جواري وقهرمانات الخليفة ابو عبد الله محمد الأمين (193-198هـ/808-813م) (1).

كان الأمين على خلاف من سبقه من الخلفاء هاشمي النسب من أبيه الرشيد وأمه زبيدة وهو الخليفة السادس في قائمة خلفاء بني العباس لم يزد عمره عندما قتل سنة ( 198هـ/813م ) وعن عشرين عاماً (2)،الا ان خلافته اتصفت بسوء التدبير وكثرة التبذير ،وضعف الرأي (3)،فوزيره الفضل بــن الربيع (ت202هـ/818م) (4) علم بان الخلافة اذا أفضت الى المأمون لم يبق عليه ، فأغوى الأمين به ،وحثه على خلع المأمون ،بتشجيع من أمه زبيدة سيدة البلاط العباسي حينئذ .كما ان توليه العهد لابنه موسى بن الأمين (5)، كان الأمر الذي أشعل الفتنة او الحرب الأهلية بين الأخوين منذ سنة 195هـ/810م ، وتراجع الأمين لانهماكه في اللعب والجهل ،زادت من امر المأمون حتى فسد الحال على الأمين جداً ،وفاز المأمون بالخلافة ،لكنه لـم يعد الـى بغداد الا في 204هـ/854 (6)،اذ كان في مدينة مرو . كان الأمين خلال خلافته (193-198هـ/808-813م) قد بنى عدداً من القصور وطلب لهما الملهين وأجرى لهم الأرزاق (7)،واكثر الغلمان الخصيان على حساب النساء والجواري فمن جواريه بقصر المنصور (8)،كل من :

1- الجارية بذل :

كانت من مولدات المدينة (9)، ابتاعها جعفر بن محمد الهادي، ولكن بحيلة من قبل الأمين اشتراها منه (10)، كانت صنعتها الغناء وتجيده، فقد قيل انها تجيد ثلاثين صوتاً، فكانت تغني بحضور اسحق الموصلي ثلاثة أصوات تعلمتها من سيد الغناء إبراهيم الموصلي (11)، ويشير المسعودي الى ان بذل ظلت من دون زواج على الرغم من الفرص الكثيرة التي توافرت لها من القواد والكتاب، إذ احتفظت بحياتها داخل حجر قصر المنصور حتى وفاتها سنة(199هـ/814م) (12).

2- الجارية عريب (181-277هـ/767-890م) :

تدعي بعض الروايات ان عريبا هي ابنة الوزير المخلوع جعفر البرمكي  وسرقت وهي صغيرة (13)   لتباع فـي سـوق بغـداد لبيـع الجـواري ، فاشتراها الأمـين بمبلغ سبعة عشر الف دينار (14)،كانت صنعة عريب كقريناتها من الجواري الشعر والغناء  وكانت تتصف بحسن الوجـه وتجيد الـطرب والضـرب علـى العود وفـي إتقان لعب الشطرنج (15)، واغلب الظن ان نسبها الى جعفر البرمكي لا يبدو صحيحاً ومحاولة من ممتلكها لترغيب الخلفاء لبضاعتها ، لان المدة بين سقوط البرامكة وخلافة الأمين ليست بعيدة ، لو كانت ابنة البرامكة لما غابت عن أعين ممثلي الخلافة .

3- الجارية فريدة:

كانت من مولدات الحجاز (16)، ونشأت فيه ،وكانت تسمى بفريدة الكبرى تميزاً لها عن الجارية فريدة الصغرى في عهد الخليفة الواثق (227-232هـ/841-846م) (17)،كانت منذ البدء في صحبة ربيع بن يونس حاجب الرشيد ، فتعلمت الغناء والشعر في داره (18)،ثم صارت الى البرامكة وبعد زوال نفوذهم هربت فريدة لجهة مجهولة (19)،ولم يعلم بخبرها وقتئذٍ ، وجد الرشيد في طلبها فلم يعثر عليها (20)،ثم ظهرت في عهد الأمين ،بقيت في البلاط العباسي مدة الى ان قتل الأمين سنة 198هـ/813م (21)،وبعدها خرجت من البلاط وتزوجت من شخص باسم هيثم بن بسام ،فولدت لـه ولد بـاسم عبد الله ثـم مات (22)، فتزوجها مجهول آخر باسم السندي بن الجرشي ، وتوفيت عنده سنة 220هـ/835م.(23) .

4- الجارية ضعيف:

نجهل اصلها، كانت مغنيه وشاعرة في قصر الأمين فتطيرت من اسمها فدعا الأمين مرة لكي تغني برفقة ابراهيم بن المهدي ، فتطير الاثنان من غنائها فقال حينها الأمين والله ما اظن امري الا قريب (24)،وقتل بعد ليلتين من السنة 198هـ/813م (25)،والمعلومات عنها قليلة .

ويشتهر الأمين بخادمه كوثر، احد عناصر مجلس الطرب عنده (26)،وقد يكون هذا قهرمان قصر الخلافة في هذا العهد .

5- الجارية نظم (اللهف):

هي فارسية الأصل اشتراها الأمين بمبلغ عشرين الف درهم من سوق الرقيق في بغداد (27)، عاشت حياة قصيرة داخل قصر الخلافة ، ماتت فاشتد حـزن الأمين وجـزعه عليها ، يذكر بان السيدة زبيدة دخلـت معزية له (28).

_______________

(1) الأمين :هو محمد بن هارون الرشيد ،ولد بالرصافة سنة 170هـ وهو اول خليفة عباسي من أبوين هامشيين ،ولي الخلافة سنة 193هـ، ومن صفاته انه كان فصيحاً ويحب البلاغة والأدب ،وكان يحارب الزنادقة ويطاردهم ، وكان منفقاً للمال بنى بنايات كثيرة للنزهة وفرشها بأنواع البسط والحرير ،ودارت حروب طاحنة بينه وبين المأمون الذي كان على رأسهم طاهر بن الحسين الذي دخل بغداد واستباح حرمتها وقتل الأمين سنة 198هـ  ينظر :السيوطي :تاريخ الخلفاء ، ص ص303-304.

(2) ابن كثير: البداية والنهاية ،ج10،ص41؛ابن الأثير :الكامل في التاريخ ،ج6،ص166.

(3) ابن عبد ريه :العقد الفريد ،ج9،ص128؛ ابن العماد :شذرات الذهب ،ج2،ص354.

(4) الفصل بن الربيع :كان حاجب المنصور العباسي ،ووزير الرشيد بعد نكبة البرامكة ،اقره الامين في الوزارة وعمل على مقاومة المأمون . ينظر :لويس معلوف :  المنجد ص415.

(5) ابن الكازروتي :مختصر التاريخ ،ص167؛ ابن الساعي :نساء الخلفاء ،ص27؛ابن العبري ،تاريخ مختصر الدول ،ص147.

(6) ابن خلكان: ووفيات الأعيان، ج3، ص183؛ ابن شاكر الكتبي: فوات الوفيات ج3،ص191.

(7) ابن قتيبة : الإمامة والسياسة ،ص89؛ابن الطقطقي الفخري ،ص166؛ أبو الفذاء المختصر من أخبار اليد ،م2،ص76.

(8) البيهقي : المحاسن والمساوئ ،ص77؛البيروني :الآثار الباقية ،ص25؛ عبد العزيز الدوري :العصر العباسي الأول ،ص186.

(9) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ،ج4،ص215؛ المسعودي ،مروج الذهب ،ج3،ص409.

(10) الحيلة التي استعملها الأمين للحصول على بذل : ان الأمين رأى يوماً جعفر بن موسى الهادي ،ودعاه للشراب ثم زاد الأمين عليه بالشرب حتى ثمل فانصرف الأمين واخذ الجارية بذل وترك مكانها مبلغاً من المال :ينظر ابن الأثير : الكامل في التاريخ ،ج6 ص166.

(11) ابن كثير :البداية والنهاية ،ج10،ص42؛ ابن الساعي :نساء الخلفاء ،ص28؛الدينوري :نهاية الارب ،ج6،ص207.

(12) مروج الذهب ،ج3،ص29؛ ابن طيغور : بغداد في تاريخ الخلافة العباسية ،ص157؛ السيوطي :المستظرف ،ص31.

(13) الطبري :تاريخ الرسل والملوك ،ج4،ص217؛الجهشياري :الوزراء والكتاب ،ص117.

(14) الخطيب البغدادي :تاريخ بغداد ،ج6،ص184؛ابن الأثير :الكامل في التاريخ  ج6،ص167.

(15) الطبري : تاريخ الرسل والملوك ، ج4، ص218؛ اليعقوبي : تاريخ اليعقوبي ، ( طبعة الدوحة ) ، ج2،ص493.

(16) المسعودي :مروج الذهب ،ج3،ص291؛ بروكلمان : تاريخ الشعوب ،ص178؛نابيا أبوت :ملكتان في بغداد ،ص81.

(17) الابشيهي : المستطرف ،ص185؛ابن الساعي ،نساء الخلفاء ،ص28؛ ذهبي : مشاهير النساء ،ص142.

(18) ابن الجوزي: أخبار الظراف والمتماجنين، ص107، علي حسن إبراهيم: التاريخ الإسلامي العام ،ص407.

(19) التنوخي : الفرج بعد الشدة ،ص74؛الطبري ،تاريخ الرسل والملوك ،ج4،ص230؛ عبد العزيز الدوري :العصر العباسي الاول ،ص188.

(20) الجاحظ : رسائل الجاحظ ، باب التفاخر بالجواري والغلمان ،ص153؛ فيليب حتى ،تاريخ العرب ،ص381.

(21) الطبري تاريخ الرسل والملوك ،ج4،ص230؛ جرجي زيدان : تاريخ التمدن الإسلامي ،ج3،ص161.

(22) الصابي : رسوم دار الخلافة ص154؛ الثعالبي : ثمار القلوب ،ص121؛ نابيا أبوت :ملكتان في بغداد ،ص85.

(23) الصولي :امالي ،ص143؛ ابن القفطي :تاريخ الحكماء ،ص149؛ مصطفى جواد :سيدات البلاط العباسي ، ص51.

(24) الاصفهاني :الاغاني ،ج14،ص189؛الوشاء :الموشي ، ص34؛ السيوطي : المستطرف ،ص23.

(25) ابن خلكان :وفيات الأعيان ،ج3،ص245؛ ابن شاكر الكتبي :فوات الوفيات ،ج2،ص182.

(26) الايشبيهي :المستطرف ،ص190؛ السيوطي :تاريخ الخلفاء ،ص299؛ لسترانج ،بغداد في عهد الخلافة العباسية ،ص235.

(27) ابن عبدربه :العقد الفريد ،طبعة بيروت ،ج5،ص118؛ السيوطي : تاريخ الخلفاء ، ص299 .

(28) ابن الأثير :الكامل في التاريخ ،ج4،ص120؛ ابن كثير :البداية والنهاية ،ج9،ص128.