الوفاء في الحب					
				 
				
					
						
						 المؤلف:  
						 محمد مهدي النراقي					
					
						
						 المصدر:  
						 جامع السعادات					
					
						
						 الجزء والصفحة:  
						ج3 . ص188-190					
					
					
						
						21-7-2016
					
					
						
						1730					
				 
				
				
				
				
				
				
				
				
				
			 
			
			
				
				ان من تمام الحب للاخوان في اللّه (الوفاء)، و هو الثبات على الحب و لوازمه و ادامته إلى الموت و بعده مع أولاده و اصدقائه ، و ضده (الجفاء) ، و هو قطع الحب أو بعض لوازمه في أيام الحياة او بعد الموت بالنسبة إلى أولاده و أحبته ، و لو لا الوفاء في الحب لما كانت فيه فائدة   اذ الحب إنما يراد للآخرة ، فان انقطع قبل الموت لضاع السعي و حبط العمل ، و لذلك قال رسول اللّه في السبعة الذين يظلمهم اللّه يوم القيامة : «واخوان تحابا في اللّه اجتمعا على ذلك و تفرقا عليه».
وروي : «أنه (صلى الله عليه واله) كان يكرم بعض العجائز كلما دخلت عليه ، فقيل له في ذلك   فقال : إنها كانت تأتينا أيام خديجة ، و ان كرم العهد من الدين».
فمن الوفاء مراعاة جميع الاصدقاء والأقارب والمتعلقين ، و مراعاتهم اوقع في القلب من مراعاة الأخ المحبوب في نفسه ، فان فرحه بتفقد من يتعلق به أكثر من فرحه بتفقد نفسه ، اذ لا تعرف قوة المحبة و الشفقة الا بتعديها من المحبوب إلى كل من يتعلق به ، حتى ان من قوي حبه لأخيه تميز في قلبه كلبه الذي على باب داره من سائر الكلاب.
ولا ريب في ان المحبة التي تنقطع - و لو بعد الممات - لا تكون محبة في اللّه ، اذ المحبة في اللّه دائمة لا انقطاع لها.
فما قيل من ان (قليل الوفاء بعد الوفاة خير من كثيره حال الحياة) انما هو لدلالته على كون الحب في اللّه.
وبالجملة : الوفاء بالمحبة تمامها , و من آثار الوفاء ان يكون شديد الجزع من مفارقته ، و الا يسمع بلاغات الناس عليه ، و ان يحب صديقه و يبغض عدوه ، و ليس من الوفاء موافقة الأخ فيما يخالف الحق في امر يتعلق بالدين ، بل من الوفاء المخالفة له و إرشاده إلى الحق.
هذا واما البعد و الانس ، فقد عرفت ان الانس عبارة عن استبشار القلب بما يلاحظه من المحبوب بعد الوصول ، و البعد خلافه ، و الأنس و الخوف و الشوق كلها من آثار المحبة ، و كل واحد منها يرد على المحب بحسب نظره ، و مما يغلب عليه فى وقته ، فإذا غلب عليه التطلع من وراء حجب الغيب إلى منتهى الجمال ، و استشعر قصوره من الاطلاع على كنه الجلال ، انبعثت النفس و انزعجت له و هاجت إليه ، فسميت هذه الحالة في الانزعاج (شوقا)  وهو بالإضافة إلى امر غائب ، و إذا غلب عليه الفرح بالقرب و مشاهدة الحضور بما هو حاصل من الكشف ، و كان نظره مقصورا على مطالعة الجمال الحاضر المكشوف ، غير ملتفت إلى ما لم يدركه بعد ، استبشر القلب بما يلاحظه فيه.
فيسمى استبشاره (انسا) ، و ان كان نظره إلى صفات العز و الجلال و الاستغناء و عدم المبالاة   واستشعر إمكان الزوال و البعد ، تألم قلبه بهذا الاستشعار، فيسمى تألمه (خوفا)، و هذه الأحوال تابعة لهذه الملاحظات ، فان غلب الأنس و تجرد عن ملاحظة ما غاب عنه و ما يتطرق إليه من خطر الزوال ، عظم نعيمه و لذته ، و غلب عليه الأنس باللّه ، ولم تكن شهوته الا في الانفراد و الخلوة ، و ذلك لان الانس باللّه يلازمه التوحش من غير اللّه ، بل كلما يعوق من الخلوة يكون اثقل الأشياء على القلب ، كما روي : «ان موسى (عليه السلام) لما كلمه ربه  مكث دهرا لا يسمع كلامه أحد من الخلق الا أخذه الغشيان» ، و لان الحب يوجب عذوبة كلام المحبوب و عذوبة ذكره ، فيخرج عن القلب عذوبة ما سواه ، فان خالط الناس كان كمنفرد في جماعة ، و مجتمع في خلوة ، و غريب في حضر، و حاضر في سفر، و شاهد في غيبة ، و غائب فى حضور، و مخالط بالبدن ، متفرد بالقلب المستغرق في عذوبة الذكر، قال أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصفهم : «هم قوم هجم بهم العلم على حقيقة الامر، فباشروا روح اليقين ، و استلانوا ما استوعره المترفون ، و انسوا بما استوحش منه الجاهلون ، صحبوا الدنيا بأبدان ارواحها متعلقة بالمحل الأعلى ، أولئك خلفاء اللّه في ارضه ، و الدعاة إلى دينه».
 
				
				
					
					
					 الاكثر قراءة في  الحب والالفة والتاخي والمداراة					
					
				 
				
				
					
					
						اخر الاخبار
					
					
						
							  اخبار العتبة العباسية المقدسة