أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2018
2042
التاريخ: 6-7-2017
914
التاريخ: 12-3-2018
1392
التاريخ: 4-7-2017
846
|
كانت خطة المنصور أن يسرع محمد النفس الزكية وابراهيم بالخروج بعد التنكيل بأسرتهما، وقد نجح في ذلك. فقد كانت سياسة الشدة التي أتبعها المنصور مع العلويين من بين العوامل التي حملت محمداً على الخروج على المنصور بثورة مسلحة.
وقد سبق الحرب المسلحة المراسلات السياسية بين الطرفين، وتعدّ الرسائل المتبادلة بينهم من أروع ما كتب في العصور الإسلامية، فقد ساق كل طرف من الأطراف المتنازعة، الحجج التي أستندوا إليها في تثبيت حقهم في الخلافة، وقرابتهم من الرسول (صلى الله عليه وآله) والخدمات التي أسدوها للإسلام، بحيث تعد هذه الرسائل بمثابة مجموعة المآثر لكل طرف من الطرفين المتنازعين، وقد وردت هذه الرسائل في عدد كبير من المصادر المتقدمة والمتأخرة (1) .
وفي جمادي الآخرة سنة 145هـ/762م خرج محمد النفس الزكية على المنصور مع عدد من أنصاره، وقصد السجن فكسر بابه وأخرج من فيه، وأنضم إليه أغلب من في المدينة. وبعد أزدياد قوته قام بالدخول إلى دار الإمارة وأسر الوالي وأخاه، ثم خطب الناس خطبة أوضح فيها أسباب ثورته، وبيّن حقه الصريح في الخلافة وأغتصاب المنصور لهذا الحق (2). ويبدو أنه مما شجع محمد على الخروج كثرة الرسائل التي وصلته من الأمصار، التي توضح تشيعها له، فقال في خطبته: "والله ما جئت هذه، وفي الأرض مصر يُعبد الله فيه، إلا وقد أُخذ لي فيه البيعة"(3). ومما زاد في حماس محمد وقوة أنصاره في البداية، إتخاذ الإمام مالك صاحب المذهب المالكي، وإمام أهل السُنّة دون منازع جانبه، فأفتى بنقض بيعة المنصور، إذ صرّح للناس بأنهم بايعوه مُكرهين وليس على مُكره يمين (4) .
لقد كانت صفات محمد بن عبد الله تؤهله لتولي منصب الخلافة، فهو من سادات بني هاشم، ومن مقدميهم في الفضل والشرف والعلم. متحلياً بالصفات الحميدة والخصال الكريمة. وكان زاهداً وناسكاً، ولذلك سمي بالنفس الزكية وبالمهدي. وفوق كل هذا فإنه لم يكن ميالاً لسفك الدماء وظلم الناس، بل إشتهر بالعفو والعفّة. وقد أهلته هذه الصفات أن يحتل مركزاً عظيماً بين الناس (5) .
وقد أراد محمد بن عبد الله. أن يوسع دائرة الثورة لأدراكه بأن أهل المدينة لم يكونوا في ذلك الوقت أهل حرب. فأرسل أخاه إبراهيم إلى البصرة لينشر الدعوه فيها (6). وقد تمكن ابراهيم من دخولها بالحيلة والدهاء مرافقاً لقافلة البريد، فأستولى على دار الإمارة في البصرة، وهزم قوات الخليفة المنصور، كما أستطاع أن يجعل فقهاء البصرة، وكبار رجالها إلى جانبه، وفوق ذلك فأنه أستطاع أن يُدخل أهالي واسط والأحواز وفارس في دعوته (7) .
رفض محمد بن عبد الله الموادعة وأخذ يستعد لمواجهة الموقف بحفر خندق حول المدينة، في حين أرسل المنصور جيشاً كثيفاً جعل على قيادته ابن أخيه وولي عهده عيسى بن موسى، وأرفده بجيش آخر، ولذلك دارت بين الطرفين معركة غير متكافئة، هزم على أثرها محمد النفس الزكية وأنصاره. ولقي مصرعه بعد أن ضرب مثلاً في الشجاعة وهو ابن خمس وأربعين سنة (8) .
كان على المنصور بعد أن تم لهُ القضاء على محمد النفس الزكية أن ينهي خطر هذه الثورة بالقضاء على أخيه ابراهيم، بعد أن أشتد خطره بتغلبه على مناطق متعددة (9). وتفاقم عدد جنده حتى بلغ على رأي بعضهم مائة ألف مقاتل، وكان ابراهيم قد توقف عن القتال بأنتظار أخبار المدينة. وحين قتل أخوه في 27 رمضان سنة 145هـ/ 762م أخذ البيعة لنفسه بالإمارة، وقاتل جيوش العباسيين التي هاجمته، فأنتصروا عليه في معركة باخمري بين الكوفة وواسط. وقتل إبراهيم بعد مدة بسيطة من مقتل أخيه. وأدى ذلك إلى ضعف مركز بقية أفراد الأسرة، فقتل بعضهم وفرّ آخرون شرقاً وغرباً. وقد أنتهت هذه الهزيمة بالحزن العميق من أشياعهم، فرثاهم الشعراء أجمل رثاء (10) .
قال المسعودي: "أن المنصور أكل عجّة من مخّ وسكر، فأستطابها، وقال: أراد ابراهيم أن يمنعني من هذا وأشباهه. من أجل هذهِ العجّة قتل المنصور أبناء الرسول، والألوف من الأبرياء" (11) .
_________________
(1) - الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، صص 430-433؛ ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد (ت 597هـ/1200م)، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط1، (بيروت، دار الكتب العلمية، 1412هـ/ 1992م)، جـ 8، صص 64-66 ؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ 5، صص 151-155؛ ابن كثير، البداية والنهاية، جـ 10، صص 91-92 .
(2) الميانجي، علي الأحمدي، مواقف الشيعة، ط1، (قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416هـ/1996م)، جـ 2، ص 483 .
(3) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 426؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ 5، ص 148 .
(4) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، ص 427؛ حسن، حسن ابراهيم، تاريخ الإسلام السياسي والديني والثقافي والاجتماعي، ط7، (القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1384هـ/1964م)، جـ 2، ص 128 .
(5) ابن الطقطقي، الفخري، ص 161 .
(6) ابن الأثير، الكامل في التاريخ، جـ 5، ص 171 .
(7) حسن، حسن ابراهيم، تاريخ الإسلام، جـ 2، صص 129-130 .
(8) المسعودي، مروج الذهب، جـ 6، ص 192؛ الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص 273.
(9) المسعودي، مروج الذهب، جـ 6، ص194؛ بيطار، أمينة، تاريخ العصر العباسي، ص 122.
(10) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، جـ 4، صص 475-476 ؛ ابن كثير، البداية والنهاية، جـ 10، صص 100-101؛ الجندي، عبد الحليم، الإمام جعفر الصادق، ص 81؛ المجلسي، بحار الأنوار، جـ 47، ص 296 .
(11) المسعودي، مروج الذهب، جـ 6، ص 198.
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|