أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-12-2018
2046
التاريخ: 4-11-2017
3906
التاريخ: 5-2-2018
1665
التاريخ: 13-2-2018
1370
|
النسخ لغةً : النقل والإزالة والإبطال ، وأنسب المعاني اللغويّة التي تنسجم مع فكرة النسخ ، هي الإزالة لقول أهل اللغة : نسخ الشيب الشباب إذا أزاله وحلّ محلّه (1) ، ويدعم ذلك قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] ، وقوله تعالى : {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 39] ، وقوله تعالى : {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [النحل: 101].
والذي ينسجم مع المحوِ والتبديل الوارد في هذه الآيات الكريمة هو معنى الإزالة ، أمّا اصطلاحاً فقد عرّفه السيّد الخوئي (قُدس سرّه) بأنّه : ( رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه ، سَواء أكان ذلك الأمر المرتفع من الأحكام التكليفيّة ـ كالوجوب والحرمة ـ أم من الأحكام الوضعيّة كالصحّة والبطلان ، وسَواء أكان من المناصب الإلهيّة أم من غيرها من الأُمور التي ترجع إلى الله تعالى بما أنّه شارع ) (2) ، وهذا التعريف يُخرِج من النسخ كلّ صور المخالفة في الظهور اللفظي بين الآيات سُواء أكانت على نحو العموم والخصوص من وجه أم العموم المطلق ، أم كانت إحداها مطلقة والأُخرى مقيّدة ، التي تقوم بدور تفسير بعضها البعض الآخر ، وقد كان المفسّرون المتقدّمون يدخلونها تحت عنوان النسخ مجازاً .
وبيان جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعاً ، هو أنّ العقلاء من المسلمين وغيرهم أثبتوا جواز النسخ عقلاً ووقوعه شرعاً ، وخالفهم في ذلك بعض اليهود والنصارى محاولةً منهم للطعن بإلهيّة الدين الإسلامي ، وتمسّكاً بدوام الديانتين اليهوديّة والمسيحيّة ، والشبهة التي يدّعيها المستشرق ( نولدكه ) وأمثاله ، تتأسّس على نفس الرؤية والشبهة التي طرحها ذلك البعض من اليهود والنصارى ، وجامع صياغتهم للشبهة هو قولهم : إنّ التناقض في القرآن ثابت لعدم جواز النسخ عقلاً ، وعدم وقوعه شرعاً ، فعدم جوازه عقلاً قائم على أساس استلزامه أحد أمرين باطلين :
الأوّل البَداء المستلزم للجهل والنقص ، والثاني العبَث ؛ لأنّ النسخ إمّا أنْ يكون بسبب حكمةٍ ظهرت للناسخ بعد أنْ كانت خفيّة لديه ، أو أنْ يكون لغير مصلحةٍ وحكمة ، وكلا هذين الأمرين باطل بالنسبة إلى الله سبحانه ، ذلك أنّ تشريع الحكم من الحكيم فتقتضي تشريعه ، حيث إنّ تشريع الحكم بشكل جزافي يتنافى وحكمة الشارع .
وحينئذٍ فرفع هذا الحكم الثابت لموضوعه بسبب المصلحة ، إمّا أنْ يكون مع بقاء حاله على ما هو عليه من وجه المصلحة وعلم ناسخه بها ، وهذا ينافي حكمة الجاعل وهو العبَث نفسه ، وإمّا أنْ يكون من جهة جهله بواقع المصلحة والحكمة ، وانكشاف الخلاف لديه على ما هو الغالب في الأحكام والقوانين الوضعيّة ، وعلى كلا الفرضين يكون وقوع النسخ في الشريعة محالاً ؛ لأنّه يستلزم المحال ، إمّا الجهل أو العبَث وهما محالان على الله سبحانه لأنّهما نقصٌ ولا يتّصف بهما .
وفي الجواب عن هذه الشبهة لابد لنا من بيان مقدّمة وهي أنّ الحكم المجعول من قِبل الشارع ينقسم إلى قسمين :
الأول ـ الحكم المجعول الذي لا يكون وراءه بعث وزجر حقيقيّان ، كالأوامر والنواهي التي تُجعل ويُقصد بها الامتحان ودرجة الاستجابة . وهذا ما نسمّيه بالحكم الامتحاني .
الثاني ـ الحكم المجعول الذي يكون بداعٍ حقيقي من البعث والزجر حيثُ يُقصد منه تحقيق متعلّقه بحسب الخارج ، وهذا ما نسمّيه بالحكم الحقيقي . ونجد من السهل الالتزام بالنسخ في القسم الأوّل من الحكم ، إذ لا مانع من رفع هذا الحكم بعد إثباته ، بعد أنْ كانت الحكمة في نفس إتيانه ورفعه ؛ لأنّ دوره ينتهي بالامتحان نفسه ، فيرتفع حين ينتهي الامتحان ولحصول فائدته وغرضه .
والنسخ في هذا النوع من الحكم لا يلزم منه العبَث ولا ينشأ منه الجهل والنقص الذي يستحيل في حقّه تعالى .
وأمّا القسم الثاني من الحكم فإنّنا يُمكن أنْ نلتزم بالنسخ فيه ، دون أنْ يستلزم ذلك شيئاً من الجهل أو العبث ، حيث يُمكن أنْ نضيف فرضاً ثالثاً إلى الفرضين اللذين ذكرتهما الشبهة ، وهذا الفرض هو أنْ يكون النسخ لحكمةٍ كانت معلومة لله سبحانه من أوّل الأمر ولم تكن خافيةً عليه ، وإنْ كانت مجهولةً عند الناس غير معلومةٍ لديهم ، فلا يكون هناك بَداء بالمعنى الذي يستلزم الجهل والنقص ؛ لأنّه ليس في النسخ من جديد على الله لعلمه سبحانه بالحكمة مسبقاً .
كما أنّه لا يكون عبّثاً لوجود الحكمة في متعلّق الحكم الناسخ ، وزوالها في متعلّق الحكم المنسوخ، وليس هناك ما يشكّل عقبةً في طريق تعقّل النسخ هذا ، إلاّ الوهم الذي يأبى تصوّر ارتباط مصلحة الحكم بزمانٍ معيّن بحيث تنتهي عنده ، وإلاّ الوهم الذي يرى في كتمان هذا الزمان المعيّن عن الناس جهلاً من الله بذلك الزمان .
وهذا الوهم يزول حين نلاحظ بعض النظائر الاجتماعيّة التي نرى فيها شيئاً اعتياديّاً ليس فيه من المحال أثر ولا من العبث والجهل .
فالطبيب حين يُعالج مريضاً ويرى أنّ مرحلة من مراحل المرض التي يجتازها المريض يصلح لها دواء معيّن ، فيصف له هذا الدواء لمدّة معيّنة ، ثمّ يستبدله بدواءٍ آخر يصلح لمرحلةٍ أُخرى لا يُوصف عمله بالعبث والجهل ، مع أنّه قام بوضع أحكام معيّنة لهذا المريض في زمانٍ محدود، ثمّ رفعها عنه بعد مدّة من الزمن .
وحين وضع الحكم كانت هناك مصلحةٌ تقتضيه ، كما أنّه حين رفع الحكم كانت هناك مصلحةٌ تقتضي هذا الرفع ، وهو في كلّ من الحالين كان يعلم المدّة التي يستمرّ بها الحكم والحكمة التي تقتضي رفعه ، ونظير هذا يُمكن أنْ نتصوّره في النسخ ، فإنّ الله سبحانه حين وضع الحكم المنسوخ وضعه من أجل مصلحةٍ تقتضيه ، وهو سبحانه يعلم الزمان الذي سوف ينتهي فيه الحكم ، وتتحقّق المصلحة التي من أجلها شُرِّع ، كما أنّه حين يستبدل الحكم المنسوخ بالحكم الناسخ يستبدله من أجل مصلحةٍ معيّنةٍ تقتضيه .
فكلٌّ مِن وضْع الحكم ورفْعه كان من أجل حكمةٍ هي معلومةٌ عند جعل الحكم المنسوخ ، فليس هناك جهلٌ ، كما أنّه ليس هناك عبَث لتوفّر عنصر العلم والحكمة في الجعل والرفع .
نعم هناك جهل الناس بواقع جعل الحكم المنسوخ ، حيثُ كان يبدو استمرار الكم نتيجةً للإطلاق في البيان الذي وضع الحكم فيه ، ولكن النسخ إنّما يكون كشفاً عن هذا الواقع الذي كان معلوماً لله سبحانه من أوّل الأمر ، أمّا وقوع النسخ شرعاً فإنّه يتحقّق في موارد عديدة سَواء في الشريعة الموسويّة أو الشريعة المسيحيّة أو الشريعة الإسلاميّة ، فقد جاءت نصوص في التوراة والإنجيل وفي الشريعة الإسلاميّة تتضمّن النسخ ، ورفع ما هو ثابت في نفس الشريعة أو في غيرها من الشرائع السابقة ، منها :
1 ـ تحريم اليهود العمل الدنيوي يوم السبت ، مع الاعتراف بأنّ هذا الحكم لم يكن ثابتاً في الشرائع السابقة ، وإنّما كان يجوز العمل في يوم السبت كغيره من أيّام الأُسبوع (3) .
2 ـ أمر الله سبحانه بني إسرائيل قتل أنفسم بعد عبادتهم العجل ، ثمّ رفعه لهذا الحكم عنهم بعد ذلك (4) .
3 ـ الأمر ببدء الخدمة في خيمة الاجتماع في سنّ الثلاثين ، ثمّ رفع هذا الحكم وإبداله بسنّ خمسٍ وعشرين سنة ، ثمّ رفعه بعد ذلك وإبداله بسنِّ العشرين (5) .
4 ـ النهي عن الحلف بالله في الشريعة المسيحيّة مع ثبوته في الشريعة الموسويّة ، والإلزام بما التزم به في النذر أو اليمين (6) .
5 ـ الأمر بالقصاص في الشريعة الموسويّة (7) ، ثمّ نسخ هذا الحكم في الشريعة المسيحيّة ونهي عن القصاص (8) .
6 ـ تحليل الطلاق في الشريعة الموسوية (9) ، ونسخ هذا الحكم في الشريعة المسيحيّة (10) .
أما النسخ في الشريعة الإسلاميّة فهو أمر ثابت لا يكاد يشكّ فيه أحد من علماء المسلمين ، سَواء في ذلك ما كان نسخاً لأحكام الشرائع السابقة أم ما كان نسخاً لبعض أحكام الشريعة الإسلاميّة نفسها .
ومن هذا النسخ ما صرّح به القرآن الكريم كنسخه حكم التوجّه في الصلاة إلى القبلة الأولى (المسجد الأقصى) ، القبلة الثانية في الشريعة الموسويّة ، وأمره بالتوجّه شطر المسجد الحرام (11) .
_____________
(1) لسان العرب 4 : 28ط بولاق .
(2) البيان : 277 ـ 278 .
(3) انظر سِفر الخروج 16/ 25 ـ 26 و20/ 8 ـ 12 و23/ 12 و13/ 16 ـ 17 و35/ 1 ـ 3 وسِفر اللاويين 23/ 1 ـ 3 وسِفر التثنية 5/ 12 ـ 15.
(4) سِفر الخروج 32/ 21 ـ 29.
(5) سفر العدد 4/ 2 ـ 3 و8/ 23 ـ 24. وسِفر أخبار الأيّام الأوّل 23/ 24 و32.
(6) سِفر العدد 30/2. إنجيل متّى 5/ 33 ـ 34.
(7) سِفر الخروج 21/ 23 ـ 25.
(8) إنجيل متّى 5/ 138.
(9) سِفر التثنية 14/ 1 ـ 3.
(10) إنجيل متّى 5/ 31 ـ 32، وإنجيل مرقس 10/ 11 ـ 12.
(11) لمزيد من التفصيل : راجع علوم القرآن للسيّد محمّد باقر الحكيم ، والتمهيد في علوم القرآن للشيخ محمّد هادي معرفة .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|