أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-31
329
التاريخ: 13-6-2021
2403
التاريخ: 5-7-2022
1979
التاريخ: 2023-03-26
1433
|
الإنسان مدنيٌّ بالطبع ، لا يستغني عن إفراد نوعه ، والأُنس بهم والتعاون معهم على إنجاز مهامّ الحياة ، وكسب وسائل العيش .
وحيث كان أفراد البشَر متفاوتين في طاقاتهم وكفاءاتهم الجسميّة والفكريّة ، فيهم القويّ والضعيف ، والذكيّ والغبيّ ، والصالح والفاسد ، وذلك ما يُثير فيهم نوازع الإثرة والأنانيّة والتنافس البغيض على المنافع والمصالح ، ممّا يُسبّب بلبلة المجتمع ، وهدْر حقوقه وكرامته لذلك كان لا بدّ للأُمم مِن سلطةٍ راعيةٍ ضابطة ، ترعى شؤونَهم وتحمي حقوقهم ، وتشيع الأمن والعدل والرخاء فيهم .
ومِن هنا نشأت الحكومات وتطوّرت عِبر العصور مِن صورها البدائيّة الأُولى حتّى بلغَت طورها الحضاري الراهن ، وكان للحكّام أثرٌ بليغ في حياة الأٌمم والشعوب وحالاتها رقياً أو تخلفاً ، سعادة أو شقاءً ، تبعاً لكفاءة الحكام وخصائصهم الكريمة أو الذميمة .
فالحاكم المثالي المُخلص لامته هو : الذي يسوسها بالرفق والعدل والمساواة ، ويحرص على إسعادها ورفع قيمتها المادية والمعنويّة .
والحاكم المستبدّ الجائر هو : الذي يستعبد الأُمّة ويسترقّها لأهوائه ومآربه ويعمَد على إذلالها وتخلّفها ، وقد أوضحت آثار أهل البيت ( عليهم السلام ) أهميّة الحكّام وآثارهم الحسنة أو السيّئة في حياة الأُمّة ، فأثنت على العادلين المُخلصين منهم ، وندّدت بالجائرين وأنذرتهم بسوء المغبّة والمصير .
فعن الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : صنفان مِن أُمّتي إذا صلُحا صلحت أُمّتي ، وإذا فسدا فسدت. قيل يا رسول اللّه ومن هما؟ قال: الفقهاء والأُمراء ) (1) .
وعن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال : ( تُكلّم النار يوم القيامة ثلاثة : أميراً ، وقارياً ، وذا ثروةٍ مِن المال ، فتقول للأَمير : يا مَن وهَب اللّه له سُلطاناً فلَم يعدِل ، فتزدرده كما يزدرد الطير حبَّ السمسم ، وتقول للقارئ : يا من تزيّن للناس وبارَز اللّه بالمعاصي فتزدرده ، وتقول للغنيّ : يا من وهَب اللّه له دُنياً كثيرةً واسعةً فيضاً وسأَله الحقير اليسير فرضاً فأَبى إلاّ بُخلاً فتزدرده )(2) .
ولم يكتفِ أهل البيت ( عليهم السلام ) بالإعراب عن سخَطِهم على الظلم والظالمين ووعيدهم حتّى اعتبروا أنصارهم والضالعين في رِكابهم شُركاء معهم في الإثم والعقاب .
فعن الصادق عن أبيه ( عليهما السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ . أين الظَّلَمة وأعوانهم ، ومَن لاقَ لهم دواة ، أو ربط لهم كيساً ، أو مدّ لهم مدّة قلم ؟ فاحشروهم معهم ) (3) .
والطغاة مهما تجبروا وعتوا على الناس ، فإنّهم لا محالة مؤاخذون بما يستحقّونه مِن عقابٍ عاجلٍ أو آجل ، فالمكر السيّئ لا يحيق إلاّ بأهلهِ ولعنةُ التاريخ تُلاحق الطواغيت ، وتمطرهم بوابلٍ الذمِّ واللعن ، وتنذرهم بسوءِ المغبّة والمصير ، وفي التاريخ شواهدٍ جمّة على ذلك .
منها ما حكاه الرواة عن ابن الزيّات : إنّه كان قد اتّخذ في أيّام وزارته تنّوراً مِن حديد وإطراف مساميره محدودة إلى داخل وهي قائمة مثل رؤوس المسال ، وكان يعذّب فيه المصادرين وأرباب الدواوين المطلوبين بالأموال ، فكيف ما انقلب واحدٌ منهم أو تحرّك مِن حرارة العقوبة تدخل المسامير في جسمه ، فيجدون لذلك أشدّ الألَم ولم يسبقه أحدٌ إلى هذه المعاقبة .
فلمّا تولّى المتوكّل الخلافة اعتقل ابن الزيّات ، وأمر بإدخاله التنّور وقيّده بخمسة عشَر رطلاً مِن الحديد ، فأقام في التنّور أربعين يوماً ثمّ مات (4).
ومنها : الحجّاج بن يوسف الثقفي .
فإنّه تأمّر عشرين سنة ، و أُحصي مَن قتله صبراً سِوى مَن قُتِل في عساكره وحروبه فوجد - مِئة ألف وعشرين ألفاً - وفي حبسه خمسون ألف رجل ، وثلاثون ألف امرأة ، منهنّ ستّة عشر ألفاً مُجرّدة ، وكان يحبس النساء والرجال في موضعٍ واحد ، ولم يكن للحبس سترٌ يستُر الناس مِن الشمس في الصيف ، ولا مِن المطر والبرد في الشتاء .
ثمّ لاقى جزاء طُغيانه وإجرامه خِزياً ولعناً وعذاباً ، وكانت عاقبة أمره أنّه ابتلي بالآكلة في جوفه ، وسلّط اللّه عزّ وجل عليه الزمهرير ، فكانت الكوانين المتوقّدة بالنار تُجعَل حوله وتُدنى منه حتّى تحرق جِلده وهو لا يحسّ بها ، حتّى هلَك عليه لعائن اللّه .
حقوق الرعيّة على الحاكم :
والحاكم بصفته قائد الأُمّة وحارسها الأمين مسؤول عن رعايتها وصيانة حقوقها ، وضمان أمنها ورخائها ، ودرء الأخطار والشرور عنها .
وإليك أهمّ تلك الحقوق :
أ - العدل :
وهو أقدس واجبات الحكّام ، وأجلّ فضائلهم ، وأخلَد مآثرهم ، فهو أساس المُلك ، وقوام حياة الرعيّة ، ومصدر سعادتها وسلامها . وكثيراً ما يُوجب تمرّد الناس على اللّه تعالى ، وتنكبّهم عن طاعته ومنهاجه تسلّط الطغاة عليهم واضطهادهم بألوان الظُّلامات كما شهدت بذلك أحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) :
فعن الصادق ( عليه السلام ) عن آبائه عن عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) : قال اللّه جلّ جلاله : أنا اللّه لا إله إلاّ أنا خلقت الملوك وقلوبهم بيدي ، فأيُّما قومٍ أطاعوني جعلتُ قلوبَ الملوك عليهم رحِمَة ، وأيُّما قومٍ عصوني جعلتُ قلوبَ الملوك عليهم سخِطة ، ألا لا تشغلوا أنفسكم بسبِّ الملوك ، توبوا إليّ أعطف قلوبهم عليكم ) (5).
ب - الصلاح :
ينزع غالب الناس إلى تقليد الحكّام والعظماء تشبّهاً بهم ومحاكاةً لهم ، ورغبةً في جاههم ومكانتهم .
ولهذا وجَب اتّصاف الحاكم بالصلاح وحُسن الخُلُق وجمال السيرة والسلوك ليكون قدوةً صالحة ونموذجاً رفيعاً تستلهمه الرعيّة وتسير على هديه ومنهاجه .
وانحراف الحاكم وسوء أخلاقه وأفعاله يدفع غالب الرعيّة إلى الانحراف وزجّها في متاهات الغواية والضلال ، فيعجز الحاكم آنذاك عن ضبطها وتقويمها .
ونفسك فاحفظها مِن الغيّ والردى فمتى تغواها تغوي الذي بكَ يَقتدي
وفي التأريخ شواهدٌ جمّة على تأثّر الشعوب بحكّامها ، وانطباعها بأخلاقهم وسجاياهم حميدةً كانت أو ذميمة كما قيل : - الناس على دين ملوكهم .
ج - الرفق :
ويجدر بالحاكم أنْ يسوس الرعيّة بالرفق وحُسن الرعاية ، ويتفادى سياسة العُنف والإرهاب فليس شيءٌ أضرّ بسمعة الحاكم وزعزعة كيانه مِن الاستبداد والطغيان .
وليس شيءٌ أضرّ بالرعيّة ، وأدعى إلى إذلالها وتخلّفها مِن أنْ تُساس بالقسوة والاضطهاد .
فعن أبي جعفر ( عليه السلام ) قال : ( قال رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله ) إنّ الرفق لم يوضع على شيء إلاّ زانه ، ولا نُزِع مِن شيءٍ إلاّ شانه ) (6).
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن كان رفيقاً في أمره ، نال ما يُريد مِن الناس ) (7).
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في عهده إلى مالك الأشتَر : ( وأشعِر قلبَك الرحمة للرعيّة والمحبّة لهم واللطف بهم ، ولا تكوننّ سبُعاً ضارياً تغتنم أكلَهم ، فإنّهم صنفان : إمّا أخٌ لك في الدين ، وإمّا نظيركَ في الخلق ، يفرط منهم الزلَل ، وتعرُض لهم العِلل ، ويُؤتي على أيديهم في العمد والخطأ ، فاعطهم مِن عفوك وصفحك مثل الذي تحبّ وترضى أنْ يعطيك اللّه مِن عفوه وصفحه ، فإنّك فوقهم ، ووالي الأمر عليك فوقك ، واللّه فوق مَن ولاّك ، وقد استكفاك أمرهم وابتلاك بهم ).
وبديهيّ أنّ الرفق لا يجمل وقعه ولا يحمد صنيعه إلاّ مع النبلاء الأخيار ، أمّا الأشرار العابثون بأمن المجتمع وحرماته فإنّهم لا يستحقّون الرفق ولا يليق بهم ، إذ لا تجديهم إلاّ القسوة الزاجرة والصرامة الرادعة عن غيّهم وإجرامهم .
إذا أنـتَ أكـرمت الـكريم مـلكته وإنْ أنـت أكـرمت الـلئيم iiتـمرّدا
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضرٌ كوضعِ السيف في موضع الندى
مظاهر الرفق :
وللرفق صورٌ رائعة ومظاهر خلاّبة ، تتجلّى في أقوال الحاكم وأفعاله .
أ - فعليه أنْ يكون عف اللسان ، مهذّب القول ، مجانباً للبذاء .
ب - وأنْ يكون عطوفاً على الرعيّة يتحسّس بآلامها ومآسيها ، فإذا داهمها خطر ، وحاق بها بلاءٌ سارَع لنجدتها ومواساتها والتخفيف مِن بؤسها وعنائها .
ج - وأنْ يتفادى إرهاق الرعيّة بالإتاوات الباهضة ، والضرائب الفادحة الباعثة على شقائها وعنتها .
آثار الرفق :
للرفق خصائص وآثار طيّبة تفيء على الحاكم والمحكوم بالخير والوئام , فهو مدعاة حبّ الرعيّة للراعي وإخلاصها له وتفانيها في سبيله .
كما هو عاصم للرعيّة عن الملق والنفاق الناجمين مِن رهبة الحاكم المتجبّر والخوف مِن بطشة وفتكه .
وقد مدح اللّه رسوله الأعظم بالرفق والعطف فقال تعالى : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران: 159] .
د - اختبار الأعوان :
لا يستطيع الحاكم مهما أوتي مِن قدرة وكفاءة أنْ يستقلّ بسياسة الرعيّة ، ويضطلع بمهامّ الحُكم وإدارة جهازه ، فهو لا يستغني عن أعوان يؤازرونه على تحقيق أهدافه وإنجاز أعماله .
ولهؤلاء الأعوان أثرٌ كبيرٌ وخطير في توجيه الحاكم وتكييف أخلاقه وآرائه حسبما تتّصف به مِن خلالٍ وميولٍ رفيعةٍ أو وضيعة .
لذلك كان على الحاكم أنْ يختار بطانته وأعوانه مِن ذوي الكفاءة والنزاهة والصلاح ، لتمحضه النصيحة ، وتؤازره على إسعاد الرعيّة وتحقيق آمالها وأمانيها ، دونما نزوع إلى إثرة أو محاباة تضرّ بصالح الرعيّة وتجحف بحقوقها .
هـ - محاسبة العمّال والموظفين :
كثيراً ما يزهو الموظّف بمنصبه ونفوذه ، ويستحوذ عليه الغرور فيتحدّى الناس ، ويتعالى عليهم ويمتهن كرامتهم ويهمل أعمالهم ولا ينجزها إلاّ بدافعٍ مِن الطمع أو المُحاباة ، الخوف أو الرجاء ممّا يُعرقل مهمّاتهم ويستثير سخطِهم وحنقهم على جهاز الحكم .
لهذا يجب على الحاكم مراقبة الموظفين ومحاسبتهم على أعمالهم ومكافأة المُحسن منهم على إحسانه ، ومعاقبة المُسيء على إساءته ، ليؤدّي كلّ فردٍ منهم واجبة نحو المجتمع ، وليستشعر الناس مفاهيم العزّة والكرامة والرخاء .
وبذلك تتّسق شؤون الرعيّة ، ويسودها العدل ، وتنجو مِن مآسي الملَق والتزلّف إلى الموظّفين بالرشا وألوان الشفاعات .
و - إسعاد الرعيّة :
والحاكم بوصفه قائد الأُمّة وراعيها الأمين ، فهو مسؤول عن رعايتها والعناية بها ، والحرص على إسعادها ورقيّها مادّياً وأدبيّاً.
وذلك : بتفقّد شؤون الرعيّة ، ورعاية مصالحها وضمان حقوقها وإشاعة الأمن والعدل والرخاء فيها ، وتصعيد مستوياتها العلميّة والصحيّة والاجتماعيّة والأخلاقيّة والعمرانيّة : بنشر العِلم وتحسين طُرق الوقاية والعلاج وتهذيب الأخلاق والاهتمام بالتنمية الصناعيّة والزراعيّة والتجارية ، بالأساليب العلميّة الحديثة واستغلال الموارد الطبيعيّة ، وتشجيع المواهب والطاقات على الإبداع في تلك المجالات على أفضل وجه مُمكن .
وبذلك تتوطّد دعائم المُلك ، وتعلو أمجاد الأُمم ، وتتوثّق أواصر الودّ والإخلاص بين الحاكم والمحكوم ، ويتبوّأ الحاكم عرش القلوب , ويحظى بخلود الذكر وطيب الثناء .
حقوق الحاكم على الرعيّة
الحاكم العادل هو : قطب رَحى الأُمّة ، ورائد نهضتها ، وباني أمجادها ، وحارسها الأمين وهو عنصرٌ فعّال مِن عناصر المجتمع ، وجزءٌ أصيل لا يتجزّأ عنه ، لهذا وجَب أنْ يكون التجاوب في العواطف والمشاعر قويّاً بين الحاكم والمحكوم ، والراعي والرعيّة ؛ ليستطيع الأوّل أداء رسالته الإصلاحيّة لأُمّته ، وتحقيق أهدافها وأمانيّها ، ولتنال الأُمّة في ظلال حكمه مفاهيم الطمأنيّنة والحريّة والرخاء .
لذلك كان للحاكم حقوق على الرعيّة إزاء حقوقها عليه ، وكان على كل منهما رعاية حقوق الآخر ، والقيام بواجبه نحوه .
وهذا ما أوضحه أمير المؤمنين ( عليه السلام ) حيث قال : ( فليست تصلح الرعيّة إلاّ بصلاح الولاة ، ولا تصلُح الولاة إلاّ باستقامة الرعيّة ، فإذا أدّت الرعيّة إلى الوالي حقّه ، وأدّى الوالي إليها حقّها ، عزّ الحقّ بينهم ، وقامت مناهج الدين واعتدلَت معالِم العدل ، وجرت على إذلالها السُنن ، فصلُح بذلك الزمان ، وطمع في بقاء الدولة ، ويئست مطامع الأعداء .
وإذا غلبَت الرعيّة واليها ، وأجحَف الوالي برعيّته ، اختلفت هناك الكلمة ، وظهرت معالم الجور ، وكثُر الإدغال في الدين ، وتُرِكت محاجّ السنن ، فعُمِل بالهوى وعُطّلت الأحكام وكثُرت عِلل النفوس ، فلا يستوحش لعظيم حقٍّ عُطّل ، ولا لعظيم باطلٍ فُعِل ، فهناك تذلّ الأبرار ، وتعزّ الأشرار ، وتعظُم تَبِعات اللّه عند العباد ) .
وإليك مُجملاً مِن حقوق الحاكم :
1 - الطاعة : للحاكم حقّ الطاعة على رعيّته فيما يرضي اللّه عزّ وجل ، حيثُ لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق .
والطاعة هي : المشجّع الأوّل للحاكم على إخلاصه للرعيّة ، وتحسّسه بمشاعرها وآلامها ودأبه على إسعادها وتحقيق آمالها وأمانيها .
أمّا التمرّد والعصيان والخُذلان فهي خلال مقيتة تستفزّ الحاكم وتستثير نقمته على الرعيّة وبطشه بها ، وتقاعسه على إصلاحها ورقيّها ، ومِن ثمّ إحباط جهوده الهادفة البنّاءة في سبيلها .
انظر كيف يوصي الإمام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) شيعته بطاعة الحاكم : ( يا معشَر الشيعة ، لا تذلّوا رقابكم بترك طاعة سلطانكم ، فإنْ كان عادلاً فاسألوا اللّه إبقاءه ، وإنْ كان جائراً فاسألوا اللّه إصلاحه ، فإنّ صلاحكم في صلاح سلطانكم ، وإنّ السلطان العادل بمنزلة الوالد الرحيم ، فأحبّوا له ما تحبّون لأنفسكم ، واكرهوا له ما تكرهون لأنفسكم ) (8).
2 - المؤازرة : والحاكم مهما سمت كفاءته ومواهبه ، فإنّه قاصر عن الاضطلاع بأعباء الملك والقيام بواجبات الرعيّة وتحقيق منافعها العامّة ، ومصالحها المشتركة إلاّ بمؤازرة أكفائها ودعمهم له ، ومعاضدتهم إيّاه بصنوف الجهود والمواهب الماديّة والمعنويّة ، الجسميّة والفكريّة. وبمقدار تجاوبهما وتضامنهما يستتبّ الأمن ، ويعمّ الرخاء ويسعد الراعي والرعيّة .
3 - النصيحة : كثيراً ما يستبدّ الغرور بالحاكم ، وتستحوذ عليه نشوة الحكم وسكرة السلطان فينزع إلى التجبّر والطغيان ، واستعباد الرعيّة ، وخنق حرّيتها ، وامتهان كرامتها ، واستباحة حرماتها ، وسومها سوء المذلّة والهوان .
وهذا ما يُحتّم على الغيارى مِن قادة الرأي ، وأعلام الأُمّة أنْ يبادروا إلى نصحه وتقويمه والحدّ من طغيانه ، فإنْ أجدى ذلك ، وإلاّ فقد أعذر المصلحون وقاموا بواجب الإصلاح .
وقد جاء في الحديث عن الصادق عن آبائه ( عليهم السلام ) عن النبيّ ( صلّى اللّه عليه وآله ) قال : ( السلطان ظلّ اللّه في الأرض ، يأوي إليه كلّ مظلوم ، فمَن عدَل كان له الأجر ، وعلى الرعيّة الشكر ، ومَن جار كان عليه الوزر وعلى الرعيّة الصبر ، حتّى يأتيهم الأمر ) (9).
أمّا في العصر الحاضر وقد تطوّرت فيه أساليب الحياة ، ووسائل الإصلاح ، فلَم يعد الحكّام يستسيغون العظة والنصح ولا تجديهم نفعاً .
مِن أجل ذلك فقد استجازت الحكومات المتحضّرة نقد حكّامها المنحرفين عن طريق البرلمانات والصحف والمذكّرات التي تندّد بأثرتهم وأنانيّتهم ، وتنذرهم عليها بلعنة الشعب ، وثورته الماحقة على الطغاة والمستبدين .
_____________________
(1) ، (2) البحار : كتاب العشرة , ص 209 , عن الخصال .
(3) البحار : كتاب العشرة , ص 218 , عن ثواب الأعمال للصدوق .
(4) سفينة البحار : ج 1 , ص 574 .
(5) البحار : كتاب العشرة , ص 210 , عن أمالي الشيخ الصدوق .
(6) الوافي : ج 3 , ص 86 , عن الكافي .
(7) الوافي : ج 3 , ص 87 , عن الكافي .
(8) البحار : كتاب العشرة , ص 218 , عن أمالي الشيخ الصدوق .
(9) البحار : كتاب العشرة , ص 214 , عن أمالي الشيخ ابن عليّ ابن الشيخ الطوسي .
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|