1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التاريخ والحضارة

التاريخ

الحضارة

ابرز المؤرخين

اقوام وادي الرافدين

السومريون

الساميون

اقوام مجهولة

العصور الحجرية

عصر ماقبل التاريخ

العصور الحجرية في العراق

العصور القديمة في مصر

العصور القديمة في الشام

العصور القديمة في العالم

العصر الشبيه بالكتابي

العصر الحجري المعدني

العصر البابلي القديم

عصر فجر السلالات

الامبراطوريات والدول القديمة في العراق

الاراميون

الاشوريون

الاكديون

بابل

لكش

سلالة اور

العهود الاجنبية القديمة في العراق

الاخمينيون

المقدونيون

السلوقيون

الفرثيون

الساسانيون

احوال العرب قبل الاسلام

عرب قبل الاسلام

ايام العرب قبل الاسلام

مدن عربية قديمة

الحضر

الحميريون

الغساسنة

المعينيون

المناذرة

اليمن

بطرا والانباط

تدمر

حضرموت

سبأ

قتبان

كندة

مكة

التاريخ الاسلامي

السيرة النبوية

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام

سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام

الخلفاء الاربعة

ابو بكر بن ابي قحافة

عمربن الخطاب

عثمان بن عفان

علي ابن ابي طالب (عليه السلام)

الامام علي (عليه السلام)

اصحاب الامام علي (عليه السلام)

الدولة الاموية

الدولة الاموية *

الدولة الاموية في الشام

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

معاوية بن يزيد بن ابي سفيان

مروان بن الحكم

عبد الملك بن مروان

الوليد بن عبد الملك

سليمان بن عبد الملك

عمر بن عبد العزيز

يزيد بن عبد الملك بن مروان

هشام بن عبد الملك

الوليد بن يزيد بن عبد الملك

يزيد بن الوليد بن عبد الملك

ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك

مروان بن محمد

الدولة الاموية في الاندلس

احوال الاندلس في الدولة الاموية

امراء الاندلس في الدولة الاموية

الدولة العباسية

الدولة العباسية *

خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى

ابو العباس السفاح

ابو جعفر المنصور

المهدي

الهادي

هارون الرشيد

الامين

المأمون

المعتصم

الواثق

المتوكل

خلفاء بني العباس المرحلة الثانية

عصر سيطرة العسكريين الترك

المنتصر بالله

المستعين بالله

المعتزبالله

المهتدي بالله

المعتمد بالله

المعتضد بالله

المكتفي بالله

المقتدر بالله

القاهر بالله

الراضي بالله

المتقي بالله

المستكفي بالله

عصر السيطرة البويهية العسكرية

المطيع لله

الطائع لله

القادر بالله

القائم بامرالله

عصر سيطرة السلاجقة

المقتدي بالله

المستظهر بالله

المسترشد بالله

الراشد بالله

المقتفي لامر الله

المستنجد بالله

المستضيء بامر الله

الناصر لدين الله

الظاهر لدين الله

المستنصر بامر الله

المستعصم بالله

تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام

شخصيات تاريخية مهمة

تاريخ الأندلس

طرف ونوادر تاريخية

التاريخ الحديث والمعاصر

التاريخ الحديث والمعاصر للعراق

تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي

تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني

تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق

تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى

العهد الملكي للعراق

الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق

قيام الجهورية العراقية

الاحتلال المغولي للبلاد العربية

الاحتلال العثماني للوطن العربي

الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية

الثورة الصناعية في اوربا

تاريخ الحضارة الأوربية

التاريخ الأوربي القديم و الوسيط

التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر

التاريخ : العصور الحجرية : العصر الشبيه بالكتابي :

العصر الحجري الشبيه بالكتابي في العراق

المؤلف:  عبد العزيز صالح

المصدر:  الشرق الأدنى القديم في مصر والعراق

الجزء والصفحة:  الكتاب الثاني, ص372-379

15-10-2016

233

حضارة الوركاء:

لعبت بلدة أوروك "أو أونوج" التي تقوم على أنقاضها وتحتفظ باسمها بلدة الوركاء الحالية "والتي ذكرتها التوراة باسم إرك"، دورًا رئيسيًّا في حضارة فجر التاريخ العراقي القديم. وقسم الباحثون مراحل عمرانها وتطوراتها الفنية المتواضعة إلى ست عشرة مرحلة، عاصرت في أغلبها حضارة العبيد(1)، ثم دخلت بمرحلتيها الرابعة والثالثة في عصر جديد سُمي اصطلاحًا باسم Proto-Literate Period"  نتيجة لاحتمال ابتداع أولى علامات الكتابة العراقية فيه، وترجمته بعض الكتب العربية بأسماء ما قبل العصر الكتابي، والعصر الشبيه بالكتابي، فضلًا عن بواكير العصر الكتابي، ... إلخ.

وترتب على الوفرة النسبية لآثار بدلة الوركاء خلال هذا العصر أن أطلق الأثاريون اسم حضارتها على بقية مواطن العمران المحلية التي عاشت معها وشابهتها في بعض خصائصها، وإن تميزت إلى جانبها في آخر مراحلها تسمية حاضرة أخرى، ألا وهي تسمية "حضارة جمدة نصر" التي أشرنا إلى الاتجاه الحديث نحو إدمامجها فيها. وتفاوت انتشار خصائص حضارة الوركاء في الجنوب وفي الشمال بتفاوت التطور في مراحلها المتتابعة، دون التزام بعدد الستة عشر الذي قسمت إليه مراحل عمرانها - وكانت مظاهر التطور في مراحل بواكير العصر الكتابي أكثر وضوحًا في الجنوب عنها في الشمال.

ويبدو أن المجتمع الزراعي العراقي القديم قد بدأ يصطبغ بصبغة مدنية منذ أواخر حضارة الوركاء "أو منذ بواكير العصر الكتابي الجديد"، فنشأت فيه بلدان أو مدن صغيرة تطورت عن القرى الكبيرة وامتازت عما تحيط بها من أراضي الزراعة والقرى العادية باتساع عمرانها اتساعًا نسبيًّا وبأهمية معابدها وقصور حكامها، وكفاية صناعها وفنانيها، وباتساع مجالات الإنتاج وفرص التشجيع فيها، وإن ظل ذلك كله في حدود نسبية بطبيعة الحال.

ولعل أهم ما يصور الرقى النسبي في حضارة الوركاء، هو نقوش أختامها التي ترجع مراحلها المتواضعة القديمة إلى عهود حلف والعبيد، ثم تطور عمارة معابدها. فقد استخدم أهل أوروك، أو الوركاء، أختامًا مخروطية ذات قواعد شبه دائرية كانوا يختمون بها على الطين عن طريق الضغط عليها ضغطًا رأسيًّا، وأختامًا أخرى أسطوانية الشكل كانوا يثبتونها في أيد خشبية ويختمون بها بتمريرها بقوة على سادات الأواني ولوحات الصلصال الطرية الصغيرة، وقد شاع هذا النوع الأخير واستغله الصناع لنقش مناظر دنيوية ودينية وأسطورية وعناصر أخرى زخرفية على سطوحه.

وبلغت نقوش رخام أوروك غايتها من التنوع خلال المرحلتين الرابعة والثالثة من مراحل عمران بلدتها، فصورت مناظرها الدينية مراحل أعياد المعبودات، ورمزت إلى تقوى الحكام وكبار الناس، ومما بقي منها ما يصور حاكمًا يتقدم بسنبلتي شعير غلى ستة رءوس من ماشية معبد مدينته كأنه يطعمها، وتلاه تابعه يحمل له مجموعة سنابل أخرى(2) وصورت رجلًا كبير المقام في مرحلتين من مراحل زيارته لمعبد هام، فأظهرته في بداية رحلته يستقل قاربًا يجذف له فيه أحد أتباعه ويتوجه به إلى مرساة المعبد، ثم صورته يسير في رحاب المعبد مبتهلًا ضامًّا كفيه تجاه وجهه مع ثني إبهاميهما إلى الخلف. يحف به كاهنان يرفعها قلادتين فخمتين أهداهما باسمه إلى ربة المعبد(3).

ورمزت المناظر الدنيوية في نقوش الأختام إلى بعض الأحداث العامة في عصرها، فصور أحد ما بقي منها ساحة حرب يتصدرها رئيس ذو لحية كثيفة وعمامة كبيرة ونقبة نصفية، يقف منتصبًا مستندًا إلى رمحه في اعتزاز وقوة، وقد تجمع أمامه عدد من زعماء أسراه عراة، ومنهم اثنان تقدما إليه في خضوع يعلنان التسليم وثلاثة رجال قيدت سواعدهم خلف ظهورهم وألقوا أذلة على أرض المعركة(4). ثم رمزت مناظر أختام أخرى إلى كفاح الأفراد ضد أخطار بيئتهم الخشنة، مع شيء من المبالغة التي ترتفع بهم إلى مصاف الأبطال، كتصوير راعٍ يدفع أسدًا ضخمًا بعيدًا عن بقرته دون خشية منه(5).

وصورت النقوش نفسها حيوانات بيئتها تصويرًا يستهدف تسجيل حياتها العادية في بعض أمره، ويستهدف غرض الزخرفة في بعض أمره. فصورتها أحيانًا يتلو بعضها بعضًا ويهاجم بعضها بعضًا من الخلف(6). وألفت من صور الأفاعي الضخمة وصور الأسود برقاب تشبه الأفاعي مجموعات زخرفية محورة يواجه كل حيوان فيها حيوانًا آخر يماثله ويتداخل فيه بحيث تلتف عنق كل منهما على عنق الآخر وتؤلفان بجزئيهما العلويين هيئة حلقة مستديرة، بينما يواجه رأس كل منهما رأس الآخر يدابره(7).

ولعبت صور المراكب دورها في مناظر الأختام، ودلت على أهميتها في حياة الناس وانتقالالتهم. وكانت مراكب ذات طرفين مرتفعين يميلان إلى الداخل أو إلى الخارج، وامتازت في أغلب صورها برموز تخطيطية تدل على أصحابها أو ترمز إلى معبوداتهم، وتناسب في الوقت ذاته المناظر المسجلة معها، وهي مناظر كان منها ما هو دنيوي الطابع يتألف من تصوير صاحب المركب وزوجته(8)، كما كان منها ما هو ديني الطابع يتألف من تصوير جانب من حفل في عيد إحدى المعبودات(9)، تصويرًا مختصرًا بطبيعة الحال.

وكان من البدهي أن يتفاوت مدى إتقان أمثال هذه النقوش بتفاوت كفايات الصناع وثراء أصحابها النسبي ومدى التطوير الفني والفكري في عصرها. غير أن صور الحيوانات فيها ظلت على وجه الإجمال أكثر إتقانًا من صور الإنسان، وقد صورها الفنانون من الجانب دائمًا، وبرع بعضهم في تصوير قوة عضلات أجسام الأسود(10)، وتصوير تحركات الماعز والأغنام وتفاصيل قرونها وشعروها وأصوافها، والتعبير عن عجزها إزاء هجمات الوحوش الكاسرة، وتصوير ضرواة الأفاعي(11). والتزام بعض أولئك الصناع الفنانين بتصوير كل حيوان مستقلًّا عن الآخر لإظهار فرديته. بينما مارس عدد آخر منهم بعض قواعد المنظور الأولية في تصوير الحيوانات، فصوروا بعضها يخفي أجزاء بعضها الآخر حين سيره(12).

واكتفى صناع الأختام بتصوير الملامح العامة للإنسان دون تفصيل، وأخذوا بما أخذ به أغلب الفنانين الأوائل من تصوير رأس الإنسان وجذعه الأسفل من الجانب مع تصوير عينه تصويرًا أماميًّا وتصوير صدره باتساعه، وتقديم ساقه البعيدة إلى الأمام؛ وإن كان أقلهم قد تعدى هذه التقاليد أحيانًا ونجح في تصوير الكتفين تصويرًا جانبيًّا حين الضرورة(13).

وصور أولئك الرسامون كهنة معابدهم عراة تمامًا، قصار الشعر حليقي الشوارب واللحى، بينما صوروا المدنيين بثياب نصفية تمتد من السرة إلى الركبة، أو تزيد قليلًا أحيانًا(14)، وبثياب طويلة أحيانًا أخرى.

ومارس فنانو بواكير العصر الكتابي في نهاية حضارة الوركاء حرفة النقش على الأواني الحجرية وعلى النصب. وأمتع ما تخلف من أوانيهم المنقوشة آنية أسطوانية من المرمر قسمت سطوحها إلى ثلاثة صفوف تتضمن تعبيرات دينية وفنية. وظهرت المعبودة إنانا في صفها الأعلى ينسدل غطاء رأسها على ظهرها وكتفيها وتتدثر بثوب طويل أو شال واسع، وتجمع بيسراها مجامع ثوبها بينما ترفع يمناها لتبارك بها سلة فاكهة قدمها إليها أحد كهنتها العراة. وتلاها تصوير رمز معبدها "النباتي؟ " ومجموعات الهدايا الفاخرة التي قدمت إليه، ثم رجل وأنثى بملابس طويلة وشعر مرسل طويل "أو غطاء رأس طويل" يصعدان مسطحي المعبد المسورين. ويرى  A. Falkenstein & Th. Jacobsen أنه صورت في يد الرجل علامة كتابية ترمز إلى كونه حاكم أوروك. وشغل الصف الثاني من نقوش الآتية تصوير عدد من الكهنة أو الأتباع العراة حاملي القرابين، بينما صورت في صفها الثالث مجموعة كباش ونعاج ونباتات. ودلت صور الكباش فيها على الأنواع الشائعة في عصرها، فمنها كباش أفقية القرون ومنها عالية القرون. وكلها قصيرة الذيول ذات طيات سميكة تحت أعناقها وفي مقدمات صدورها. ولا تزال نقوش هذه الآنية تعتبر خير نقوش أواني عصرها(15)، بل ولم يعثر بعد على ما يداني نقوشها في آثار عدة قرون تالية لها من الألف الثالث قبل الميلاد.

وظلت نقوش نصب الوركاء متواضعة على الرغم من أن أصحابها قد نجحوا في تنفيذها على الأحجار الصلبة أحيانًا، ومن هذا القبيل جزء من نصب صغير من حجر الجرانيت الأسود "وهو فريد في مادته في بيئته" نقشت عليه هيئة رجل يصيد الأسود بسهامه وآخر يهاجمها برمحه، ويبدو أنهما فردان من جماعة ترمز إلى طبقة الحكام الأوائل الذين أراد الفنان أن يعبر عن بأسهم في مواجهة الحيوانات الضارية وكفاحهم الشاق في سبيل تأمين الحياة في بيئتهم(16). ولم يوفق ناقش النصف في تصوير النسب الجسمية السليمة لهذين الرجلين، وإن نجح نجاحًا لا بأس به في التعبير عن حركة أذرعها خلال إطلاق القوس وتصويب الرمح، وصورهما بأنف أفعى بعض الشيء.

ثم بدأ فنانو العصر في أواخر فتراته ممارسة تجاربهم لتنفيذ النقش الغائر والنقش المجسم والنقش المفرغ، وكانوا أكثر توفيقًا في النوعين الأخيرين، ومن روائعهما كأس منقوشة من تل أجرب برز من أحد وجهيها بطل أسطوري ربعة، عار إلا من حزام حول وسطه، ذو لحية طويلة ممشطة وشعر مرسل، يضغط بيديه على كفلي شبلين يلتفتان بوجهيهما إليه كأنما يستنكران ضغطه عليهما، وقد بدت آثار الجهد على الرجل في تجاعيد جبهته وانطباق شفتيه واتساع محجري عينيه. وبرز على الوجه الآخر للكأس أسدان فاغرا الفاهين، على مستوى أعلى من مستوى الشبلين.

ووجدت قاعدة كأس حجرية أخرى في تل أجرب أيضًا نقشت عليها هيئة الشيخ الربعة ولكن بخف صوفي "؟ " طويل، يمسك ذنبي أسدين يهاجمان فحلين حرافيين برأسين ملتحيين(17). وقد أزال فنان الكأسين جزءًا من الأرضية التي تحيط بأشكال كأسه الأولى، وأزالها تمامًا في قاعدة كأسه الثانية فبدت أشكالهما مجسمة واضحة.

وتعددت محاولات النقش على عدة أوانٍ وكؤوس أخرى جمع بعضها بين أسلوب النقش البارز العادي وبين أسلوب الصور المجسمة، كأن ينقش جسم حيوان مثلًا على سطح آنية نقشًا عاديًّا، على حين يبرز رأسه منها بروزًا كاملًا ويواجه الرائي باتساعه كأنه رأس تمثال مجسم(18). وظلت أمثال هذه الأواني على صغرها تعتبر من أدوات الترف ومن كنوز المعابد في عصرها، بحيث طعم بعضها بالصدف والمحار واليشب الأحمر(19).

وخطا فن النحت خطواته البطيئة كذلك خلال بواكير العصر الكتابي، وتخلفت من نماذجه الصغيرة تماثيل لحيوانات أليفة وضارية وتماثيل بشرية وتماثيل كائنات أسطورية وخرافية. وكان من هذه التماثيل ما ينحت قائمًا بذاته، ومنها ما يعتبر جزءًا من تركيبات أخرى، كأن ينحت الصانع أو المثال قاعدة قطعة ثمينة من مقتنيات المعابد والقصور، أو مقدمتها، مثل المباخر والمذابح والأحواض وموائد القرابين وقطع الزينة، على هيئة رأس شاة(20)، أو على هيئة كبش بارك يواجه الرائي برأسه بينما يخرج من ظهره قائم معدني يربطه ببقية القطعة التي يتصل بها(21).

وكان من المثالين من يرمز إلى معبوده أو إلى الحارس المقدس الذي يرعى معبده أو يرعى قصر مولاه، بتمثال كائن أسطوري يجمع بين عناصر مختلفة، كأن يجمع بين جسم الأنثى وهيئة القردة ووجه اللبؤة(22).

واستهوت تماثيل النساء الأوائل، كما ظلت تستهويهم في كل عصر، فرمزوا بها إلى رباتهم، وعبروا بها عن بعض شخصيات مجتمعهم، وعن جمال الأنثى بوجه عام. ولم يبلغ أغلب هذه التماثيل حد الإجادة ولكن بعضها لم يخل من الوقت ذاته مما يعبر به عن محاولات فنية ترمي إلى تقليد الطبيعة أحيانًا في صدق تمثيل بروز النهدين وانسياب الشعر النسوي الطويل المرسل(23).

ومن خير ما افترضت نسبته إلى هذا العصر من تماثيل النساء، وجه حجري لأنثى عثر عليه في الوركاء(24) يمكن اعتباره مفخرة لعصره إن صحت نسبته إليه فعلًا، بل وقلما بلغ الفن العراقي مبلغ إجادته في تاريخه كله. وقد نحت بحجم يقرب من حجم الوجه الطبيعي "ويبلغ ارتفاعه 20 سم" ويبدو أنه كان ملونًا، وتظهر دقة التمثيل فيه في رقة تكوين ملامح صاحبته ونعومة خديها ورقة شفتيها وخطوط ذقنها ونقوش حاجبيها وانسياب الخصل الرقيقة من مفرقة شعرها على جبهتها، وكانت فجوات عينيها وحاجبيها مطعمة، كما كانت خصل شعرها مكسوة بطبقة معدنية رقيقة. وقد استقامت خلفية الرأس وبقيت فيه ثقوب كانت تستخدم لتثبيته في جسم تمثال صاحبته.

وواصل التطور المعماري طريقه حينذاك في أبنية المعابد والمساكن الرئيسية في عصره. واحتفظت أرض الوركاء، بأطلال معبد عرف باسم المعبد الأبيض(25)، أقامه أصحابه من اللبن لمعبودهم آن في نهاية بواكير العصر الكتابي، فوق تل صناعي يرتفع نحو اثني عشر مترًا عن مستوى السهل الممتد حوله ويشرف عليه. وسوروا جوانب هذا التل بسور ذي مشكاوات، واعتبروه فيما يحتمل بديلًا عن أمثال مسطح معبد إريدو، أو هم اعتبروه على الأرجح نموذجًا لأصله الجبلي القديم. يؤدي إلى سطحه طريق صاعد ودرج طويل بقي جزء منه، وتوسط المعبد الأبيض التل واستكملت جدرانه هيئة المستطيل وتشكلت على هيئة مشكاوات متتالية، تعاقبت في كل منها عدة مستويات داخلية، بنيت باللبن كالعادة ودعمتها فلوق نخيل قصيرة، ثم كسيت بملاط أبيض. وتوسطت المعبد مقصورته الرئيسية وتضمنت في داخلها عنصريها الرئيسيين، وهما المذبح ومائدة القربان، ولكن مذبحها كان ذا درج وبلغ ارتفاعه أكثر من متر، وجاور مائدة القربان فيها موقد منخفض نصف دائري. وأحاطت بالمقصورة بضع حجرات فصلت بينها جدران ذات مشكاوات نصفية، وزينت بالمخاريط الملونة - وألحقت بالمقصورة به معابد صغيرة أخرى. وفي بعض مداخله الإضافية شكلت في المعبد أعمدة كاملة وأخرى نصفية المقطع. واستمر تل هذا المعبد باقيًا حتى احتوته أسوار معبد آن الكبير في العصور الهيلينستية، أي بعد بداية البناء فوقه بنحو ثلاثين قرنًا، وقد يعني ذلك أنه كان يرتبط بقداسة خاصة عند أهله أدت بهم إلى المحافظة عليه.

وظل أسلوب المسطحات متبعًا في بناء المعابد جنبًا إلى جنب مع طراز التل، فعثر في العقير على أطلال معبد عاصر معبد الوركاء، أقامه أصحابه قوق مسطحين(26) وليس مسطحًا واحدًا، وكان يؤدي إليه درجان. وخطوا بذلك خطوة جديدة، استكملها خلفاؤهم على المدى الطويل حين زادوا أعداد المسطحات أو الطبقات وجعلوها تتراوح بين الثلاثة وبين السبعة، كما سيمر بنا في صفحات تالية. وصورت المناظر على جانبي مقصورة معبد العقير حيوانات قائمة وجاثمة، تميزت منها صور فهود لعلها مثلت الحماية الرمزية للمعبد.

وكشفت التنقيبات الأثرية عن أطلال معابد أخرى، كانت منها معابد فرعية تجاور معبد الوركاء، للربتين إنانا وإيانا(27). ومعبد لإله القمر شيد وسط مساكن بلدة خفاجى تناولته تعديلات كثيرة تميزت منها مرحلة خامسة أصبح يتقدم المعبد فيها ثلاثة أفنية متعاقبة يضمها معه سور كبير(28).

وظلت قوالب اللبن هي مادة البناء الرئيسية طوال ذلك العصر، واستغلها أهله في تشكيل نوعين من الأساطين: أساطين نصف دائرية المقطع تعتمد على جدران ساندة، وأساطين أخرى دائرية المقطع يبلغ قطر الكبيرة منها نحو المترين. واستعان المعماريون على إدخال عنصر الزخرفة في مبانيهم بما أشرنا إليه من تعاقب المشكاوات في واجهاتها المتسعة بما يخفف من حدة استقامتها ويعمل على تعاقب الأضواء والظلال فيها، ثم عن طريق كسائها بطبقة من الملاط وتلوينها بلون واحد كما حدث بالنسبة لطلاء جدران معبد الوركاء بملاط أبيض، أو تصوير صفوف من الحيوانات "والنباتات" عليها، كما حدث بالنسبة لجدران معبد العقير(29). ولما لم يكن من اليسير نقش جدران المباني اللبنية نقشًا غائرًا أو بارزًا، عالج معماريو العصر هذا النقص بعدة وسائل: فكان منهم من ينقشون أفاريز حجرية صغيرة بما تراءى لهم نقشه من رموز الأرباب وصور الحيوانات ثم يثبتونها في الجدران الرئيسية بسيور أو أسلاك تناسبها، عن طريق فجوات في خلفياتها(30). وكان منهم من يرصعون المساحات الصغيرة من الجدران بلوحات فخارية صغيرة يصنعونها على هيئات الحيوانات والزهور ثم يختمون عليها بأطراف أعواد البوص بحيث تبدو أرضيتها كما لو كانت مشكلة من دوائر صغيرة.

وكان منهم من يزخرفون الأساطين والجدران بمخاريط فخارية صغيرة "يبلغ متوسط طول الواحد منها نحو عشرة سنتيمترات" يلونون رؤوسها المستديرة بألوان سوداء وحمراء ثم يعشقونها متجاورة في الجدران والأساطين بحيث تؤلف بعض رؤوسها الملونة الظاهرة إشكالًا زخرفية تشبه هيئات المثلثات وخطوط الزجاج(31).

وبلغ من افتتان بعض الباحثين بآثار فجر التاريخ العراقي التي أجملنا مظاهرها الأساسية في الصفحات السابقة، أن افترضوا لأصحابها توسعًا سياسيًّا يزيد عن رقيهم الحضاري. فنسب إليهم صمويل نوح كرامر ما أسماه أول إمبراطورية سامية إيرانية في بلاد "ما بين" النهرين، وافترض أن نفوذ هذه الإمبراطورية قد امتد من العراق إلى غرب إيران حيث شمل أرض عيلام، وافترض وجود دولة حاجزة في أقاليم غرب إيران تفصل بين إمبراطورية "ما بين" النهرين هذه وبين البرابرة(32). غير أن مثل هذا الغلو في التقدير ليس له ما يبرره في عصر فجر التاريخ العراقي البعيد، لا سيما إذا قدرنا أن أكثر من خمسة قرون من العصور التاريخية نفسها قد مرت بعد ذلك دون أن يجتمع سكان بلاد النهرين في دولة واحدة، ناهيك بإمبراطورية واحدة! "مع ملاحظة تسميته "بلاد ما بين النهرين"، وليس بلاد النهرين، في الترجمة العربية لهذا الكتاب".

وعلى أية حال فإن بدايات ابتداع علامات الكتابة في أواخر عصر الوركاء، تكفي لتمييزها عما سبقها، وتجعلها مبشرة بتحضر واسع يأتي بعدها.

__________

(1) Frankfort, The Last Predynastic Period In Babylonia; C.A.H., I, Part Ii, 70 F.; Raymond Weill, Recherchers Sur La Ire Dynastie Et Les Temps Prepharaonique, Le Caire, 1961, Ii, 296;

(2) H. Frankfort, Cylinder Seals, Pl. V. D.

(3) H. Farnkfort, the Art and Architecture…, Pl. Viii C.

(4) Ibid., Fig. 7 A.

(5)  H.H. Von Der Oslen Ancient Oriental Seals, No. 695.

(6)A. Scharff, Die Fruhkulturen Aegyptens Und Mesopotamiens, 1951, Taf. Viii, 45, Ix, 46, 51; Frankfort, Op. Cit., Fig. 7 E, Pl. Viii A.

(7) Scharff, Op. Cit., 26, Taf. Vii, 40, Abb; 9, 10; Frankfort, Op. Cit., Fig. 7 B, Pl. Viii B.

(8) A. Scharff, Zaes, Lxxi "1935", 94 "M".

(9) Ibid., 95 "N".

(10) Frankfort, Op. Cit., Pl. 8 A.

(11) Ibid., Pl. 8 A, Fig. 7 E.

(12)  انظر حاشية 2 أعلاه.

(13) Frankfort, Op. Cit., Pl. 8 D.

(14) Ibid., Pl. 8 A, Fig. 7 A.

(15) H. Heinrich, Kleinfunde…, Uruk, Taf. 2, 3; A. Scharff, Die Fruhkulturen…, 1941, 22, 35, Taf. V, 31; H.A. Groenewegen-H. Frankfort, Arrest and Movement, 150-152.

(16)Holdeke, Heinrich Und Schott, Funfter Vorlaufiger Bricht…, Uruk…, 1934, 11-13; Frankfort, The Art Architecture Of The Ancient Orient, 14.

(17) Op. Cit., Pl. 6 A-C.

(18) Ibid., Pl. 5 A-B.

(19) Ibid., Pl. 11 and Notes 33-35.

(20) Ibid., Pl. 4 B.

(21) Ibid., Pl 4 A.

(22) J.A.O.S., Lxx "1950", 2231.

(23)  Frankfort, Op. Cit., Pl. 9 B.

(24)U.V.B., Xi, Pl. I "Vorlaufiger Bericht Uber Die Von Der Deutschen Forschungsgemeinschaft in Uruk- Warka Unternommenen Augsrabungen…, 1940".

(25) U.V.B., Viii, "1963", Abb. 13, Taf. 40 F.; Mitt. Der Deutschen Orient-Gesellschaft, Nr. 83 "1951".

(26) Seton Lioyd And Fouad Safar, "Tell Uqair", Jnes, 1934, 132 F.

(27) U.V.B., Vii "1935", Taf. Ii.

(28) Delougaz And Lioyd, The Temple Oval At Khafaje, 1940, Pl. VA; Pre-Sargonic Temples in Diyalah Region, 1942.

(29) Ibidem

(30) Frankfort, The Birth Of Civilization In The Near East, 1951, Pl. X, Figs. 17-18.

U.V.B., Ii, Abb. 25-27; Iii, Taf. 18; Xi, Taf. 34.

(31) U. V. B., Iii, Taf.1; Vii, Taf. 17 A. - وانظر تقارير ... في مجلة سومر 1961 عن مخاريط حجرية ملونة.

(32)  See, S.N. Kramer, From the Tablets of Sumer, 1956