التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
قتال عبد الله بن الزبير وعبد الملك بن مروان
المؤلف: ابن الاثير
المصدر: الكامل في التاريخ
الجزء والصفحة: ج4، ص38- 47
9-5-2017
2257
مقتل عبد الله بن الزبير:
لما بويع عبد الملك بالشام بعث إلى المدينة عروة بن أنيف في ستة آلاف من أهل الشام وأمره أن لا يدخل المدينة وأن يعسكر بالعرصة وكان عامل عبد الله بن الزبير على المدينة الحرث بن حاطب بن الحرث بن معمر الجمحي فهرب الحرث وكان ابن أنيف يدخل ويصلي بالناس الجمعة ثم يعود الى معسكره فأقام شهرا ولم يبعث إليهم ابن الزبير أحدا وكتب إليه عبد الملك بالعود إليه فعاد هو ومن معه وكان يصلي بالناس بعده عبد الرحمن بن سعد القرظي ثم عاد الحرث الى المدينة وبعث ابن الزبير سليمان بن خالد الزرقي الأنصاري وكان رجلا صالحا عاملا على خيبر وفدك فنزل في عمله فبعث عبد الملك عبد الواحد بن الحرث بن الحكم وقيل اسمه عبد الملك وهو أصح في أربعة آلاف فسار حتى نزل وادي القرى وسير سرية عليها أبو القمقام في خمسمائة إلى سليمان فوجدوه قد هرب فطلبوه فأدركوه فقتلوه ومن معه فاغتم عبد الملك بن مروان بقتله وقال قتلوا رجلا مسلما صالحا بغير ذنب وعزل ابن الزبير الحارث واستعمل مكانه جابر بن الأسود بن عوف الزهري فوجه جابر أبا بكر بن أبي قيس في ستمائة فارس وأربعين فارسا الى خيبر فوجدوا أبا القمقام ومن معه مقيمين بفدك يعسفون الناس فقاتلوهم فانهزم اصحاب أبي القمقام وأسر منهم ثلاثون رجلا فقتلوا صبرا وقيل بل قتل الخمسمائة أو أكثرهم ووجه عبد الملك طارق بن عمرو مولى عثمان وأمره أن ينزل بين أيلة ووادي القرى ويمنع عمال ابن الزبير من الانتشار ويسد على خللا إن ظهر له فوجه طارق إلى أبي بكر خيلا فاقتتلوا فأصيب أبو بكر في المعركة وأصيب من أصحابه أكثر من مائتي رجل وكان ابن الزبير قد كتب الى القباع أيام كان عامله على البصرة يأمره أن يرسل اليه ألفي فارس ليعينوا عامله على المدينة فوجه إليه ألفي رجل فلما قتل أبو بكر أمر ابن الزبير جابر بن الأسود أن يسير جيش البصرة الى قتال طارق فسار البصريون عن المدينة وبلغ طارقا الخبر فسار نحوه فالتقيا فقتل مقدم البصريين وقتل أصحابه قتلا ذريعا وطلب طارق مدبرهم وأجهز على جريحهم ولم يستبق أسيرهم ورجع طارق إلى وادي القرى.
وكان عامل ابن الزبير بالمدينة جابر بن الأسود وعزل ابن الزبير جابرا واستعمل طلحة بن عبيد الله بن عوف الذي يعرف بطلحة الندي سنة سبعين فلم يزل على المدينة حتى أخرجه طارق فلما قتل عبد الملك مصعبا وأتى الكوفة وجه منها الحجاج بن يوسف الثقفي في ألفين وقيل في ثلاثة آلاف من أهل الشام لقتال عبد الله بن الزبير وكان السبب في تسييره دون غيره أنه قال لعبد الملك قد رأيت في المنام أني أخذت عبد الله بن الزبير فسلخته فابعثني إليه وولني قتاله فبعثه وكتب معه أمانا لابن الزبير ومن معه إن أطاعوا فسار في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين ولم يعرض للمدينة ونزل الطائف وكان يبعث الخيل إلى عرفة ويبعث ابن الزبير أيضا فيقتتلون بعرفة فتنهزم خيل ابن الزبير في كل ذلك وتعود خيل الحجاج بالظفر. ثم كتب الحجاج إلى عبد الملك يستأذنه في دخول الحرم وحصر ابن الزبير ويخبره بضعفه وتفرق اصحابه ويستمده فكتب عبد الملك إلى طارق يأمره باللحاق بالحجاج فقدم المدينة في ذي القعدة سنة اثنتين وسبعين وأخرج عامل ابن الزبير عنها وجعل عليها رجلا من أهل الشام اسمه ثعلبة فكان ثعلبة يخرج المخ وهو على منبر النبي ثم يأكله ويأكل عليه التمر ليغبط أهل المدينة وكان مع ذلك شديدا على أهل الزبير وقدم طارق على الحجاج بمكة في سلخ ذي الحجة في خمسة آلاف وأما الحجاج فإنه قدم مكة في ذي القعدة وقد أحرم بحجة فنزل بئر ميمون وحج بالناس تلك السنة الحجاج إلا أنه لم يطف بالكعبة ولا سعى بين الصفا والمروة منعه ابن الزبير من ذلك فكان يلبس السلاح ولا يقرب النساء ولا الطيب إلى أن قتل ابن الزبير ولم يحج ابن الزبير ولا أصحابه لأنهم لم يقفوا بعرفة ولم يرموا الجمار ونحر ابن الزبير بدنه بمكة ولما حصر الحجاج ابن الزبير نصب المنجنيق على أبي قبيس ورمى به الكعبة وكان عبد الملك ينكر ذلك أيام يزيد بن معاوية ثم أمر به فكان الناس يقولون خذل في دينه وحج ابن عمر تلك السنة فأرسل الى الحجاج أن أتق الله واكفف هذه الحجارة عن الناس فإنك في شهر حرام وبلد حرام وقد قدمت وفود الله من أقطار الأرض ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيرا وإن المنجنيق قد منعهم عن الطواف فاكفف عن الرمي حتى يقضوا ما يجب عليهم بمكة فبطل الرمي حتى عاد الناس من عرفات وطافوا وسعوا ولم يمنع ابن الزبير الحاج من الطواف والسعي فلما فرغوا من طواف الزيارة نادى منادي الحجاج انصرفوا إلى بلادكم فإنا نعود بالحجارة على ابن الزبير الملحد وأول ما رمي بالمنجنيق إلى الكعبة أرعدت السماء وأبرقت وعلا صوت الرعد على الحجارة فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم فأخذ الحجاج حجارة المنجنيق بيده فوضعها فيه ورمى بها معهم فلما أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا فانكسر أهل الشام فقال الحجاج يا أهل الشام لا تنكروا هذا فإني ابن تهامة وهذه صواعقها وهذا الفتح قد حضر فأبشروا فلما كان الغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عبدة فقال الحجاج ألا ترون أنهم يصابون وأنتم على الطاعة وهم على خلافها وكانت الحجارة تقع بين يدي ابن الزبير وهو يصلي فلا ينصرف وكان أهل الشام يقولون:
ياابن الزبير طالما عصيكا *** وطالما عنيتنا اليكا
لتجزين بالذي أتيكا
يعنون عصيت وأتيت، وقدم عليه قوم من الأعراب فقالوا قدمنا للقتال معك فنظر فإذا مع كل امرئ منهم سيف كأنه شفرة وقد خرج من غمده فقال يا معشر الأعراب لأقربكم الله فوالله ان سلاحكم لرث وإن حديثكم لغث وإنكم لقتال في الجدب أعداء في الخصب فتفرقوا ولم يزل القتال بينهم دائما فغلت الأسعار عند ابن الزبير وأصاب الناس مجاعة شديدة حتى ذبح فرسه وقسم لحمها في أصحابه وبيعت الدجاجة بعشرة دراهم والمد الذرة بعشرين درهما وان بيوت ابن الزبير لمملوءة قمحا وشعيرا وذرة وتمرا وكان أهل الشام ينتظرون فناء ما عنده وكان يحفظ ذلك ولا ينفق منه إلا ما يمسك الرمق ويقول أنفس أصحابي قوية ما لم ييقن فلما كان قبيل مقتله تفرق الناس عنه وخرجوا إلى الحجاج بالأمان خرج من عنده نحو عشرة آلاف وكان ممن فارقه ابناه حمزة وخبيب أخذا لأنفسهما أمانا فقال عبد الله لابنه الزبير خذ لنفسك أمانا كما فعل أخواك فوالله إني لأحب بقاءكم فقال ما كنت لأرغب بنفسي عنك فصبر معه فقتل ولما تفرق أصحابه عنه خطب الحجاج الناس وقال قد ترون قلة من مع ابن الزبير وما هم عليه من الجهد والضيق ففرحوا واستبشروا وتقدموا فملؤوا ما بين الحجون إلى الأبواء فدخل على أمه فقال يا أماه خذلني الناس حتى ولدي وأهلي ولم يبق معي إلا اليسير ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا فما رأيك فقالت أنت والله يا بني أعلم بنفسك إن كنت تعلم أنك على حق وإليه تدعو فامض له فقد قتل عليه أصحابك ولا تمكن من رقبتك يتلعب بها غلمان بني أمية وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن قتل معك وإن قلت كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين كم خلودك في الدنيا القتل أحسن فقال يا أماه أخاف ان قتلني أهل الشام أن يمثلوا بي ويصلبوني قالت يا بني إن الشاة لا تتألم بالسلخ فامض على بصيرتك واستعن بالله فقبل رأسها وقال هذا رأيي والذي خرجت ها دائبا إلى يومي هذا ما ركنت الى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها وما دعاني إلى الخروج إلا الغضب لله وان تستحل حرماته ولكني احببت أن أعلم رأيك فقد زدتني بصيرة فانظري يا أماه فإني مقتول في يومي هذا فلا يشتد حزنك وسلمي الأمر الى الله فإن ابنك لم يتعهد إيثار منكر ولا عملا بفاحشة ولم يجر في حكم الله ولم يغدر في أمان ولم يتعمد ظلم مسلم أو معاهد ولم يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته ولم يكن شيء آثر عندي من رضا ربي اللهم لا أقول هذا تزكية لنفسي ولكني أقوله تعزية لأمي حتى تسلو عني، فقالت أمه لأرجو أن يكون عزائي فيك جميلا إن تقدمتني احتسبتك وإن ظفرت سررت بظفرك اخرج حتى أنظر إلى ما يصير أمرك فقال جزاك الله خيرا فلا تدعي الدعاء لي قالت لا أدعه لك أبدا فمن قتل على باطل فقد قتلت على حق ثم قالت اللهم ارحم طول ذاك القيام في الليل الطويل وذلك النحيب والظمأ في هواجر مكة والمدينة وبره بأبيه وبي اللهم قد سلمته لأمرك فيه ورضيت بما قضيت فأثبني فيه ثواب الصابرين الشاكرين فتناول يديها ليقبلهما فقالت هذا وداع فلا تبعد فقال لها جئت مودعا لأني أرى هذا آخر أيامي من الدنيا قالت امض على بصيرتك وادن مني حتى أودعك فدنا منها فعانقها وقبلها فوقعت يدها على الدرع فقالت ما هذا صنيع من يريد ما تريد فقال ما لبسته إلا لأشد متنك قالت فإنه لا يشد متني فنزعها ثم درج كميه وشد أسفل قميصه وجبة خز تحت أثناء السراويل وأدخل أسفلها تحت المنطقة وأمه تقول له:
(البس ثيابك مشمرة) فخرج وهو يقول:
إني إذا أعرف يومي أصبر *** وإنما يعرف يومه الحر
إذ بعضهم يعرف ثم ينكر
فسمعته فقالت تصبر إن شاء الله أبواك أبو بكر والزبير وأمك صفية بنت عبد المطلب فحمل على أهل الشام حملة منكرة فقتل منهم ثم انكشف هو وأصحابه وقال له بعض أصحابه لو لحقت بموضع كذا قال بئس الشيخ أنا إذا في الاسلام لئن أوقعت قوما فقتلوا ثم فررت عن مثل مصارعهم ودنا أهل الشام حتى امتلأت منهم الأبواب وكانوا يصيحون به يا ابن ذات النطاقين فيقول:( وتلك شكاة ظاهر عنك عارها )، وجعل أهل الشام على أبواب المسجد رجلا من أهل كل بلد فكان لأهل حمص الباب الذي يواجه باب الكعبة ولأهل دمشق باب بني شيبة ولأهل الأردن باب الصفا ولأهل فلسطين باب بني جمح ولأهل قنسرين باب بني تميم وكان الحجاج وطارق من ناحية الأبطح من المروة فمرة يحمل ابن الزبير في هذه الناحية ومرة في هذه الناحية فكأنه أسد في أجمة ما يقدم عليه الرجال يعدو في أثر القوم حتى يخرجهم ثم يصيح أبا صفوان ويل أمه فتحا لو كان له رجال أو كان قرني واحدا كفيته فيقول أبو صفوان عبد الله بن صفوان بن أمية بن خلف أي والله وألف فلما رأى الحجاج ان الناس لا يقدمون على ابن الزبير غضب وترجل وأقبل يسوق الناس ويصمد بهم صمد صاحب علم ابن الزبير وهو بين يديه فتقدم ابن الزبير على صاحب علمه وضاربهم فانكشفوا وعرج وصلى ركعتين عند المقام فحملوا على صاحب علمه فقتلوه عند باب بني شيبة وصار العلم بأيدي أصحاب الحجاج فلما فرغ من صلاته تقدم فقاتل بغير علم فضرب رجلا من أهل الشام وقال خذها وأنا ابن الحواري وضرب آخر وكان حبشيا فقطع يده وقال إصبر أبا حممة اصبر ابن حام، وقاتل معه عبد الله بن مطيع وهو يقول:
أنا الذي فررت يوم الحرة *** والحر لا يفر إلا مره
واليوم أجزى فرة بكره
وقاتل حتى قتل وقيل انه أصابته جراح فمات منها بعد أيام وقال ابن الزبير لأصحابه وأهله يوم قتل بعد صلاة الصبح اكشفوا وجوهكم حتى أنظر إليكم وعليهم المغافر ففعلوا فقال يا آل الزبير لو طبتم بي نفسا عن أنفسكم كنا أهل بيت من العرب اصطلحنا في الله فلا يرعكم وقع السيوف فإن ألم الدواء للجراح أشد من ألم وقعها صونوا سيوفكم كما تصونوا وجوهكم غضوا أبصاركم من البارقة وليشغل كل امرئ قرنه ولا تسألوا عني فمن كان سائلا عني فإني في الرعيل الأول احملوا على بركة الله ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم الحجون فرمي بآجرة رماه رجل من السكون فأصابته في وجهه فأرعش لها ودمي وجهه فلما وجد الدم على وجهه قال:
فلسنا على الأعقاب تدمي كلومنا *** ولكن على أقدامنا تقطر الدما
وقاتلهم قتالا شديدا فتعاودوا عليه فقتلوه يوم الثلاثاء من جمادى الآخرة وله ثلاث وسبعون سنة وتولى قتله رجل من مراد وحمل رأسه إلى الحجاج فسجد ووفد السكوني والمرادي إلى عبد الملك بالخبر فأعطى كل واحد منهما خمسمائة دينار وسار الحجاج وطارق حتى وقفا عليه فقال طارق ما ولدت النساء أذكر من هذا فقال الحجاج أتمدح مخالف أمير المؤمنين قال نعم هو أعذر لنا ولولا هذا لما كان لنا عذر إنا محاصروه منذ سبعة أشهر وهو في غير جند ولا حصن ولا منعة فينتصف منا بل يفضل علينا فبلغ كلامهما عبد الملك فصوب طارقا ولما قتل ابن الزبير كبر أهل الشام فرحا بقتله فقال ابن عمر انظروا إلى هؤلاء ولقد كبر المسلمون فرحا بولادته وهؤلاء يكبرون فرحا بقتله وبعث الحجاج برأسه ورأس عبد الله بن صفوان ورأس عمارة بن عمرو بن حزم إلى المدينة ثم ذهب بها إلى عبد الملك بن مروان وأخذ جثته فصلبها على الثنية اليمنى بالحجون فأرسلت اليه أسماء قاتلك الله على ماذا صلبته قال استبقت أنا وهو إلى هذه الخشبة وكانت له فاستأذنته في تكفينه ودفنه فأبى ووكل بالخشبة من يحرسها وكتب الى عبد الملك يخبره بصلبه فكتب إليه يلومه ويقول ألا خليت بينه وبين أمه فأذن لها الحجاج فدفنته بالحجون فمر به عبد الله بن عمر فقال السلام عليك يا أبا خبيب أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ولقد كنت صواما قواما وصولا للرحم أما والله ان قوما أنت شرهم لنعم القوم وكان ابن الزبير قبل قتله بقي أياما يستعمل الصبر والمسك لئلا ينتن فلما صلب ظهرت منه رائحة المسك، فقيل ان الحجاج صلب معه كلبا ميتا فغلب على ريح المسك وقيل بل صلب معه سنورا ولما قتل عبد الله ركب أخوه عروة ناقه لم ير مثلها فسار إلى عبد الملك فقدم الشام قبل وصول رسل الحجاج بقتل عبد الله فأتى باب عبد الملك فاستأذن عليه فأذن له فلما دخل سلم عليه بالخلافة فرد عليه عبد الملك ورحب به وعانقه وأجلسه على السرير فقال عروة:
متنت بأرحام إليك قريبة *** ولا قرب للأرحام ما لم تقرب
ثم تحدثا حتى جرى ذكر عبد الله فقال عروة إنه كان فقال عبد الملك وما فعل قال قتل فخر ساجدا فقال عروة ان الحجاج صلبه فهب جثته لأمه قال نعم وكتب الى الحجاج يعظم صلبه وكان الحجاج لما فقد عروة كتب الى عبد الملك يقول له إن عروة كان مع أخيه فلما قتل عبد الله أخذ مالا من مال الله فهرب فكتب اليه عبد الملك انه لم يهرب ولكنه أتاني مبايعا وقد أمنته وحللته مما كان وهو قادم عليك فإياك وعروة وعاد عروة إلى مكة وكان غيبته عنها ثلاثين يوما فأنزل الحجاج جثة عبد الله عن الخشبة وبعث به إلى أمه فغسلته فلما أصابه الماء تقطع فغسلته عضوا عضوا فاستمسك وصلى عليه عروة ودفنته. وقيل إن عروة لما كان غائبا عند عبد الملك كتب اليه الحجاج وعاوده في إنفاذ عروة اليه فهم عبد الملك بإنفاذه فقال عروة ليس الذليل من قتلتموه ولكن الذليل من ملكتموه وليس بملوم من صبر فمات ولكن الملوم من فر من الموت فسمع منه هذا الكلام فقال عبد الملك يا أبا عبد الله لن تسمع منا شيئا تكرهه وإن عبد الله لم يصل عليه أحد منعه الحجاج من الصلاة عليه وقال إنما أمر أمير المؤمنين بدفنه. وقيل صلى عليه غير عروة والذي ذكره مسلم في صحيحه أن عبد الله بن الزبير ألقي في مقابر اليهود وعاشت أمه بعده قليلا وماتت وكانت قد أضرت وهي أم عروة أيضا فلما فرغ الحجاج من أمر ابن الزبير دخل مكة فبايعه أهلها لعبد الملك بن مروان وأمر بكنس المسجد الحرام من الحجارة والدم وسار إلى المدينة وكان عبد الملك قد استعمله على مكة والمدينة فلما قدم المدينة أقام بها شهرا أو شهرين فأساء إلى أهلها واستخف بهم وقال أنتم قتلة أمير المؤمنين عثمان وختم أيدي جماعة من الصحابة بالرصاص استخفافا بهم كما يفعل بأهل الذمة منهم جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وسهل بن سعد ثم عاد إلى مكة فقال حين خرج منها الحمد لله الذي أخرجني من أم نتن أهلها أخبث بلد وأغشه لأمير المؤمنين وأحسدهم له على نعمة الله والله لولا ما كانت تأتيني كتب أمير المؤمنين فيهم لجعلتها مثل جوف الحمار أعوادا يعودون بها وزمة قد بليت يقولون منبر رسول الله وقبر رسول الله فبلغ جابر بن عبد الله قوله فقال إن وراءه ما يسوؤه قد قال فرعون ما قال ثم أخذه الله بعد أن أنظره وقيل إن ولاية الحجاج المدينة وما فعله بأصحاب رسول الله كان سنة أربع وسبعين في صفر خبيب بن عبد الله بن الزبير بضم الخاء المعجمة وبباءين موحدتين بينهما ياء مثناة من تحت وكان عبد الله يكنى به وبأبي بكر أيضا.