الامر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أم لا؟
المؤلف:
الشيخ ضياء الدين العراقي
المصدر:
مقالات الاصول
الجزء والصفحة:
ج1 ص 339.
25-8-2016
1771
في أن الأمر بالشيء هل يقتضي النهي عن ضده أم لا؟ على أقوال، ثالثها التفصيل بين الضد الموجود وغيره بالاقتضاء في الأول دون غيره.
ثم إن الغرض ضمن الاقتضاء ليس إلا الاقتضاء في عالم الثبوت وأن الاقتضاء في عالم الاثبات من تبعاته ولذا ليس البحث مختصا بصورة ثبوت الأمر بلفظ وغيره، وبه نخرجه عن مباحث الألفاظ، وربما يكون مثل هذا العنوان قابلا لأن يجعل هذه المسألة من مبادئ الأحكام وأمكن ادراجها أيضا في العقليات الغير المستقلة وان كان جعلها من القواعد الكلية الواقعة في طريق استخراج أحكام كلية - كما هو شأن المسائل الاصولية - أوفق بالمقصود، وأيضا نقول إن منشأ الاقتضاء لدى القائل به تارة صرف الملازمة بين وجود ضد وعدم الآخر، وأخرى دعوى مقدمية عدم أحد الضدين لوجود ضده [فتدخل] المسألة حينئذ في طي مقدمات المسألة السابقة. وحيث إن العقل يأبى عن اقتضاء صرف الملازمة بين الشيئين الملازمة بين حكميهما بشهادة الوجدان بأن الاشتياق إلى شيء لا يقتضي الاشتياق إلى لوازم وجوده من احتياجه إلى زمان أو مكان. وبهذه الجهة أيضا نقول بأن الأمر بالطبيعة لا يقتضي سراية الاشتياق إلى الخصوصية بل ربما [تكون] الخصوصية [مبغوضة] لديه مع أنهما حيثيتان [متلازمتان] بل ومتحدان وجودا. فالعمدة في المقام تخيل مقدمية عدم أحد الضدين لوجود ضده نظرا إلى تمانعهما في الوجود، وأن وجود كل واحد من موانع وجود الآخر ومعلوم أن عدم المانع من اجزاء العلة التامة. وحيث عرفت من ان دخل عدم المانع بل ووجود الشرط ليس دخلا [تأثيريا] بل هي دخيلة في قابلية المعلول للوجود - كما فصلنا الكلام فيه في باب المقدمة - لا يبقى مجال منع المقدمية باستحالة مؤثرية العدم في الوجود لعدم سنخية بينهما. كيف؟ ولازم هذا الكلام اخراج عدم المانع كلية عن أجزاء العلة وهو كما ترى.
كما أن شبهة ورود الدور في المقام من استلزام التمانع بينهما توقف كل واحد من الوجود والعدم على الآخر نظرا إلى أن عدم كل واحد شرط وجود الآخر ووجود كل واحد علة لعدم الآخر أيضا لا يكاد يتم كما عرفت في بحث المقدمة بأن عدم الشيء في صورة عدم المقتضي ووجود المانع مستند إلى عدم المقتضي لا وجود المانع ففي ما نحن فيه عدم الضد مستند إلى عدم ارادته لا وجود الضد، نعم الذي يرد على المقدمية في الطرفين هو استلزام كون وجود كل واحد في رتبة متأخرة عن الآخر نظرا إلى حفظ الرتبة الواحدة بين [النقيضين].
ونفس هذه الجهة محذور مستقل بل هو في الحقيقة وجه استحالة الدور أيضا هذا كله ، مضافا إلى امكان دعوى أن مجرد التعاند بين الوجودين لا يقتضي التمانع المصطلح بل غاية اقتضائه عدم اجتماعهما في الوجوب، وهذا المقدار لا يقتضي تقدم أحدهما على الآخر بل غاية الأمر اقتضاؤه وجود أحدهما مع عدم الآخر ولو في رتبة واحدة وحينئذ لا موجب لاقتضاء أزيد من التلازم بين أحد الوجودين في الضدين مع عدم الآخر بلا مقدمية لأحدهما على الآخر أصلا. وحينئذ فلا موجب لاقتضاء الأمر بأحدهما النهي عن الآخر إذ قد عرفت بأن ما هو مقتضي له من المقدمية فصغراه ممنوعة وما هو موجود من صغرى الملازمة فكبري اقتضائه ممنوعة. ولذا كان نظر المشهور بين القائلين بالاقتضاء إلى حيث المقدمية والتمانع المصطلحة ولا اظن فيهم من التزم باقتضاء صرف تلازم الوجودين التلازم بين حكميهما فراجع كلماتهم، نعم غاية ما يقتضي التلازم المزبور عدم اجتماع الأمر بأحد الوجودين مع الأمر بالآخر فوجوب الشيء حينئذ لا يقتضي إلا عدم وجوب آخر لا حرمته وهذا المقدار في الجملة مما لا اشكال فيه، وإنما الاشكال ومعركة الآراء في أن الأمر بشيء يقتضي عدم الأمر بضده على الاطلاق ويقتضي عدم اطلاق أمره.
وأما إذا كان مشروطا بعصيانه بنحو الشرط المقارن فلا يقتضي الأمر بضده منعه. وإليه ذهب جملة من أساطين الفن، مبدأهم المحقق الثاني صاحب جامع المقاصد على ما نسب إليه وأيد هذا المسلك سيد الأساطين الميرزا الشيرازي عطر الله مرقده وتبعه جملة من أساتيد العصر رضوان الله عليهم. ولا يخفى أن هذا المسلك يقتضي قهرا طولية الأمرين ولعله وجه مناسبة تسمية هذه المسألة بالترتب.
وعمدة نظرهم في وجه تصحيح الأمرين المزبورين في زمان واحد هو أن وجه المضادة بين الأمرين على الاطلاق وقوع المطاردة بينهما حيث إن كل أمر يقتضي وجودا طاردا لضده ولازمه ايقاع المكلف فيما لا يطاق، وأما إذا كان أحدهما مشروطا بعصيان الآخر فلا يقتضي هذا الأمر طرد الآخر لعدم اقتضاء الأمر المشروط حفظ شرطه كما أن الآخر أيضا لا يطارد هذا لأمر المشروط بعصيانه لأنه في مرتبة وجود المشروط منعزل عن التأثير بل لا يكون في هذه المرتبة موجودا لاستحالة اطلاقه مرتبة عصيانه أو اطاعته وحينئذ فمن قبل هذين الأمرين لا يقع المكلف فيما لا يطاق لعدم أول أمره إلى الجمع بين الضدين.
ولئن شئت قلت: بأن كل واحد من الأمرين في اقتضائه وجود المرام لا يزاحم الآخر لأن الأمر المطلق يقتضي طرد عصيانه الملازم لطرد نفس الأمر الآخر لا مقتضاه، كما أن الأمر المشروط لا يقتضي طرد مقتضى الآخر لأنه مشروط بعصيانه، ولا يقتضي الأمر المشروط حفظ شرطه كما أشرنا هذا ملخص بيان مرامهم. أقول ما افيد في بيان المرام في غاية المتانة ولكن هذا المقدار لا يقتضي طولية الأمرين واشتراط أحدهما بعصيان الآخر.
وتوضيح ذلك بأن يقال إنه لا شبهة في صورة تساوي المصلحتين في حكم العقل بالتخيير بينهما. ومن الواضح أن مرجع التخيير فيهما ليس إلى اشتراط وجوب كل واحد بعصيان الآخر إذ لازمه تأخر رتبة كل واحد من الأمرين عن الآخر والعقل يأبى عن مثله كما عرفت لزوم هذا المحذور في مقدمية كل واحد من الضدين للآخر، وهو عمدة الوجه في ابطال التمانع المصطلح بينهما. كما أنه ليس مرجعه أيضا إلى اشتراط كل أمر بعدم وجود غيره الذي هو في رتبة سابقة عن التكليف، إذ في مثل هذا الاشتراط وان لم يلتزم المحذور السابق وليس لازمه أيضا في ظرف عدم الضدين كونه ملزما بإيجاد الضدين بنحو المطاردة، إذ لازم الاشتراط المزبور خروج جهة الوجود الملازم لسد باب العدم من قبل الشرط عن حيز الايجاب فقهرا يكون الطلب في كل واجب مشروط طلبا ناقصا متوجها إلى بقية جهات الوجود وسد سائر الأعدام غير سد باب واحد ملازم مع شرطه، ومن المعلوم أنه لا ضير بتعلق مثل هذين الطلبين الناقصين بوجود الضدين لعدم المطاردة بينهما بعد الجزم بأن الطلب ناقص في كل مشروط لا يصير تاما بوجود شرطه كما هو ظاهر. بل عمدة الوجه في منع الاشتراط أنه بعد امكان توجه الطلب الناقص إلى سائر الجهات الملازم لتحقق الجهة الملازمة لعدم الآخر من باب الاتفاق لا داعي على تقييد الطلب واناطته بعدم غيره بل يبقى الطلب الناقص على اطلاقه من هذه الجهة ولذا كان المغروس في الأذهان دخول الوجوبات التنجزية في الواجبات المطلقة وخروجها عن الواجبات المشروطة وأن روحها يرجع إلى طلب الفعل بنحو يقتضي المنع عن بعض أنحاء تروكه قبال الطلب التام المقتضي للمنع عن جميع أنحاء تركوه مع اشتراكهما في اطلاق الطلب وعدم اناطته بشيء كما هو ظاهر.
وحيث اتضح ذلك فلنا أن نقول: إن الطلب بالنحو المزبور إذا لم يكن بينهما مطاردة لنقص فهما كذلك لم يكن بينهما المطاردة المزبورة لو فرض نقص الطلب من طرف واحد ولو لم يشترط الطلب الناقص المزبور بعصيان الآخر أو بعدم الضد [السابق] على العصيان.
فان قلت: كيف لم يكن حينئذ المطاردة بينهما مع أن الطلب التام في الطرف الآخر يطرد الأمر الناقص بمقتضاه وان لم يكن الأمر الناقص يطرد الأمر التام، لان مقتضاه حفظ الوجود من سائر الجهات غير ما يلازم وجود غيره.
قلت: بعد ما اعترفت أن مقتضى الطلب الناقص حفظ سائر الجهات في طرف انسداد الباب الملازم لوجود الضد، كيف يقتضي الطلب التام طرد هذا المقتضي، إذ نتيجة طرده منع انسداد تلك الجهة، وفي ظرفه لا اقتضاء للطلب الناقص، فأين المطاردة ولو من طرف واحد فضلا عن الطرفين؟.
وبعد ما اتضح ذلك نقول إن اللازم بحكم العقل رفع اليد عن ظهور الأمر في التمامية إذ هو المتيقن في البين سواء قلنا باشتراط الأمر بعصيان أم لا، فيبقى جهة ظهور الطلب في عدم اناطته بشيء تحت الاطلاق، ولازمه عدم طولية الطلب بالضدين بل كل منهما مطلوب في عرض مطلوبية الآخر غاية الأمر مع [تساوي] المصلحتين كل واحد منهما ناقص قاصر عن اقتضاء سد باب جميع الأعدام. ومع أهمية المصلحة في أحد الطرفين كان الطلب في الأهم تاما وفي المهم ناقصا بلا لزوم الالتزام بشرطية العصيان في أمر المهم أو شرطية غيره كي يوجب ذلك طولية الأمرين كما يفصح عن مثله عنوان الترتب في كلماتهم فتدبر في المقام فانه من مزال الأقدام.
الاكثر قراءة في المباحث العقلية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة