ذكرنا آنفا ان لغة الصناع والفلاحين ليست كلغة الشعراء المشتهرين والخطباء المفوهين ، فهؤلاء اكثر عناية بكلامهم واساليب تعبيرهم لانهم صوت القبيلة الذائد عنها ، المعبر عن مفاخرها ، وبطولاتها بالألفاظ والاساليب المشحونة بالأحاسيس والمشاعر ، ومكانتهم في القبيلة ، ومحيطهم الذي يتحركون فيه ليسا ملائمين لظهور الغلط عندهم  او انتشاره بينهم ، كما هي الحال في بيئة اولئك. وهذا قبل نزول القران الكريم . اما بعد اشراقه شمس الاسلام ، وانتشاره بالفتوحات في خارج الجزيرة العربية في كل الاتجاهات ، ودخول الناس في دين الله من كل الامم فان اسباب اللحن قد اخذت اشكالا متفرقة يمكن اجمالها بما يأتي :

1ـ خروج العرب الفصحاء من الجزيرة العربية موطن الفصاحة ، وبعدهم منها زمانيا ومكانيا ، واختلاطهم بالأمم الاخرى، وتعاملهم وهؤلاء الاعاجم اضعف السليقة العربية والنحيزة  الاعرابية .

2ـ تزوج بعض العرب بالأعجميات ، وظهور طبقة الموالي ، واضطراب العرب الاقحاح الى مخاطبة هولاء في شؤون الحياة ، كل ذلك ادى الى ظهور اللحن وانتشاره ، فالعربي عليه ان يسمع من غير العربي  وان يفهمه ما يريد ، وغير العربي عليه ان يفهم العربي ، وان يستوعب الاوضاع الجديدة ، ويتعلم لغة

ص13

الفتح والسيادة والدين الجديد ،وليس من شك انه نشأت بمرور الزمن طبقة مولدة هجينة في عربيتها كثير من التجاوز والتسامح ، والتحرر من التعقيبات اللغوية ، التي تميز اللغة القدمى.

3ـ دخول الناس من غير العرب في الاسلام ولزوم اقامتهم شعائرهم ،واهمها اقامة الصلاة ، وهذا الركن المهم من اركان الاسلام يحتم على المسلم ان يقرا القران ، فلا صلاة بغير قراءة، ولا قراءة في الصلاة الا بالعربية ، وقد اوجب ذلك على غير العرب من المسلمين ان يتعلموا العربية ليقيموا الصلاة بها ، ويتلوا القران اثناء الليل واراف النهار، فتلاوته عبادة، زد على ذلك ان العربية لغة السلطة والمعاملات والتخاطب .

وغير العربي مسلما كان ام غير ذلك مهما حاول ان يتعرب فلن يتمكن من العربية كأصحابها الخلص، وهكذا ينشأ الغلط ويكثر ويستفحل بتقادم الزمن، وتوالي الانسان.

من اجل ذلك صار لزاما على محبي لغة التنزيل العزيز ان يدافعوا غائلة الخطر الذي احدق بها وبات يهددها ، وهكذا تحركوا بهمة، واحدثوا حدثا ، فانجزوا عملا مهما، كان الاساسي لما اطلق عليه فيما بعد (علم النحو) فكيف نشأ هذا العلم ؟

ص14