أقرأ أيضاً
التاريخ: 27-11-2014
6976
التاريخ: 24-02-2015
25680
التاريخ: 24-02-2015
1894
التاريخ: 24-02-2015
5050
|
قد حلف سبحانه في سورة التكوير بالكواكب بحالاتها الثلاث ، مضافاً إلى الليل المدبر ، والصبح المتنفس ، وقال : {فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (15) الْجَوَارِ الْكُنَّسِ (16) وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ (18) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ (20) مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } [التكوير : 15 - 21].
أشار سبحانه إلى الحلف الأوّل ، أي الحلف بالكواكب بحالاتها الثلاث بقوله :
الخُنَّس ، الجوار ، الكنس.
كما أشار إلى الحلف بالليل إذا أدبر ، بقوله : { وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ }.
وإلى الثالث أي الصبح المتنفس بقوله : { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ }.
وجاء جواب القسم في قوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } فوصف الرسول بصفات خمس : كريم ، ذي قوة ، عند ذي العرش مكين ، مطاع ، ثم أمين.
فلنرجع إلى إيضاح الأقسام الثلاثة ثمّ نعرج إلى بيان الرابطة بين المقسم به
والمقسم عليه.
أمّا الحلف الأوّل فهو رهن تفسير الألفاظ الثلاثة.
فقد ذكر سبحانه أوصافاً ثلاثة :
الأوّل : الخنس : وهو جمع خانس كالطُلَّب جمع طالب ، فقد فسره الراغب في مفراداته بالمنقبض ، قال سبحانه : { مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الخَنَّاسِ } أي الشيطان الذي يخنس ، أي ينقبض إذا ذكر الله تعالى.
وقال تعالى : { فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ } أي بالكواكب التي تخنس بالنهار.
وقيل : الخنس من زحل والمشتري والمريخ ، لأنّها تخنس في مجراها أي ترجع ، واخنست عنه حقه أي أخرته (1).
فاللفظ هنا بمعنى الانقباض أو التأخر ، ولعلهما يرجعان إلى معنى واحد ، فانّ لازم التأخر هو الانقباض.
الثاني : الجوار : جمع جارية ، والجري السير السريع مستعار من جري الماء.
قال الراغب : الجري ، المرّ السريع ، وأصله كمرِّ الماء.
قال سبحانه : {وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ} [الشورى : 32] أي السفينة التي تجري في البحر.
الثالث : الكنس : جمع كانس والكنوس دخول الوحش كالظبي والطير كناسه أي بيته الذي اتخذه لنفسه واستقراره فيه ، وهو كناية عن الاختفاء.
فالمقسم به في الواقع هي الجواري بما لها من الوصفين : الخنوس والكنوس ،وكأنّه قال : فلا أقسم بالجوار الخنس والكنس ، فقد ذهب أكثر المفسرين أنّ المراد من الجواري التي لها هذان الوصفان هي الكواكب الخمسة السيارة التي في منظومتنا الشمسية ، والتي يمكن رؤيتها بالعين المجردة ، وهي عطارد ، الزهرة ، المريخ ، المشتري ، زحل ويطلق عليها السيارات المتغيرة.
وتسمية هذه الخمسة بالسيارات والبواقي بالثابتات لا يعني نفي الجري والحركة عن غيرها ، إذ لا شك انّ الكواكب جميعها متحركات ، ولكن الفواصل والثوابت بين النجوم لو كانت ثابتة غير متغيرة فتطلق عليها الثابتات ، ولو كانت متغيرة فتطلق عليها السيارات ، فهذه السيارات الخمسة تتغير فواصلها عن سائر الكواكب.
إذا عرفت ذلك : فهذه الجواري الخمس لها خنوس وكنوس ، وقد فسرا بأحد وجهين :
الأوّل : أنّها تختفي بالنهار ، وهو المراد من الخنّس ، وتظهر بالليل وهو المراد من الكنّس.
يلاحظ عليه : أنّ تفسير خنس بالاختفاء لا يناسب معناها اللغوي ، أعني : الانقباض والتأخر إلاّ أن يكون كناية عن الاختفاء.
كما أنّ تفسير الكنس بالظهور خلاف ما عليه أهل اللغة في تفسيره بالاختفاء ، وما ربما يقال : من أنّها تظهر في أفلاكها كما تظهر الظباء في كنسها (2) ، لا يخلو من إشكال ، فأنّ الظباء لا تظهر في كنسها بل تختفي فيها.
ولو سلمنا ذلك فالأولى أن يفسر الجواري بمطلق الكواكب لا الخمسة المتغيرة.
الثاني : أن يقال : انّ خنوسها وانقباضها كناية عن قرب فواصلها ثمّ هي تجري وتستمر في مجاريها ، وكنوسها عبارة عن قربها وتراجعها.
قال في اللسان : « وكنست النجوم كنساً ، كنوساً : استمرت من مجاريها ثم انصرفت راجعة (3).
وعلى ذلك فاللّه سبحانه يحلف بهذه الأنجم الخمسة بحالاتها الثلاث المترتبة في الليل ، وهي انّها على أحوال ثلاثة.
منقبضات حينما تقرب فواصلها ثمّ إنّها بالجري يبتعد بعضها عن بعض ، ثمّ ترجع بالتدريج إلى حالتها الأُولى فهي بين الانقباض والابتعاد بالجري ثمّ الرجوع إلى حالتها الأُولى.
{ وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ } : وقد فسر عسعس بإدبار الليل وإقباله ، فإقبالها في أوّله وإدبارها في آخره.
والظاهر انّ المراد هو إقبالها.
قال الزجاج : عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر ، ولعل المراد هو الثاني بقرينة الحلف الثالث أعني { وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ } ، والمراد من تنفس الصبح هو انبساط ضوئه على الأُفق ودفعه الظلمة التي غشيته ، وكأنّ الصبح موجود حيوي يغشاه السواد عند قبض النفس ويعلوه الضوء والانبساط عند التنفس قال الشاعر :
حتى إذا الصبح لها تنفسا وانجاب عنها ليلها وعسعسا
هذا كلّه حول المقسم به ، وأمّا المقسم عليه فهو قوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ }.
الضمير في قوله : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يرجع إلى القرآن بدليل قوله : { لَقَوْلُ رَسُولٍ } والمراد من « رسول هو جبرئيل وكون القرآن قوله لا ينافي كونه قول الله إذ يكفي في النسبة أدنى مناسبة وهي انّه أنزله على قلب سيد المرسلين. قال سبحانه : { قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ } [البقرة : 97] وقال : {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ} [الشعراء : 193، 194].
ثمّ إنّه سبحانه وصفه بصفات ست :
1. رسول : يدل على وساطته في نزول الوحي إلى النبي.
2. كريم : عزيز بإعزاز الله.
3. ذي قوة : « ذي قدرة وشدة بالغة ، كما قال سبحانه : {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} [النجم : 5، 6].
4. { عِندَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ } : أي صاحب مكانة ومنزلة عند الله ، وهي كونه مقرباً عند الله.
5. مطاع : عند الملائكة فله أعوان يأمرهم وينهاهم.
6. أمين : لا يخون بما أمر بتبليغه ما تحمّل من الوحي.
وعطف على جواب القسم قوله : {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ} [التكوير : 22] والمراد هو نبيّنا محمد (صلى الله عليه واله) ، وكأنّ صاحبه حلف بما حلف ، للتأكيد على أمرين :
أ : القرآن نزل به جبرئيل.
ب : انّ محمّداً ليس بمجنون.
ثمّ إنّ الصلة بين المقسم به والمقسم عليه : هو انّ القرآن ـ المقسم عليه ـ حاله كحال هذه الكواكب الثوابت لديكم ، فكما أنّ لهذه الكواكب ، انقباض وجري ، وتراجع ، فهكذا حال الناس مع هذا القرآن فهم بين منقبض من سماع القرآن ، وجار وسار مع هداه ، ومدبر عن هديه إلى العصر الجاهلي.
ثمّ إنّ القرآن أمام المستعدّين للهداية كالصبح في إسفاره ، فهو لهم نور وهداية ، كما أنّ للمدبرين عنه ، كالليل المظلم ، وهو عليهم عمى ، والله العالم.
ثمّ إنّ في اتهام أمين الوحي بالخيانة ، والنبي الأعظم بالجنون ، دلالة واضحة على بلوغ القوم القسوة والشقاء حتى سوّغت لهم أنفسهم هذا العمل ، فزين لهم الشيطان أعمالهم.
وأخيراً نود الإشارة إلى كلمة قيمة لأحد علماء الفلك تكشف من خلالها عظمة تلك الكواكب والنجوم ، حيث يقول : لا يستطيع المرء أن يرفع بصره نحو السماوات العلى إلاّ ويغضي إجلالاً ووقاراً ، إذ يرى ملايين من النجوم الزاهرة الساطعة ، ويراقب سيرها في أفلاكها وتنقلها في أبراجها ، وكلّ نجم وأي كوكب ، وكل سديم وأي سيار ، إنّما هو دنياً قائمة بذاتها ، أكبر من الأرض وما فيها وما عليها وما حولها (4).
___________________
(1) مفردات الراغب : مادة خنس.
(2) تفسير المراغي : 30 / 57.
(3) لسان العرب : مادة كنس.
(4) الله والعلم الحديث : 25.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|