أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2015
3464
التاريخ: 20-4-2016
3176
التاريخ: 14-4-2016
3007
التاريخ: 14-4-2016
4899
|
ان ما يميز استقرار المجتمع وثبات تركيبته السياسية، هو وجود نظام قانوني او هيمنة شرعية من طراز الهيمنة التي تشعر الناس بان الشريعة تتعامل مع حياة الناس وتعالج مشاكلهم معالجة واقعية، بمعنى ان الانسان في دولة القانون يشعر بان الشريعة حاكمة على الافراد، عبر مؤسسات قانونية خضع لها الجميع دون استثناء، فلا يستطيع الفرد كسر القانون وانتهاك حرمة احكام الشريعة، حتى لو كان يشغل اعلى المناصب في الدولة.
وكانت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) حكومة تشريع وقانون، ونقصد بذلك، انها نظّمت العلاقات المالية والتجارية والحقوقية والانسانية بين الناس على اساس احكام الشريعة، وقد قرأنا فيما سبق شذرات من حاكمية الشريعة والقانون في فترة خلافته (عليه السلام).
فعلى المستوى القضائي والمخاصمات بين الافراد، يقف رئيس الدولة على قدم المساواة مع المواطن العادي امام القضاء، من اجل حل خصومة، كما وقف الامام (عليه السلام) مع فرد من اهل الذمة مطالباً بدرعه، وكانت تلك حادثة استثنائية، بكل المعايير، ولم تكن بلاد روما ولا بلاد فارس ولا قريش لتسمح لسادتها وامرائها بالوقوف امام القضاء، ولكن عليا (عليه السلام) وقف يدعي درعه امام قاضي الدولة، وقد تعلمت اوروبا الحديثة من الامام علي (عليه السلام) فكرة فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وتعلمت منه (عليه السلام) ايضا ادارته للدولة بما نفعها في بناء الدولة الحديثة.
وعلى المستوى الجنائي، اذا ازدادت العقوبة على المعاقَب اُقتص من المعاقِب، كما حصل عندما غلط قنبر فضرب الجاني سوطاً زائداً فاقتص منه الامام (عليه السلام).
وعلى المستوى الحقوقي، كانت الحقوق توزع على الناس، حتى لو كان بعضهم على خلافٍ مع الامام (عليه السلام)، بل حتى لو كان بعضهم يكره الامام (عليه السلام) ويتمنى زوال حكمه.
فهنا كانت حاكمية الشريعة، في تلك الفترة الزمنية، هي المهيمنة على الوضع العام، وبذلك ادركت الناس طبيعة السلطة الشرعية، وفهمت ابعاد الاحكام وملاكاتها في الضبط الاجتماعي، وادركت ايضاً طبيعة الحقوق المدنية، وضرورة التمييز بين المُلك العام والملك الخاص.
آليات دولة القانون:
كانت هناك مجموعة من الآليات العقلية، تضافرت جميعاً في تثبيت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، منها:
أولاً: القانون: آلة النظام: ان دولة القانون وحاكمية الشريعة، في زمن خلافة الامام (عليه السلام)، كانت تعني ان القانون هو آلة من آلات النظام العام، ووسيلة من وسائل حلّ الخصومات، وأثر من آثار الشرعية السياسية، وفرع من فروع المشاركة المدنية في الحكم، وتحكيم القانون الشرعي في الحياة الاجتماعية، يثمر دون شك بمكتسبات اجتماعية عظيمة للانسان المسلم في تلك الفترة الحساسة من الزمن.
ثانياً: واقعية القانون الشرعي: أثبتت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ان للاحكام الشرعية طبيعة واقعية، فلا الخصوص عممَ الحكم الشرعي، ولا العموم خصص ذلك الحكم، أي لا كرهه (عليه السلام) لقبيلتي باهلة وغنيّاً حرمهما من عطاء بيت المال، ولا حبّه (عليه السلام) لعشيرته وأهل بيته (عليه السلام) كان مبرراً لزيادة عطائهم من بيت المال، وبتعبير ثالث، ان الكره لم يغيّر حكماً، ولم يبدّل الحبّ أمراً شرعياً جاء به الدين.
ولم يشتكِ الامام (عليه السلام) أصلاً من استحالة التوفيق بين اصدار الحكم وبين تطبيقه، خصوصاً فيما يتعلق بتحقيق العدالة الحقوقية والاجتماعية بين الناس، فقد قال الامام (عليه السلام): «لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وانما المالُمالُ الله»، وهذا هو حكم نظري بالمساواة ؛ وعند التطبيق ساوى فعلاً بينهم بالعطاء.
نعم، كان هناك خللٌ في خصائص شريحة من الناس أتعبها تعلق الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بالآخرة، بينما كان نظرها شاخصاً الى الدنيا ومتعلقاً بزخارفها ومتعها، فذمّها (عليه السلام) بشدة وتمنى ان يبادلها بعدوّها.
ولكن الامام (عليه السلام) عالج مشاكل افراد تلك الشريحة عبر حثّهم على جهاد عدوّهم ومقاتلته، كما هو الحال مع اهل الكوفة الذين أتعبهم التفكر بالآخرة، وعالج مشاكل الدولة عبر محاسبة بعض الولاة الذين أكلوا من اموال بيت المال بغير حق، كما هو الحال مع من ذكرنا اسماءهم في الفصول السابقة ، وعزل البعض الآخر لضعفهم، كما هو الحال مع (محمّد بن ابي بكر) واليه على مصر حيث عزله لضعف فيه واضطراب الامر عليه.
وهكذا كانت سياسة الامام (عليه السلام): تطابق النظرية مع التطبيق، وتطابق الاحكام بما فيها من أوامر مع التنفيذ، وهذا يثبت واقعية الشريعة في دولة القانون.
ثالثاً: تعددية السلطات: ان للحكومة في الاسلام طبيعة تعددية، بمعنى ان حل الخصومات يختص بالقضاء وقاضي القضاة، وان الولاة على الامصار يتولون تنفيذ جبي الضريبة وتوزيعها وتنظيم الجيش والامن والتجارة في امصارهم، وان القائد العام للجيش يرسم السياسة العسكرية للدولة، فلم يكن هناك تقاطع ولا تداخل بين السلطات، أي ان سلطة القاضي لا تمتد الى سلطة الامام (عليه السلام)، ولا سلطة قائد الجيش تمتد الى سلطة القاضي، ولا سلطة الكتّاب تتقاطع مع سلطة الشرطة، وهكذا، فالسلطات خلال خلافته (عليه السلام) كانت متوازية، ومنفصلة ومستقلة، لكنها كانت تلتقي عند نقطة واحدة، وهي اشراف الامام (عليه السلام) عليها جميعاً.
وعلى هذا الاساس كان وجود القانون في الوطن الاسلامي وجوداً حيّاً، يحسّ به المرء في كل جانب من جوانب حياته، وعندما يكون القانون حاكماً، تكون للدولة سلطة شرعية يحترمها الناس جميعاً.
رابعاً: الشريعة أكبر من الحقائق الاجتماعية: وسّعت حكومة امير المؤمنين (عليه السلام) عند الناس، افق التفكير المنطقي بالدولة والقانون والشريعة، فجعلت المؤمنين المخلصين يحسون بأن الشريعة واحكامها اكبر من الحقائق الاجتماعية، ولذلك فهي قادرة على حلّها ومعالجتها، بينما وضعت الجهلاء من الناس امثال الاشعث بن قيس في الكوفة ومسلمة بن مخلّد ومعاوية بن حديج في مصر وغيرهم في موضع الحسد والنفاق وعدم القدرة على مواكبة منجزات الدولة، ولذلك فانهم توجهوا الى معاوية، لانه كان يلبّي طموحاتهم في الاثراء السريع.
خامساً: الشرعية القانونية: ان المفتاح في قضية حكم القانون والشريعة هو «الشرعية» وليس الاكراه، ونعني بالشرعية هو ان الامام (عليه السلام) كان مخوّلاً من قبل النبي (صلى الله عليه واله) بالادارة الشرعية للامة، فكل ما يصدر عن الامام (عليه السلام) كان له امضاء شرعي من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فالشرعية هي مفتاح تطبيق القوانين، وكما ان هناك الزاماً شرعياً بدفع الضريبة، هناك شرعية في المطالبة بها من قبل الحاكم العادل او من يمثله، فالشرعية تجعل تلك العملية (الدفع والاستلام) عملية قانونية تميل النفس الى ادائها، ولكن لو كانت السلطة تفتقد الى مثل تلك الشرعية، لاصبحت عملية اخذ الضريبة من المالك عملية انهاك لحرمة الملكية الشخصية، وهنا يتبدل الالزام _ تحت ظل الظالم _ الى اكراه.
ومن هنا اصبح مجتمع القانون الذي قاده امير المؤمنين (عليه السلام) مجتمعاً حضارياً متطوراً يحمل معه آلات علاج المشاكل الشرعية، ووسائل حل المعضلات الاجتماعية.
|
|
كل ما تود معرفته عن أهم فيتامين لسلامة الدماغ والأعصاب
|
|
|
|
|
ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
|
|
|
|
|
جامعة الكفيل تناقش تحضيراتها لإطلاق مؤتمرها العلمي الدولي السادس
|
|
|