكرمين على اللّه عزّ و جلّ و لم يكن في أحد منهم فقد جميعهم إلّا في فقد الحسين (عليه السّلام)  لأنّه مضى آخرهم فلذلك صار يومه أعظم الأيّام مصيبة.

قال عبد اللّه بن الفضل الهاشمي : فقلت له يا بن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فكيف سمّت العامّة يوم عاشوراء يوم بركة؟

فبكى، ثم قال : لمّا قتل الحسين (عليه السّلام)  تقرّب الناس بالشام إلى يزيد فوضعوا له الأخبار و أخذوا عليه الجوائز من الأموال، فكان ممّا وضعوا له أمر هذا اليوم، و انّه يوم بركة ليعدل الناس فيه من الجزع و البكاء و المصيبة و الحزن إلى الفرح و السرور و التبرّك و الاستعداد فيه حكم اللّه بيننا و بينهم.

أقول : و لهذه الرواية أمارات و شواهد على الصدق أعمّ من القرائن الخارجيّة و الداخليّة؛ كقوّة المتن، فلا مجال لردّها بجهالة عبد اللّه بن الفضل الهاشمي، و إنّ النمازي قال : إنّه ظفر على مدحه و جلالته  معتمدا على حديث عن الصادق (عليه السّلام)  قائلا له:

و لو شئت لأريتك اسمك في صحيفتنا، قال : وجدت في أسفلها اسمي  لكنّ فيه تأمّل، من حيث إنّه لا يمكن الاستدلال على وثاقة شخص برواية نفسه عن الامام، إذ يستلزم الدور الواضح، بل قد يثير سوء الظنّ به كما قاله الامام الخميني رحمه اللّه:

إذا كان ناقل الوثاقة هو نفس الراوى فإنّ ذلك يثير سوء الظنّ به حيث قام بنقل مدائحه و فضائله في الملأ الاسلامي.

و عن السيّد الخوئي : لا يمكن إثبات وثاقة شخص برواية نفسه،  هذا و لكنّ التستري اعتمد على هذه الرواية أيضا في اثبات جلالته، حيث قال: ثمّ يشهد لاتّحاده و جلاله رواية الاختصاص ... أضف إلى ذلك انّ التستري يراه متّحدا مع عبد اللّه بن الفضل بن عبد اللّه بن نوفل النوفلي- الّذي هو ثقة-.

و استظهر ذلك أيضا الحائري.

 

كيف يجتمع النسي‌ء مع صوم عاشوراء

إنّ الجاهليّة كانت تؤخّر المحرّم إلى صفر تارة يجعلون صفرا مع ذي القعدة محرّما تحرّجا من توالي ثلاثة أشهر محرّمة. و لا يهمّنا انّ المنادي- بذلك كما يأتي- من هو؟

هل هم قوم من بني فقيم او من بني كنانة رجل منهم يقال له نعيم بن ثعلبة، بل المهمّ هو انّه لم يتحقّق توافق بين اسم الشهر و نفسه إلّا في كلّ اثنتي عشرة سنة مرّة إن كان التأخير على نظام محفوظ و ذلك على نحو الدوران.

و إن كان بمعنى إنساء حرمة المحرّم إلى صفر ثمّ إعادتها مكانها في العام المقبل كما هو المعروف و المشهور في تفسير النسي‌ء فيكون المعنى أنّ صفر هو المحرّم عندهم، و أنّ الصوم في العاشر من صفر كان هو المتداول عند الجاهليّة، و عليه كيف يجتمع مع دعوى أنّ قريش كانت تصوم يوم عاشوراء و النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) أيضا كان يصومه؟

معنى النسي‌ء : [عن العلّامة الطباطبائي]

قال العلّامة الطباطبائي : ثمّ إنّهم- أي العرب- ربّما كانوا يتحرّجون من القعود‌ عن الحروب و الغارات ثلاثة أشهر متواليات فسألوا بعض بنى كنانة أن يحلّ لهم ثالث الشهور الثلاثة، فقام فيهم بعض أيّام الحجّ بمنى و أحلّ لهم المحرّم و نسأ حرمته إلى صفر، فذهبوا لوجههم عامهم ذلك يقاتلون العدوّ، ثمّ ردّ الحرمة إلى مكانه في قابل، و هذا هو النسي‌ء.

و أضاف الطباطبائي قائلا : و كان يسمّى المحرّم صفر الأوّل، و صفر صفر الثاني، فلمّا أقرّ الإسلام الحرمة لصفر الأوّل عبّروا عنه بشهر اللّه المحرّم، ثمّ لمّا كثر الاستعمال خفّف و قيل : المحرّم، و اختصّ اسم صفر بصفر الثاني، فالمحرّم من الألفاظ الاسلاميّة، كما ذكره السيوطي في المزهر.

أقول : و عليه فلم يتحقّق موضوع لمحرّم بالمعنى الاسلامي في الجاهليّة، و إنّ صومهم في الجاهليّة عاشوراء من المحرّم لم يكن بالمعنى المعروف المشهور عندنا.

معنى آخر للنسي‌ء:

أخرج عبد الرّزاق ... عن مجاهد في قوله : إنّما النسي‌ء زيادة في الكفر، قال:

فرض اللّه الحجّ في ذي الحجّة، و كان المشركون يسمّون الأشهر ذا الحجّة و المحرّم و صفر و ربيع و ربيع و جمادى و جمادى و شعبان و رمضان و شوّال و ذو القعدة و ذو الحجّة، ثمّ يحجّون فيه، ثمّ يسكتون عن المحرّم فلا يذكرونه، ثمّ يعودون فيسمّون صفر صفر، ثمّ يسمّون رجب جمادى الآخرة، ثمّ يسمّون شعبان رمضان و رمضان شوّال، و يسمّون ذا القعدة شوّال، ثمّ يسمّون ذا الحجّة ذا القعدة، ثمّ يسمّون المحرّم ذا الحجّة، ثمّ يحجّون فيه و اسمه عندهم ذو الحجّة.

ثمّ عادوا إلى مثل هذه القصّة فكانوا يحجّون في كلّ شهر عاما حتى وافق حجّة أبي بكر الآخرة من العام في ذي القعدة، ثمّ حجّ النبيّ حجته الّتي حجّ فيها فوافق‌ ذو الحجّة فذلك حين يقول في خطبته : إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السماوات و الأرض.

قال الطباطبائي : و محصّله على ما فيه من التشويش و الاضطراب انّ العرب كانت قبل الإسلام تحجّ البيت في ذي الحجّة غير أنّهم أرادوا أن يحجّوا كلّ عام في شهر فكانوا يدورون بالحجّ الشهور شهرا بعد شهر و كل شهر وصلت إليه النوبة عامهم ذلك سمّوه ذا الحجّة و سكتوا عن اسمه الأصلي، و لازم ذلك أن يتألف كلّ سنة فيها حجّة من ثلاثة عشر شهرا، و أن يتكرّر اسم بعض الشهور مرّتين أو أزيد كما يشعر به الرواية، و لذا ذكر الطبري أنّ العرب كانت تجعل السنة ثلاثة عشر شهرا، و في رواية : اثني عشر شهرا و خمسة و عشرين يوما، و لازم ذلك أيضا انّ تغيير أسماء الشهور كلّها و ان لا يواطئ اسم الشهر نفس الشهر إلّا في كلّ اثنتي عشرة سنة مرة إن كان التأخير على نظام محفوظ، و ذلك على نحو الدوران. و مثل هذا لا يقال له الإنساء و التأخير، فإن أخذ السنة ثلاثة عشر شهرا و تسمية آخرها ذا الحجّة تغيير لأصل التركيب لا تأخير لبعض الشهور بحسب الحقيقة.

فالحقّ انّ النسي‌ء هو ما تقدّم أنّهم كانوا يتحرّجون من توالي شهور ثلاثة محرّمة فينسؤن حرمة المحرّم إلى صفر ثمّ يعيدونها مكانها في العام المقبل ... .

إصرار على الغلط

قال المحدّث القمّي : و ممّا لا ينقضي منه العجب كلام الشيخ عبد القادر الجيلاني في محكيّ كتابه غنية الطالبين و لا بأس بذكره، قال : و قد طعن قوم على صيام هذا اليوم العظيم و ما ورد فيه من التعظيم و زعموا أنّه لا يجوز صيامه لأجل قتل الحسين بن علي عليهما السّلام فيه و قالوا : ينبغي أن تكون المصيبة فيه عامة على جميع الناس لفقده و أنتم‌ تأخذونه يوم فرح و سرور، و تأمرون فيه بالتوسعة على العيال و النفقة الكثيرة و الصدقة على الضعفاء و المساكين، و ليس هذا من حقّ الحسين على جماعة المسلمين.

و هذا القائل خاطئ و مذهبه قبيح فاسد، لأنّ اللّه اختار لسبط نبيّه الشهادة في أشرف الأيّام و أعظمها و أجلّها و أرفعها عنده ليزيده بذلك رفعة في درجاته و كرامة مضافة إلى كراماته و يبلغه منازل الخلفاء الراشدين الشهداء بالشهادة، و لو جاز أن يتّخذ يوم موته مصيبة لكان يوم الاثنين أولى بذلك إذ قبض اللّه فيه نبيّه ... .

و قد اتّفق الناس على شرف يوم الاثنين و فضيلة صومه، و انّه تعرض فيه و في يوم الخميس أعمال العباد، و كذلك عاشوراء لا يتّخذ يوم مصيبة،  و لأنّ يوم عاشوراء أن يتّخذ يوم مصيبة ليس بأولى من أن يتّخذ يوم عيد و فرح و سرور لما قدّمنا ذكره و فضله من انّه يوم أنجى اللّه فيه أنبياءه من أعداءهم، و أهلك فيه أعداءهم الكفّار من فرعون و قومه و غيرهم، و انّه خلق السماوات و الأرض و الأشياء الشريفة و آدم و غير ذلك، و ما أعدّ اللّه لمن صامه من الثواب الجزيل و العطاء الوافر، و تكفير الذنوب و تمحيص السيّئات، فصار عاشوراء مثل بقيّة الأيّام الشريفة كالعيدين و الجمعة و عرفة و غيرها.

ثمّ لو جاز أن يتّخذ هذا اليوم يوم مصيبة لاتّخذته الصحابة و التابعون لأنّهم أقرب إليه منّا و أخصّ به.

أقول : أنّ الجيلاني يصرّ على تأكّد التوسعة و النفقة على العيال و الصدقة في يوم عاشوراء، و انّه يوم عيد و بركة إذ فيه : أنجى اللّه انبياءه فكأنّه لم يهتد إلى قول ابن الجوزي حيث قال : هذا حديث لا يشكّ عاقل في وضعه، و لقد أبدع من وضعه و‌ كشف القناع و لم يستحيي ...

و لا إلى قول العيني : و هو حديث موضوع وضعه قتلة الحسين.

و لا إلى قول القاري و لا الشوكاني. فتراه يلهج و يردّد الأباطيل في فضل عاشوراء و هو غافل عن كلام مهرة الفنّ و موقفهم من هذه المنقولات : تمذهب قوم من الجهّال بمذهب أهل السنّة فوضعوا هذه الأحاديث ... .

و منقولات التوسعة على العيال مجهولة أو ضعيفة جدّا، و روايات نجاة الأنبياء في يوم عاشوراء فهي من المراسيل و تنتهي إلى عكرمة الخبيث الّذي كان يكذب على ابن عبّاس- على ما صرّح به على بن عبد اللّه بن عبّاس-.

و كأنّ الجيلاني لم يتفقّه هذه المعاني، و لا ارشد إلى هذه التقارير من أرباب الفنّ، فتراه يصرّ على أشرفيّة أيّام عاشوراء و رفعتها على جميع ما سواها. و كأنّه غفل عن أفضليّة شهر رمضان و أيامّها و لياليها على سائر ما سواها، و كذلك أفضليّة عرفة كما لعلّه غفل أو تغافل عن أنّ الاعلان بالعيد يوم عاشوراء من مبتدعات تلك الشجرة الملعونة و الخبيثة كما سيأتي الكلام حوله.

و للأسف انّه ينسب كذبا و زورا إلى الشيعة الاثني عشريّة بأنّهم يحرّمون الصوم في عاشوراء لأجل قتل الحسين.

و هذا غريب ممّن يدّعي الفضل و الفهم و لا علم له لا بكتب السنّة و لا بمباني الاماميّة و آرائهم.

إذ أيّ فقيه إمامي يقول بأنّ الحرمة لأجل قتل الحسين (عليه السّلام) !!

أ ليس القول المشهور عند الطائفة- أعلى اللّه كلمتهم- هو الاستحباب، لكن على‌ سبيل الحزن؟!

ثمّ إنّ القائل بالحرمة منّا من المتأخّرين و المعاصرين لا يعلّل بما نسبه الجيلاني إلينا، بل يقول : إنّ الصيام في هذا اليوم و دعوى البركة فيه إنّما هو من بدع الأمويّين، فإنّهم هم الّذين صاموا بقصد الشكر للّه على قتل الحسين قرّة عين الرسول و سيّد شباب أهل الجنّة، فالصوم فيه بهذا القصد و بقصد التبرّك صوم أمويّ و أجر الصائم فيه على يزيد بن معاوية و على ابن مرجانة الدعيّ ابن الدعيّ و سائر قتلة الحسين عليهم آلاف اللعنة و العذاب الأليم، و إنّ حظّ الصائم فيه بهذا القصد هو حظّ المبتدعين له و هو النار إن شاء اللّه.

أقول : يكفي الجيلاني قول الذهبي فيه : الشيخ عبد القادر ... عليه مأخذ في بعض أقواله و دعاويه و اللّه الموعد!؟

أمّا قوله : لاتّخذه الصحابة و التابعون:

لقد تعرّضنا للروايات الّتي مفادها أنّ أهل البيت عليهم السّلام اتّخذوا هذا اليوم يوم حزن و حداد و أمروا المسلمين باتّخاذه يوم عزاء و بكاء ... كما أورد الحموي  و الطريحي  روايات في هذا المجال، فليراجع.

 

عاشوراء عيد الأمويين

يعرف من خلال التواريخ و من خلال تصريحات المؤرّخين أنّ الاحتفال بيوم عاشوراء كعيد و يوم فرح و سرور إنّما هو من بدع أجلاف بني أميّة و عملائهم و أذنابهم كالحجّاج بن يوسف و ملوك بني أيّوب، كما ورد التصريح بذلك في الخطط للمقريزي و الآثار الباقية لأبي ريحان البيروني، حيث صرّح بأنّ بني أميّة لبسوا فيه‌ الجديد، و تزيّنوا و اكتحلوا و عيّدوا ... و جرت هذه المراسم أيّام ملكهم ... و بقيت آثارها إلى يومنا هذا في بعض البلاد الاسلاميّة، و أضاف البعض : إنّ بني اميّة اتّخذوا اليوم الأوّل من صفر عيدا لهم حيث أدخلت فيه رأس الحسين (عليه السّلام) .

1- قال أبو الريحان:

و كانوا يعظّمون هذا اليوم- أيّ يوم عاشوراء- إلى أن اتّفق فيه قتل الحسين بن علي بن أبي طالب و أصحابه و فعل به و بهم ما لم يفعل في جميع الامم بأشرار الخلق من القتل بالعطش و السيف و الاحراق و صلب الرؤوس و إجراء الخيول على الأجساد فتشاءموا به، فأمّا بنو اميّة فقد لبسوا فيه ما تجدّد و تزيّنوا و اكتحلوا و عيّدوا، و أقاموا الولائم و الضيافات، و أطعموا الحلاوات و الطيّبات، و جرى الرسم في العامّة على ذلك أيّام ملكهم و بقي فيهم بعد زواله عنهم.

و أمّا الشيعة فإنّهم ينوحون و يبكون أسفا لقتل سيّد الشهداء فيه، و يظهرون ذلك بمدينة السلام و أمثالها من المدن و البلاد، و يزورون فيه التربة المسعودة بكربلاء، و لذلك كره فيه العامّة تجديد الأواني و الأثاث.

2- و قال المقريزي:

إنّه لمّا كانت الخلفاء الفاطميّون بمصر كانت تتعطّل الأسواق في ذلك اليوم- عاشوراء-، و يعمل فيه السماط  العظيم المسمّى سماط الحزن، و ينحرون الإبل، و ظلّ الفاطميّون يجرون على ذلك كلّ أيّامهم فلمّا زالت الدولة الفاطميّة اتّخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور يوسّعون فيه على عيالهم، و يتبسّطون في المطاعم، و يتّخذون الأواني الجديدة، و يكتحلون و يدخلون الحمّام جريا على عادة أهل الشام الّتي سنّها لهم الحجّاج  في أيّام عبد الملك بن‌ مروان ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب كرّم اللّه وجهه الّذين يتّخذون يوم عاشوراء يوم عزاء و حزن على الحسين بن علي (عليه السّلام)  لأنّه قتل فيه، قال : و قد أدركنا بقايا ممّا عمله بنو اميّة من اتّخاذ عاشوراء يوم سرور و تبسّط.

3- [قول] المصاحب:

لا زال يوم عاشوراء في تونس و مراكش و ليبيا يوم سرور، و تقام فيها مراسم خاصّة، و يقوم الناس فيه بزيارة القبور و جعل الورود عليها، و يجعلون أطواقا من النيران فيقفزون عليها، ثمّ يرمونها في الأنهار، و عادات اخرى ورثوها من البربر.

إذن المتبادر من المقريزي و غيره انّ بدعة العيد و الاكتحال و التزيّن و مراسم الفرح و السرور بدعة خبيثة من شجرة خبيثة أمويّة، كان الحجّاج يصرّ على إقامتها تأسّيا بأسياده الأمويّين، و الحجّاج هذا هو الّذي كان يأسف لعدم حضوره كربلاء ليكون هو المتولّي لسفك دم سيّد شباب أهل الجنّة الحسين بن علي (عليه السّلام) . أمّا بعض العادات الّتي ذكرها المصاحب و نوردها عن الكراجكي أيضا فهي عادات متّخذة من البربر ادخلها أجلاف بني أميّة في يوم عاشوراء ليكتمل بها سرورهم و يكون شاهدا واضحا على الجذور الّتي ينتمون إليها.

4- يقول الكراجكي:

و من عجيب أمرهم : دعواهم محبّة أهل البيت عليهم السّلام مع ما يفعلون يوم المصاب بالحسين (عليه السّلام)  من المواظبة على البرّ و الصدقة، و المحافظة على البذل و النفقة، و التبرّك بشراء ملح السنة، و التفاخر بالملابس المنتخبة، و المظاهرة بتطيّب الأبدان، و المجاهرة بمصافحة الإخوان، و التوفّر على المزاورة و الدعوات، و الشكر من أسباب الأفراح و المسرّات، و اعتذارهم في ذلك بأنّه يوم ليس كالأيّام، و إنّه مخصوص بالمناقب العظام، و يدّعون أنّ اللّه عزّ و جلّ تاب فيه على آدم.

فكيف وجب أن يقضي فيه حقّ آدم فيتّخذ عيدا، و لم يجز أن يقضي حقّ سيّد الأوّلين و الآخرين محمد خاتم النبيّين (صلّى اللّه عليه و آله) في مصابه بسبطه و ولده، و ريحانته و قرّة عينه، و بأهله الّذين اصيبوا و حريمه الّذين سبوا و هتكوا، فتجهد فيه حزنا و وجدا، و يبالغ عملا و كدّا، لو لا البغضة للذرّيّة الّتي يتوارثها الأبناء عن الآباء.

5- يقول زين الدين الحنفي:

و قد روي أنّ يوم عاشوراء كان يوم الزينة الّذي كان فيه ميعاد موسى لفرعون، و أنّه كان عيدا لهم، و يروى أنّ موسى (عليه السّلام)  كان يلبس فيه الكتّان و يكتحل فيه بالإثمد، و كانت اليهود من أهل المدينة و خيبر في عهد رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) يتّخذونه عيدا، و كان أهل الجاهليّة يقتدون بهم في ذلك، و كانوا يسترون فيه الكعبة، و لكنّ شرعنا ورد بخلاف ذلك؛ ففي الصحيحين عن أبي موسى قال : كان يوم عاشوراء يوما تعظّمه اليهود و تتخذه عيدا، فقال : صوموه انتم. و في رواية لمسلم : كان أهل خيبر يصومون يوم عاشوراء، يتّخذونه عيدا، و يلبسون نساءهم فيه حليتهم و شارتهم، فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : فصوموه أنتم.

6- قال السقّاف:

كتب ماكيافيللي كتابا أسماه الأمير اقتبسه من واقع الحياة السياسيّة و جاء فيه ممّا اقتبسه من واقع حياتهم السياسيّة منطق : الغاية تبرّر الواسطة و على هذا الأساس حلّ للحاكم السياسي الّذي حاول أن يدفن حادثة‌ عاشوراء أن يتّخذ كلّ وسيلة لذلك، و لو كانت منافية للدين و الاخلاق ففي سبيل إطفاء شعلة عاشوراء و دفن قضيّة كربلاء، و لجأوا إلى اختلاق أخبار جعلوها أحاديث و نسبوها إلى جدّ الحسين (عليه السّلام)  إلّا انّ عدم التنسيق في وسائل الأعلام لهؤلاء الحكّام جعلها متخالفة متضاربة.

أتوا بهذه الأخبار العظيمة و الكثيرة العدد بغية دفن قضيّة كربلاء، و لكن فشلوا و بقيت قضيّة كربلاء على ما هي عليه، القضيّة العظيمة جدّا : استحلال دم الحسين (عليه السّلام) .

و قد أصاب الشريف الرضي رضى اللّه عنه في وصف هذا الأمر، إذ قال:

كانت مآتم بالعراق تعدّها                   أمويّة بالشام من أعيادها

جعلت رسول اللّه من خصمائها            فلبئس ما ادّخرت ليوم معادها

نسل النّبيّ على صعاب مطيّها             و دم النّبيّ على رءوس صعادها 

معاوية يعلن عاشوراء يوم عيد

و ممّا يؤيّد أنّ الاعلان عن عاشوراء كعيد و من بدع الأمويّين هو ما ورد أنّ معاوية أيضا عبّر عن عاشوراء بالعيد، و لم يعهد من أحد لا من النبيّ الكريم (صلّى اللّه عليه و آله) و لا من الصحابة التعبير عنه بالعيد، اللّهمّ إلّا أن يكون الصحابي أمويّا أو عميلا لآل اميّة، أو مستنّا بشرع اليهود.

1- عبد الرّزاق، عن ابن جريج، قال : أخبرني يحيى بن محمد بن عبد اللّه صيفي :  انّ عمرو بن أبي يوسف- أخا بني نوفل- أخبره أنّه سمع معاوية على المنبر يقول : إنّ يوم عاشوراء يوم عيد فمن صامه فقد كان يصام، و من تركه فلا حرج.

بالنظر إلى هذا النصّ يعرف أنّ معاوية هو أوّل من أطلق على يوم عاشوراء صفة العيد، و لعلّ معاوية خاصة و الأمويّين عامّة كانوا يتوقّعون مقتل الحسين الشهيد (عليه السّلام)  يوم عاشوراء لأنّهم كانوا يعنون عناية خاصّة بأخبار الملاحم  و الفتن المأثورة عن النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) و عن علي (عليه السّلام) ، و في جملة الملاحم أخبار كثيرة حول مقتل الامام الحسين، و اليوم الّذي يقتل فيه، و الأرض الّتي يقتل فيها.

قد يقال : نسب في بعض النصوص إلى النبيّ (صلّى اللّه عليه و آله) تسمية العيد لهذا اليوم.

عن أبي هريرة، قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) : عاشوراء عيد نبي كان قبلكم فصوموه أنتم.

و لكنّ فيه : أوّلا : في سنده إبراهيم الهجري، و قد ضعّفه الأئمّة- كما قال الهيثمي،-  منهم : ابن عيينة و يحيى بن معين و النسائي.

ثانيا : أورد الحافظ زين الدين الحنبلي هذا النصّ عن الهجري و ليس فيه كلمة عيد، و إليك نصّه : عاشوراء كانت تصومه الأنبياء فصوموه أنتم.

ثالثا : رغم التتبّع و مراجعة الأحاديث  لم نعثر على نصّ يعبّر عن هذا اليوم بالعيد غير ما نقله الهجري، ممّا يثير و يقوّي شبهة الوضع فيما نقله الهجري أو الزيادة سيّما و انّه ضعيف عند ائمّة الرجال. نعم، في البخاري : كان يوم عاشوراء‌ تعدّه اليهود عيدا.

رابعا : وصف عاشوراء بالعيد على عهد الأنبياء السابقين لا يلازم كونه عيدا على عهد النبيّ الكريم أيضا.

 

الوظائف يوم عاشوراء

حيث انتهينا إلى ما يرتكبه الأمويّون و عملاؤهم يوم عاشوراء و يأمرون العامّة بارتكابه من البدع يستهدفون دفن عاشوراء و قضيّة كربلاء الحسين (عليه السّلام)  ... لا بأس بالاشارة هنا إلى ما ينبغي فعله في هذا اليوم مواساة لأهل بيت الرسول عليهم السّلام ممّا وصل إلينا و كلّفنا به من الأئمّة الطاهرين عليهم السّلام، و قد ذكرنا طائفة منها في فصل موقف أهل البيت عليهم السّلام و فيما يلي نصوص اخرى و كلمات الفقهاء رضوان اللّه عليهم:

1- زيارة الحسين (عليه السّلام)  ليلة عاشوراء و يومه:

أ- ابن طاوس : روينا ذلك باسنادنا إلى الشيخ أبي جعفر الطوسي فيما رواه عن جابر الجعفي، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)  قال : من بات عند قبر الحسين ليلة عاشوراء لقى اللّه يوم القيامة ملطّخا بدمه، و كأنّما قتل معه في عرصة كربلاء.

ب- و عنه : و قال شيخنا المفيد في كتاب التواريخ الشرعيّة : و روي أنّ من زار و بات عنده في ليلة عاشوراء حتى يصبح حشره اللّه تعالى ملطّخا بدم الحسين (عليه السّلام)  في جملة الشهداء معه.

ج- ابن قولويه : عن جابر الجعفي، قال : دخلت على جعفر بن محمّد (عليه السّلام)  في يوم‌

عاشوراء، فقال لي : هؤلاء زوّار اللّه و حقّ على المزور أن يكرم الزائر، من بات عند قبر الحسين ليلة عاشوراء لقى اللّه يوم القيامة ملطّخا بدمه كأنّما قتل معه في عصره، و قال : من زار قبر الحسين (عليه السّلام)  ليوم عاشوراء أو بات عنده كان كمن استشهد بين يديه.

د- و عنه : عن حريز، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام)  قال : من زار الحسين يوم عاشوراء وجبت له الجنّة.

ه‍- و عنه : عن زيد الشحّام، عن أبي عبد اللّه (عليه السّلام) ، قال : من زار قبر الحسين بن علي (عليه السّلام)  يوم عاشوراء عارفا بحقّه كان كمن زار اللّه في عرشه.

و- و عنه : عن محمد بن جمهور العمّي، عمّن ذكره، عنهم (عليه السّلام) ، قال : من زار قبر الحسين (عليه السّلام)  يوم عاشوراء كان كمن تشحّط بدمه بين يديه.

ز- و عنه : روى محمد بن أبي سيّار المدائني، بإسناده قال : من سقى يوم عاشوراء عند قبر الحسين (عليه السّلام)  كان كمن سقى عسكر الحسين و شهد معه.

ح- و عنه : ... عن يزيد الشحّام، عن جعفر بن محمّد (عليه السّلام)  قال : من زار الحسين ...

و من زاره يوم عاشوراء فكأنّما زار اللّه فوق عرشه. 6

ط- المفيد : روي أنّ من أراد أن يقضى حقّ رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) و حقّ أمير المؤمنين و حقّ فاطمة عليهما السّلام فليزر الحسين (عليه السّلام)  يوم عاشوراء.

ي- و عنه : روي أنّ من زار الحسين (عليه السّلام)  في يوم عاشوراء غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر.

ك- الطوسي : عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر (عليه السّلام)  قال : من زار الحسين (عليه السّلام)  في يوم عاشوراء من المحرّم حتى يظلّ عنده باكيا لقي اللّه عزّ و جلّ يوم يلقاه بثواب ألفي حجّة و ألفي عمرة و ألفي غزوة، و ثواب كلّ حجّة و عمرة و غزوة كثواب من حجّ و اعتمر و غزا مع رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) ... .

2- الإحياء مواساة لأهل البيت عليهم السّلام:

قال ابن طاوس : أعلم أنّ هذه الليلة أحياها مولانا الحسين (عليه السّلام)  و أصحابه بالصلوات و الدعوات، و قد أحاط بهم زنادقة الإسلام ليستبيحوا منهم النفوس المعظّمات، و ينتهكوا منهم الحرمات، و يسبوا نساءهم المصونات، فينبغي لمن أدرك هذه الليلة أن يكون مواسيا لبقايا أهل آية المباهلة و آية التطهير فيما كانوا عليه في ذلك المقام الكبير و على قدم الغضب مع اللّه جلّ جلاله و رسوله صلوات اللّه عليه و الموافقة لهما فيما جرت الحال عليه و يتقرّب إلى اللّه جلّ جلاله بالاخلاص من موالاة أوليائه و معاداة أعدائه.

أمّا فضل إحيائها:

1- فقد رأينا في كتاب دستور المذكّرين بإسناده عن النبي (صلّى اللّه عليه و آله) قال : قال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) من أحيا ليلة عاشوراء فكأنّما عبد اللّه عبادة جميع الملائكة و أجر العامل فيها كأجر سبعين سنة.

أقول : و مؤلّفه كما مرّ سابقا هو محمد بن أبي بكر أو محمد بن عمر أبو عيسى المديني الشافعي و لم يضمن ابن طاوس صحّة الرواية، و لذا قال : رأينا في كتاب دستور المذكّرين فيمكن العمل بها من باب التسامح في أدلّة السنن على مبنى جعل العمل مستحبّا أو ...

2- و عن علي (عليه السّلام)  : إن استطعت أن تحافظ على ... ليلة عاشوراء فافعل و أكثر فيهنّ من الدعاء و الصلاة و تلاوة القرآن.

أمّا يوم عاشوراء : [فيه أعمال و تكاليف]

- فيه أعمال و تكاليف، و فيما يلي بعضها:

1- إظهار الحزن:

قال ابن طاوس : إنّ أقلّ مراتب يوم عاشوراء أن تجعل قتل مولانا الحسين صلوات اللّه عليه و قتل من قتل معه من الأهل و الأبناء مجرى والداك ولديك، أو بعض من يعزّ عليك، فكن في يوم عاشوراء كما كنت تكون عند فقدان أخصّ أهلك بك و أقربهم إليك، فأنت تعلم أنّ موت أحد من أعزّتك ما فيه ظلم لك و لا لهم، و لا كسر حرمة الإسلام و لا كفر الأعداء لحرمتك.

فاجتهد أن يراك اللّه جلّ جلاله انّ كلّما يعزّ عليه يعزّ عليك، و أن يراك رسوله (عليه السّلام)  انّ كلّما هو إساءة إليه فهو اساءة إليك. فكذا يكون من يريد شرف الوفاء للّه جلّ جلاله و لرسوله و لخاصّته، و كذا يكون من يريد أن يكون اللّه جلّ جلاله و رسوله و أولياؤه عليه و عليهم السلام معه عند نكبته، أو حاجته، أو ضرورته، فإنّه إذا كان معهم في الغضب و الرضا و اللذّة و السرور كانوا معه عند مثل تلك الامور.

2- إقامة العزاء:

أ- عن الامام أبي جعفر الباقر (عليه السّلام)  : ... ثمّ ليندب الحسين (عليه السّلام)  و يبكيه و يأمر من في‌ داره ممّن لا يتّقيه بالبكاء عليه، و يقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، و ليعزّ بعضهم بعضا بمصابهم بالحسين (عليه السّلام) .

ب- عن الامام الرضا (عليه السّلام)  : من كان يوم عاشوراء يوم مصيبته و حزنه جعل اللّه يوم القيامة يوم فرحه و سروره، و قرّت بنا في الجنّة عينه.

ج- قال ابن طاوس : فمن مهمّات يوم عاشوراء عند الأولياء المشاركة للملائكة و الأنبياء و الأوصياء في العزاء لأجل ما ذهب من الحرمات الإلهيّة و درس من المقامات النبويّة، و ما دخل و يدخل على الإسلام بذلك العدوان من الذلّ و الهوان، و ظهور دولة إبليس و جنوده على دولة اللّه جلّ جلاله و خواص عبيده، فليجلس الانسان في العزاء لقراءة ما جرى على ذرّيّة سيّد الأنبياء صلوات اللّه جلّ جلاله عليه و عليهم و ذكر المصائب الّتي تجدّدت بسفك دمائهم و الإساءة إليهم.

د- و قد اقيم العزاء يوم عاشوراء في دمشق في اجتماع حافل، و قد رثى سبط ابن الجوزي الحسين بن علي و أجهش الناس بالبكاء، فعن ابن كثير : ... كان مجلس وعظ سبط بن الجوزي مطربا، و صوته فيما يورده حسنا طيّبا، و قد سئل في يوم عاشوراء زمن الملك الناصر صاحب حلب أن يذكر للناس من مقتل الحسين (عليه السّلام) ، فصعد المنبر و جلس طويلا لا يتكلّم، ثمّ وضع المنديل على وجهه و بكى شديدا، ثمّ أنشأ يقول و هو يبكي:

و يل لمن شفعاؤه خصماؤه                 و الصور في نشر الخلائق ينفخ

لا بدّ أن ترد القيامة فاطم                   و قميصها بدم الحسين ملطّخ

ثمّ نزل عن المنبر و هو يبكي، و صعد إلى الصالحية و هو كذلك رحمه اللّه.

3- الاضراب عن العمل:

أ- عن الامام الرضا (عليه السّلام)  انّه قال : من ترك السعي في حوائجه يوم عاشوراء قضى اللّه له حوائج الدنيا و الآخرة.

ب- عن الامام الباقر (عليه السّلام)  : ... و إن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فإنّه يوم نحس لا تقضى فيه حاجة مؤمن، و إن قضيت لم يبارك له فيها، و لم ير فيها رشدا.

4- الامساك عن الطعام:

قال ابن طاوس : اعلم أنّنا ذكرنا أنّ يوم عاشوراء يكون على عوائد أهل المصائب في العزاء، و يمسك الانسان عن الطعام و الشراب إلى آخر نهار يوم المصاب، ثمّ يتناول تربة شريفة و يقول من الدعوات ما قدّمناه عند تناول المأكولات في غير هذا الجزء من المصنّفات، و نزيد على ما ذكرناه أن نقول : اللّهمّ إنّنا أمسكنا عن المأكول و المشروب حيث كان أهل النبوّة في الحروب و الكروب، و أمّا حيث حضر وقت انتقالهم بالشهادة إلى دار البقاء، و ظفروا بمراتب الشهداء و السعداء، و دخلوا تحت بشارات الآيات بقولك جلّ جلالك : وَ لٰا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّٰهِ أَمْوٰاتاً بَلْ أَحْيٰاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ.

فنحن لهم موافقون، فنتناول الطعام الآن حيث إنّهم يرزقون في ديار الرضوان مواساة لهم في الامساك و الاطلاق، فاجعل ذلك سببا لعتق الأعناق، و اللحاق بهم في درجات الصالحين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أقول : الامساك هنا ليس بمعنى الصوم، بل لعلّه إشارة إلى رواية ابن سنان : صم من غير تبييت، و ليكن إفطارك بعد العصر ...

5- الدعاء على الظلمة:

أ- عن الامام الصادق (عليه السّلام)  : فإذا فرغت من ذلك- الصلاة- وقفت في موضعك الّذي صلّيت فيه و قلت سبعين مرّة : اللّهمّ عذّب الّذين حاربوا رسلك، و شاقّوك و عبدوا غيرك، و استحلّوا محارمك، و العن القادة و الأتباع و من كان منهم و من رضي بفعلهم لعنا كثيرا.

ب- و قال الامام الصادق (عليه السّلام)  أيضا : تقول في قنوتك : اللّهمّ إنّ الامّة خالفت الأئمّة، و كفروا بالكلمة، و أقاموا على الضلالة و الكفر، و الردى و الجهالة و العمى، و هجروا الكتاب الّذي أمرت بمعرفته، و الوصيّ الّذي أمرت بطاعته، فأماتوا الحقّ، و عدلوا عن القسط، و أضلّوا الامّة عن الحقّ، و خالفوا السنّة، و بدّلوا الكتاب، و ملكوا الأحزاب، و كفروا بالحقّ لمّا جاءهم، و تمسّكوا بالباطل، و ضيّعوا الحق، و أضلّوا خلقك، و قتلوا أولاد نبيّك، و خيرة عبادك و أصفيائك، و حملة عرشك، و خزنة سرّك، و من جعلتهم الحكّام في سماواتك و أرضك.

اللّهمّ فزلزل أقدامهم، و أخرب ديارهم، و اكفف سلاحهم و أيديهم و ألق الاختلاف فيما بينهم، و أوهن كيدهم، و اضربهم بسيفك الصارم، و حجرك الدامغ، و طمّهم بالبلاء طمّا، و ارمهم بالبلاء رميا، و عذّبهم عذابا شديدا نكرا، و ارمهم بالغلاء، و خذهم بالسنين الّذي أخذت بها أعداءك، و أهلكهم بما أهلكتهم به اللّهمّ و خذهم أخذ القرى و هي ظالمة إنّ أخذها أليم شديد.

6- الدعاء بالفرج:

من دعاء علّم به الصادق (عليه السّلام)  عبد اللّه بن سنان يقرؤه بعد الصلاة يوم عاشوراء:

اللّهمّ فرّج عن أهل محمد أجمعين، و استنقذهم من أيدي المنافقين و الكفّار و الجاحدين، و امنن عليهم و افتح لهم فتحا يسيرا، و اجعل لهم من لدنك على عدوّك و عدوّهم سلطانا نصيرا.

7- زيارة الشهداء يوم عاشوراء:

لقد عنون ابن طاوس الفصل الرابع عشر من كتابه بهذا العنوان ثمّ نقل الزيارة الواردة من الناحية المقدّسة و الّتي تتضمّن قائمة بأسماء شهداء كربلاء.

8- لبس السواد:

ذهب جماعة كثيرة من علمائنا الأعلام و فقهائنا الكرام إلى استحباب لبس السواد في مأتم مولانا الحسين قولا و فعلا : كالفقيه المحدّث البحراني في الحدائق، و الدربندي في الأسرار، و السيّد إسماعيل العقيلي النوري في وسيلة المعاد في شرح نجاة العباد، و المحدّث النوري في المستدرك، و الشيخ زين العابدين المازندراني في ذخيرة المعاد، و الشيخ محمد تقي الشيرازي و الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في حاشيته على العروة، و الشيخ محمد علي النخجواني في الدعاة الحسينيّة، و السيّد حسن الصدر في تبيين الرشاد في لبس السواد على الأئمّة الأمجاد، و الشيخ أبي الفضل الطهراني في شفاء الصدور، و قد كان بعض الفقهاء يلبس السواد طيلة هذين الشهرين كالفقيه السيّد حسين القمّي، و السيّد الحكيم، و غيره ...

و يؤيّده ما أورده البرقي : عن عمر بن زين العابدين (عليه السّلام)  أنّه قال : لمّا قتل جدّي الحسين (عليه السّلام)  لبس نساء بني هاشم في مأتمه السواد و المسوح، و كنّ لا يشتكين من حرّ‌و لا برد، و كان عليّ بن الحسين (عليه السّلام)  يعمل لهنّ الطعام للمأتم.

إذ من المستبعد عدم اطّلاع الامام على اتّفاقهنّ على لبس السواد و لم يمنعهنّ، فهو تقرير منه (عليه السّلام) .

و هناك أعمال و أدعية و زيارات اخرى تطلب من مظانّها.

اللّهمّ ارزقنى شفاعة الحسين يوم الورود، و ثبّت لى قدم صدق عندك مع الحسين و اصحاب الحسين الّذين بذلوا مهجهم دون الحسين (عليه السّلام) ‌.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.