x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
خلافة المنصور
المؤلف: محمود شاكر
المصدر: التاريخ الاسلامي
الجزء والصفحة: ج1، ص98- 113
12-3-2018
1478
خلافتــــــــــــــه:
وصل أبو جعفر الى الانبار فوجد العراق امر منتهيا من حيث البيعة، وقد اخذها اليه ابن أخيه عيسى بن موسى، وارسل الرسل لأخذها، وتسلم له الامر فلما وصل الى مقره سلمه المقاليد. وبدأت المشكلات للمنصور تتوالى فأخذها بالحكمة والحزم.
كان عيسى بن موسى قد أرسل الى عبد الله بن علي بخبر وفاة ابي العباس، وطلب منه البيعة لابي جعفر، وكان عبد الله بن علي في طريقه الى الروم، فلما جاءه الخبر، نادى الصلاة جامعة فأجتمع اليه القادة والجند فقرأ عليهم كتاب ابي العباس وقال لهم: ان ابي لعباس لما أراد ان يرسا الى حرب مروان بن محمد آخر خلفاء بني امية قال: من يسير اليه وهو ولي عهدي، فتقدمت ولم يرسل غيري، فكنت ولي عهده، وانا من بعده والان قد رحل وانا الخليفة من بعده، وشهد بعض القادة على ذلك. فبايعه من معه وسار بها الى حران، ودعا مقاتل بن حكيم العكي الى البيعة فلم يجبه فحاصره مدة دخل بعدها حران وقتله ثم تحصن بها واخذ استعداداته.
يرى عبد الله بن علي انه الخليفة الطبيعي فهو الذي قد دك صرح الدولة الاموية، وثبت دعائم البيت العباسي، وإذا كان أبو العباس قد تولى الخلافة بالعهد من أخيه إبراهيم الا انه هو الان احق الناس بالامر، واذا كان اخوته جميعا اكبر منه باستثناء عبد الصمد (1) الا انهم دونه في المؤهلات كما لم يقوموا بالدور الذي قام به، كما ان اخاه عبد اصمد بجانبه ويرى رأيه. واذا كان ابن أخيه أبو جعفر اصغر منه سننا الا انه لم يقم بأي دور يؤهله باستلام الامر حسب رأيه.
اما أبو جعفر فرأى ان يضرب عمه بأبي مسلم وايهما زال فقد زال من طريقه. وأبو مسلم يرهبه الجند ويخافونه فقد ذاع صيته، وعرفت مقدرته ويطعونه الخراسانيون، ويستمع له القادة وان لم يسمع له، ينتهي بطريقة او بأخرى.
استخلف أبو مسلم خالد بن إبراهيم على خراسان، وسار الى الانبار حيث تلقى التعليمات من الخليفة: ومنها انطلق نحو حران ومعه من القادة، الحسن بن قحطبة، وحمد بن قحطبة وكان قد فارق عبد الله بن علي وفر منه بعد ان أراد قتله، ومالك بن الهيثم الخزاعي، وخازم بن خزيمة. وكان الحين بن قحطبة خليفة أبو جعفر على أرمينيا فكتب اليه ان يلحق أبا مسلم فوافاه في الموصل.
كان عبد الله بن علي يعتمد على قوته وجرأته، وشجاعة أخيه عبد الصمد، وقوة اهل الشام، ويعتمد أبو مسلم على طاعة جنده وتفانيهم، ودهائه، وخططه التي يستعملها في القتال. ولكنه كان يخشى الخليفة فهو ابن اخي عبد الله بن علين فان تمكن عبد الله بن علي اخذ الخليفة ثأره منه، وان هزم قتل فالموت في كلا الحالتين. ويبدو ان عبد بن علي اخذه الخوف فطاشت حكمته اذ خاف ممن معه من اهل خراسان في الجيش فقتل عددا منهم الامر الذي افقده ثقة جنده، ووصل الخبر الى ابي مسلم فاتخذ حكمته، اذ دبت الحماسة في جنده من اهل خراسان، واقتنعوا بأنهم ان استسلموا كان القتل مصيرهم وفي الوقت نفسه اعلن لعبد الله بن علي واخبر جنده انه لم يأت لقتال عبد الله بن علي وانما جاء واليا على الشام، وهذا ما جعل جنود الشام يخافون منه على أهلهم ما دامو جند مع عبد الله بن علي لذا رأوا السير الى الشام، واجبروا عبد الله بن علي على ذلك، فلما سار حل أبو مسلم مكانه، وكان قريبا منه، فلما عاد وجد أبا مسلم قد سبقه الى معسكره، فنزل موضعه، واشتبك الطرفان في معارك زادت على خمسة اشهر، وكان التفوق لأهل الشام الا ان تدابير المعركة قد جعلت الهزيمة تحل بعبد الله بن علي في جمادي الاخرة وفر الى العراق، ومضى الى البصرة فأمنه اخوه سليمان بن علي ، اما عبد الصمد بن علي فقد نزل الكوفة وامنه ابن أخيه عيسى بن موسى بن محمد. وبعث أبو جعفر مولاه ابي الخصيب يحصي ما أصابه أبو مسلم من معسكر عبد الله بن هلي فغضب أبو مسلم كثيرا فأمن الناس ولم يقتل أحدا. ولما وصل اليه أبو الخصيب أراد ان يقتله فتكلم فيه اذ قيل انه رسول فخلى سبيله وقال: انا امين على الدماء خائن في الأموال، وشتم المنصور فرجع أبو الخصيب الى المنصور فأخبره.
الخلاف بين المنصور وابي مسلم:
اصبح الخلاف واضحا بين المنصور وابي مسلم وبعد الانتهاء من حركة عبد الله بن علي اصبح أبو مسلم الرجل القوي الوحيد في الدولة، ولكن لا يريد ان تطاله يد المنصور، كما ان المنصور اصبح يخافه ولا يريد ان يعود الى خراسان فان سار اليها واعتصم فانه يزعج الدولة، ويمكنه ان يقوم بعمل تتجزأ الدولة، او يعصف بها او بخليفتها ، ويريد لذلك ان يتخذ الروية والحكمة في تصرفه معه ليصيده قبل ان يفلت من لذا كتب اليه (اني قد وليتك مصر والشام، فهي خير لك من خراسان، فوجه الى مصر من أحببت واقم بالشام فتكون بالقرب من امير المؤمنين فان احب لقاءك اتيته من قريب) (2). فلما اتاه الكتاب غضب وقال: يوليني الشام ومصر، وخراسان لي.
فكتب الرسول الى المنصور بذلك، واقبل أبو مسلم من الجزيرة مجمعا على الخلاف، وخرج عن وجهه يريد خراسان، فسار المنصور من الانبار الى المدائن وكتب الى ابي مسلم في المسير اليه – كأن المنصور قد تنازل وسار شوطا نحو ابي مسلم ليسير هو الاخر شوطا، وقد يكون هذا السير تهديدا بأنه ان لم يأت اليه فانه عازم على الحيلولة دون توجهه الى خراسان – فكتب اليه أبو مسلم – وهو بالزاب: ( انه لم يبق لامير المؤمنين عدو الا امكنه الله منه، وقد كنا نروي عن ملوك آل ساسان ان اخوف ما يكون الوزراء اذا سكنت الدهماء فنحن نافرون عن قربك، حريصون على الوفاء لك ما وفيت، حريون بالسمع والطاعة غير انها من بعيد حيث يقارنها السلامة فان ارضاك ذلك فأنا كأحسن عبيدك، وان ابيت الا ان تعطي نفسك ارادتها نقضت ما ابرمت من عهدك ضنا بنفسي). وكذلك كتاب ابي مسلم فيه اظهار الطاعة وفي الوقت نفسه فيه التهديد على تنفيذ ما يريد وهو السير الى خراسان ان صمم المنصور فرض رأيه، بل مستعد لنقض البيعة. ولما وصل الكتاب الى المنصور كتب الى ابي مسلم (قد فهمت كتابك، وليست صفتكم صفة أولئك الوزراء الغششة ملوكهم، الذين يتمنون اضطراب حبل الدولة لكثرة جرائمهم، فأنما راحتك في انتشار نظام الجماعة، فلما سويت نفسك بهم؟ فأنت في طاعتك، ومناصحتك، واضطلاعك بما حملت من أعباء هذا الامر على ما انت به، وليس مع الشريطة التي اوجبت منك سمعا ولا طاعة وحمل اليك امير المؤمنين عيسى بن موسى رسالة لتسكن اليها ان اصغيت واسأل الله ان يحول بين الشيطان ونزعاته وبينك فانه لم يجد بابا يفسد به نيتك اوكد عنده واقرب من الباب الذي فتحته عليك؟ .
ثم زادت قسوة الرسائل والكتب وأصبحت تظهر ما تخفيه النفوس، فكتب أبو مسلم لابي جعفر: (اما بعد فني اتخذت رجلا اماما ودليلا على ما افترض الله على خلقه وكلن في محلة العلم نازلا، وفي قرابته من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قريبا فاستجهلني بالقران فحرفه عن مواضعه طمعا في قليل قد تعافاه الله الى خلقه، وكان كالذي دلى بغرور. وامرني ان اجرد السيف وارفع الرحمة، ولا اقبل المعذرة ولا اقيل العثرة ففعلت توطئة لسلطانكم حتى عرفكم الله من كان يحملكم ثم استنقذني الله بالتوبة فان يعف عني فقديما عرف به ونسب اليه، وان عاقبني فبما قدمت يداي، وما ربك بظلام للعبيد).
وكتب ابي جعفر الى ابي مسلم: ( اما بعد فانه يرين على القلوب ويطبع عليها المعاصي فع أيها الطائش وافق أيها السكران، وانتبه أيها النائم، فانك مغرور بأضغاث أحلام كاذبة، في برزخ دنيا كانت قد غرت من كان قبلك وسم بها سوالف القرون ( هل تحس لهم من احد او تسمع لهم ركزا)، وان الله لا يعجزه من هرب، ولا يفوته من طلب، فلا تغتر بمن معك من اهل شيعتي واهل دعوتي، فكأنهم قد صالوا عليك بعد ان صالوا معك، ان انت خلعت الطاعة وفارقت الجماعة وبدا لك من الله ما لم تكن تحتسب مهلا مهلا، احذر البغي أبا مسلم فانه من بغى واعتدى تخلى الله عنه ونصر عليه من يصرعه لليدين والفهم، واحذر ان تكون سنة في الذين قد خلوا من قبلك، ومثله لمن يأتي بعدك فقد قامت الحجة واذرت اليك والى اهل طاعتي فيك. قال تعالى {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ} [الأعراف: 175].
فأجابه أبو مسلم: ( اما بعد فقد قرأت كتابك فرايتك فيه للصواب مجانبا، وعن الحق حائدا، اذ تضرب فيه الامثال على غير اشكالها، وكتبت فيه آيات منزلة للكافرين، وما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، وانني والله ما انسلخت من آيات الله ولكني ياعبد الله بن محمد كنت رجلا متأولا فيكم من القرآن آيات الله اوجبت لكم بها الولاية والطاعة، فأتمت بأخوين لك من قبلك ثم بك من بعدهما، فكنت لهما شيعة متدنيا احسني هاديا مهتديا واخطأت في التأويل، وقديما اخطأ المتأولون وقد قال اله تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام: 54]، وان اخاك السفاح ظهر في صورة مهدي، وكان ضالا فأمرني ان اجرد السيف وان اقتل بالظنة، واقدم بالشبه وارفع الرحمة، ولا اقيل العثرة، فوترت اهل الدنيا بطاعتكم، وتوطئة سلطانكم حتى عرفكم الله من كان جهلكم . ثم ان الله تداركني منه بالندم واستنقذني بالتوبة فان يعف عني ويصفح فانه كان للأوبين غفورا، وان يعاقبني فبذنوبي، وما ربك بظلام للعبيد).
وكتب أبو جعفر الى ابي مسلم: ( اما بعد، أيها المجرم العاصي فان اخي كان امام هدى يدعو الى الله على بينة من ربه فأوضح لك السبيل، وحملك على المنهج السديد، فلو بأخي اقتديت لما كنت على الحق حائدا، وعن الشيطان واوامره صادرا، ولكنه لم يسنح لك امران الا كنت لأرشدهما تاركا، ولأغوارهما راكبا، تقتل الفراعنة وتبطش بطش الجبابرة وتحكم بالجور حطم المفسدين وتبذر المال وتضعه في غير مواضعه فعل المسرفين، ثم من خبري أيها الفاسق اني قد وليت موسى بن كعب خراسان، وامرته ان يقوم في نيسابور فان اردت خراسان لقيك بمن معه من قوادي وشيعتي، وانا موجه للقائك اقرانك فاجمع كيدك وامرك غير مسدد ولا موفق، وحسب امير المؤمنين من اتبعه ونعم الوكيل).
ومع هذه القسوة في المراسلات الا ان ابا جعفر قد اتخذ بجانبها الحنكة السياسية فيعد الامراء ويظهر لرسل تقديره لابي مسلم حتى حسنوا لهوا القدوم على الخليفة ، سوى نيزك وهو امير أشار على ابي مسلم ان يقتل أبا جعفر ويستخلف مكانه غيره.
وبعث المنصور اليه جرير بن يزيد بن يزيد بن عبد الله البجلي، في جماعة من الامراء، وامره ان يكلم أبا مسلم باللين كلاما يقدر عليه، وان يكون في جملة ما يكلمه به بانه يريد ان رفع قدرك، وعلو منزلك والاطلاقات لك، فان جاء بهذا فذاك فان ابى، فقل: هو بريء من العباس ان شققت العصا وذهبت على وجهك ليدركنك بنفسه وليقاتلنك دون غيره، ولو خضت البحر الخضم لخاضه خلفك حتى يدركك فيقتلك او يموت قبل ذلكن ولا تقول له ذلك حتى تيأس من رجوعه بالتي هي احسن.
فلما قدم عليه امراء المنصور بحلوان دخلوا عليه ولاموه فيما هم به من منابذة امير المؤمنين، وما هو فيه من مخالفته، ورغبوه في الرجوع الى الطاعة، فشاور ذوي الرأي من امرائه فكلهم نهاه عن الرجوع اليه، وأشاروا بأن يقيم في الري فتكون خراسان تحت حكمهن وجنوده طوعا له فان استقام له الخليفة، والا كان في عز ومنعة من الجند. فعند ذلك أبو مسلم الى امراء المنصور فقال لهم: ارجعوا الى صاحبكم فلست القاه. فلما استيأسوا منه قالوا له هذا الكلام الذي كان المنصور امرهم به. فلما سمع ذلك كسره جدا وقال: قوموا عني الساعة.
وكان أبو مسلم قد استخلف على خراسان أبو داود إبرهيم بن خالد، فكتب اليه المنصور في غيبة ابي مسلم حين اتهم: ان ولاية خراسان لك ما بقيت، وقد وليتكها وعزلت عنها أبا مسلم. فعند ذلك كتب أبو داود الى ابي مسلم حين بلغه ما عليه من منابذة الخليفة: انه ليس يليق بنا منابذة خلفاء اهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فارجع الى امامك سامعا مطيعا والسلام.
فزاده ذلك كسرا أيضا. فبعث اليهم أبو مسلم: اني سأبعث اليه أبا إسحاق وهو ممن اثق به. فبعث أبا إسحاق الى المنصور فأكرمه ووعده بنيابة العراق ان هو رده. فلما رجع اليه أبو إسحاق قال له: ما وراءك؟ قال: رأيتهم معظمين لك عارفين قدرك، فغره ذلك وعزم الذهاب الى لخليفة، فاستشار امير يقال له نيزك، فنهاه، فصمم على الذهاب، فلما رآه نيزك عازما على الذهاب تمثل بقول الشاعر:
ما للرجال مع القضاة محالة *** ذهب القضاء بحيلة الاقوام
ثم قال له: احفظ عني واحدة، قال: وما هي؟ قال: إذا دخلت عليه اقتله وبايع من شأت بالخلافة فان الناس لا يخالفونك. وكتب أبو مسلم الى المنصور وهو جالس في خباء شعر بعد العصر، وبين يديه كتاب فالقاه الي فاذا هو كتاب ابي مسلم يعلمه بالقدوم عليه، ثم قال الخليفة: والله لان ملئت عيني منه لاقتلنه. قال أيوب، فقلت: انا لله وانا اليه راجعون. وبت تلك الليلة لا يأتني نوم افكر في هذه الواقعة، وقلت: ان دخل أبو مسلم خائفا ربما يبدو منه شر الى الخليفة، والمصلحة تقتضي ان يدخل امنا ليتمكن من الخليفة. فلما أصبحت طلبت رجلا من الامراء فقلت له: هل لك ان تتولى مدينة (كسكر) فأنها مغلة في هذه السنة؟ فقال: ومن لي بذلك؟ فقلت له اذهب الى ابي مسلم فتلقاه في الطريق فأطلب منه ان يوليك تلك البلد، فان امير المؤمنين يريد ان يوليه ما وراء بابه ويستريح لنفسه. واستأذنت المنصور له ليذهب الة ابي مسلم فأذن له، وقال له، سلم عليه وقل له: انا بالأشواق اليه. فسار اليه ذلك الرجل، وهو سلمة بن فلان _ الى ابي مسلم فأخبره بأشتياق الخليفة اليه، فسره ذلك وانشرح، وانما هو غرور ومكر به، فلما سمع أبو مسلم بذلك عجل السير الى منيته، فلما قرب من المدائن امر الامراء والقواد ان يتلقوه، وكان دخوله على المنصور من اخر ذلك اليوم، وقد أشار أبو أيوب على المنصور ان يؤجل في قتله في ساعته الى الغد، فقبل ذلك منه. فلما دخل ابو مسلم على المنصور من العشي اظهر له الكرامة والتعظيم، ثم قال له: اذهب وأرح نفسك وادخل الحمام، فاذا كان الغد فاتني. فخرج من عنده فجاء الناس يسلمون عليه، فلما كان الغد طلب الخليفة بعض الامراء فقال له: كيف بلائي عندك؟ فقال: والله يا امير المؤمنين لو أمرتني ان اقتل نفسي لقتلتها، قال فكيف بك لو امرتم بقتل أبي مسلم؟ فوجم ساعه ثم قال له أبو أيوب: ما لك لا تتكلم؟ فقال قولة ضعيفة: اقتله. ثم اختار أربعة من عيون الحرس فحرضهم على قتله، وقال لهم: كونوا من وراء الرواق فأذا صفقت بيدي فأخرجوا اليه واقتلوه. ثم أرسل المنصور الى ابي مسلم تترى يتبع بعضها بعضا، فأقبل أبو مسلم الى دار الخليفة فدخل على الخليفة وهو يبتسم، فلما وقف بين يديه جعل المنصور يعاتبه في الذي صنع واحدة واحدة فيعتذر على ذلك كله (3). ثم قال له: فلم قتلت سليمان بن كثير، وإبراهيم بن ميمون، وفلانا وفلانا؟ قال: لانهم عصوني وخالفوا امري. فغضب عند ذلك المنصور، وقال: ويحك! انت تقتل اذا عصيت، وانا لا اقتلك وقد عصيتني، وصفق بيديه، فتبادروا اليه ليقتلوه فضربه احدهم فقطع حمائل سيفه، فقال : يا امير المؤمنين استبقني لأعدائك، فقال: واي عدوي لي اعدى منك . ثم زجرهم المنصور فقطعوه قطعا ولفوه في عباءة (4). وكان قتله في أواخر شعبان من عان 137هـ.
ثم ان المصور شرع في تأليف قلوب أصحاب أبو مسلم بالأعطيات، والترغيب والترهيب والولايات، ووفى لابي داود إبراهيم بن خالد بولاية خراسان اذ ابقاه عليها.
ولم يكن أبو مسلم زنديقا كما رماه بعضهم، ولكنه يظهر انه كان يخاف الله من ذنوبه، وقد ادعى التوبة فيما سفك من الدماء في إقامة الدولة العباسية - والله اعلم بأمره- وقد روي ان عبد الله بن المبارك قد سئل عن ابي مسلم اهو خير ام الحجاج؟ فقال: لا أقول ان أبا مسلم كان خيرا من أحد ولكن الحجاج كان شرا منه. وربما كان اتهامه ادعاء حركات الزندقة بعده بصلتها به استغلالا لاسمه وجنسه.
كان أبو مسلم يقتل لأقل اقل إشارة او شك في عدم الطاعة، او تنفيذ الامر، ولذا كان الناس جميعهم يخشونه، وربما كان أصدقاؤه أكثر الناس خوفا منه نتيجة صلتهم به فأي تصرف ربما يفسره بما يخطر على باله فتكون العاقبة القتل. وقد يكون قواده وخاصة اتباعه أكثر الناس راحة واطمئنانا بعد قتله، حيث كانوا على خوف دائم، ولذا كانوا يكثرون التملق له، ويزاود في اظهار الطاعة اصدقاؤه واعداؤه على حد سواء. ومن هنا كان قبضه على ناصية الامر في خراسان، فالجميع يريدون الخدمة، ويتبارون في القاء نفسهم امامه لتنفيذ ما يشير اليه. تطال يده القاصي والداني، والصديق والعدو، والقريب والغريب.
ويقال: ان المنصور قد استدعى رؤوس الامراء فجعل يستشيرهم في قتل ابي مسلم قبل ان يعلموا بقتله، فكلهم يشبر بقتله، ومنهم من كان اذا تكلم اسر كلامه خوفا من ابي مسلم لئلا ينقل اليه، فلما اطلعهم على قتله افزعهم ذلك واظهروا سرورا كثيرا.
ويقال: انه لما عزم على قتل ابي مسلم انشد:
إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة *** فان فســـاد الــرأي ان تترددا
ولا تمهــل الأعداء يوما لغدرة *** وبادرهم ان يملكوا مثلها غدا
ولما قتله ورآه طريحا بين يديه قال:
قــد اكتنفتك خـــلات ثـــلاث *** جلبن عليك محتوم الحمام
خلافك وامتناعك من يميني *** وقــودك للجمـــاهير الظام
ومن شعره أيضا:
المــرء يـــأمل ان يعيــ *** ـش وطول عمر قد يضره
تبلـــى بشــاشته ويبـــ *** ـقى بعد حلـــو العيش مره
وتخـــونه الأيــام حتى *** لا يـــرى شيئــــــا يســــره
كم شامت بي ان هلكــ *** ـت وقــــــائل للـــــــــه دره (5)
بين أبو جعفر عبد الله بن حسن بن الحسن:
وعندما حج المنصور عام 144 استخلف على الحيرة والعساكر القائد خازم بن خزيمة، ولما وصل أبو جعفر الى المدينة استقبله الناس، ومنهم عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب، فسأله عن ولدية محمد وإبراهيم فحلف له بأنه لا يعرف مكانهما. وما ذلك الا ان محمد بن عبد الله بن حسن كان قد بايعه جماعة من اهل الحجاز في أواخر دولة مروان الحمار بالخلافة وخلع مروان، وكان من جملة من بايعه على ذلك أبو جعفر المنصور، وذلك قبل تحويل الدولة الى بني العباس، فلما صارت الخلافة الى ابي جعفر المنصور خاف محمد بن عبد الله بن الحسن واخوه إبراهيم نه خوفا شديدا.
وذلك لان المنصور توهم منهما انهما لا بد ان يخرجا عليه كما أراد ان يخرجا على مروان، والذي توهم منه المنصور وقع فيه فذهبا هربا في البلاد الشاسعة فصارا الى اليمين ثم سار الى الهند فاختفيا بها، فدل على مكانهما فهربا الى موضع اخرو .... ولم يستطع المنصور العثور عليهما.
والح المنصور على والدهما في طلب ولديه فغضب عبد الله من ذلك وقال: والله لو كانا تحت قدمي ما دللتك عليهما، فغضب المنصور وامر بسجنه، كما امر ببيع رقيقه وامواله، فلبث في السجن ثلاثة سنين وأشاروا على المنصور بسجن عن اخرهم فحبسهم.
وجد المنصور في طلب محمد وإبراهيم جدا، هذا وهما يحضران الحج في غالب السنين، ويكمنان في المدينة في غالب الأوقات، ولا يشعر بهما احد. والمنصور يعزل نائبا عن المدينة ويولي عليها غيره ويحرضه على إمساكهما والتفتيش عنهما، وبذل الأموال في طلبهما.... ولكن دون جدوى.
وقد عزم اتباعهما على الفتك بالمنصور في بعض السنوات بين الصفا والمروة الا ان عبد الله بن حسن قد نهاهما لشرف البقعة، وقد اطلع على ذلك المنصور من بعض امرائه وهو أبو العساكر خالد بن حسان اذ كان من اتباع محمد عبد الله بن حسن، ومن الذين كانوا يريدون الفتك بالمنصور، اذ عذبه المنصور حتى اقر بما كانوا قرره. فقال: وما الذي صرفك عن ذلك، فقال: عبد الله بن حسن نهانا عن ذلك.
وجاء محمد بن عبد الله امه فقال: يا أمه! اني قد شفقت على ابي وعمومتي، ولقد همت ان اضع يدي بيد هؤلاء لأريح اهلي، فذهبت امه الى السجن فعرضت عليهم ما قال ابنها، فقالوا: لا ولا كرامة، بل نصبر على امره فلعل الله ان يفتح على يديه خيرا، ونحن نصبر، وفرجنا بيد الله ان شاء فرج عنا، ووان شاء ضيق واتفقوا كلهم على ذلك.
ونقل المنصور آل حسن من سجن المدينة الى سجن العراق، وكما نقل معهم محمد بن عبد الله العثماني (6) وكان اخا عبد الله بن حسن لأمه، وكانت ابنته رقية زوجة لابراهيم بن عبد الله بن حسن. وقد هلك اكثرهم في السجن، وخرج من بقى منهم بعد وفاة المنصور.
ضاق محمد بن عبد الله ذرعا بوضعه، واضر به شدة الاختفاء، والحاح نائب المدينة في طلبه، وتأنيب اهل المدينة له في اختفائه وعدم ظهوره حتى عزم على الخروج في اخر يوم من جمادي الاخرة اذ سار في مائتين وخمسين من اتباعه ومر على السجن فأخرج من فيه، وانطلق الى دار الامارة فدخلها، وقبض على اميرها رياح بن عثمان المزني فسجنه، ودانت له المدنية، وولى على الناس عثمان بن خالد بن الزبير، وعلى القضاء عبد العزيز بن المطلب بن عبد الله المخزومي، وعلى الشرطة عثمان بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
ووصل الخبر الى المنصور وندب اليه ابن أخيه عيسى بن موسى، وامره ان يدعوه الى الطاعة وله الأمان. وسار عيسى بن موسى في عشرة الاف فارس ومعهم محمد بن ابي العباس السفاح وحميد بن قحطبة، وجعفر بن حنظلة.
وأرسل محمد بن عبد الله الى مكة المكرمة الحسن بن معاوية فدخلها، وهزم السري بن عبد الله صاحب مكة. كما بعث برجال الى اهل الشام ليأخذوا له البيعة من رجالها، فمنهم من أجاب، ومنهم من امتنع وقد اهلكت الحروب البلد، ومنهم من قال: خرج محمد بن عبد الله في المدينة وليس فيها مال يسعين به لى استخدام الرجال.
تحصن محمد بن عبد الله في المدينة وحفر خندقا حولها، ووصل اليها عيسى بم موسى فدعا محمد ثلاثة أيام الى الطاعة فرده وخذل عيسى عن محمد اصاحبه بأعطائه الأمان، وان هدفه هو اخذ محمد الى العراق الى الخليفة وحده، وانفرط عقد اهل المدينة وتفرق عن محمد كثيرا من أصحابه وخاصة بعد ان قال لهم: ان جعلتكم في حل من بيعتي، فمن احب منكم ان يقيم عليها فعل، ومن احب ان يتركها فعل، فتسلل اكثرهم ولم يبقى معه الا قلة منهم.
وارسل عيسى بن موسى خمسمائة فارس من جيشه نزلوا على طريق مكة كي لا يتمكن محمد بن عبد الله من الهرب الى مكة، واستمر الرسل بين الطرفين ثلاثة أيام في بداية العشر الثانية من شهر رمضان من العام نفسه. فلما كان اليوم الثالث تصاف الطرفان، وكان مع عيسى بن موسى اكثر من أربعة الاف ولم يزد أصحاب محمد عن ثلاثمائة الا قليلا، واقتتل الفريقان، وترجل محمد الى الارض وقاتل قتالا شديدا فقضى على اكثر من سبعين رجل من أصحاب عيسى، واحاط بأصحابه جيش العراق فقتلوا الكثير، واقتحموا الخندق، ولم تزل الحرب حتى صلى الناس العصر، وبعد الصلاة حميت الحرب، وتغلبت الكثرة، وفرج عدد من اتباع محمد وبقي في قلة تناقصت تدريجيا حتى بقى وحده، وما تقدم عليه احد الا هلك حتى تكاثر عليه القوم، فضربه رجل بسيف فسقط على ركبته يحمي نفسه، ثم تقدم الى حميد بن قحطبة وقد اثخنته الجراح وعجز عن المقاومة فحز راسه، وارسله الى المنصور، ودفن الجثة في البقيع، اما عيسى بن موسى فقد اتجه الى مكة وعليها الحسن بن معاوية من قبل محمد بن عبد الله وكان قادما الى المدينة نجدة له، فلما بلغه مقتله فر الى البصرة حيث قد خرج فيها إبراهيم بن عبد الله. ودخل عيسى بم موسى مكة وقد اناب على المدينة كثير بن حصين، فأستمر بها شهرا بعث المنصور لها عبد الله بن الربيع فعاث جنده في المدينة فسادا فثار عليه السودان ففر من وجهم بعد ان قتلوا عدد من جنده ثم رجع اليهم فهزموه فانهزم منهم، وخاف اهل المدينة مغبة ذلك فكفوا مواليهم وفرقوهم وعاد عبد الله بن الربيع فنكل برؤوس السودان.
ووصل ابراهيم بن عبد الله الى البصرة متخفيا بعد ان اتفق واخوه على الخروج في وقت واحد. وكان وصوله اليها عام 143، واختبأ بها ثم خرج وبايعه الناس، وقد دعا لاخيه محمد وكان عامل البصرة للمنصور هو ( سفيان بن معاوية) وكان يؤيد إبراهيم ضمنا، وبدأت اعداد تفد الى البصرة لمبايعة إبراهيم، والمنصور يرسل من يكمن لهم في الطريق ويقتلهم، وخرج إبراهيم في غرة شهر رمضان، وحاصر الأمير سفيان بن معاوية، فطلب منه الأمان فأمنه وسجنه مقيدا، واراد بذلك ان يبرئ ساحته عند الخليفة، كما انتصر على جعفر ، ومحمد ابني سليمان بن علي عم المنصور، وارسل الى الاهواز الرسل فبايعه أهلها، ودخلوا في طاعته، ثم اخذها من محمد بن الحصين بعد انتصاره عليه، كما اخذ فارس، والمدائن وواسط والسواد كافة، وبلغه قتل أخيه محمد الذي لم يستمر في حركته اكثر من 74 يوما (1 رجب ـــ 14 رمضان) ونعى الى الناس اخاه في يوم العيد وهذا ما جعل الناس تزدادا حقدا على المنصور، لكنه في الوقت نفسه داخلهم شيء من الخوف والجبن، اذ ايقنوا الهزيمة.
وكان جنود الخليفة متفرقة بعضها في افريقية مع محمد بن الاشعث، وبعضها الاخر في الحجاز مع عيسى بن موسى، وبعضها في الري أرسلها مع ابنه محمد المهدي، وليس عنده سوى الفي فارس واهل الكوفة ينتظرون به الدابرة لينضموا الى إبراهيم، فبعث الى ابن أخيه عيسى بن موسى ان اقبل بمن معك، وبعث الى ابنه ان أرسل خازم بن خزيمة الى الاهواز ليخلصها من إبراهيم، وقد تمكن فعلا من التغلب على المغيرة عامل إبراهيم عليها. كما بعث الى كل مدينة خرجت عن طاعته قوة تردها.
عسكر إبراهيم خارج البصرة وجعل عليها نملة بن مرة ومعه ابنه حسن بن إبراهيم. ثم سار هو باتجاه الكوفة، ونزل في (باخمري) (7) وجاءه عيسى بن موسى في خمسة عشرة الفا وعلى مقدمتهم حميد بن قحطبة في ثلاثة الاف. وكان جيش إبراهيم عظيما الا ان الآراء قد اختلف فيه فمنهم من يرى الذهاب الى الكوفة من خلف جيشها بطائفة من اهل البصرة والنيل من الخليفة وتسلم الامر، ومنهم من يرى حفر خندق، ومنهم يرى مباغتة عيسى بن موسى، ومنهم من يرى الكراريس وآخر الصفوف و .......
وتصاف العسكران في (باخمري) ونشب القتال، وهزمت مقدمة جيش عيسى بن موسى بأمرة حميد بن قحطبة وفلوا منهزمين، وثبت عيسى بن موسى في مائة من أصحابه، وحجز الفارين نهرا فعادوا، وعاد القتال من جديد فهزم جيش إبراهيم وثبت هو في خمسمائة من اتباعه، ثم قتل إبراهيم مع من قتل، وكان ذلك في 25 من شهر ذي الحجة من عام 145 أي ان امره قد دام مائة وخمسة عشر يوما (1 رمضان – 25 ذي الحجة)، وكانت دعوته في بداية الامر لاخيه محمد فلما جاءه نبأ مقتله دعا لنفسه.
وعندما علم المنصور بخبر مقتل إبراهيم بكى بكاء مرا، والواقع ان المنصور قد اخطأ اذ اساء التصرف مع عبد الله بن حسن حتى احرجه فأخرج ولدية محمدا وإبراهيم، وكان مع آل حسن جبارا قاسيا، ولكنه الملك و لا بد برأيه من المحافظة عليه، واللين فيه يخرجه من يديه، والقسوة تثبته، فقبح الله الدنيا وزخرفها وغرورها.
وبنى مدينة بغداد، وسكنها في صفر من عام 146 حيث تم البناء، وكان سورها دائريا، وعرضه خمسون ذراعا في اسفله، وعشرون في أعلاه، وله ثمانية أبواب وكذا السور الداخلي، الا ان الأبواب الداخلية والخارجية غير متقابلة: ونقل الأبواب من مدينة واسط، كما حاول نقل القصر الأبيض من المدائن الى بغداد، كما بنى سور لمدينة الكوفة، وأنشأ مدينة الرافقة، ووسع المسجد الحرام عام 139.
وعندما حج المنصور عام 147، استخلف ولي عهده ابن أخيه عيسى بن موسى، وطلب منه قتل عمه عبد الله بن علي، فحذر عيسى من مغبة ذلك ونصح بأن لا يفعل، خوفا من مطالبة المنصور له بدمه، ففعل وخبأه، ولم يقتله خوفا من القصاص منه، ولما عاد أبو جعفر طالبه بدمه، واراد قتله فأحضره عندئذ، فسجن المنصور عمه عبد الله بن علي ثم لم يلبث ان مات بالسجن، واختلف في موته اكان موتا او قتلا، ام تهدم السجن عليه. كما خلع ابن أخيه من ولاية العهد، وولى مكانه ابنه محمد المهدي، وبعد مدة عاد فرضى عن ابن أخيه وجعله وولي للعهد بعد ابنه.
وذهب للحج عام 158، وما ان جاوز الكوفة حتى احس بالمرض، الذي اشتد عليه فتوفى في مكة ي 7 ذي الحجة.
تزوج أبو جعفر اروى بنت منصور فولدت له محمداً (المهدي) وجعفر الأكبر، كما تزوج فاطمة بنت محمد من ولد طلحة بن عبيد لله فولدت له عيسى ويعقوب وسليمان، وتزوج امرأة اموية انجبت له فتاة اسماها العالية، وله جعفر الأصغر من ام ولد كردية، وصالح المسكين من ام ولد رومية، والقاسم من ام ولد أيضا. وتوفى ابنه جعفر الأكبر في حياة ابيه.
وحاول أبو جعفر تولية ابي حنيفة النعمان القضاء فأبى.... .
____________
(1) اخوة عبد الله بن علي:
1- محمد بن علي: 62 – 125 هـ.
2- داود بن علي: 81 – 133 هـ.
3- عيسى بن علي: 83 – 164هـ.
4- سليمان بن علي: 82 –141هـ.
5- إسماعيل بن علي: 85 – 166هـ.
6- صالح بن علي : 96 – 151هـ.
7- عبد الصمد بن علي: 104 – 185هـ.
8- عبد الله بن علي: 103 – 147هـ.
(2) الكامل في التاريخ لابن الاثير – ج4.
(3) البداية والنهاية لابن كثير الجزء العاشر.
(4) المصدر السابق.
(5) البداية والنهاية – ابن كثير.
(6) محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عبد الله: امه فاطمة بنت الحسين بن علي.
(7) باخمري: موضع بين واسط والكوفة وهو الى الكوفة اقرب، وفيه قبر إبراهيم.