أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-1-2017
2832
التاريخ: 2-2-2017
2826
التاريخ: 2-2-2017
2217
التاريخ: 9-3-2021
3100
|
أمثلة عن الحياة الدينية في شبه الجزيرة
ويعرفنا القرآن الكريم ببعض جوانب الحياة الدينية التي عرفتها مجتمعات شبه الجزيرة في العصور السابقة للإسلام، وببعض ما كان يدور حول هذه الحياة الدينية أو يتصل بها من صراعات وممارسات. فمن بين العبادات، على سبيل المثال، عبادات ودّ "القمر" والشمس والشعرى، وقد سادت هذه في العربية الجنوبية ومستوطناتها في القسم الشمالي من شبه الجزيرة. وهذا يثير في ذهن الباحث بعض القضايا المتصلة بهذا الموضوع فربما تكون عبادة هذه الكواكب تلقائية انبثقت من المنطقة، وربما يكون بعضها، مثل عبادة الشمس، نتيجة تأثير جاء من بعض الحضارات المحيطة بالمنطقة مثل الحضارة المصرية القديمة حيث عبدت الشمس تحت اسم الإله رع أو حضارة وادي الرافدين حث كان الإله شمس أحد الآلهة الرئيسية. كذلك عرف عرب شبه الجزيرة عبادة نسر وهو أيضا من عبادات الجنوب، وعبادات أخرى مثل عبادات سواع ويغوث ويعوق وبعل. كذلك يذكر القرآن الكريم عبادة اللات التي أشار المؤرخ اليوناني هيرودوتس HERODOTOS "أواسط القرن الخامس ق. م" إلى شيوعها عند العرب والتي قرن هذا المؤرخ بينها وبين عبادة أفروديتي aphrodite عند اليونان، كما يذكر القرآن الكريم عبادة العُزَّى، وعبادة مناة. ويبدو من الألفاظ الواردة في الإشارة القرآنية أن هذه الآلهة الثلاثة السابقة كانت تشكل عند العرب ثالوثا لها (1)، وهي الفكرة التي قد تشير إلى فكرة التثليث التي كانت سائدة في بعض بلاد الشرق الأدنى في العصور القديمة مثل إيزيس وأوزيريس وحورس في مصر القديمة، وهي الفكرة التي ظلت سائدة حتى ظهرت في بعض مذاهب العقيدة المسيحية بعد ذلك.
أما عن الصراعات التي كانت تدور في مجال الحياة الدينية، فهنا يتحدث القرآن الكريم في مواضع عديدة عن عدد من حركات الإصلاح التي ظهرت في صورة دعوات دينية قام بها عدد من الأنبياء في عدد من مناطق شبه الجزيرة قبل قيام الدعوة الإسلامية مثل دعوة هود في قوم عاد الأولى في العربية الجنوبية، ودعوة أو حركة إصلاح أخرى في سبأ الجنوبية لا يذكر لنا القرآن الكريم اسم صاحبها وإن كان يذكر رفض السبئيين لها، ثم دعوة صالح في قوم ثمود ودعوة شعيب في أهل مدين، ودعوة أخرى لعاد الثانية لم يذكر صاحبها أو نبيها, وكل من هذه الدعوات الأخيرة قامت في القسم الشمالي من شبه الجزيرة. ثم يذكر كيف لقيت هذه الدعوات تصديا عنيفا من جانب هذه الأقوام بحيث لم يكتب لها النجاح أو الانتشار. ونحن ندرك من سياق الآيات القرآنية أن الذين عارضوا هذه الدعوات أو رفضوها أو حاربوها يشكلون طبقات أرستقراطية يشير القرآن الكريم إلى سطوتها وبطشها وأنها كانت تستعين على ذلك بثرائها العريض. ويشير القرآن الكريم بشكل مباشر إلى المورد الاقتصادي الزراعي الذي كانت هذه الطبقات تستمد منه ثروتها كما يشير بشكل ضمني إلى مورد آخر لهذه الثروة وهو المورد التجاري الذي نستنتجه من موقع هذه الأقوام أو المدن سواء على الخط التجاري الذي كان يربط جنوب شبه الجزيرة بشاطئ الخليج وبوادي الرافدين، وهو الخط الذي يمر بمنطقة الأحقاف حيث موطن عاد الأولى، أو على الخط التجاري الموازي للبحر الأحمر في غربي شبه الجزيرة وهو الخط الذي كانت تسيطر عليه مواقع الأقوام والمدن الأخرى. كما يشير القرآن إلى مورد صناعي لهذه الثروة نتعرف منه على بعض نشاط يتعلق بالتعدين وصهر المعادن وبعض الصناعات القليلة المتصلة به (2).
أما عن بعض الممارسات التي تمت في داخل هذا المحيط الديني، فيعطينا القرآن الكريم مثلًا لها مما دار في منطقة الأخدود التي كانت في منطقة اليمن قديما "الآن في نجران في القسم الجنوبي الغربي من المملكة السعودية" حيث يشير إلى اضطهاد ديني عنيف أُحْرِق فيه عدد من الناس أحياء بسبب تمسكهم بعقديتهم. وتتوقف الإشارة القرآنية عند وصف هؤلاء بأنهم مؤمنون دون أن تفصل في التعريف بعقيدتهم وبالأسباب التي أدت إلى إحراقهم، ربما لأن الحادثة كانت أشهر من أن تعرف عند قيام الدعوة الإسلامية وبخاصة إذا أدخلنا في اعتبارنا أن اضطهادا بهذا العنف كانت أخباره تنتقل بالضرورة مع القوافل التجارية التي تمر بالمنطقة جيئة وذهابا بصفة مستمرة. ومثل هذه الإشارة السريعة نجدها كذلك في الحديث عن "أصحاب الفيل" دون ذكر لمن قام بها أو للدوافع التي أدت إلى القيام بها. ربما لأنها كانت لا تزال ماثلة في الأذهان، إذ لم يكن قد مر عليها عند نزول الرسالة أكثر من أربعين عاما أو نحو ذلك ومعنى هذا أن عددا من الذين عاصروا الرسول -صلى الله عليه وسلم- كانوا شهودا عيانا لها. ونحن نستكمل من مصادر أخرى أن حادثة الأخدود كان سببها أن حاكم اليمن "وهو ذو نواس" الذي كان قد اعتنق اليهودية قد حاول أن يرغم على اعتناقها نصارى نجران فلما رفضوا أقدم على تعذيبهم بهذه الوسيلة "حوالي 512م" وأن سبب حادثة الفيل هو أن الحبش المسيحيين الذين جاءوا إلى اليمن لنصرة المسيحيين هناك احتلوا اليمن بعد ذلك وأرادوا أن يوجهوا ضربة إلى مركز العبادة الوثنية في شبه الجزيرة آنذاك وهو الكعبة، فوجه حاكمهم على اليمن، وهو أبرهة، عددًا من قواته العسكرية مع فيل أو بعض الفيلة لهدم الكعبة "حوالي 570م" (3).
__________
(1) عن المعبودات القديمة في القرآن الكريم، الشمس في سورة النمل: 24، الشعرى في سورة النجم: 49، ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر في سورة نوح: 23، 24، نص عربي جنوبي تظهر فيه عبادة ود في anet ص 506، عن ثالوث الكواكب المعبودة في معين بالعربية الجنوبية راجع، جواد علي: ذاته، ج2، ص114، عن عبادة نسر عند العرب راجع كذلك، التلمود: عبودة زاره، 11ب، كذلك يذكرها ابن الكلبي: كتاب الأصنام "طبعة القاهرة" 1965، صفحات 11، 57. عن عبادة بعل، سورة الصافات: 125، اللات والعزى ومناة في سورة النجم: 19-20، فكرة التثليث نستنتجها من ألفاظ الآية 20 المشار إليها {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى} . اللات عند هيرودوتس تحت اسم اليلات alilat ومقارنتها بأفروديتي الآلهة راجع: erodotus: historiae 1,131.
(2) عن تصدي بعض أقوام شبه الجزيرة لدعوات أو حركات الإصلاح، في حالة عاد راجع سورة هود: 50-58، وفي هذه الآية الأخيرة إشارة إلى فريق المؤيدين وفريق المعارضين، كذلك، سورة الحج: 42، العنكبوت: 38، الأحقاف: 21. في حالة ثمود، سورة هود: 61-66، المؤيدون والمعارضون يظهرون في الآية الأخيرة، كذلك، الإسراء:59، النمل:45، الذاريات: 43. وفي حالة مدين، الأعراف: 85-91، صراع المؤيدين والمعارضين في آية 90. في حالة سبأ، سورة سبأ: 15-16. عن الدعامة الاقتصادية الزراعية، سورة سبأ 15، الشعراء: 124, 147-184. عن الصناعة كدعامة اقتصادية لعاد الأولى، سورة الشعراء: 129. عن الإشارة إلى ممارسة صهر المعادن لصناعة الحلي وغيرها، الرعد: 17. عن احتمال أن تكون الإشارة إلى معدن الذهب، راجع الباب الثامن الخاص بالحياة الاقتصادية من هذه الدراسة. عن الدعاية الاقتصادية التجارية لهؤلاء الأقوام، موقع عاد الأولى في منطقة الأحقاف، سورة الأحقاف 46: 21 على طريق الخط التجاري إلى الخليج ووادي الرافدين، موقع ثمود على الخط التجاري بين اليمن والشام كما تدل على ذلك الإشارة إلى البيوت المنحوتة في الجبال "مدائن صالح الحالية" سورة الشعراء: 149، كذلك الإشارة إلى أهل الحجر "وهي مدينة في المنطقة ذاتها - الوجه حاليا"، سورة الحجر: 80، الحكم الطبقي الأرستقراطي نستنتجه من مستوى المعيشة "حياة القصور" في سورة الأعراف: 74. كذلك عاد وثمود ضمن أقوام أخرى في سورة الحج: 45، كما نستنتجه من صفات الطبقات المعارضة للدعوات، مثل البطش، الشعراء: 130, والطغيان، الفجر: 9، والاستكبار، فصلت: 15، والجبروت، هود: 59.
(3) الأخدود في سورة البروج: 4-8، سورة الفيل: 1-5. عن عرض سريع لظروف الحادث راجع rodinson: ذاته، صفحات 31-33. عن منظر لمنطقة الأخدود راجع ملحق اللوحات: لوحة 2ب.
|
|
مخاطر خفية لمكون شائع في مشروبات الطاقة والمكملات الغذائية
|
|
|
|
|
"آبل" تشغّل نظامها الجديد للذكاء الاصطناعي على أجهزتها
|
|
|
|
|
المجمع العلميّ يُواصل عقد جلسات تعليميّة في فنون الإقراء لطلبة العلوم الدينيّة في النجف الأشرف
|
|
|