أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-10-2014
2574
التاريخ: 13-02-2015
1285
التاريخ: 13-02-2015
1600
التاريخ: 13-11-2014
1580
|
إنّ الإسلام يحث المسلمين على الإحسان إلى أهل الكتاب ، وأخذهم بحسن المعاشرة واحترام عقائدهم وإبقائهم على دينهم إذا هم اختاروا ذلك ، قال الله تعالى : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ } ( العنكبوت : 46).
وقال الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) : « من ظلم مُعاهداً وكلّفهُ فوق طاقته فأنا حجيجهُ يوم القيامة » (1) .
وقال : « من آذى ذميّاً فأنا خصمُه ومن كُنتُ خصمهُ خصمتُهُ يوم القيامة » (2) .
وكتب النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لأبي الحارث بن علقمة أسقف نجران :
« بسم الله الرّحمن الرحّيم. من محمّد النبيّ إلى الأسقف أبي الحارث وأساقفة نجران وكهنتهم ومن تبعهم ورهبانهم ، أنّ لهم ما تحت أيديهم من قليل وكثير من بيعهم وصلواتهم ورهبانيّتهم وجوار الله ورسوله ، لا يغيّر أسقف من أسقفيّته ، ولا راهب من رهبانيّته ولا كاهن من كهانته ، ولا يغيّر حق من حقوقهم ولا سلطانهم ولا شيء ممّا كانوا عليه ما نصحوا وصلحوا فيما عليهم غير مثقلين بظلم ولا ظالمين وكتب المغيرة » (3) .
وإليك نموذج آخر من هذه العهود :
(بسم الله الرحّمن الرّحيم ، وبه العون ، هذا كتاب كتبه محمّد بن عبد الله إلى كافّة النّاس أجمعين بشيراً ونذيراً ، ومؤتمناً على وديعة الله في خلقه لئلاّ يكون للنّاس على الله حجّة بعد الرّسل ، وكان الله عزيزاً حكيماً ، كتبه لأهل ملّته ، ولجميع من ينتحل دين النّصرانيّة من مشارق الأرض ومغاربها ، قريبها وبعيدها ، فصيحها وعجميها ، معروفها ومجهولها ، كتاباً جعله لهم عهداً ، ومن نكث العهد الّذي فيه وخالفه إلى غيره ، وتعدّى ما أمره كان لعهد الله ناكثاً ، ولميثاقه ناقضاً وبدينه مستهزئ ، وللّعنته مستوجباً ، سلطاناً كان أم غيره من المسلمين المؤمنين ، وإن احتمى راهب أو سائح في جبل أو واد أو مغارة أو عمران أو سهل أو رمل أو ردنة أو بيعة فأنا أكون من ورائهم ذابّ عنهم ، من كلّ عدة لهم ، بنفسي وأعواني ، وأهل ملّتي وأتباعي ، كأنّهم رعيّتي ، وأهل ذمّتي وأن أعزل عنهم الأذى في المؤن التي تحمل أهل العهد من القيام بالخراج إلاّ ما طابت به نفوسهم وليس عليهم جبر ولا إكراه على شيء من ذلك ، ولا يغيّر أسقف من أسقفيّته ، ولا راهب من رهبانيّته ، ولا حبيس من صومعته ، ولا سائح من سياحته ، ولا يهدم بيت من بيوت كنائسهم وبيعهم ، ولا يدخلُ شيء من مال كنائسهم في بناء مسجد ولا في منازل المُسلمين فمن فعل شيئاً من ذلك فقد نكث عهد الله ، وخالف رسُولهُ ، ولا يحملُ على الرّهبان والأساقفة ، ولا من يتعبّد جزيةً ولا غرامةً ، وأنا أحفظُ ذمّتهم أينما كانُوا من برّ أو بحر ، في المشرق والمغرب والشّمال والجنُوب. وهُم في ذمّتي وميثاقي وأماني من كُلّ مكرُوه.
وكذلك من ينفرد بالعبادة في الجبال والمواضع المُباركة ، لا يلزمُهُم ما يزرعُوهُ ، لا خراج ولا عُشر ، ولا يُشاطرُونهُ لكونه برسم أفواههم ، ويُعانُوا عند إدراك الغُلّة بإطلاق قدح واحد ، من كلّ أردب برسم أفواههم ، ولا يُلزمُوا بخرُوج في حرب ولا قيام بجزية ولا من أصحاب الخراج ، وذوي الأموال والعقارات والتّجارات ممّا أكثر [ من ] اثني عشر درهم بالحُجّة في كُلّ عام ، ولا يُكلّفُ أحداً منهُم شططاً ، ولا يُجادلُوا إلاّ بالتي هي أحسنُ ، ويُخفضُ لهُم جناحُ الرّحمة ويُكفّ عنهُم أدبُ المكرُوه حيثُما كانُوا وحيثُما حلّوا.
وإن صارت النصّرانيّةُ عند المُسلمين فعليه برضاها ، وتمكينها من الصّلوات في بيعها ، ولا يُحيلُ بينها وبين هوى دينها.
ومن خالف عهد الله ، واعتمد بالضدّ من ذلك ، فقد عصى ميثاقهُ ورسُولهُ ويُعانُوا على مرمّة بيعهم ومواضعهم ، ويُكونُ ذلك معونةً لهُم على دينهم ومعا [ وفاء ] لهُم بالعهد ، ولا يُلزمُ أحد منهُم بنقل السّلاح ، بل المُسلمين يذبّون عنهُم ولا يُخالفُوا هذا العهد أبداً إلى حين تقُومُ الساعة وتنقضي الدّنيا.
وشهد بهذا العهد الّذي كتبهُ مُحمّد بنُ عبد الله رسُول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لجميع النّصارى والوفاء بجميع ما شرط لهُم عليه عليّ بنُ أبي طالب و ... ) (4) .
إنّ أبرز ما يتجلّى للقارئ في هذا العهد النبويّ للنصارى اُمور :
1. مدى الحريّة العقائديّة المعطاة من جانب الإسلام للأقلّيات الدينيّة.
2. سعة الحماية التي تقوم بها الحكومة الإسلاميّة لهذه الأقليّات.
3. سعة الرحمة التي يشمل بها الدين الإسلاميّ الأقليّات.
إلى غير ذلك من النقاط الكليّة والجزئيّة التي يقف عليها المتتبّع بالإمعان في هذه الوثيقة الإسلاميّة التاريخيّة التي تمثّل ـ في حقيقتها ـ سياسة الحكومة الإسلاميّة اتّجاه الأقليّات وتصوّر اُسس هذه السياسة وخطوطها العريضة التي لا تجد لها مثيلاً في الحقوق الدوليّة المعاصرة !! وما عليك أيّها القارئ الكريم إلاّ أن تقايس هذه الحريّة المعطاة للأقليّات في مجال العقيدة ، بما جرى على فروة بن عمرو الذي كان عاملاً للروم على من يليهم من العرب ، فلمّا بعث فروة رسولاً بإسلامه إلى رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) وأهدى له بغلة بيضاء طلبه الروم حتّى أخذوه فحبسوه عندهم فلمّا قدموا ليقتلوه أنشأ فروة قائلاً :
بلّغ سراة المسلمين بأنّني سلم لربّي أعظُمي وبناني (5)
بل وقايسه بما جرى وحلّ بالنصارى على أيدي كنائسهم في محاكم التفتيش في القرون الوسطى ، وما وقع من مجازر شملت آلاف الناس بمن فيهم العلماء والمفكّرون لأجل الاختلاف العقيديّ (6) .
وقد ورد مفاد هذه الرسالة والوثيقة في وثائق وكتب اُخرى للنبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) اُعطيت لأهل الملل ، والعقائد غير الإسلاميّة رسم النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) فيها خطوط التعايش السلميّ الذي أشار إليه القرآن الكريم ، الذي يقوم على احترام الحقوق والعقائد للأقلّيّات الدينيّة.
لقد كانت معاملة الرسول الحسنة مع أهل الكتاب وما يسمّى الآن بالأقليّات الدينيّة قدوة للمسلمين دائماً ، فهذا هو الإمام أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) يوصي واليه بأهل الذمّة فيقول : « ولا تبيعنّ للنّاس في الخراج [ وهو ما يؤخذ من الضرائب على الأراضي العامة ] كُسوة شتاء ، ولا سيفاً ولا دابّةً يعتملُون عليها ولا عبداً ولا تضربنّ أحداً سوطاً لمكان درهم ، ولا تمُسّنّ مال أحد من النّاس مُصلّ ولا مُعاهد » (7)
كما أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) لما رأى ذات يوم شيخاً نصرانيّاً يستجدي ويتكفّف فقال : « ما هذا ؟ » قالوا : يا أمير المؤمنين ، نصرانيّ . فقال : « استعملتُمُوهُ حتّى إذا كبر وعجز منعتُمُوهُ. أنفقُوا عليه من بيت المال » (8)
ولقد كانت هذه السيرة مع الأقلّيّات الدينيّة هي سيرة أغلب قادة الإسلام فالتاريخ يحدّثنا : أنّ أحد الخلفاء مرّ على شيخ مضطرب الحال يتكفّف فسأل عنه ، ولمّا تبيّن له أنّه يهوديّ قال له : وما الذي دعاك إلى هذا.
فلمّا قال : إعطاء الجزية والحاجة ، والكبر ، أخذ الخليفة بيده ، وأدخله إلى منزله وسدّ حاجته بمبلغ من المال وأوصى خازن بيت المال وأمره أن يرفق به ويراعي حاله ، وحال من يشابهه وقال : « ليس من النصفة أن نستعمله في شبابه ونتركه في كبره » (9)
على أنّ الإسلام لم يكتف بهذا القدر من الاحترام وحسن المعاشرة والمعاملة ، فلم يقتصر على الأمر باحترام الأحياء من أهل الكتاب ، بل دعا إلى احترام أمواتهم كذلك. يقول جابر بن عبد الله : مرّت بنا جنازة ، فقام لها النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) وقمنا به. فقلنا : يا رسول الله : إنّها جنازة يهوديّ. فقال(صلى الله عليه واله وسلم) : « إذا رأيتم الجنازة فقوموا » (10)
وقال : كان سهل بن حنيف وقيس بن سعد قاعدين بالقادسيّة فمرّوا عليهما بجنازة ، فقاما ، فقيل لهما : إنّهما من أهل الأرض ، أي من أهل الذمّة ، فقالا : إنّ النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم) مرّت به جنازة فقام ، فقيل له : إنّها جنازة يهوديّ ، فقال : « أليست نفساً » (11)
ولهذا السبب كان أهل الكتاب في البلاد غير الإسلاميّة يستقبلون المسلمين الفاتحين لتلك البلاد باشتياق كبير ، ويفتحون في وجوههم أبواب مدنهم وحصونهم ، فعندما وصل الجيش الإسلاميّ بقيادة أبي عبيدة بن الجرّاح إلى أرض الأردن ، كتب إليه مسيحيّوا الأردن كتاباً قالوا فيه :
) أنتم أيها المسلمون أحبّ إلينا من الروم ، وإن كانوا معنا على دين واحد لكنّكم أوفى لنا ، وأرأف وأعدل ، وأبرّ ، إنّهم حكمونا ، وسلبوا منّا بيوتنا وأموالنا ) (12)
وقد كان هذا الكلام كتبه قسّيس أنطاكية الكبير الذي دفعه ظلم الروم وجفوتهم وقسوتهم ـ رغم نصرانيّتهم ـ إلى اللجوء إلى أحضان المسلمين ، والاحتماء بالنظام الإسلاميّ العادل الرحيم .
فهو يعترف في موضع آخر من رسالته قائلاً :
( انّ إله الانتقام لمّا رأى شرور الروم الذين لجأوا إلى القوّة فنهبوا كنائسنا وسلبونا ديارنا في كافّة ممتلكاتهم وأنزلوا بنا العقاب في غير رحمة ولا شفقة ، أرسل أبناء إسماعيل ( أي العرب المسلمين ) من بلاد الجنوب ( أي مكّة والمدينة ) لتخليصنا من قبضة الروم ) (13)
ثمّ يكتب مؤلّف « الدعوة إلى الإسلام » قائلاً :
(امّا ولايات الدولة البيزنطيّة التي سرعان ما استولى عليها المسلمون ببسالتهم فقد وجدت أنّها تنعم بحالة من التسامح لم تعرفها طوال قرون كثيرة بسبب ما شاع بينهم من الآراء اليعقوبيّة والنسطوريّة ( المتضاربة فيما بينها ) فقد سمح الإسلام لهم أن يؤدّوا شعائر دينهم دون أن يتعرّض لهم أحد ، اللّهمّ إلاّ إذا استثنينا بعض القيود التي فرضت عليهم منعاً لإثارة أي احتكاك بين أتباع الديانات المتنافسة ) (14)
وقد دفعت مداراة المسلمين وحسن معاشرتهم ومعاملتهم لأهل الكتاب في أن يجدوا أمنهم المطلوب في كنف المسلمين ، ويحسّوا بالطمأنينة في ظلال الحكومة الإسلاميّة والنظام الإسلاميّ حتّى أنّ الأدلّة التاريخيّة والشواهد القطعيّة الكثيرة تشهد على أنّ الكثير من النصارى الذين كانوا يطاردون من قبل الكنيسة الرسميّة في بيزنطية كانوا يلجأون إلى البلاد الإسلاميّة حصولا على الحماية والأمن والاستقرار ولأجل هذا نجد أنّ أجمل الكنائس والصلوات هي تلك التي بنيت في أرض الإسلام أيّام مجد المسلمين ودولتهم.
وهذا أمر ملحوظ في جميع البلاد الإسلاميّة الحاضرة.
هذا مضافاً إلى أنّ الأقليّات الدينيّة كانت ولا تزال تتمتّع بالحريّة الاقتصاديّة والتجاريّة والمعيشيّة ، دون أن تحسّ بحاجة إلى التحزّب والتمركز والتجمّع لمواجهة أي خطر.
__________________________
(1) فتوح البلدان للبلاذريّ : 167 ( طبعة مصر).
(2) روح الدين الإسلاميّ : 274.
(3) الطبقات الكبرى 1 : 266 ، والبداية والنهاية 5 : 55 ، والوثائق السياسيّة : 115 رقم 95 كما في مكاتيب الرسول 2 : 333.
(4) مجموعة الوثائق السياسيّة : 373 ، كما عن أحمد زكي باشا ، رسالة صورة العهد النبويّة الطوريّة عن خطية دار الكتب المصريّة رقم 814 كما في مكاتيب الرسول 2 : 635.
(5) اُسد الغابة 4 : 178.
(6) راجع ما كتبه ويل دورانت في قصّة الحضارة.
(7) نهج البلاغة : قسم الكتب رقم 51.
(8) وسائل الشيعة 1 : كتاب الجهاد : الباب 19 ح 1.
(9) السلام العالميّ والإسلام.
(10 و 11) البخاريّ 2 : 85.
(12 و 13 و 14) الدعوة إلى الإسلام تأليف السير توماس أرنولد : 53.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|