أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-10-2014
1392
التاريخ: 24-11-2015
1665
التاريخ: 15-02-2015
1470
التاريخ: 13-02-2015
1635
|
إنّ إحترام المواثيق ، والوفاء بالعهود من الاُمور الفطريّة التي طبع
عليها البشر وتعلّمها في أوّل مدرسة من مدارس تكوين الشخصيّة ، أعني مدرسة الفطرة
ولأجل ذلك نجد الأطفال يعترضون على أوليائهم إذا خالفوا وعودهم ولم يفوا بها ولهذا
قال النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) : « احبّوا الصّبيان وارحموهم وإذا وعدتّموهم
شيئاً فأوفوا لهم » (1) .
هذا مضافاً إلى أنّ الاحترام للميثاق
والوفاء بالعهد شرط ضروريّ لإستقرار الحياة الاجتماعيّة واستقامتها ، إذ الثقة
المتبادلة ركن أساسيّ لهذه الحياة ، ولا تتحقّق هذه الثقة المتبادلة إلاّ بالوفاء
بالعهود ، والاحترام المتقابل للمواثيق ، والوعود ، ولهذا أمر الله سبحانه وتعالى
بلزوم الوفاء بالعهد وقال : {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ
مَسْئُولاً} (الإسراء : 34).
ويقول عن صفات المؤمنين : {وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ} (المؤمنون : 8).
وتبلغ أهميّة ذلك أنّ القرآن كما يمدح الموفين
بالعهد ، ويقول : {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ
وَلا يَنقُضُونَ المِيثَاقَ} (الرعد : 20) ، يذمّ في المقابل الناقضين للعهود ، ويقول عنهم : {وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ
اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ} ( الرعد : 25).
بل يشبّه الناقض للعهد بالمرأة الناقضة
لغزلها ، بعد أن تعبت على صنعه إشارة إلى ما يتركه نقض العهد من اختلال في الحياة
الاجتماعيّة فيقول : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ
وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ
عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ
غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا} ( النحل : 91 ـ 92).
وقد تضافرت الأحاديث على التأكيد والإيصاء
بهذا الأمر فقد قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فليف إذا وعد » (2).
وقال أيضاً : « أقربكم منّي غداً في الموقف أصدقكم في
الحديث وأدّاكم للأمانة وأوفاكم بالعهد » (3).
وقال أيضاً : « يجب على المؤمن الوفاء بالمواعيد والصّدق
فيها » (4).
إنّ نقض العهد والميثاق خير دليل على فقدان
الوازع الدينيّ ، وانعدام الشخصيّة الدينيّة ولهذا قال النبيّ الأكرم (صلى الله
عليه واله وسلم) : « لا
دين لمن لا عهد لهُ » (5).
إنّ الذي لا يرتاب فيه أحد هو أنّ المشركين
واليهود أشدّ الناس عداوة للمؤمنين كما صرّح القرآن بذلك قائلا : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً
لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} (المائدة : 82).
ومع ذلك نجد القرآن الكريم يصرّح بلزوم
احترام المواثيق والمعاهدات المعقودة مع المشركين فيقول : {وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ
أَلِيمٍ * إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ المُشْرِكِينَ } ( التوبة : 3 ـ 4)
.
نعم أجاز الإسلام قتال المشركين إذا نكثوا
ايمانهم وخالفوا عهودهم مع المسلمين ولذلك قال سبحانه : {وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ
عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ
لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ} (
التوبة : 12).
ولأجل أهمّية العهود والمواثيق المعقودة بين
المسلمين وغيرهم من الحكومات والأطراف أوصى الإمام عليّ (عليه السلام) واليه
الأشتر باحترام المواثيق إذ كتب في عهده المعروف :
« وإن عقدت بينك وبين عدُوّك عُقدةً أو
ألبستهُ منّك ذمّةً فحُط عهدك بالوفاء وارع ذمّتك بالأمانة واجعل نفسك جُنّةً دون
ما أعطيت فإنّهُ ليس من فرائض الله شيء النّاسُ أشدّ عليه اجتماعاً مع تفرّق
أهوائهم ، وتشتّت آرائهم من تعظيم الوفاء
بالعُهود » (6).
كما أنّه لمّا تمّ التحكيم ـ في صفّين ـ طلب
الخوارج من الإمام أن ينقض قرار التحكيم ولكنّه (عليه السلام) ردّهم بأشدّ الردّ
قائلاً : « ويحكُم
أبعد الرّضا والعهد نرجعُ ، أو
ليس الله يقولُ : {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقال : {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا
عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ
اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} » (7).
ومن نماذج التزام النبيّ (صلى الله عليه
واله وسلم) بمواثيقه وتعهّداته ردّ أبي بصير إلى مكّة بعد توقيع ميثاق الحديبيّة
حيث التزم ـ توخّياً للمصلحة ـ في أحد بنود ذلك الميثاق أن يردّ إلى المشركين كلّ
من فرّ من مكّة إلى المدينة ، واعتنق الإسلام فلمّا قدم النبيّ (صلى الله عليه
واله وسلم) إلى المدينة أتاه أبو بصير ، وكان ممّن حبس لإسلامه بمكّة فلمّا قدم
إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) كتب فيه قريش إليه (صلى الله عليه واله
وسلم) يطلبونه منه ـ حسب ما التزم في صلح الحديبيّة ـ وأرسلوا من يعيده إلى مكّة ،
فقال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا أبا بصير إنّا قد أعطينا هؤلاء القوم
ما قد علمت ولا يصلُحُ لنا في ديننا الغدر وإنّ الله جاعل لك ولمن معك من
المستضعفين فرجاً ومخرجاً فانطلق إلى قومك ».
قال يا رسول الله أتردّني إلى المشركين
يفتنونني في ديني ؟ قال (صلى الله عليه واله وسلم) : « يا أبا بصير انطلق فإنّ الله تعالى سيجعلُ
لك ولمن معك من المستضعفين فرجاً ومخرجاً » (8)
وقد فرّج عنه فيما بعد كما وعده الرسول بإذن
الله وممّا يؤكد أهمّية العهد والميثاق أنّ الله سبحانه صرّح بوجوب نصرة المؤمنين
القاطنين في مكّة غير المهاجرين إلى المدينة إذا طلبوا النصرة من مسلمي المدينة
على المشركين إلاّ إذا طلبوا العون والنصرة على قوم بينهم وبين المسلمين ميثاق
وعهد ، وإلى هذا أشار قوله سبحانه : {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا
لَكُم مِّن وَلايَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّىٰ يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ
فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَىٰ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم
مِّيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} ( الأنفال : 72).
ويندرج تحت هذا الأصل احترام جميع المعاهدات
والمواثيق على اختلاف مقاصدها ، ومحتوياتها ، كالمواثيق التجاريّة والعسكريّة
والسياسيّة إذا كانت في صالح المسلمين حدوثاً وبقاء.
__________________
(1) بحار الأنوار 16 : 155.
(2و3) الكافي 2 : 363 ، 364.
(4) المستدرك 2 : 85.
(5) بحار الأنوار 16 : 144.
(6) نهج البلاغة : قسم الكتب الرقم : 53.
(7) وقعة صفّين لابن مزاحم (طبعة مصر) : 514 ، وفي الارشاد للشيخ المفيد : 143 ـ 144 ما يقارب هذا.
(8) سيرة ابن هشام 2 : 323.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|