المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9142 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



حكومة الامام (عليه السلام): حكومة قانون  
  
2546   03:59 مساءً   التاريخ: 5-4-2019
المؤلف : السيد زهير الاعرجي
الكتاب أو المصدر : السيرة الاجتماعية للامام علي بن أبي طالب (عليه السلام)
الجزء والصفحة : 702-705.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام علي بن أبي طالب / التراث العلوي الشريف /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2015 3464
التاريخ: 20-4-2016 3176
التاريخ: 14-4-2016 3007
التاريخ: 14-4-2016 4899

ان ما يميز استقرار المجتمع وثبات تركيبته السياسية، هو وجود نظام قانوني او هيمنة شرعية من طراز الهيمنة التي تشعر الناس بان الشريعة تتعامل مع حياة الناس وتعالج مشاكلهم معالجة واقعية، بمعنى ان الانسان في دولة القانون يشعر بان الشريعة حاكمة على الافراد، عبر مؤسسات قانونية خضع لها الجميع دون استثناء، فلا يستطيع الفرد كسر القانون وانتهاك حرمة احكام الشريعة، حتى لو كان يشغل اعلى المناصب في الدولة.

وكانت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) حكومة تشريع وقانون، ونقصد بذلك، انها نظّمت العلاقات المالية والتجارية والحقوقية والانسانية بين الناس على اساس احكام الشريعة، وقد قرأنا فيما سبق شذرات من حاكمية الشريعة والقانون في فترة خلافته (عليه السلام).

فعلى المستوى القضائي والمخاصمات بين الافراد، يقف رئيس الدولة على قدم المساواة مع المواطن العادي امام القضاء، من اجل حل خصومة، كما وقف الامام (عليه السلام) مع فرد من اهل الذمة مطالباً بدرعه، وكانت تلك حادثة استثنائية، بكل المعايير، ولم تكن بلاد روما ولا بلاد فارس ولا قريش لتسمح لسادتها وامرائها بالوقوف امام القضاء، ولكن عليا (عليه السلام) وقف يدعي درعه امام قاضي الدولة، وقد تعلمت اوروبا الحديثة من الامام علي (عليه السلام) فكرة فصل السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، وتعلمت منه (عليه السلام) ايضا ادارته للدولة بما نفعها في بناء الدولة الحديثة.

وعلى المستوى الجنائي، اذا ازدادت العقوبة على المعاقَب اُقتص من المعاقِب، كما حصل عندما غلط قنبر فضرب الجاني سوطاً زائداً فاقتص منه الامام (عليه السلام).

وعلى المستوى الحقوقي، كانت الحقوق توزع على الناس، حتى لو كان بعضهم على خلافٍ مع الامام (عليه السلام)، بل حتى لو كان بعضهم يكره الامام (عليه السلام) ويتمنى زوال حكمه.

فهنا كانت حاكمية الشريعة، في تلك الفترة الزمنية، هي المهيمنة على الوضع العام، وبذلك ادركت الناس طبيعة السلطة الشرعية، وفهمت ابعاد الاحكام وملاكاتها في الضبط الاجتماعي، وادركت ايضاً طبيعة الحقوق المدنية، وضرورة التمييز بين المُلك العام والملك الخاص.

آليات دولة القانون:

كانت هناك مجموعة من الآليات العقلية، تضافرت جميعاً في تثبيت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام)، منها:

أولاً: القانون: آلة النظام: ان دولة القانون وحاكمية الشريعة، في زمن خلافة الامام (عليه السلام)، كانت تعني ان القانون هو آلة من آلات النظام العام، ووسيلة من وسائل حلّ الخصومات، وأثر من آثار الشرعية السياسية، وفرع من فروع المشاركة المدنية في الحكم، وتحكيم القانون الشرعي في الحياة الاجتماعية، يثمر دون شك بمكتسبات اجتماعية عظيمة للانسان المسلم في تلك الفترة الحساسة من الزمن.

ثانياً: واقعية القانون الشرعي: أثبتت حكومة الامام امير المؤمنين (عليه السلام) ان للاحكام الشرعية طبيعة واقعية، فلا الخصوص عممَ الحكم الشرعي، ولا العموم خصص ذلك الحكم، أي لا كرهه (عليه السلام) لقبيلتي باهلة وغنيّاً حرمهما من عطاء بيت المال، ولا حبّه (عليه السلام) لعشيرته وأهل بيته (عليه السلام) كان مبرراً لزيادة عطائهم من بيت المال، وبتعبير ثالث، ان الكره لم يغيّر حكماً، ولم يبدّل الحبّ أمراً شرعياً جاء به الدين.

ولم يشتكِ الامام (عليه السلام) أصلاً من استحالة التوفيق بين اصدار الحكم وبين تطبيقه، خصوصاً فيما يتعلق بتحقيق العدالة الحقوقية والاجتماعية بين الناس، فقد قال الامام (عليه السلام): «لو كان المال لي لسويت بينهم، فكيف وانما المالُمالُ الله»، وهذا هو حكم نظري بالمساواة ؛ وعند التطبيق ساوى فعلاً بينهم بالعطاء.

نعم، كان هناك خللٌ في خصائص شريحة من الناس أتعبها تعلق الامام امير المؤمنين (عليه السلام) بالآخرة، بينما كان نظرها شاخصاً الى الدنيا ومتعلقاً بزخارفها ومتعها، فذمّها (عليه السلام) بشدة وتمنى ان يبادلها بعدوّها.

ولكن الامام (عليه السلام) عالج مشاكل افراد تلك الشريحة عبر حثّهم على جهاد عدوّهم ومقاتلته، كما هو الحال مع اهل الكوفة الذين أتعبهم التفكر بالآخرة، وعالج مشاكل الدولة عبر محاسبة بعض الولاة الذين أكلوا من اموال بيت المال بغير حق، كما هو الحال مع من ذكرنا اسماءهم في الفصول السابقة ، وعزل البعض الآخر لضعفهم، كما هو الحال مع (محمّد بن ابي بكر) واليه على مصر حيث عزله لضعف فيه واضطراب الامر عليه.

وهكذا كانت سياسة الامام (عليه السلام): تطابق النظرية مع التطبيق، وتطابق الاحكام بما فيها من أوامر مع التنفيذ، وهذا يثبت واقعية الشريعة في دولة القانون.

ثالثاً: تعددية السلطات: ان للحكومة في الاسلام طبيعة تعددية، بمعنى ان حل الخصومات يختص بالقضاء وقاضي القضاة، وان الولاة على الامصار يتولون تنفيذ جبي الضريبة وتوزيعها وتنظيم الجيش والامن والتجارة في امصارهم، وان القائد العام للجيش يرسم السياسة العسكرية للدولة، فلم يكن هناك تقاطع ولا تداخل بين السلطات، أي ان سلطة القاضي لا تمتد الى سلطة الامام (عليه السلام)، ولا سلطة قائد الجيش تمتد الى سلطة القاضي، ولا سلطة الكتّاب تتقاطع مع سلطة الشرطة، وهكذا، فالسلطات خلال خلافته (عليه السلام) كانت متوازية، ومنفصلة ومستقلة، لكنها كانت تلتقي عند نقطة واحدة، وهي اشراف الامام (عليه السلام) عليها جميعاً.

وعلى هذا الاساس كان وجود القانون في الوطن الاسلامي وجوداً حيّاً، يحسّ به المرء في كل جانب من جوانب حياته، وعندما يكون القانون حاكماً، تكون للدولة سلطة شرعية يحترمها الناس جميعاً.

رابعاً: الشريعة أكبر من الحقائق الاجتماعية: وسّعت حكومة امير المؤمنين (عليه السلام) عند الناس، افق التفكير المنطقي بالدولة والقانون والشريعة، فجعلت المؤمنين المخلصين يحسون بأن الشريعة واحكامها اكبر من الحقائق الاجتماعية، ولذلك فهي قادرة على حلّها ومعالجتها، بينما وضعت الجهلاء من الناس امثال الاشعث بن قيس في الكوفة ومسلمة بن مخلّد ومعاوية بن حديج في مصر وغيرهم في موضع الحسد والنفاق وعدم القدرة على مواكبة منجزات الدولة، ولذلك فانهم توجهوا الى معاوية، لانه كان يلبّي طموحاتهم في الاثراء السريع.

خامساً: الشرعية القانونية: ان المفتاح في قضية حكم القانون والشريعة هو «الشرعية» وليس الاكراه، ونعني بالشرعية هو ان الامام (عليه السلام) كان مخوّلاً من قبل النبي (صلى الله عليه واله) بالادارة الشرعية للامة، فكل ما يصدر عن الامام (عليه السلام) كان له امضاء شرعي من رسول الله (صلى الله عليه واله)، فالشرعية هي مفتاح تطبيق القوانين، وكما ان هناك الزاماً شرعياً بدفع الضريبة، هناك شرعية في المطالبة بها من قبل الحاكم العادل او من يمثله، فالشرعية تجعل تلك العملية (الدفع والاستلام) عملية قانونية تميل النفس الى ادائها، ولكن لو كانت السلطة تفتقد الى مثل تلك الشرعية، لاصبحت عملية اخذ الضريبة من المالك عملية انهاك لحرمة الملكية الشخصية، وهنا يتبدل الالزام _ تحت ظل الظالم _ الى اكراه.

ومن هنا اصبح مجتمع القانون الذي قاده امير المؤمنين (عليه السلام) مجتمعاً حضارياً متطوراً يحمل معه آلات علاج المشاكل الشرعية، ووسائل حل المعضلات الاجتماعية.




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.