أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-5-2016
3172
التاريخ: 4-3-2019
2821
التاريخ: 1-5-2016
4037
التاريخ: 2024-03-14
913
|
ان الآية الشريفة: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81] حبلى بالمعاني العديدة التي يمكن ان يستظهرها ذهن العالِم بأحكام الدين وتشريعاته. ومن تلك المعاني نظرية «حتمية ازهاق الشرك والظلم وحتمية انتصار الدين» على المدى البعيد. فتلك النظرية تعرض علينا امكانية صياغة استراتيجية الاسلام بالنسبة للدنيا والتأريخ. فالدين هو الحق، والكفر هو الباطل. ولابد ان ينتصر الدين ويندحر الباطل ويموت. لان الحق باقٍ الى الابد، والباطل ميتٌ الى الابد بظهور الاسلام وانتشاره في آفاق الارض. وفي الآية دلالة على ان الباطل لا دوام له ومصيره الهلاك كما قال تعالى في مكان آخر عن الباطل حيث مثّله بالشجرة الخبيثة: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم: 26].
وفي هذه المناسبة لابد من استخدام بعض المصطلحات الحديثة التي دخلت قاموس اللغة الاجتماعية والسياسية وهما اصلاحا: البعيد المدى «الاستراتيجية»، والقصير المدى «التكتيك». وهما مصطلحان اعجميان دخلا اللغة العربية. فالمعروف في الاوساط العلمية: ان التكتيك هو حركة ميكانيكية لاجسام وضعت في مسار بواسطة الخطة الاستراتيجية. وبتعبير اوضح ان الاعمال التي تتطلب زمناً طويلاً في الانجاز تحتاج الى خطة وتصميم مسبق، وتحتاج ايضاً الى من يقوم بالحركة الآن هو ما يُسمّى بالمدى القصير او التكتيك. فحركة السيارة او العربة هو تكتيك لخطة يضعها السائق من اجل الوصول الى المدينة المقصودة «الاستراتيجية».
واذا كانت الحرب تكتيكاً قصير المدى، فان التخطيط لها واستثمار نتائجها في النصر هو استراتيجية بعيدة المدى. وقد كان فتح مكة من هذا القبيل فقد كان الفتح جزءً من خطة مستقبلية بعيدة المدى لنشر الاسلام خارج حدود الجزيرة العربية ليصل العالم الواسع كله.
وبصورة اخرى، فان النهوض بأعباء الرسالة السماوية من اجل نشرها في العالم الى يوم القيامة لا يمكن ان يتم ما لم يجتزِ المسلمون مرحلة الانتصارالنهائي على الشرك في الحروب التكتيكية التي كان يخوضها علي (عليه السلام) جنباً الى جنب مع رسول الله (صلى الله عليه واله)، ثم ينتقلون الى مرحلة الاستراتيجية البعيدة المدى. فهنا انتقل المسلمون من مرحلة الدائرة المحلية الى مرحلة الدائرة العالمية. فالاسلام انذارٌ وبشارةٌ {كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: 28]، بعد ان كان الانذار محصوراً بـ {أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا} [الأنعام: 92] ومن قبلها بـ {عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214].
كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يخطط لاهداف استراتيجية بعيدة المدى في المعارك التي كان يخوضها، لانه كان (صلى الله عليه واله) مسدداً بالوحي، ولانه كان قائداً عسكرياً ملهماً من الطراز الاول، مكلّفاً بدعوة الناس جميعاً الى الاسلام. وكان علي (عليه السلام) الى جنبه دائماً الوسيلة القوية «التكتيك» التي تحقق نبؤات المصطفى (صلى الله عليه واله) وطموحاته في نشر الدين على بقاع المعمورة. والاستراتيجية لا يمكن ان تحقق اهدافها ما لم يكن التكتيك فعّالاً وحيوياً.
ولا شك ان تكتيك المعركة في ذاك الوقت كان ينصبّ على شجاعة المقاتل بالدرجة الاولى وبطولته القوى في انتزاع النصر من العدو. لان معارك الاسلام الاولى ضد الشرك كانت معارك بريّة بسلاح رئيسي واحد هو السيف. فلم تكن هناك معارك جويّة أو بحرية او برية كما هو الحال اليوم مع عشرات الانواع من الاسلحة المعقدة. ولذلك فان أي معركة اسلامية تقع بدون وجود بطل استثنائي مقدام كعلي (عليه السلام) لا يكتب لها النصر. فلم يحقق المسلمون شيئاً في معارك غاب عنها علي (عليه السلام) كمعركة ذات السلاسل قبل دخوله فيها، ومعركة خيبر قبل استلامه (عليه السلام) الراية، ومعركة مؤتة التي لم يحضرها.
ان فلسفة الزمان والمكان تدعونا للايمان بأن نزول الرسالة السماوية في ذلك الوقت وفي تلك البقعة من الارض، كان له معانٍ ساميةٍ تبقى مع التأريخ والبشرية الى يوم القيامة. فقد كان ذلك الزمان وسطاً بين تأريخ سابق وتأريخ لاحق، وكان ذلك المكان ولا يزال قلب العالم قديماً وحديثاً. وبذلك فاناحداثاً جسيمة - كأحداث الاسلام ومعاركه ضد الشرك - ستبقى في ضمير البشرية يمكن فهمها واستيعاب معانيها الجليلة الى آخر يوم يعيش الانسان فيه على وجه الارض. ولا شك ان احداثاً جسيمة كتلك كانت تقتضي وجود بطل عظيم مطيع يذود عن رسول الله (صلى الله عليه واله) المخاطر، ويستوعب اهداف الرسالة، وعلى استعداد تام للتضحية من اجل مبدأه. فكان الامام (عليه السلام) يمثّل ذلك الرجل المثالي الذي تفهمه البشرية في كل وقت وتفهم بطولته النادرة وتضحياته الجسيمة من اجل الاسلام.
وبلحاظ فلسفة الزمان والمكان لابد من الايمان بأن اساليب القتال تتغير وتتبدل من زمن لزمن ومن مكان لمكان، الا ان الثابت الذي نفهمه في كل جيل هو اخلاقية الحرب وتعامل المحاربين فيها وطبيعة دوافعهم الخيّرة. واذا فهمنا ذلك وآمنّا بأن اخلاقية الاسلام في الحروب كانت القمّة في الكمال استطعنا فهم بطولة علي (عليه السلام) وتضحياته في سبيل مبدأه وعقيدته. واذا كان قول النبي (صلى الله عليه واله) للامام (عليه السلام): «ايه ايه. جاء الحق وزهق الباطل . ان الباطل كان زهوقاً» يُفسَر بأن الحق قد انتصر وسوف ينتصر، وان الباطل قد سُحق وسوف ينهزم في كل مرّة يتواجد فيها مؤمنون مخلصون متفانون ؛ فاننا لابد ان نؤمن بأن تلك هي اهداف استراتيجية بعيدة المدى للاسلام ولرسالته السماوية. ومن هنا نفهم ان فتح مكة كان البوابّة العظمى للانفتاح على البشرية في القلب والعقل والادراك على طول الزمن.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|