أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-02
1148
التاريخ: 7-10-2016
2628
التاريخ: 9-7-2021
2253
التاريخ: 22-3-2021
2589
|
ان معرفة اللّه إذا حصلت في الدنيا لم تكن خالية عن كدرة ما ، إلا أنه إذا اكتسب أصلها في الدنيا فيزيدها في الآخرة انكشافا و جلاء بقدر صفاء القلوب و زكائها و تجردها عن العلائق الدنيوية ، الى أن يصير اجلى و اظهر من المشاهدة بمراتب ، فالاختلاف بين ما يحصل في الدنيا من المعرفة و ما يحصل في الآخرة من المشاهدة و اللقاء إنما هو بزيادة الانكشاف و الجلاء.
مثال ذلك : ان من رأى إنسانا ، ثم غض بصره ، وجد صورته حاضرة في خياله كأنه ينظر إليها ، ولكن إذا فتح العين و أبصر ، أدرك تفرقة بين حالتي غض العين و فتحها ، و لا ترجع التفرقة إلى اختلاف بين بين الصورتين لاتحادهما ، بل الافتراق انما هو بمزيد الكشف و الوضوح ، فالصورة المتخيلة صارت بالرؤية أتم انكشافا ، فإذا الخيال اول الإدراك ، و الرؤية استكمال لادراك الخيال ، وهي غاية الكشف ، لا لأنها في العين ، بل لو خلق اللّه هذا الإدراك الكامل المتجلي في الصدر او الجبهة او اى عضو فرض استحق ان يسمى رؤية.
وإذا فهمت هذا في المتخيلات - أي المدركات التي تدخل في الخيال من الصور و الاجسام فقس عليه الحال في المعلومات اي ما يدرك بالعقل-، و لا يدخل في الخيال كذات البارى ، و كل ما ليس بجسم ، كالعلم و القدرة و الارادة و غيرها ، فان لمعرفتها و ادراكها أيضا درجتين: إحداهما : اولى ، و الثانية : استكمال لها ، و بينهما من التفاوت في مزيد الكشف و الايضاح ما بين المتخيل و المرئي ، فتسمى الثانية بالإضافة الى الأولى لقاء و مشاهدة و رؤية ، و هذه التسمية حق ، لان الرؤية سميت رؤية لأنها غاية الكشف ، و كما ان سنة اللّه جارية بأن تطبق الاجفان يمنع من تمام الكشف الذي هو الرؤية في المتخيلات ، فكذلك سنته ان النفس ما دامت محجوبة بالبدن و عوارضه و شهواته ، لم يحصل لها تمام الكشف الذي هي المشاهدة و اللقاء في المعلومات الخارجية عن الخيال ، فإذا ارتفع بالموت حجاب البدن ، و خلصت النفس ، لم يكن بعد في غاية التنزه عن كدورات الدنيا ، بل كانت ملوثة بها ، الا ان النفوس مختلفة في ذلك : فمنها : ما تراكم عليه الخبث و الصدى ، فصار كالمرآة التي فسد بطول تراكم الخبث جوهرها ، فلا تقبل الإصلاح و التصقيل , و هؤلاء هم المحجوبون عن ربهم ابد الآباد.
نعوذ باللّه من ذلك ، و منها : ما لم ينته إلى حد الرين و الطبع ، و لم يخرج عن قبول التزكية و التصقيل ، و هذه النفوس غير متناهية الدرجات و المراتب.
اذ المتلوث بالكدورات عرض عريض في الواقع بين الرين و الطبع ، و بين التزكية التامة و التجرد الكلي الذي لم يكن فيه شوب من الكدورات.
وهذه النفوس المتلوثة على اختلاف درجاتها و مراتبها تحتاج إلى التطهير لتستعد للمشاهدة و اللقاء بتجلي الحق فيها ، و تطهيرها انما هو بنوع عقوبة من العقوبات الأخروية.
وهي كمراتب التلوث غير متناهية الدرجات اولها سكرة الموت ، و آخرها الدخول في النار، و ما بينهما عقوبات البرزخ و أهوال القيامة بانواعها ، فكل نفس لا بد لها من عقوبة من هذه العقوبات لتتطهر من كدورتها : فمنها : ما يتطهر بمجرد سكرة الموت و شدة النزع ، و منها : ما يتطهر بها ، وينقص عقوبات البرزخ ، و منها : ما لا يتطهر إلا بأن يذوق بعض عقوبات الآخرة ، ومنها ما لا يحصل تطهيره إلا بالعرض على النار عرضا يقمع منها الخبث الذي تدنست به.
فربما كان ذلك لحظة حقيقة ، و ربما كان سبعة آلاف سنة , و ربما كان أقل أو أكثر، و لا يعلم تفصيل ذلك الا اللّه - سبحانه- ، و المحجوبون الذين بلغوا حد الرين و الطبع يكونون مخلدين في النار.
ثم النفوس القابلة للتطهير إذا اكمل اللّه تطهيرها و تزكيتها ، و بلغ الكتاب أجله ، استعدت حينئذ لصفائها و نقائها عن الكدورات لأن تتجلى فيها جلية الحق ، فتتجلى فيها تجليا يكون انكشاف تجليه بالإضافة إلى ما علمته وعرفته كانكشاف تجلى المرئيات بالإضافة إلى المتخيلات ، و هذه المشاهدة و التجلي تسمى رؤية ، لأنه في الظهور و الجلاء و الوضوح والانكشاف كالرؤية بالبصر، بل هو فوقه بمراتب شتى ، اذ الرائي في الأول العقل ، و في الثاني البصر، و شتان ما بينهما ، فان الاختلاف في مراتب الإدراك و الرؤية بحسب اختلاف نورية المدرك ، وأي نسبة لنورية البصر إلى نورية العقل واشراقه ، و ما للعقل من النفوذ في حقائق الأشياء و بواطنها أنى يكون للبصر.
وقد ظهر مما ذكر : أنه لا يفوز بدرجة الرؤية و المشاهدة الا العارفون في الدنيا ، لان المعرفة هي البذر الذي ينقلب في الآخرة مشاهدة ، كما تنقلب النواة شجرة و البذر زرعا ، و من لا نواة له كيف يحصل له النخل ، و من لم يلق البذر كيف يحصد الزرع ، فمن لم يعرف اللّه في الدنيا فكيف يراه في الآخرة ، و من لم يجد لذة المعرفة في الدنيا فلا يجد لذة النظر في العقبى ، اذ لا يستأنف لاحد في الآخرة ما لم يصحبه في الدنيا ، فلا يحصد المرء الا ما زرع ، و لا يحشر الا على ما مات عليه ، و لا يموت الا على ما عاش عليه.
ولما كانت المعرفة على درجات متفاوتة ، يكون التجلي أيضا على درجات متفاوتة ، فاختلاف التجلي بالإضافة إلى اختلاف المعارف كاختلاف النبات بالإضافة إلى اختلاف البذور، اذ يختلف لا محالة ، بكثرتها ، و قلتها ، و جودتها ، و رداءتها ، و ضعفها.
ثم كلما كان التجلي و المشاهدة أقوى ، كان ما يترتب عليه من حب اللّه و الانس به أشد و أقوى و كلما كان الحب و الانس أزيد ، كان ما يترتب عليه من البهجة و اللذة أعلى و أقوى ، و تبلغ هذه اللذة مرتبة لا تؤثر عليها لذة أخرى من نعيم الجنة ، بل ربما بلغت حدا تتأذى من كل نعيم سوى لقاء اللّه و مشاهدته ، فالنعمة و البهجة في الجنة بقدر حب اللّه ، و حب اللّه بقدر معرفته فاصل السعادات هي المعرفة التي عبر الشرع عنه بالأيمان.
فان قيل : اللقاء و المشاهدة ان كانت زيادة كشف للمعرفة حتى تتحقق بين لذة الرؤية و لذة المعرفة نسبة ، لكانت لذة اللقاء و الرؤية قليلة ، و ان كانت اضعاف لذة المعرفة ، اذ هي في الدنيا ضعيفة , فتضاعفها إلى أي حد فرض لا ينتهى في القوة , الا ان يستحقر في جنبها سائر لذات الجنة و نعيمها قلنا : هذا الاستحقار و التقليل للذة المعرفة باعثه عدم المعرفة أو ضعفها فان من خلا عن المعرفة ، أو كانت له معرفة ضعيفة و قلبه مشحون بعلائق الدنيا لا يدرك لذتها ، فمن كملت معرفته و صفت عن علائق الدنيا سريرته ، قويت بهجته و اشتدت لذته بحيث لا توازنها لذة ، فان للعارفين في معرفتهم و فكرتهم و مناجاتهم للّه - عز وجل - ابتهاجات و لذات لو عرضت عليهم الجنة و نعيمها في الدنيا بدلا عنها لم يستبدلوها بها.
ثم هذه اللذة مع كمالها لا نسبة لها أصلا إلى لذة اللقاء و المشاهدة ، كما لا نسبة للذة خيال المعشوق إلى رؤيته ، و لا للذة استنشاق روائح الأطعمة الطيبة إلى ذوقها و اكلها ، و لا للذة اللمس باليد إلى لذة الوقاع.
ومما يوضح ذلك ، ان لذة النظر إلى وجه المعشوق تتفاوت بامور :
أحدها- كمال جمال المعشوق و نقصانه.
وثانيها- كمال قوة الحب و الشهوة و ضعفه.
وثالثها - كمال الإدراك و ضعفه ، فان الالتذاذ برؤية المعشوق في ظلمة ، أو من بعد ، أو من وراء ستر رقيق ، ليس كالالتذاذ برؤيته على قرب من غير ستر عند كمال الضوء.
ورابعها - عدم الآلام الشاغلة و العوائق المشوشة و وجودها ، فان التذاذ الصحيح الفارغ المتجرد للنظر إلى المعشوق ليس كالتذاذ الخائف المذعور او المريض المتألم ، او المشغول قلبه بهم من المهمات ، فلو كان العاشق ضعيف الحب ، ناظرا إلى معشوقة على بعد و من وراء ستر رقيق ، مشغول القلب بمهمات ، مجتمعة عليه حيات و عقارب تؤذيه و تلذعه ، لم يكن خاليا عن لذة ما في هذه الحالة من مشاهدة معشوقه ، إلا أنه إذا فرض ارتفاع الستر و اشراق الضوء ، و اندفاع الحيات و العقارب المؤذية ، و فراغ قلبه من المهمات ، وحدوث عشق مفرط و شهوة قوية ، بحيث بلغت أقصى الغايات ، تضاعفت لذته ، بحيث لم تكن للذته الأولى نسبة إليها بحجه.
فكذلك الحال في نسبة لذة المعرفة في الدنيا مع حجاب البدن و الاشتغال بمهماته ، و مع تسلط حيات الشهوات و عقاربها : من الجوع ، و العطش ، و الشبق ، و الغضب ، و الحزن ، و الهم ومع ضعف النفس و قصورها و نقصانها في الدنيا عن التشوق إلى الملأ الأعلى لالتفاتها إلى اسفل السافلين إلى لذة اللقاء و المشاهدة التي يندفع فيها جميع ذلك عن النفس ، فالعارف لعدم خلوه في الدنيا عن هذه العوائق و المشوشات و ان قويت معرفته لا يمكن ان تكمل لذته و تصفو بهجته ، و ان ضعفت عوائقه و مشوشاته في بعض الأحوال و بقى سالما ، لاح له من جمال المعرفة ما تعظم لذته و بهجته و يدهش عقله ، بحيث يكاد القلب يتفطر لعظمته ، الا ان ذلك كالبرق الخاطف ، ولا يمكن ان يدوم ، اذ الخلو عن العوائق و المشوشات ليس يمكن ان يدوم ، بل هو آني، و يعرض بعد الآن من الشواغل و الافكار و الخواطر ما يشوشه و ينقصه و هذه ضرورة قائمة في هذه الحياة الفانية.
فلا تزال هذه اللذة منقصة إلى الموت , و انما الحياة الطيبة بعده ، و انما العيش عيش الآخرة فان الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون , و لذا كل عارف كملت معرفته في الدنيا و أحب لقاء اللّه يحب الموت و لا يكرهه ، الا من حيث إرادته زيادة استكمال في المعرفة ، فان المعرفة , بمنزلة البذر, و كلما كثرت المعرفة باللّه و بصفاته و بأفعاله و بأسرار مملكته قويت المشاهدة و اشتدت ، و كثر النعيم في الآخرة و عظم ، كما انه كلما كثر البذر و حسن كثر الزرع و حسن ، و لا ريب في ان المعرفة لا تنتهي إلى مرتبة لا تكون فوقها مرتبة اذ بحر المعرفة لا ساحل له , و الإحاطة بكنه جلال اللّه محال , فالعارف و ان قويت معرفته ربما أحب طول العمر وكره الموت لتزداد معرفته.
ثم أهل السنة قالوا : «ان الرؤية في الآخرة مع تنزهها عن التخيل و التصور و التقدير بالشكل والصورة و التحديد بالجهة و المكان : تكون بالعين دون القلب» : وهو عندنا باطل : اذ الرؤية بالعين محال في حق اللّه - تعالى- ، سواء كانت في الدنيا او في الآخرة ، فكما لا تجوز رؤية اللّه - سبحانه- في الدنيا بالعين و البصر، فكذلك لا تجوز في الآخرة ، و كما تجوز رؤيته في الآخرة بالعقل و البصيرة لاهل البصائر- اعني غاية الانكشاف و الوضوح بحيث تتأدى إلى المشاهدة و اللقاء - فكذلك تجوز رؤيته في الدنيا بهذا المعنى ، و الحجاب بينه و بين خلقه ليس إلا الجهل و قلة المعرفة دون الجسد ، فان العارفين و أولياء اللّه يشاهدونه في الدنيا في جميع أحوالهم و منصرفاتهم ، و إن كان الحاصل في الآخرة أزيد انكشافا و أشد انجلاء بحسب زيادة صفاء النفوس و زكائها و مجردها عن العلائق الدنيوية ، و قد ثبت ذلك من أئمتنا الراشدين العارفين بأسرار النبوة .
روى شيخنا الأقدم (محمد بن يعقوب الكليني) و شيخنا الصدوق (محمد بن علي بن بابويه) (رحمهما اللّه) باسنادهما الصحيح عن الصادق (عليه السلام): «أنه سئل عما يروون من الرؤية فقال : الشمس جزء من سبعين جزء من نور الكرسي ، و الكرسي جزء من سبعين جزء من نور العرش.
والعرش جزء من سبعين جزء من نور الحجاب ، و الحجاب جزء من سبعين جزء من نور الستر، فان كانوا صادقين فليملأوا أعينهم من نور الشمس ليس دونها سحاب».
وباسنادهما عن أحمد بن إسحاق قال : «كتبت إلى أبي الحسن الثالث (عليه السلام) أسأله عن الرؤية و ما اختلف فيه الناس ، فكتب : لا تجوز الرؤية ما لم يكن بين الرائي و المرئي هواه ينفذه البصر، فإذا انقطع الهواء عن الرائي و المرئي لم تصح الرؤية و كان في ذلك الاشتباه لأن الرائي متى ساوى المرئى في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه ، و كان ذلك التشبيه ، لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات».
وعن أبي بصير عن الصادق (عليه السلام) قال : «قلت له : أخبرني عن اللّه - عز و جل- هل يراه المؤمنون يوم القيامة؟ , قال : نعم! و قد رأوه قبل يوم القيامة , فقلت : متى؟ , قال : حين قال لهم : ألست بربكم ، قالوا : بلى , ثم سكت ساعة ، ثم قال : و إن المؤمنين ليرونه في الدنيا قبل يوم القيامة ، ألست تراه في وقتك هذا؟! , قال أبو بصير : فقلت له : جعلت فداك! فاحدث بهذا عنك؟.
فقال : لا! فانك إذا حدثت به فانكره منكر جاهل بمعنى ما تقوله ، ثم قدر أن ذلك تشبيه كفر، و ليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين ، تعالى اللّه عما يصفه المشبهون و الملحدون».
وسئل أمير المؤمنين (عليه السلام): «هل رأيت ربك حين عبدته؟ , فقال : ويلك! ما كنت أعبد ربا لم أره , قيل : و كيف رأيته؟.
قال : ويلك! لا تدركه العيون في مشاهدة الأبصار، و لكن رأته القلوب بحقائق الايمان» .
وقال سيد الشهداء (عليه السلام): «كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك ، أيكون لغيرك من الظهور ما ليس لك ، حتى يكون هو المظهر لك ، متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك ، و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ , عميت عين لا تراك عليها رقيبا ، و خسرت صفقة عبد لم تجعل من حبك نصيبا!» ، وقال (عليه السلام) أيضا : «تعرفت لكل شيء فما جهلك شيء» ، و قال : «و أنت الذي تعرفت إلي في كل شيء ، فرأيتك ظاهرا في كل شيء ، و أنت الظاهر لكل شيء» .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|