فكرة تاريخية عن علم المياه
المؤلف:
د. سعدية عاكول الصالحي، د. عبد العباس فضيخ الغريري
المصدر:
البيئة والمياه
الجزء والصفحة:
ص 20 ـ 22
2025-12-18
39
مر علم المياه بعدت مراحل تطورية إلى أن وصل إلى وضعه الحالي ونستدل من خلال الاكتشافات الأثرية والوثائق التاريخية الدور الفعال الذي يلعبه المياه ومشاكله في حياة الشعوب منذ القديم، كالمصريين والإغريقيين والرومان ، وخلال تلك الفترات كان تفسير ظهور الينابيع والوديان والأنهار ، ونشوء المياه الجوفية وقوانين حركتها ، مبنية على التخمين والسحر والشعوذة أو مبنية على أسس المعتقدات الدينية السائدة كالهندوسية أو اليهودية ، وجزء صغيرة منها مبنية على قياسات علمية دقيقة لبعض العوامل الهيدرولوجية ، وقد ظهرت في تلك الفترات الكثيرة من الأفكار التي أوصلتنا لكثير من الحقائق في مجال علم المياه التي تم إثباتها بالوقت الحاضر بعد تطبيق أحدث الطرق العلمية واستخدام الكثير من الوسائل المتطورة في هذا المجال فمثلاً فسر الفيلسوف أرسطو في عام (322-384) قبل الميلاد ميكانيكية هطول الأمطار ثم جاء العالم فيتروفيوس بعد ثلاثة قرون من أرسطو وأكد على أن أصل الينابيع يتصل بالهطول المطري ، أما ليونارد دافينش فجاء في الفترة ما بين (1452-1519) بفكرة متضاربة مع العلماء الآخرين عن الدورة المائية في الطبيعة ولكنه جاء بشرح وتفسير أدق من سابقيه عن مبادئ حركة المياه في القنوات المفتوحة.
ثم جاء العالم باليس في الفترة ما بين (1510-1590) وأكد بشكل قطعي أن مصدر المياه الوحيد للينابيع والأنهار هو الأمطار وهذا التطور الحاصل في علم المياه استمر حتى أواخر القرن السابع عشر حيث ظهرت النظريات التي تفسر الدورة المائية في الطبيعة والتي كانت تتقدم تارة و وتتعثر تارة أخرى إلى أن تكللت التجربة بالنجاح من خلال ابحاث ومجهودات ثلاثة من العلماء هم , Edmund Hally de Maiotte, Perrault Pierre ( فعمل الاثنان) Hally Mariotte على حوض نهر السين وأظهر أن الأمطار هي التي تحدت الجريان في هذا النهر المائي وأفكارهم جاءت معارضة لأفكار علماء سبقوهم ، أما العالم الثالث ( Pierre ) الفلكي البريطاني أوضح أن التدفق المائي الكلي في الينابيع والأنهار ناتج من تبخر مياه المحيطات والبحار، وعلى هذا الأساس يعتبر هؤلاء العلماء الثلاثة هم المؤسسين لعلم الميه لاكتشافهم كيفية تكوين الدورة المائية في الطبيعة . وفي القرن الثامن عشر حدث تقدم وتطور سريع وهائل في مجال علم المياه ، وبمجيء القرن التاسع عشر شهد علم المياه تطوراً آخر بسبب استخدام أسلوب القياس والقيام بالقياسات الدورية المنتظمة لتدفق المياه في الأنهار فتم قياس مياه نهر الراين الأعلى بالقرب من مدينة بازل عام (1809م) ونهر التيبر في روما سنة (1825م) ونهر الجارون سنة (1837م) ، ثم ظهرت بعد ذلك معادلة ما نتج لقياس معدلات التدفق المائي والطريقة النسبية لتقدير معدلات التدفق المائي وكلها تعتبر انجازات عظيمة في مجال دفع عجلة هذا العلم إلى الأمام.
وحصل تطور كبير في علم المياه عندما حاول العالم البريطاني ويليام سميت بتطبيق الأسس الخاصة بعلم دراسة الطبقات مباشرة على عمليات استغلال المياه الجوفية سنة (1802م) وجاء بعد ذلك العالم الفرنسي دارسي (Darcy) سنة 1956م ليضع الأسس النظرية لحركة المياه الجوفية في تقريره عن ( نظام امداد المياه لمدينة ديجون بفرنسا ). وأكمل دراسة دارسي في مجال المياه الجوفية العام ديبوي (Dupuit) والعالم الألماني تيم (Thiem) والذي تركزت أبحاثهم على مشاكل سريان وتدفق المياه الجوفية في اتجاه الآبار ، ثم جاء أخيراً العالم النمساوي (Forchheimer) والذي أضاف مبادئ التحليل الرياضي لحل مشاكل المياه الجوفية ، وأول كتاب في مجال علم المياه تم نشره في القرن التاسع عشر سنة (1862م) والذي عرف باسم (Manual of Hydrology) وهو تفسير لكتاب باسم جداول الهيدروليكا (Hydraulic tables) والذي نشر سنة (1850م) .
أما الكتاب الآخر فصدر سنة 1904م من قبل العالم الأمريكي (دانيل ميد) بجامعة ويسكنس وهي مذكراته الجامعية عن علم المياه التي كان يحاضرها على الطلبة وأصبحت فيما بعد أول كتاب جامعي في هذا العلم يستخدم لحد الآن.
والتقدم الهائل حصل في علم المياه بالقرن العشرين خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي فخلال الثلاثينات من هذا القرن خصصت أمريكا ميزانية ضخمة لدراسة مشاريع كبرى في مجال الحفاظ على الموارد المائية والري والسيطرة على الفيضانات، وعدت هذه الفترة العصر الذهبي الأول في علم المياه على حد قول العالم (Eagleson) أما العصر الذهبي الثاني فكان عندما أدخلت المعدات والتقنيات الحديثة وسخرت لمجالات البحث في علوم الأرض لخدمة الأغراض العسكرية في الحرب العالمية الثانية وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية ومنها تقنيات استخدام أجهزة الاستشعار عن بعد في هذا العلم ، والآن علم المياه في حركة وتطور مستمر حيث تم إدخال مفاهيم وقوانين وتوجهات جديدة وظفت في دراسة مختلف المواضيع التي يتناولها هذا العلم.
الاكثر قراءة في جغرافية المياه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة