أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-3-2019
2857
التاريخ: 14-10-2015
3989
التاريخ: 4-3-2019
2230
التاريخ: 12-4-2016
3033
|
وعندما بلغ محمدٌ (صلى الله عليه واله) مبلغ الرجال وتزوج بخديجة بنت خويلد استقلّ في حياته الجديدة عن عائلة عمّه أبي طالب (رض). ولكن حصل في تلك الفترة أمر استثنائي، وهو ضمّه علياً (عليه السلام) اليه (صلى الله عليه واله). فعندما طلب رسول الله (صلى الله عليه واله) من ابي طالب (رض) ضم علي (عليه السلام) اليه للتخفيف من عيال عمه في الشدة التي أصابت قريشاً، كان (صلى الله عليه واله) يعلم بأنه يضمُّ اليه صفحة ذهنية بيضاء طاهرة مستعدة لالتقاط العلم والمعرفة الربانية، وارضاً بكراً يغرس فيها (صلى الله عليه واله) ما يستطيع من علم ومعرفة وحكمة ودين. فقد كان علي (عليه السلام) وقتها صبياً في السادسة من عمره المديد.
عملية نقل الخصال النبوية:
تعلّم علي (عليه السلام) في البداية من رسول الله (صلى الله عليه واله) الخصال النبوية في كمال الادب وعظمة الخُلق وعفة اللسان وسماحة النفس والشجاعة والأيْد. وقد أشار (عليه السلام) الى ذلك بقوله: «... ولقد كنتُ اتبعه إتّباع الفصيل إثر أمه، يرفع لي في كل يوم علماً من اخلاقه...». وقد رفع ذلك الإتباع والانقياد علياً (عليه السلام) الى مستويات من السمو والكمال والجمال. خصوصاً وانه (عليه السلام) كان يمتلك استعداداً هائلاً لتقبل ذلك العلم السماوي واستيعابه.
فكان التعليم النبوي لعلي (عليه السلام) اداةً لصقل دوافعه الدينية نحو الخالق عزّ وجلّ، ووسيلة لتنمية مواقفه الحياتية والفكرية مع الدين الجديد القادم، وطريقة لترسيخ الجمالية الدينية والاخلاقية السماوية التي كان يتمتع بها رسول الله (صلى الله عليه واله) في شخصيته (عليه السلام). وبذلك، فان استعداد علي (عليه السلام) الخاص لاستيعاب كمية واقعية هائلة من المعلومات عن الحياة والوجود والخلق والشريعة والقانون وخفايا الحياة الآخروية، جعلته يخرج الى قريش والعالم الاوسع مسلحاً بفهم شامل وكامل للاحكام الواقعية والقضايا الحقيقية. على عكس الذين لم يقدّر لهم أن يوهبوا تلك النعمة، فقد نشأوا وفيهم نقص ذهني في ادراك الواقع، وفي أذهانهم كمية محدودة وقليلة عن التشريع وأهدافه وملاكاته. ولذلك لمسنا هفواتهم عندما تسلّموا اعلى تكاليف الشرع في ادارة المجتمع بعد وفاة النبي (صلى الله عليه واله). ولكننا لم نلمس من علي (عليه السلام) الا الفهم الكامل الواقعي لقضايا الدين.
قدوة من الطراز الاول:
ومن الطبيعي، فاننا نلحظ المسحة النبوية في حياة امير المؤمنين (عليه السلام) من خلال: فصاحة اللغة، وكمال الدين، وسلامة العاطفة، وشفافية الاخلاق. وتلك عوامل اجتمعت كلها في شخصية علي (عليه السلام) الذي كان قدوة دينية من الطراز الاول بعد رسول الله (صلى الله عليه واله).
واكتساب علي (عليه السلام) الفاظه من رسول الله (صلى الله عليه واله) منذ سن الفولة يعني أن نشاطه اللغوي الفصيح في مقتبل حياته والى آخر لحظة من لحظات عمره سيكون نشاطاً لفظياً شرعياً، ويعني أيضاً أن الثقافة التي تعدّ جزءً من تركيبته اللغوية هي ثقافة دينية سماوية لا ثقافة اجتماعية، كما كان حال الرعيل الاعظم من المسلمين في تلك الفترة التأريخية. ذلك ان اللغة التي يكتسبها الفرد تتأثر تأثراً عظيماً بالثقافة الاجتماعية او الثقافة الدينية؛ فالانسان يكتسب اللغة عن طريق التعلم لا عن طريق الوراثة الجينية. ولذلك كان علي (عليه السلام) لسان الاسلام الناطق بالحق والقوة والبلاغة، وكانت كلماته الشرعية البديعة تعيش عطرة في الوسط الاسلامي الجديد.
ولم يقتصر النبي (صلى الله عليه واله) على تعليم علي (عليه السلام) قوة المضمون في العبارة ومطلق اليقين في منطوق الكلمات ومفاهيمها، بل منحه (صلى الله عليه واله) أيضاً فهماً في قضايا الخلق والايجاد، والوجود والحياة، والكون والانسان، والخالق والمخلوق. وأعطاهُ إدراكاً لملاكات الاحكام والمصالح والمفاسد وطبيعة الحقوق والواجبات ورتب التكاليف ومقتضياتها. وهذا هو الدين الذي انزله الله سبحانه على رسوله (صلى الله عليه واله) عبر وضع الطبيعة النهائية للحقيقة على شكل مجموعة من العقائد والاحكام والإلزامات والنواهي، بحيث يؤدي تطبيقها الى سعادة الانسان في الدارين.
ولا يكتمل فهم الدين في شخصية الانسان، ما لم يقترن بعمل آخر مهم على صعيد المقدمة. وهذا العمل المبنائي يشمل: بناء دوافع الخير دائماً ومقاومة اغراءات الدنيا، وبناء عاطفة سليمة نقية من الرذائل تنسج للنفس اللوامة بساطاً تمارس عليه دورها الايجابي في كبح جماح المعصية، وبناء حس قريب من حس الشرع في التمييز بين الخير والشر، والمصلحة والمفسدة، والعلل والمقتضيات.وهذا هو البناء العاطفي الذي بناه رسول الله (صلى الله عليه واله) في شخصية علي (عليه السلام).
وعلى صعيد الاخلاق، فان النبي (صلى الله عليه واله) بنى في عليّ (عليه السلام) الشخصية الاسلامية التي تحمل جميع القيم الدينية وتطبقها كمصاديق، كالصدق والامانة والشهامة والشجاعة والاقدام والتعفف والتعبد والتقوى والزهد. ولذلك فان الشخصية الاخلاقية لا تستطيع ان تعبد الصنم مثلاً، لانها تمرنت على مقاومة اغراءات التقليد الاجتماعي. والشخصية الاخلاقية لا تستطيع ان تظلم الناس، لانها بُنيت على اساس قيم العدالة الدينية والاجتماعية. والشخصية الاخلاقية لا تستطيع ان تتمتع بملذات الدنيا المادية، لانها تنظر أبداً الى السماء والحياة الآخرة حيث ترى فيها وجودها الحقيقي. وكذلك كانت شخصية علي (عليه السلام) المعيار الشرعي الاخلاقي للخير بكل ابعاده السماوية المشرقة.
الثمرة العظمى:
وبكلمة، فقد كان علي (عليه السلام) ثمرة من ثمرات جهود رسول الله (صلى الله عليه واله)، وكانت طبيعته الانسانية والدينية والذهنية مستقلة عن تأثيرات الثقافة الاجتماعية. أي أن علياً (عليه السلام)، وبفضل ايام الطفولة والصبا مع محمد (صلى الله عليه واله)، لم يخضع في ادراكه وتفكيره للمؤثرات الاجتماعية الوثنية في الثقافة والاجتماع والايمان والاعتقاد والفكر. بل كان ادراكه الديني والذهني الاجتماعي مستقلاً عن تلك التأثيرات. وما تلقاه من رسول الله (صلى الله عليه واله) ومنه (عليه السلام) هو نبعٌ صافٍ مستمدٌ من السماء لم يلوَّث بافكار الناس او فلاسفتهم او مفكريهم. فعلي (عليه السلام) اجتنب عبادة الاوثان، لان طبيعته الفكرية كانت مستقلة عن تأثيرات الثقافة الاجتماعية، وخاضعة فقط لتأثيرات رسول الله (صلى الله عليه واله) الذي كان خاضعاً لتأثيرات الوحي فحسب.
ولذلك فاننا عندما نقرأ خطب أمير المؤمنين (عليه السلام) فكأنما نقرأ فكر رسول الله (صلى الله عليه واله) وخطبه ومواعظه. وعندما ندرس عدالة الامام (عليه السلام) فكأنما ندرس عدالة رسول الله (صلى الله عليه واله). وعندما ندرك شجاعة أمير المؤمنين (عليه السلام) فكأنما تتمثل لنا شجاعة رسول الله (صلى الله عليه واله). لقد صاغ المصطفى (صلى الله عليه واله) في شخصية علي (عليه السلام) منذ ربيع الصبا شخصية الامامة بما فيها من عدالة وفصاحة وشجاعة وأيدٍ وحلم وزهد وتقوى.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
تستخدم لأول مرة... مستشفى الإمام زين العابدين (ع) التابع للعتبة الحسينية يعتمد تقنيات حديثة في تثبيت الكسور المعقدة
|
|
|