النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
تكريم القران لأهل البيت وحفاوته بهم
المؤلف: باقر شريف القرشي
المصدر: حياة الامام الحسن دراسة وتحليل
الجزء والصفحة: ج1 ، ص67-78
6-4-2016
4160
نطق كتاب الله العظيم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه بفضل أهل البيت وبسمو مكانتهم عند الله وفرض الله على المسلمين مودة أهل البيت (عليها السلام) وقد نطق القرآن بذلك قال تعالى : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] , وروى ابن عباس قال : لما نزلت هذه الآية قال بعض المسلمين : يا رسول الله من قرابتك الذين أوجبت علينا طاعتهم؟ فقال (صلى الله عليه واله) : علي وفاطمة وابناهما وروى أبو نعيم بسنده عن جابر قال جاء اعرابي إلى النبي (صلى الله عليه واله) فقال : يا محمد أعرض عليّ الاسلام فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله قال : تسألني عليه أجرا؟ قال : لا إلا المودة في القربى قال : قرباي أو قرباك؟ قال : قرباي قال هات أبايعك فعلى من لا يحبك ولا يحب قرباك لعنة الله قال (صلى الله عليه واله) آمين , وصرح الامام الحسن (عليها السلام) أنه من المعنيين بهذه الآية فى بعض خطبه قال (عليها السلام) : وأنا من أهل البيت الذين أفترض الله مودتهم على كل مسلم فقال تبارك وتعالى : ( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت.
وإلى مضمون الآية الكريمة يشير الامام الشافعي فى قوله :
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله
وأفاد الفخر الرازي ما نصه : وإذا ثبت هذا يعنى أنها نزلت في علي وفاطمة وابناهما وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم وتدل عليه وجوه الاول : قوله تعالى : {إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] ووجه الاستدلال به ما سبق وهو ما ذكره من قبل من أن آل محمد (صلى الله عليه واله) هم الذين يؤل أمرهم إليه فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل ولا شك ان فاطمة وعليا والحسن والحسين (عليها السلام) كان التعلق بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه واله) أشد التعليقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل . الثاني : لا شك ان النبي (صلى الله عليه واله) كان يحب فاطمة (عليها السلام) قال (صلى الله عليه واله) : فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها وثبت بالنقل المتواتر عن محمد (صلى الله عليه واله) أنه كان يحب عليا والحسن والحسين : وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمة مثله لقوله تعالى : {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158]ولقوله تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] ولقوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ولقوله سبحانه : و {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] .
الثالث : إن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله : اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمدا وآل محمد , وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب ؛ إن مودة أهل البيت من أهم الواجبات الاسلامية ومن أقدس الفروض الدينية لأن فيها أداء لأجر الرسالة وصلة للرسول (صلى الله عليه واله) وشكرا له على ما لاقاه من عظيم العناء في سبيل انقاذ المسلمين من الشرك وعبادة الأوثان فحقه على الأمة أن توالي عترته وتكن لها المودة والاحترام.
ومن آيات الله البينات الدالة على عصمة اهل البيت من الذنوب وعلى طهارتهم من الزيغ والآثام آية التطهير قال تعالى : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] وهي صريحة الدلالة في العصمة ويقع البحث في الآية من جهات :
أ ـ دلالتها على العصمة : وكيفية الاستدلال بها على عصمة أهل البيت انه تعالى حصر إرادة إذهاب الرجس أي المعاصي بكلمة انما وهي من أقوى أدوات الحصر وبدخول اللام في الكلام الخبري وبتكرار لفظ الطهارة وذلك يدل بحسب الصناعة على الحصر والاختصاص ومن المعلوم أن ارادة الله تعالى يستحيل فيها تخلف المراد عن الارادة {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] وبذلك يتم الاستدلال بها على عصمة أهل البيت من كل ذنب ومعصية.
ب ـ المختصون بها : اجمع ثقاة الرواة أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه واله) وفي أمير المؤمنين (عليه السلام) وفاطمة والحسنين (عليها السلام) ولم يشاركهم أحد في هذه الفضيلة , قد روى الحاكم بسنده عن أم سلمة أنها قالت : في بيتي نزلت هذه الآية {إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} قالت : فأرسل رسول الله (صلى الله عليه واله) إلى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليها السلام) فقال : اللهم هؤلاء أهل بيتي قالت أم سلمة : يا رسول الله ما أنا من أهل البيت؟ قال : إنك إلى خير وهؤلاء أهل بيتي اللهم أهل بيتي احق ؛ وفي رواية أم سلمة الأخرى : قالت في بيتي نزلت : {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} وفي البيت فاطمة وعلى والحسن والحسين فجللهم رسول الله (صلى الله عليه واله) بكساء كان عليه ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا , وروى الخطيب البغدادي بسنده عن أبي سعيد الخدري عن النبي (صلى الله عليه واله) في قوله تعالى : {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} قال : جمع رسول الله (صلى الله عليه واله) عليا وفاطمة والحسن والحسين (عليها السلام) ثم أدار عليهم الكساء فقال : هؤلاء أهل بيتي اللهم اذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا وأم سلمة على الباب فقالت : يا رسول الله ألست منهم؟ فقال : إنك لعلى خير أو إلى خير , ويدل على اختصاص الآية بهم وعدم شمولها لغيرهم ما رواه ابن عباس قال : شهدت رسول الله (صلى الله عليه واله) تسعة أشهر يأتى كل يوم باب علي بن أبي طالب (عليها السلام) عند وقت كل صلاة فيقول : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أهل البيت {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} الصلاة رحمكم الله كل يوم خمس مرات , واخرج ابن جرير وابن مردويه عن أبي الحمراء قال : حفظت من رسول الله (صلى الله عليه واله) ثمانية أشهر بالمدينة ليس من مرة يخرج إلى صلاة الغد إلا أتى باب علي فوضع يده على جنبتي الباب ثم قال : الصلاة ، الصلاة {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا} , وروى أبو برزة قال : صليت مع رسول الله (صلى الله عليه واله) سبعة أشهر فاذا خرج من بيته أتى باب فاطمة (عليها السلام) فقال : السلام عليكم {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}
وروى أنس بن مالك قال : كان النبي (صلى الله عليه واله) يمر بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج لصلاة الفجر ويقول : الصلاة يا أهل البيت {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا} وقال الامام الحسن (عليها السلام) في بعض خطبه : وأنا من أهل البيت الذي كان جبريل ينزل إلينا ويصعد من عندنا وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
لقد تواترت الاخبار الصحيحة التي لا مجال للشك في سندها وفي دلالتها على اختصاص الآية الكريمة فى الخمسة من أهل الكساء : وعدم تناولها لغيرهم من أسرة النبي (صلى الله عليه واله).
ج ـ خروج نساء النبي : ليس لنساء النبي (صلى الله عليه واله) نصيب في هذه الآية فقد اختص بها أهل الكساء وللتدليل على ذلك نذكر ما يلي :
1 ـ خروجهن موضوعا عن الأهل فإنه موضوع لعشيرة الرجل وذوى قرباه ولا يشمل الزوجة ويؤكد هذا المعنى ما صرح به زيد ابن ارقم حينما سئل من أهل بيته ـ اي النبي (صلى الله عليه واله) نساؤه؟ فقال :لا ؛ وأيم الله إن المرأة تكون مع الرجل العصر من الدهر ثم يطلقها فترجع إلى أبيها وقومها أهل بيته أصله وعصبته الذين حرموا الصدقة بعده .
2 ـ انا لو سلمنا أن الأهل يطلق على الزوج فلا بد من تخصيصه وذلك للاخبار المتواترة التي تقدم ذكرها وهي توجب تقييد الاطلاق من دون شك.
د ـ مزاعم عكرمة : زعم عكرمة أن الآية نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه واله) وكان ينادى بذلك في السوق وبلغ من اصراره وعناده أنه كان يقول : من شاء باهلته أنها نزلت في أزواج النبيّ , وعكرمة لا يعول على روايته ولا يوثق به وذلك لما يلي :
1 ـ انه من الخوارج وموقف الخوارج من الامام أمير المؤمنين معروف من ناحية النصب والعداء.
2 ـ انه قد عرف بالكذب واشتهر به فعن ابن المسيب انه قال لمولى اسمه برد لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس وعن عثمان بن مرة أنه قال للقاسم : ان عكرمة حدثنا عن ابن عباس كذا فقال القاسم : يا بن اخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوة حديثا يخالفه عشيا ؛ ومع اتهامه بالكذب كيف يمكن التعويل على حديثه.
3 ـ انه كان فاسقا يسمع الغناء ويلعب بالنرد ويتهاون في الصلاة وانه كان خفيف العقل .
4 ـ إنه كان منبوذا عند المسلمين فقد جفوه وتجنبوه وبلغت من كراهيتهم له أنه لما توفى لم يصلوا عليه ولم يشهدوا تشييع جنازته ومع هذه الطعون التي احتفت به كيف يمكن التعويل على روايته؟ مضافا إلى أنها من أخبار الآحاد حتى لو لم تمن بالضعف فانها لا تصلح لمعارضة الأخبار الصحيحة المتواترة.
من آيات الله الباهرات التي أشادت بفضل أهل البيت (عليها السلام) آية المباهلة قال تعالى : {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: 61] فقد روى الجمهور بطرق مستفيضة أنها نزلت في أهل البيت (عليها السلام) وان ابناءنا اشارة إلى الحسنين ونساءنا الى فاطمة وانفسنا إلى علي ؛ وموجز قصة المباهلة ان وفدا من نصارى نجران قدموا على رسول الله (صلى الله عليه واله) ليناظروه في دينه وبعد حديث دار بينهما اتفقا على المباهلة وهي أن يبتهلوا أمام الله تعالى فيجعلوا لعنته الخالدة وعذابه المعجل على الكاذبين وعينوا زمانا خاصا لها , وخرج رسول الله (صلى الله عليه واله) في اليوم الذي اتفقا عليه وقد اختار للمباهلة أعز الناس لديه وأكرمهم عند الله وهم الحسن والحسين وسيدة النساء فاطمة وأمير المؤمنين واحتضن (صلى الله عليه واله) الحسين وامسك بيده الأخرى الحسن وسارت خلفه الزهراء وهي مغشاة بملاءة من نور الله وأمير المؤمنين يسير خلفها وهو باد الجلال وخرج السيد والعاقب بولديهما وعليهما الحلي والحلل ومعهم نصارى نجران وفرسان بني الحرث على خيولهم وهم على أحسن هيئة واستعداد وقد اجتمعت الجماهير الحاشدة وهي تراقب الحادث الخطير ويسأل الناس بعضهم بعضا هل تباهل النصارى؟ أو تكف عن ذلك وبينما هم على هذا الحال إذ تقدم السيد والعاقب إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) وقد بدا عليهما الذهول والارتباك قائلين : يا أبا القاسم بمن تباهلنا؟.
فأجابهم (صلى الله عليه واله) : أباهلكم بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله وأشار إلى علي وفاطمة والحسنين ؛ وقدما له سؤالا مقرونا بالتعجب : لمّ لا تباهلنا بأهل الكرامة والكبر وأهل الشارة ممن آمن بك وأتبعك؟!! فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : أجل , أباهلكم بهؤلاء خير أهل الأرض وأفضل الخلق , فذهلوا وذابت قلوبهم من الخوف والرعب ورجعوا قافلين الى الاسقف زعيمهم يستشيرونه في الأمر قائلين : يا أبا حارثة ما ذا ترى في الأمر؟ فأجابهم الاسقف وقد غمرته هيبة آل الرسول (صلى الله عليه واله) قائلا : أرى وجوها لو سأل الله بها أحد أن يزيل جبلا من مكانه لأزاله , ولا يكتفي بذلك بل يدعم قوله : بالبرهان واليمين التي تؤيد مقالته : أفلا تنظرون محمدا رافعا يديه ينظر ما تجيئان به وحق المسيح إن نطق فوه بكلمة لا نرجع إلى أهل ولا إلى مال!! وجعل يصيح بهم : ألا ترون إلى الشمس قد تغير لونها والأفق تنجع فيه السحب الداكنة والريح تهب هائجة سوداء حمراء وهذه الجبال يتصاعد فيها الدخان لقد أطل علينا العذاب أنظروا إلى الطير وهي تقيء حواصلها وإلى الشجر كيف تتساقط أوراقها وإلى هذه الأرض كيف ترجف تحت أقدامنا.!!!
الله أكبر .. لقد غمرت المسيحيين عظمة تلك الوجوه المقدسة وآمنوا بما لها من الكرامة والشأن عند الله ووقفوا خاضعين أمام النبي (صلى الله عليه واله) ونفذوا طلباته وقال (صلى الله عليه واله) : والذي نفسي بيده إن العذاب تدلى على أهل نجران ولو لا عنوا لمسخوا قردة وخنازير ولأضطرم عليهم الوادي نارا ولأستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على الشجر وما حال الحول على النصارى كلهم .
ودلت قصة المباهلة على عظيم منزلة أهل البيت وسمو مكانتهم وانهم افضل خلق الله وأحبهم إلى رسول الله (صلى الله عليه واله) ولا يداني فضلهم أحد من سائر العالمين.
ونزلت في أهل البيت (عليها السلام) سورة مباركة من سور القرآن الكريم وهي سورة {هَلْ أَتَى} [الإنسان: 1] فقد روى جمهور المفسرين والمحدثين أنها نزلت فيهم والسبب في نزولها ان الحسن والحسين (عليها السلام) مرضا فعادهما جدهما رسول الله (صلى الله عليه واله) مع بعض الصحابة فقالوا للامام : لو نذرت لله إن عافى ولديك فنذر (عليها السلام) صوم ثلاثة أيام شكرا لله إن برئا وتابعته الصديقة (عليها السلام) وجاريتها فضة في هذا النذر ولما ابل الحسنان من المرض صاموا جميعا ولم يكن عند أمير المؤمنين (عليها السلام) في ذلك الوقت شيء من الطعام ليجعله افطارا لهم فاستقرض ثلاثة أصواع من الشعير فعمدت الصديقة (عليها السلام) في اليوم الاول إلى صاع فطحنته وخبزته فلما آن وقت الإفطار وإذا بمسكين يستمنحهم من القوت شيئا فتبرع الامام في افطاره وتابعه الجميع في صنعه وناولوا طعامهم إلى المسكين وقضوا ليلتهم ولم يذوقوا من الطعام شيئا واصبحوا وهم صائمون ، فلما حل وقت الافطار والطعام بين أيديهم وإذا بيتيم على الباب يشكو ألم الجوع فتبرعوا جميعا بقوتهم وطووا ليلتهم ولم يذوقوا سوى ماء القراح وفي اليوم الثالث قامت سيدة النساء فطحنت ما فضل من الطعام وخبزته فلما حان وقت الافطار قدمت لهم الطعام وسرعان ما طرق الباب أسير يشكو الجوع فسحبوا أيديهم من الطعام ومنحوه له سبحانك اللهم أي مبرة أعظم من هذه المبرة وأي ايثار اعظم من هذا الايثار!!! وفي اليوم الرابع جاء رسول الله (صلى الله عليه واله) لزيارتهم فرآهم ويا لهول ما رأى رأى الصفرة بادية على الوجوه الارتعاش حل في أجسامهم من الضعف فتغير حاله وانطلق يقول : وا غوثاه أهل بيت محمد يموتون جياعا , ولم ينته الرسول (صلى الله عليه واله) من كلامه حتى هبط عليه أمين الوحى وهو يرفع إليه سورة {هل اتى} وفيها اجمل الثناء وعاطر الذكر لأهل البيت قال تعالى : {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْناً يَشْرَبُ بِها عِبادُ اللهِ يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً * وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً} [الإنسان: 5-9] لقد شكر الله سعيهم على هذا الايثار الذي لا نظير له في عالم المبرات والاحسان وأورثهم في دار الآخرة الفردوس يتقلبون في نعيمه وجعل ذكرهم خالدا وحياتهم قدوة وجعلهم أئمة للمسلمين حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وبهذا ينتهي بنا المطاف عن بعض الآيات التي نزلت في حق أهل البيت وهي من دون شك تتناول الامام الحسن (عليها السلام) وتدل على خطورة شأنه وسمو منزلته عند الله.